6- آدابُ الصــيام
عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ الله ﷺ قَالَ: «الصِّيامُ جُنَّةٌ، فإذا كَانَ أَحَدُكُم صَائِماً فلا يَرْفُثْ ولا يَجهَلْ، فَإِنْ امْرُؤٌ شَاتَمَه فَلْيَقُلْ: إنِّي صَائِمٌ، إني صَائِم» رواه الشيخان( ).
وفي رِوايَةٍ: «وإِذا كَانَ يَوْمُ صَوْمِِ أَحَدِكُمْ فلا يَرفُثْ ولا يَصْخَبْ فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أو قَاتَلَه فَلْيَقُلْ: إنِّي امْرؤٌ صَائِم»( ).
وفي رِوايَةٍ: «لا تُسَابَّ وَأَنْتَ صَائِمٌ، وَإِنْ سَابَّكَ أَحَدٌ فقُلْ: إنِّي صَائِم، وَإِنْ كُنتَ قَائِماً فاجْلِس»( ).
وعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: «مَنْ لَم يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ وَالجَهْلَ فَلَيسَ لله حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ» رواه البخاري( ).
المُرَادُ بِقَولِ الزُّوُرِ: الكَذِب، وبالجَهْلِ: السَّفَه، وبالعَمَلِ بِهِ: العَمَلُ بِمُقْتَضَاهُ( ).
وعَنْ عَائِشَةَ رَضيَ اللُه عَنْهَا عَنْ النَّبيِّ ﷺ قَالَ: «الصِّيامُ جُنَّةٌ مِنَ النَّار، فَمَنْ أَصْبَحَ صَائِماً فلا يَجْهَلْ يومَئِذٍ، وإِنْ امْرُؤٌ جَهِلَ عَلَيهِ فلا يَشْتُمْهُ، ولا يَسُبُّه، وَلْيَقُلْ: إِني صائِم...» رواه النسائي ( ).
وعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ t: «أَنَّهُ كَانَ وأَصْحَابُهُ إِذَا صَامُوا قَعَدُوا في المَسْجِدِ، وقَالَوا: نُطَهِّرُ صِيَامَنَا»( ).
الفوائد والأحكام:
الأول: أَنَّ الصِّيامَ سَبَبٌ للوِقَايَةِ مِنَ النَّارِ؛ لأن فيه كَفَّاً عَنْ الشَّهوَاتِ، والنَّارُ حُفَّتْ بالشَّهَوَات.
الثاني: تَحْريمُ الرَّفَثِ على الصَّائِمِ، والرَّفَثُ هُوَ الكَلامُ الفَاحِشُ، ويُطلَقُ على الجِماعِ ومُقدِّمَاتِهِ( )، وكُلُ ذَلكَ يُنهَى عنه الصَّائِمُ، إِلَّا القُبلَةَ والمُبَاشَرَةَ لمن يَمْلِكُ شَهوَتَه.
الثالث: تَحريمُ أَفْعَالِ الجَاهِلِينَ على الصَّائِمِ؛ كالصِّياحِ والسَّفَهِ والجِدَالِ بالباطِلِ ونَحْوِ ذَلكَ.
الرابع: إذا ابْتُلِيَ الصَّائِمُ بِمَنْ يَصيحُ عليْهِ ويَسُبُهُ ويَشتُمُهُ فَيَنبغِي لَه ما يلي:
1- أَنْ لا يُقَابِلَ من بَدَأَهُ بذَلكَ بالمثلِ؛ بل يَتَحَلَّى بالحِلْمِ والصَّبرِ.
2- أَنْ لا يُكلِّمَهُ حتى لا يُخطِيءَ عَليهِ، وَقَدْ جَاءَ في بَعْضِ الرِّواياتِ: «وإنْ شَتَمَهُ إِنسَانٌ فلا يُكَلِّمْهُ»( ).
3- أَنْ يَرُدَّ عليه بقولِهِ «إنِّي صَائِمٌ» يَقُولُها جَهْرَاً يُخاطِبه بها لِيَردَعه عَنْ غَيِّه، وليُبَيِّنَ له العُذْرَ في عَدَمِ الرَّدِّ عليه، سَوَاءٌ كَانَ الصِّيامُ فَرِيضَةً أم كَانَ نَفْلاً( ).
4- إذا لم يَنزَجِرْ خَصِيمُه فيُكَرِّرُ عليهِ قوله « إني صَائِم»؛ ولذَا جَاءَتْ مُكَرَرةً في الحَدِيثِ «فليقل: إني صائِم، إني صائِم».
5- إِنْ كَانَ الصَّائِمُ قَائمَاً وأَمْكَنَهُ الجُلُوسُ فَإِنَّهُ يَجلِس؛ أَخذَاً بالرِّوَايَةِ الأُخْرَى، ولِكَيْ يَسْكُنَ غَضَبُهُ، ولِيقْطَعَ الحِيلَةَ عَلَى خَصِيمِهِ وعلى الشَّيْطَان.
الخامس: لا يُفْهَمُ مِنْ هَذِهِ الأَحَادِيثِ أَنَّ الشَّتْمَ والسَّفَهَ، والجِدَالَ بالبَاطلِ وغَيرَ ذَلكَ مِنْ أَفعَالِ الجَاهِلِينَ مُباحَةٌ في حَالِ الفِطْرِ؛ بل هيَ دَائِرَةٌ بينَ التَّحْريمِ والكَرَاهَةِ بِحَسَبِهَا؛ لكنْ يَتأكَّدُ النَّهيُ عنها حَالَ الصِّيامِ؛ لأَنَّها تُنَافي المَقصُودَ منه( ).
السادس: عِظَمُ الشريعَةِ الإِسلاميَّةِ وشُمُولِيتُها، وتَربِيَتُهَا لأَتبَاعِهَا على مَكارِمِ الأَخْلاقِ، وبَيانُ كَيْفيَّةِ التَّعامُلِ مع الجَاهِلِين، فالحَمْدُ لله الَّذي شَرَعَهَا وهَدَانا لها.
السابع: إذا هُوجِمَ الصَّائِمُ مِمَّنْ يُريدُ الاعتِداءَ عَلَيهِ بِاليَدِ ضَرْباً أو قَتْلاً فَحُكمُهُ حُكمُ الصَّائِلِ، يَدفَعُهُ بِالأخَفِّ فالأَخَفِّ، وليسَ الصَّائمُ مَنْهِيَّاً عَنْ رَدِّ هذا النَّوعِ من الاعْتِدَاءِ عَليْه( ).
الثامن: أَنَّ الصَّومَ المقْبولَ حَقاً هو صَومُ الجَوارِحِ عَنْ الآثَامِ، واللِّسانِ عَنْ الكَذِبِ والفُحْشِ، والبطنِ عَنْ الطَّعامِ والشَّرابِ، والفَرْجِ عَنْ الرَّفَثِ ومُبَاشَرَةِ النِّساء( ).
التاسع: جُمْهُورُ العُلَماءِ عَلى أَنَّ مَنْ وَقَعَ في الغِيبَةِ أَو قَوْلِ الزُّورِ أَو الجَهْلِ فَلا يُفْطِرُ بِذَلِكَ لَكنْ يَنْقُصُ أَجْرُ صِيَامِهِ، ويَأْثَمُ بِارْتِكَابِ هَذِهِ المُحَرَّمَاتْ( ).
العاشر: في هَذَا الحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الغَرَضُ مِنْ إِيجَابِ الصَّومِ لَيْسَ نَفْسَ الجُوعِ والظَّمَأ، بَلْ مَا يَتْبَعُهُ مِنْ كَسْرِ الشَّهْوَةِ، وإِطْفَاءِ ثَائِرَةِ الغَضَبِ، وَقَمْعِ النَّفْسِ الأَمَّارَةِ بالسُّوءِ، وتَطْويعِهَا لِلنَّفْسِ المطْمَئِنَّةِ، فَإِذَا لَم يَتَحَقَّقْ ذَلكَ بالصَّوْمِ فَوُجُودُ الصَّوْمِ كَعَدَمِهِ؛ لِعَدَمِ تَأْثِيرِهِ في نَفْسِ صَاحِبِهِ( ).
الحادي عشر: في الحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلى أَنَّ الْكَذِبَ والزُورَ أَصْلُ الفَوَاحِشِ، ومَعْدِنُ النَّوَاهِي؛ ولِذلكَ قُرِنَ بالشَّرْكِ، في قَوْلِ الله تَعالَى [فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ] {الحج:30} وقَدْ عُلِمَ أَنَّ الشِّرْكَ مُضَادٌ للإِخْلاصِ، وللصَّوْمِ مَزِيدُ اخْتِصَاصٍ بِالإِخْلاصِ فَيَرْتَفِعُ بما يُضَادُهُ( ).