4- من فضائلِ رمضان
عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: «إذا دَخَلَ شَهرُ رَمَضَانَ فُتِحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَغُلِّقَتْ أَبوَابُ جَهَنَّمَ، وسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ» رَوَاهُ الشَّيخَان( ).
وفي رِوَايَةٍ : «إذا كَانَ أَوَّلُ ليْلَةٍ من شَهرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّياطِينُ ومَرَدَةُ الجِنِّ، وغُلِّقَتْ أبوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ منْهَا بَابٌ، وفُتِحَتْ أَبوَابُ الجَنَّةِ فلمْ يُغْلَقْ منْها بَابٌ، ويُنَادِي مُنَادٍ: يا بَاغِيَ الخَيرِ: أَقْبِلْ، ويا بَاغِيَ الشَّر: أَقْصِرْ، ولله عُتَقَاءُ مِنَ النَّار وذَلكَ كُلَّ لَيْلَةٍ»( ).
- قَولُه: يا بَاغِيَ الخَيرِ أَقْبِل، مَعنَاهُ: يا طَالِبَ الخَيرِ أَقْبِلْ عَلى فِعْلِ الخَيْرِ فَهَذَا وَقْتُكَ فَإِنَّك تُعْطَى جَزيلاً بِعمَلٍ قَلِيلٍ، ويا طَالِبَ الشَّرِّ أَمْسِكْ وتُبْ فَإِنَّهُ أَوَانُ التَّوبَة( ).
وفي رِوَايَةٍ أُخْرى قَالَ النَّبيُّ ﷺ يُبَشِّرُ أَصْحَابَهُ رَضيَ الله عَنْهُم: «أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهرٌ مُبارَكٌ فَرَضَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ صِيَامَهُ، تُفَتَّحُ فيه أَبوَابُ السَّمَاءِ، وتُغْلَّقُ فِيهِ أَبْوَابُ الجَحِيمِ، وتُغَلُّ فيه مَرَدَةُ الشَّياطِينِ، لله فيهِ لَيلَةٌ خَيرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيرَهَا فَقَدْ حُرِم»( ).
وعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَوْ أَبي سَعِيدٍ رَضيَ الله عَنْهُمَا قَالَا: قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: «إِنَّ لله عُتَقَاءَ في كُلِّ يَوْمٍٍ ولَيلَةٍ، لكُلِّ عَبدٍ مِنْهُم دَعوَةٌ مُستَجَابَةٌ» رواه أحمد( ).
وعَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: «إنَّ لله عِنْدَ كُلِّ فِطْرٍ عُتَقَاءَ، وذَلكَ كُلَّ لَيلَة» رواه ابن ماجه( ).
الفوائد والأحكام:
الأول: فَضيلَةُ شَهْرِ رَمَضَانَ حَيثُ تَقعُ فيهِ هَذهِ الأعْمَالُ العَظيمَةُ مِنْ فَتْحِ أَبوَابِ الجَنَّةِ، وغَلْقِ أبوَابِ النَّارِ، وسَلْسَلَةِ الشَّياطِينِ، وأنَّ ذَلكَ يَقَعُ في أَوَّلِ لَيلَةٍ من رَمَضَانَ ويَستَمِرُّ كَذَلكَ إلى آخِرِ الشَّهْر.
الثاني: دَلَّ الحَدِيثُ الأَوَّلُ عَلى أنَّ الجَنَّةَ والنَّارَ مَخلُوقَتَانِ، وعلى أَنَّ فَتْحَ أَبوَابِهما أَوْ غَلْقِهَا على الحَقِيقَةِ( ).
الثالث: أنَّ المَواسِمَ الفَاضِلةَ وما يَعمَلُ العِبَادُ فيهَا مِنْ أَعْمالٍ صَالِحةٍ سَبَبٌ لِرِضَى الله تَعَالَى، ويَنْتُجُ عَنْ ذَلكَ: فَتْحُ أَبْوَابِ الجَنَّةِ، وغَلقُ أَبْوابِ النَّارِ.
الرابع: أَنَّ التَّبشِيرَ بِقُدُومِ رَمَضَانَ والتَهْنِئةَ بإِدْرَاكِهِ مَشْرُوعٌ، فَقَدْ كَانَ النَّبيُّ ﷺ يَذْكُرُ هَذهِ المَزَايا في رَمَضَانَ؛ تَبشِيراً لِأصْحَابِهِ، وحَثاً لَهم على أَعْمَالِ البِرِّ فِيهِ، وهَكَذا التَّبشِيرُ بِكُلِّ خَيْرٍ.
الخامس: أَنَّ مَرَدَةَ الشَّياطينِ تُسَلْسَلُ فِيهِ، فَيَضْعُفُ تَأْثيرُهَا عَلى بَني آدَمَ بما يَقُومُونَ بهِ مِنْ أَعْمالٍ صَالحةٍ فيهِ.
السادس: فَضْلُ الله تَعَالى، وإِحْسَانُهُ لعِبَادِهِ؛ إِذْ يَحْفَظُ لهم صِيَامَهُمْ، ويَدْفَعُ عَنْهُم أَذَى المَرَدَةِ مِنَ الشَياطِين؛ لِئَلا يُفْسِدُوا عَلَيْهِم عِبَادَتَهُمْ في هَذَا الشَهْرِ المبَارَكِ( ).
السابع: إِثْبَاتُ وُجُودِ الشَياطِين، وَأَنَّهم أَجْسَامٌ يُمْكِنُ شَدُّهَا بِالأَغْلالِ، وَأَنَّ مِنْهُم مَرَدَةً يُغَلُّونَ بِالأَغْلالِ في شَهْرِ رَمَضَانَ( ).
الثامن: مَا اخْتُصَ بِه رَمَضَانُ مِنْ هَذِهِ الخصَائِصِ العَظِيمَةِ يَنَالُهُ المؤْمِنُونَ الَّذِينَ عَظَّمُوا رَمَضَانَ، وقَامُوا بِحَقِّ الله تَعَالى فِيهِ، وَأَمَا الكُفَّارُ الَّذِينَ يَسْتَحِلُّونَ الإِفْطَارَ فيه، ولا يَرَوْنَ له حُرْمَةً، فَلا تُفْتَحُ لهم فيه أَبْوابُ الجنَّةِ، ولا تُغْلَقُ عَنْهُمْ فيه أَبْوابُ النَّارِ، ولا تُصَفَّدُ شَيَاطِينُهُم، ولا يَسْتَحِقُّونَ العِتْقَ مِنَ النَّارِ( ). وعَلَيهِ فَإِنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُم في رَمَضَانَ أَوْ في غَيْرِهِ فَهُوَ مُسْتَحِقٌّ لِعَذَابِ الله تَعَالى ونَائِلُهُ.
التاسع: مَنْ شَابَهَ الكُفَّارَ مِنَ المسْلِمِينَ في انْتِهَاكِ حُرْمَةِ الشَّهْرِ، وَإِتْيَانِ المفْطِرَاتِ، أَوْ فِعْلِ مَا يُبْطِلُ الصَّيامَ أَوْ يُنقِصُ أَجْرَهُ مِنَ الغِيبَةِ والنَّمِيمَةِ، وَقَوْلِ الزُّورِ وَشُهُودِ مَجالِسِهِ، فَيُخْشَى عَلَيْهِم مِنْ فَوَاتِ هَذا الفَضْلِ العَظِيمِ، وَأَنْ تُغْلَقَ دُونَهُم أَبْوابُ الجنَّةِ، وَأَنْ تُفْتَحَ لَهُمْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَأَنْ تُطْلَقَ شَيَاطِينُهُم.
العاشر: لا يُنافي فَتْحُ أَبْوابِ الجنَّةِ، وإِغْلاقُ أَبْوابِ النَّارِ في رَمَضَانَ قَـوْلَ الله تَعَالى: [جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الأَبْوَابُ] {ص:50} لأَنَّ ذَلكَ لا يَقْتَضي دَوَامَ كَوْنِهَا مُفَتَّحَةً؛ ولأَنَّ الآيَةَ تُخبِرُ عَنْ يَوْمِ القِيَامَةِ، ولا يُنَافي كَذَلكَ قَوْلَهُ تَعَالى في شَأْنِ النَّارِ [حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا] {الزُّمر:71} لجَوَازِ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ غَلْقٌ لأَبْوابِ النَّارِ قَبْلَ ذَلكَ( ).
الحادي عشر: فَضِيلَةُ لَيلَةِ القَدْرِ، وَأَنَّها خَيرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ لَيْسَ فيهَا لَيْلَةُ القَدْرِ، وأَنَّ مَنْ ضَيَّعَها فَهُوَ مَحرُومٌ مِنْ خَيْرٍ عَظِيم.
الثاني عشر: أنَّ لله تَعَالَى عُتَقَاءَ مِنَ النَّارِ في كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، وأَوْلَى النَّاسِ بِالعِتقِ مِنَ النَّارِ مَنْ صَامَ فَصَانَ الصِّيامَ، وقَامَ فَأَحْسَنَ القِيَام، وأَكثَرَ مِنَ الأَعمَالِ الصَّالِحة؛ مَحَبةً لله تَعَالَى، ورَجَاءً لِثَوَابِهِ، وَخَوْفاً مِنْ عِقَابِهِ.
الثالث عشر: أنَّ لِهَؤلاءِ العُتَقَاءِ مِنَ النَّارِ دَعَوَاتٍ مُستَجَابةً عِنْدَ الله تَعَالَى، فَجَمَعَ اللُه تَعَالَى لهُم بَينَ أَجْرَينِ عَظِيمَينِ: العِتقِ من النَّار، واسْتِجَابَةِ دُعَائِهِم.
الرابع عشر: أَنَّهُ يَنبَغِي للمُسلِم المُحافَظَةُ على صِيَامِهِ مما يُبْطِلُهُ أو يُنقِصُ أَجْرَهُ، وحِفْظُ سَمعِهِ وبصَرِهِ ولسَانِهِ مما حَرَّمَ الله عزَّ وجَلَّ عَلَيه؛ لِيَنَالَ العِتْقَ مِنَ النَّار.
الخامس عشر: أَنَّهُ يَنبَغِي للصَّائِمِ الإكثَارُ مِنَ الدُّعاءِ؛ لأنَّ دَعوَةَ الصَّائِمِ مَرْجُوَّةُ الإِجَابَةِ.