أمر الله تعالى عباده باتباع نبيه صلى الله عليه وسلم، وأوجب عليهم طاعته. وسبيل العبد للوصول إلى تحقيق ذلك هو التعرف على هديه صلى الله عليه وسلم، والحال التي كان عليها صلى الله عليه وسلم في شأنه كافة. وليس بخافٍ على مسلم أن الهدي النبوي هو أكمل ما عُرف من هدي وأعظمه، وأنه بمقدار قرب العبد منه صلى الله عليه وسلم وعمله بمثل عمله صلى الله عليه وسلم يتدرج في سلم الوصول إلى العلا، ويصعد في مراقي الكمال البشري.
ولما كان شهر رمضان من أعظم مواسم الإسلام وأجلها، ومن أكثر الفرص السانحة أمام العبد لكي يتقرب من الله تعالى وينال رضاه، كانت هذه المحاولة للتعرف على هديه صلى الله عليه وسلم في رمضان، علّها تكون دليلاً للعاملين ونبراساً للسائرين، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت وإليه أنيب. وخشية من طول الموضوع [*]، ولأن المراد الإشارة مع نوع تركيز على الجوانب التي تهم المسلم عملاً ودعوة فسأجعل الموضوع مقتصراً على محاور أربعة:
أولاً: حاله صلى الله عليه وسلم مع رمضان قبل قدومه: كان صلى الله عليه وسلم شديد الزهد في الدنيا عظيم الرغبة فيما عند الله تعالى والدار الآخرة، وخير دليل على ذلك: قيامه صلى الله عليه وسلم عملياً بالاستعداد للأمر وتهيئته النفس لاستقبال رمضان مقبلة على الخير، نشيطة في الطاعات؛ لتغتنم الفرصة كاملة، وتهتبل الموسم كله. هكذا كان هدي سيد الورى صلى الله عليه وسلم مع رمضان؛ إذ قام صلى الله عليه وسلم بالعديد من الأمور قبله، لعل من أبرزها:
* إكثاره صلى الله عليه وسلم من الصيام في شعبان [1]. قالت عائشة: «لم أره صائماً من شهر قط أكثر من صيامه من شعبان، كان يصوم شعبان كله، كان يصوم شعبان إلا قليلاً» [2].
* تبشيره صلى الله عليه وسلم أصحابه بقدومه وتهيئتهم للاجتهاد فيه بذكر بعض خصائصه وتضاعف الأجور فيه؛ ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادي منادٍ: يا باغي الخير أقبل! ويا باغي الشر أقصر! ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة» [3].
* بيانه صلى الله عليه وسلم لأصحابه بعض الأحكام الشرعية المتعلقة بالصيام: وفي هذه المقالة جملة من ذلك.
* عدم دخوله صلى الله عليه وسلم في صيام رمضان إلا برؤية شاهد أو إتمام عدة شعبان ثلاثين، عن ابن عمر قال: «تراءى الناس الهلال فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته فصامه، وأمر الناس بصيامه» [4]. فأين أنت من التهيؤ لرمضان قبل نزوله، فهو ضيف غنيمة لهذه الأمة، ينزل عليهم، فيذكر غافلهم، ويعين ذاكرهم، وينشِّط عالمهم، ويشحذ همهم للطاعات، فتمتلئ مساجدهم، وتجود نفوسهم، وينتصر مجاهدهم... فما أحقه بأن تعدّ العدة لاستقباله!