48- ما يُـباحُ للمعتـكف
عن عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْهَا: «أنها كانت تُرَجِّلُ النبيَّ ﷺ وهي حَائِضٌ وهُوَ مُعْتَكِفٌ في المَسْجِدِ وَهِيَ في حُجْرَتِهَا يُنَاوِلُها رَأسَهُ» رواه الشيخان.
وفي رواية لمسلم: «وكانَ لا يَدخُلُ البَيتَ إلا لحَاجَةِ الإِنسَان».
وفي رِوايَةٍ لأَبِي دَاودَ عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ الله ﷺ يَكُونُ مُعْتَكِفَاً في المَسْجِدِ فَيُنَاوِلُنِي رَأْسَهُ من خَلَلِ الحُجْرَةِ فَأَغْسِلُ رَأْسَهُ».
وفي رِوَايَةٍ: «فَأُرَجِّلُه وأنا حَائِض»( ).
وعَنْهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهَا عَنِ النَّبيِّ ﷺ «أَنَّهُ كَانَ إذَا اعْتكَفَ لم يَدخُلْ بَيتَهُ إلا لِحَاجَةِ الإنسَانِ التي لابدَّ مِنهَا» رواه النسائي( ).
وعَنْهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: »إنِّي كُنتُ لأدْخُلُ البَيتَ للحَاجَةِ والمَرِيضُ فيه فَما أَسأَلُ عَنْهُ إلاّ وأنَا مَارَّة» رواه مسلم( ).
وقالت رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: »السُّنَّةُ على المُعتَكِفِ ألا يَعُودَ مَريضَاً، ولا يَشهَدَ جَنَازَة، ولا يَمَسَّ امرَأةً، ولا يُبَاشِرَهَا، ولا يَخرُجَ لحَاجَةٍ إلا لما لابدَّ مِنه، ولا اعْتِكَافَ إِلا بِصَومٍ، ولا اعْتكَافَ إِلا في مَسجِدٍ جَامِع» رواه أبو داود( ).
الفوائد والأحكام:
الأول: أنَّ الحَائِضَ طَاهِرَةٌ غَيرُ نَجِسَةٍ إِلَّا مَوضِعَ الحَيضِ مِنهَا( )، وكَذَا الجنُبُ مِنْ بَابِ أَوْلَى( ).
الثاني: أنَّ خُرُوجَ جُزءٍ من جِسمِ المُعتَكِفِ خَارِجَ الَمسجِدِ لا يُسَمَّى خُرُوجَاً، ولا يُؤثِّرُ في الاعْتكَافِ، كما لَو أَرَادَ أَخَذَ شَيءٍ أَو مُنَاوَلَتَهُ مِنْ نَافِذَةِ المَسجِدِ أو بَابِهِ فلا حَرَجَ في ذَلِك كُلهِ( ).
الثالث: مَشرُوعِيَّةُ غَسْلِ رَأسِ المُعتَكِفِ، وتَرجِيلِ شَعْرِهِ، والتَّطَيُّبِ والغُسلِ والحَلق والتَّزَيْن( ).
الرابع: أنَّ النَّبي ﷺ كَانَ ذَا شَعرٍ كَثِيفٍ.
الخامس: أنَّ من لَه شَعرٌ كَثِيفٌ فَالسُّنَّةُ في حَقِّه العِنَايَةُ بِنَظَافَتِهِ وتَرجِيلِهِ، ولَيسَ منَ السُّنَّةِ ولا مِنَ الشَّرِيعَةِ ما خَالَفَ النَّظَافَةَ وحُسنَ الهَيئَةِ في اللِّباسِ والزِّينَةِ( ).
السادس: يُسْتَفَادُ مِنْ تَرْجِيلِ شَعْرِهِ عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ جَوَازُ اسْتِعْمالِ الإِنْسَانِ كُلَّ مَا فيهِ صَلاحُ بَدَنِهِ مِنَ الغِذَاءِ والادِّهَانِ وغَيرِه( ).
السابع: أنَّه يَجُوزُ لِلمُعتَكِف نَظَرُهُ إلى زَوجَتِهِ، ولَمسُهَا شَيئاً مِنه بغَيرِ شهْوَة( ).
الثامن: مَشرُوعِيَّةُ خِدمَةِ الزَّوجَةِ لِزوجِهَا بِغسْلِ رَأسِهِ وتَرجِيلِهِ، وغسلِ ثِيابِهِ، وغَيرِ ذَلك( ).
التاسع: أنَّه لا يَجوزُ لِلمُعتَكِفِ الخُروجُ منَ المَسجِدِ إلا لِلحَاجَةِ الاعْتِيَادِيَّة من البَولِ والغَائِطِ، أو الأَكلِ والشُّربِ إِنْ لم يَتَيَسَّرْ له من يُحضِرُهُ له في المسْجِدِ، وهكذا كلُّ شَيءٍ لابُدَّ له مِنه ولا يُمكِن فِعلُهُ في المَسجِدِ فَلَه الخُروجُ لأَجلِهِ ولا يَفْسُدُ اعْتِكَافُه( ).
العاشر: أنَّ من حَلَف لا يَدخُلُ بَيتاً فَأدْخَلَ رَأْسَهُ فيه، وسَائِرُ بَدَنِهِ خَارِجَهُ لم يَحنَث( ).
الحادي عشر: إذا خَرَجَ المُعتَكِفُ لحَاجَتِهِ الضَّرُورِيَّةِ فلا يَلْزَمُه أن يَسْتَعْجِلَ في مَشيِهِ بل يَمْشِي عَلى عَادَتِهِ؛ ولكن يَجِبُ علَيهِ الرُّجُوعُ فَورَ قَضَاءِ حَاجَتِهِ( ).
الثاني عشر: لا يَخرُجُ المعْتكِفُ لِعِيَادَةِ المريضِ أَوْ شُهُودِ جَنازَةٍ، وَهُو قَولُ الجمْهُورِ( )، وله أَنْ يَسْأَلَ عَنِ المرِيضِ وَهُو مَارٌّ ولا يُعَرِّجُ عَلَيهِ( ).
الثالث عشر: لَوْ خَرَجَ لِعُذْرٍ ضَرُورِيّ كَمَوْتِ وَالِدِهِ أَوْ ابْنهِ، وَهُو لم يَشْتَرِطْ، فَإِنهُ يَسْتَأْنِفُ اعْتِكَافَهُ بَعْدَ انْتهَاءِ حَاجَتِه( ).
الرابع عشر: في الحَدِيثِ اسْتِقْرَارُ المرْأَةِ في بَيتِ الزَّوْجِ، وإِنْ لم يَكُنْ لَه حَاجَةٌ في الدُّخُولِ إِليهَا، أَوْ كَانَ له مَانِعٌ شَرْعيٌّ يَمْنَعُهُ مِنْ بَيتهِ كَالسَّفَرِ والاعْتكافِ، ولا تَخرُجُ زَوْجتُهُ مِنْ بَيتهِ إِلَّا بإِذْنه( ).
الخامس عشر: إذا خَرَجَ من مُعْتَكَفِهِ بِلا حَاجَةٍ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ( ).
السادس عشر: أَنَّ مَسأَلَتي اشتراطِ الصَّومِ في الاعْتِكَافِ، وكَونِ الاعْتِكافِ في المسْجِدِ الجَامِع محَلُ خِلافٍ بَينَ العُلَماءِ، والصَّوَابُ أنَّ الاعْتِكَافَ لا يُشْتَرَطُ له الصَّومُ؛ لأنَّ النَّبيَّ ﷺ اعْتَكَفَ في شَوَّال، ويَجوزُ في المَسجِدِ الذي تُقَامُ فيه الجَمَاعَةُ دُونَ الجُمعَة، ويَخرُجُ لِصَلاةِ الجُمُعَةِ ولا يَبطُلُ اعْتِكَافُه بذلك، وإنْ كَانَ الأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ اعْتِكَافُه في المَسجِدِ الجَامِع( ).