عصى إبليس عليه اللعنة أمر الله جل جلاله، وأبى أن يسجد لآدم، فأخرجه الله جل جلاله، من رحمته، فَوَظَّفَ نفسه وظيفةً حَكَمَ كُل من يعمل بها على نفسه بالهلاك والخسران المبين، ألا وهي محاربة الله تعالى الخالق، والصد عن دينه، وإبعاد الناس عن الحق، وصرفهم إلى المعاصي والمحرمات.
وقد أعلن الملعون وظيفته هذه على الملأ معانداً فيها الخالق جل جلاله صاحب العظمة والكبرياء، قال تعالى على لسانه: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ }(ص 82)، وقال:{قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} (الأعراف 16-17) .
أساليبه في العمل
اتخذ الملعون إشكالاً عدة، وطرق كثيرة جداً في عمله الخبيث هذا ، حيث استخدم أساليب ماكرة وخططاً قذرة وحبائل ودسائس لإيقاع الناس في معصية الخالق جل جلاله، فها هو يقول كما ورد في القرآن الكريم: {ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} (الأعراف 17).
ذكر ابن الجوزي رحمه الله عن ثابت البناني قال : بلغنا أن إبليس عليه اللعنة ظهر ليحيى بن زكريا عليهما السلام، فرأى عليه معاليق من كل شيء، فقال يحيى عليه السلام: يا إبليس، ما هذه المعاليق التي أرى عليك؟ قال: هذه الشهوات التي أصيد بهن ابن ادم، فقال يحيى عليه السلام: فهل لي من شيء؟ قال: ربما شَبِعتَ فثقلناك عن الصلاة، وثقلناك عن الذكر . فقال عليه السلام: فهل غير ذلك ؟ قال الملعون : لا والله، فقال عليه السلام: لله علي أن لا أملأ بطني من طعام أبداً، فقال إبليس : ولله علي أن لا أنصح مسلماً أبداً ) .
ومن هذه الأساليب الخبيثة
1- تزيين الأعمال :-
وهذه من أهم طرقه لعنه الله في صدور الناس، وأكثرها شيوعاً، فهو يُزين ويُنمق لهم المنكر حتى يبدو كأنه عمل صالح، بإعطائه أسماء جميلة ، أو ألفاظ معسولة، أو ألوان زاهية ، فينخدع بها الكثير من الناس، فسمى -مثلاً- الربا "فائدة"، و الفحشاء "حرية"، والمنكر "تحضر" .... وغيرها الكثير ... حتى أصبح الكفر مباحاً وكأنه شيء عادي ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
قال تعالى على لسان الهدهد: {وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ } (النمل 24 )، وقال : {فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }(الأنعام43 )... وقال تعالى: {وَعَاداً وَثَمُودَ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ } (العنكبوت38) ، وقال تعالى : {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ ...}(الأنفال48).
وعلى العكس أيضاً، فإنه يعمل على تشويه الحق، وإبدائه بصورة غير صورته الجميلة المشرقة، فأعطاه أسماء قبيحة، فسمى الحق "باطلاً" والجهاد "إرهاباً وأصولية" ، وإتباع السنة وما أمر الله به ورسوله "غلواً وتزمتاً في الدين وتطرفاً" ، والحكم بما انزل الله أصبح هو "الاعتداء على حقوق الإنسان" ... أولا يعلم أتباعه أن أول من سن حقوق الإنسان هو الإسلام؟ قال تعالى : {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ }(الإسراء 70).
ويترتب على إتباع هذا التزين قسوة قلب الـمُتَّبِع، وبالتالي خسرانه قال تعالى : {فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } (الأنعام 43 ).
والمهم ما هي نتيجة إتباع هذا التزين ؟
قال تعالى عن هؤلاء الذين قست قلوبهم بعدما زين لهم الشيطان أعمالهم : { فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ(44) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}...
وقد تمثّل يوم بدر بصورة سراقة بن مالك، وقال للمشركين ببدر وقد زين لهم أعمالهم : لا غالب لكم اليوم من الناس ، وإني جار لكم ، فلما تراءت الفئتان وحصحص الحق ، وعاين حدّ الأمر ونزول عذاب الله بِحِزْبِه { نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ } ، فصارت عداته عدو الله إياهم عند حاجتهم إليه غروراً كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه..... فتفكر أخي في هذه العاقبة، فهل ترضاها لنفسك؟؟ وقد قيل:
أعمى يقود بصيراً لا أبا لكم.....قد ضَل من كانت العميان تًهديه