2- التفريق بين الناس :-
والتفريق بين الناس أيضاً من أنجع طرق الغواية لدى هذا الملعون، فيحمل الناس على الكره والبغضاء وإيذاء للآخرين، قال تعالى على لسان يوسف عليه السلام { ِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي }، فكل ما حصل ليوسف عليه السلام مع إخوته كان إبليس الملعون خلفه، بل إن يعقوب عليه السلام حذر ابنه منه من قبل قال تعالى {قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ }.
والشيطان الملعون يُحاول إيجاد الفرقة بين إنسان وآخر، حتى بين الإخوة والقرابة، و يدعوهم إلى التمزق وكره الآخرين، حتى وإن كانوا إخوة، وقد بين الله تعالى ذلك فقال: {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُّبِيناً}الإسراء 53 .
والخالق جل جلاله يدعو إلى الوحدة والتوحيد وحب الآخرين، ويدعو إلى التراحم والتواد، قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } الحجرات 10، وقال تعالى:{وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ }(الحجر 88).
وأخرج الشيخان من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً، وشبك بين أصابعه ) ،
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه مرفوعاً: ( ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى عضوٌ تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى) ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( من لا يَرْحَمْ لا يُرْحَم ) ، وقال عليه الصلاة السلام: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) .
ونهانا جل جلاله عن الفرقة وكره المسلمين وإيذائهم قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً }الأحزاب 58 .
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال عليه الصلاة والسلام: (المسلم اخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة) .
وقال عليه السلام فيما رواه الإمام مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ افشوا السلام بينكم ) ، قال الشاعر:
من يرحم الخلق فالرحمن يرحمه.....ويكشف الله عنه الضر والبأسا
ففي صحيح البخاري جاء متصلاً.. لا يرحم الله من لا يرحم الناسا
وفي التفريق بين الناس، صح عن جابر رضي الله عنه مرفوعاً: ( أن إبليس -عليه اللعنة- يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه فأدناهم منه منزلةً أعظمهم فتنة ، يَجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول-أي إبليس- : ما صنعت شيئاً . ثم يجيء أحدهم فيقول ما تركته حتى فرقت بينه وبين امراته فيدنيه من نفسه ويقول : نعم أنت فيلتزمه)
فطريق الإسلام أحق أن يُتبع، لأن فيه العدل كله:{ وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً}.
3- التبذير والشح :
وهذا طريق واسع يسرح فيه إبليس ويمرح، وخاصة في هذه الأيام، حيث طغت الماديات على كل شيء، فلم يعد المرء يساوي إلا بمقدار ماله، حتى أنهم قالوا في الأمثال العامية: (معاك قِرش تسوى قرش)... فيَحُث هذا الملعون المنفق في الخير على البخل والشح، ويقول له: كيف تنفق؟ فإن مالك يَقِلّ وتصبح فقيراً، فإن الله تعالى يقول:{الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } البقرة 268 .
وأما من ينفق ماله في ما حرم الله وفي اللهو، فيحثه ويدفعه ويُوسوس له: ألا تقلق فالمال كثير ادفع ولا تُبالي، قال الله تعالى : {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً } الإسراء 27 .
فضل الإنفاق في طرق الخير
الإنفاق من أعظم الأعمال أجراً، فإن الله تعالى يقول : {وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ اللّهِ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ} البقرة 272 .
فلا تحسب -أخي الكريم- أن مالك ينقص بالبذل في سبيل الله ، فإن الله يُضاعف لك هذا المال ، لهذا يقول المعلم المختار صلى الله عليه وسلم: (ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفوٍ ألا عزاً،وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله) ... ويقول صلى الله عليه وسلم
ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعطِ مُنفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعطِ ممسكاً تلفاً )، وفي الحديث القدسي قال الله تعالى: (انفق يا ابن ادم يُـنفق عليك).
أما من يبخل، فإنما يبخل على نفسه، ولا يضر الله شيئاً يقول تعالى : {هَاأَنتُمْ هَؤُلاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ} محمد 38، وقوله تعالى:{وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى* وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى* وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى} (الليل 8-11).
وعن جابر رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (اتقوا الظلم، فان الظلم ظلمات يوم القيامة ، واتقوا الشح فان الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم) ، ويقول الشاعر:
انفق ولا تخش إقلالاً فقد قسمت.. على العباد من الرحمن أرزاقُ
لا ينفع البخل مع دنيا مولية........ ولا يضر مع الإقبال إنفاقُ
فلا تجعل -أخي- الدنيا أكبر همك، فالدنيا زائلة لا محالة، وأنت مقبل على حياة دائمة ، فلم لا تستغل الفانية لإعمار الدائمة الباقية ؟؟؟
قيل أن الفضيل بن عياض رحمه الله سَأل أحد الناس فقال: كم عمرك؟ قال ستون. فقال الفضيل متعجباً: ستون !! أنت منذ ستون سنة تسير إلى الله وتوشك أن تصل... فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون. فقال الفضيل: فهل عرفت معناها، من عرف أنه لله راجع عرف أنه موقوف، ومن عرف انه موقوف عرف أنه مسؤول ومن عرف أنه مسؤول فليعد للسؤال جواباً.
ويحث إبليس -عليه اللعنة- على كسب المال بطرق محرمة غير مشروعة، وإنفاقه في غير وجوهه المشروعة.
فاعلم أخي أنه لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسال عن ماله سؤالين: من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ ، فلنعد للسؤال جوابا، قال الشاعر:
الله أعطاك فابذل من عطيته............فالمال عارية والعمر رحال
المال كالماء إن تحبس سواقيه....يأسن وان يَجر يعذب منه سلسال
ولا أنسى هنا أن اذكر بالنية ، فالنية النية ، اجعل عملك خالصاً لله... ولا تجعل للشيطان طريقاً ليشوب نيتك ويُفسدها، فإنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى.
النية اجعل لوجه الله خالصة.....إن البناء بغير الأصل لا يقم