بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنـا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ولا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغامـاً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه وعلى ذريته، ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين.
هم لا علم لنا إلا ما علمتنا، ك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، نفعنا بما علمتنا وزدنا علما، وأرِنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة الكرام، محور الخطبة اليوم آية كريمة، وهي قوله تعالى:
﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (20) سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21)﴾
[سورة الحديد]
أيها الإخوة الكرام، الحياة الدنيا: والمقصود بالحياة الدنيا حظوظ الحياة الدنيا أموالها، شهواتها مباهجها، ما يتفاخر الناس فيه، الحياة الدنيا وصفها الله عز وجل وهو الخبير، قال تعالى:
﴿وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14)﴾
[سورة فاطر]
الحياة الدنيا التي نحن فيها والتي ملأت محبتها قلوب كثير من خلق الله عز وجل، هذه الحياة الدنيا ما حجمها الحقيقي ؟. ذكرت لكم في خطبة سابقة أن العلم في أدق تعريفاته: الوصف المطابق للواقع مع الدليل، فهذه الحياة الدنيا لها حجم، إذا ظنناها بحجم أكبر من حجمها ربما أهلكتنا، وإذا انصرفنا عنها كلياً أيضاً اختل توازننا، ما الحجم الطبيعي ما الحجم الحقيقي لهذه الحياة الدنيا ؟. هل غير الله جل جلاله ينبئنا ؟ هل غير كتاب الله ينطق بالحق ؟ هل هناك وصف للحياة الدنيا أبلغ من وصف الله لها، فإذا وقفنا عند هذه الآية وعرفنا أبعادها، ومدلولاتها عادت الدنيا إلى حجمها الحقيقي، عندئذ نتوازن، أما إذا ظنناها بحجم أكبر من حجمها وقعنا فيما يُسمى بالغرور، قال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5)﴾
[سورة فاطر]
الاغترار بالشيء أن تراه بحجم كبير وهو أقل من ذلك، فالله سبحانه وتعالى يقول:
﴿اعْلَمُوا﴾
يجب أن يكن لكم علم بهذه الحقيقة، لا تصديق، علم، كما أن الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾
[سورة محمد الآية 19]
لا يكفي أن تنطق بالشهادة، لا يكفي أن ترددها، ينبغي أن تعلم مضمونها:
﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾
ماذا تفيد (أنما)، أنما أداة قصر وحصر يعني الدنيا بكل ما فيها، بكل حظوظها، بكل مباهجها، بما فيها من أموال، بما فيها من ممتلكات، بما فيها من مراتب، بما فيها من مكاسب.
﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾
لا تزيد عن أن تكون.
﴿لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ﴾
لعب، ولهو، وزينة، وتفاخر، وتكاثر الخبير الذي لا ينبئك مثله، حصر الحياة الدنيا في هذه الخصائص الخمس لعب ولهو وزينة، وتفاخر وتكاثر، ولا أبلغ على تمثيلها وتوضيحها وبيان حقيقتها، وتقريبها من الأذهان، كهذه الدورة الزراعية.. تحرث الأرض تعقم الأرض، تسمد الأرض، تهيأ الأرض، يُلقى فيها الحب، تأتي الأمطار، ينمو هذا الرشيم، يزداد النمو إلى أن يصبح نباتاً يملأ العين هذا النبات يزهر، هذا النبات يثمر، نقطف الثمار، ثم يذوي هذا النبات، ويجف هذا النبات، ويصبح كالحطب، وتنتهي هذه الدورة. هذه الدورة الزراعية نراها كل عام مرةً أو مرتين، لقد جعل الله الدورة الزراعية مثالاً محسوساً على حقيقة الحياة الدنيا.
﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ﴾
أي كمثل مطر.
﴿أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ﴾
الكفار هنا هم الزرُّاع، وهناك لفتة بلاغية رائعة، يعني هذا المطر الغزير الذي سينبت العشب الكثير يعجب الزراع.
﴿ثُمَّ يَهِيجُ﴾
وبعد أن تنزل هذه الأمطار وتنمو هذه النباتات، وتزهر، وتورق، وتثمر، الفلاح والزارع يُعجب بهذا الإنتاج الوفير.
﴿ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا﴾
وهكذا الحياة الدنيا، وبعد هذا.
﴿وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ﴾
معنى ذلك أن الطاعة تذهب متاعبها، وتبقى ثمارها، والمعصية تذهب لذائذها وتبقى تبعتها.
﴿وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورَ﴾
الدنيا تضر وتغر وتمر.
هذه الآية الكريمة التي ينبئنا ربنا من خلالها عن حقيقة الحياة الدنيا بشكل حصري، هذه الآية الكريمة ينبغي أن تكون في أذهاننا كلما ظهرت في أمامنا المغريات.
أيها الإخوة الكرام، ألم تر إلى طفل صغير يلعب ببعض اللعب، وهذه اللعب عالمه، كل اهتمامه، وكل فكره، وكل طاقته موجهة لهذه اللعبة، لو أنك أخذتها من يده تنهمر دموعه غزيرة، ويبكي أشد البكاء، ألم تر وأنت الراشد إلى صغر عقله، وإلى ضيق أفقه، وإلى تعلقه بشيء تافه جداً، كلما تقدمت بالإنسان العمر تعلق بأشياء، فإذا تجاوز هذه المرحلة رآها تافهة وهكذا فلو أن إنساناً من أهل القبور نظر إلى أشخاص يجمعون من الثروات، ولهم أخطر الأعمال، ورأى حقيقة الحياة الدنيا، وماذا بعد الموت، وكيف أن الناس إلى جنة يدوم نعيمها، أو إلى نار لا ينفد عذابها، لرأى هذا الذي يُشغل بجمع الثروات كما ترى أنت طفلاً ممتلئاً فرحاً بدمية في يده، هذا معنى اللعب، يعني شيء تلهو به، شيء يملأ حياتك، فإذا تجاوزت هذه المرحلة رأيته تافهاً، يعني قيمته تتضاءل، قيمته تنعدم بعد حين، هذا هو اللعب، والإنسان أيها الإخوة في كل مرحلة من حياته يلعب، بمعنى أنه ينشغل بشيء يراه عظيماً، فإذا تجاوز هذه المرحلة يراه تافهاً.
ففي مرحلة اختيار الزوجة يكون هذا الموضوع ملء نفسه، فإذا مضى على زواجه سنوات عديدة رأى هذا الموضوع صغيراً. كل شيء يصل إليه الإنسان، بعد أن يصل إليه، وبعد أن يتجاوزه يراه صغيراً تافهاً، بل يزدري نفسه كيف كان يُعجب به، هذه حقيقة اللعب.
يعني أنت في مرحلة بعض الأشياء، بعض الشهوات، بعض الموضوعات تملأ اهتمامك، فإذا تجاوزت هذه المرحلة رأيت هذه الأشياء صغيرة، وربما ازدريت نفسك كيف كنت متعلق بها.
اللعب الشيء الذي يتصاغر، لا يتنامى، الشيء الذي تنقضي لذته، الشيء الذي يذهب الاهتمام به، هذا معنى قول الله عز وجل:
﴿أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ﴾
العمل غير الجاد، العمل الذي لا يثمر، العمل الذي لا ينمو، العمل الذي لا يتعاظم، العمل الذي يتضاءل، العمل الذي ليس له مردود في المستقبل مهما بالغت في التزين، وفي التمتع يأتي الموت فينهي كل شيء، هل يبقى من لذائذ الدنيا شيء ؟ هل يبقى من ولائمها شيء تشعر به ؟ هل يبقى من اللقاءات بين الناس المفرحة المبنية على المعاصي، هل يبقى منها شيء ؟ هذا معنى قول الله عز وجل:
﴿أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ﴾
عمل لا يتعاظم، عمل يتضاءل، عمل لا مردود له، عمل تنقضي لذته عمل يصغر مع تجاوز هذه المرحلة.
أيها الإخوة الكرام، شيء آخر:
﴿أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ﴾
اللهو: أن تلهو بالخسيس عن النفيس، أن تلهو بشيء تافه عن شيء خطير هذا هو اللهو، أن تلهو بالحصى عن اللآلئ، أن تلهو بلعب النرد عن الآخرة التي أعدها الله للمتقين، أن تلهو بعمل لا جدوى منه، لا مردود له عن مهمات خطيرة تسعدك إلى أبد الآبدين..
﴿أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ﴾
في التعريفات الدقيقة للهو: التلهي عن أمر خطير بشيء حقير، التلهي عن النفيس بالخسيس، العبث المطلق، العبث بالحصى، العبث بالسبحة، اللعب بالنرد، اللعب بالورق، قتل الوقت، هذا هو اللهو..
﴿أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ﴾
أيها الإخوة الكرام، لو أن مزارعاً في أيام حرث الأرض، وفي أيام إعدادها، وتعقيمها، وتسميدها، وزراعتها تلهى بشيء خسيس، وغفل عن زراعتها، في يوم الحصاد هل يحصد شيئاً ؟. هذا شأن الحياة الدنيا، والدنيا كما قيل مزرعة الآخرة.
أيها الإخوة الكرام، الآن ننتقل إلى فكرة دقيقة، هذا الذي ينشغل بالمباحات، لم يفعل معصية ولم يقترف إثماً، ولم يعتد على أحد، إنما انشغل بالمباحات عن جلائل الأعمال، وعن عبادة رب السماوات والأرض.
المباحات التي ينشغل فيها الإنسان أو ينشغل بها تغدو لهواً إذا قيس بالمهمة الخطيرة التي تنتظره، فهذا الذي ينشغل بالمباحات عن الآخرة هو في لهو ولعب، فكيف إذا انشغل الإنسان بالمعاصي والآثام، وغفل عن الواحد الديان، وغفل عن الآخرة التي لا ينفع فيها مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
أيها الإخوة الكرام، يقول ربنا جل جلاله:
﴿أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ﴾
عمل لا ثمرة له، وانشغال بالخسيس عن النفيس، وهذه المفهومات قد تأخذها من خالق الأرض والسماوات ولكن إلى أن تصل بذاتك إلى هذه الحقيقة ربما ضيعت العمر في قيل وقال، وفي لهو وفي لعب، وعندئذ لا ينفع الندم شيئاً.
لذلك إذا أراد الإنسان أن يكتشف الحقيقة بنفسه قد لا يبقى في حياته وقت يستفيد من هذا الدرس البليغ، ولكنه إذا قرأ كتاب الله عز وجل وصدق الله فيما يصف به الدنيا، عندئذ يستفيد من حياته، وهذه قيمة التعليم، لو أن الإنسان أراد أن يعرف كل شيء عن طريق التجربة لم تكن التجربة نافعة له في كل الأحيان، لأنها لا تبقي له وقتاً ينتفع بها، أما إذا قرأ القرآن وصدق وصف الواحد الديان عن حقيقة الحياة الدنيا، ربما استفاد من هذا الدرس البليغ، وهذا الوصف الدقيق، وعمل للآخرة قبل أن يدهمه الموت ويداه لا تملكان من العمل الصالح شيئاً.
أيها الإخوة الكرام، البند الثالث في هذه الآية..
﴿أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ﴾
والزينة هي الاسم الجامع لكل ما يتزين به، والتزين في التعريف الدقيق تحسين المظهر وتجميله، حتى تميل إليه الحواس، وترتاح إليه النفوس ولكن هذا الشيء المزين، الذي تميل إليه الحواس، وتهفو إليه النفوس ليس شرطاً أن يكون نافعاً، بل ربما كان ضاراً وجالباً للشر، والله سبحانه وتعالى يقول:
﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً (7)﴾
[سورة الكهف]
الدنيا خضرة نضرة، فيها مباهج، فيها أشياء تدخل على القلب السرور فيها طعام طيب، فيها مناظر حسنة، فيها مراكز قوية، فيها مشاعر معينة قال:
﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً (7)﴾
[سورة الكهف]
وفي الآية إشارة دقيقة جداً، لم يقل الله عز وجل لنبلو أعمالهم لنبلوهم أيهم أحسن عملاً.
يعني لو أن أباً أعدَّ لابنه كل ما يحتاجه من مدرسة عالية المستوى وإنفاق وتفريغ، وأساتذة وكتب ومراجع، هو لا ينتظر نجاحه، ينتظر تفوقه، لا ينتظر النجاح فقط، لا يُفاجأ بالنجاح، إنما ينتظر التفوق ليبلوهم أيهم أحسن عملاً..
إذاً ربنا عز وجل جعل في الأرض أشياء جميلة، وجعل في الأرض زينة من أجل أن نمتحن، هل نؤثرها على الدار الآخرة ؟ أم نجعلها تُكأةً للدار الآخرة ؟ هل نقف عندها وننسى ربنا ؟ أم نجعلها مطيةً للدار الآخرة ؟.
﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً (7)﴾
هذه الآية الأولى، الآية الثانية:
﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾
[سورة الكهف الآية 46]
وأروع ما في الآية أن المال وحده لا يعد زينة، وأن البنين وحدهم لا يُعدون زينة، لكن المال والبنين زينة الحياة الدنيا.
﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾
من أوجه تفسيرات هذه الآية: الباقيات الصالحات هي الأعمال الصالحة التي تبقى، فالمال يذهب ويفنى، والأولاد يتفرقون، لكن الذي يبقى هو العمل الصالح، وحينما قال الله عز وجل: والباقيات الصالحات، وأشار بهذه الكلمة إلى العمل الصالح، قيم المال والبنون، إذا كان العمل الصالح يبقى فالمال والبنون يذهب.
﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾
الآن دققوا قليلاً.. الإنسان لماذا يجمع الأموال ؟ يأمل أن تعينه في خريف عمره. لماذا ينجب الأولاد ؟ يأمل أن يعينه أولاده في كبره، يفتخر بهم، يتقوى بهم، يعينونه في شؤون حياته، فهو يعقد الأمل على المال والبنين.
الناس حينما يحرصون على إنجاب الأولاد، ويحرصون على تجميع الأموال إنما يحرصون عليهم من أجل أن تكون الأموال والأولاد عوناً لهم في خريف العمر، لذلك يحرصون أشد الحرص على جمع الثروات وعلى تربية الأولاد ليفتخر بهم، ويعتز بهم، ويأمرهم إذا شاء.
لكن الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾
لو عقدت الأمل على العمل الصالح الذي تبدأ فضائله بعد الموت أفضل من أن تعقد الأمل على مال فان، أو ولد لا تدر ما سينتهي به حاله إليك.
أما كلمة:
﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾
فالإنسان إذا انطلق إلى العمل الصالح بإخلاص شديد فالله سبحانه وتعالى يتجلى على قلبه..
ثاب بمعنى رجع، يعني إذا عملت هذا العمل ما الذي يرجع إليك منه هذا الثواب، هذه السكينة، هذه الرحمة التي يتفضل الله بها، فالعمل الصالح خير عند ربك ثواباً وخير أملاً.
خالق الكون يقول لك: يا عبدي إذا عملت الأعمال الصالحة تقرباً إلي فإنني أثيبك عليها في الدنيا والآخرة، أثيبك عليها في الدنيا أمناً وطمأنينة وراحة وسكينة ورحمة، وأثيبك عليها في الآخرة جنة إلى أبد الآبدين، فآية من أوضح الآيات:
﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾
أيها الإخوة الكرام، وقد أشارت الآية الثالثة إلى الزنية، قال:
﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (
﴾
[سورة النحل]
الإنسان أحياناً يركب المركبة لا ليصل إليها إلى قصد معين، بل يركبها ليتباهى، وهذه إشارة إلى أن الإنسان إذا أراد التباهي، وأراد التزين وأراد أن يستعلي على خلق الله عز وجل، فقد ضل سواء السبيل.
ثم إنك إذا جلست مع الأغنياء، وجلست مع الأقوياء، وتناولت ألذ الطعام واستمتعت بالحديث الفكه، هذه من زينة الحياة الدنيا، لكنك إذا جلست في مجلس علم، ربما لا تجد المقعد المريح، ربما لا يُقدم إليك شيءٌ في هذا المجلس، لكن الله عز وجل يقول:
﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾
[سورة الكهف الآية 28]
لا تذهب إلى مجالس الأغنياء، ولا إلى مجالس الأقوياء، ولا إلى مجالس أهل الدنيا حيث الطعام والشراب، وما لذ وطاب، والطرائف التي تدار في هذه المجالس.
﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾
[سورة الكهف الآية 28]
فهذه السهرات، وتلك الندوات، وهذه الأمسيات، وهذه اللقاءات، فيها ما لذ وطاب، وفيها اختلاط، وفيها النكرات، وفيها الغيبة والنميمة وفيها أحاديث الدنيا، هذه سماها القرآن من زينة الحياة الدنيا.
﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾
[سورة الكهف]
﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾
أيها الإخوة الكرام، لا زلنا في البند الثالث من الآية الكريمة:
﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ﴾
ثم يقول الله عز وجل:
﴿وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (131)﴾
[سورة طه]
هذه الآية الكريمة فيها كلمة تُعد مركز ثقفها، أين هذه الكلمة ؟ كلمة زهرة الزهرة جميلة، وفواحة، ولها رائحة عطرة، ولها منظر جميل لكنها سريعة الذبول، فالله سبحانه وتعالى وصف الحياة الدنيا بأنها زهرة وهذه الزهرة سريعاً ما تذبل وتيبس وتموت.
﴿وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (131)﴾
[سورة طه]
إذا طلبت العلم، إذا عملت العمل الصالح، إذا دعوت إلى الله إذا أمرت بالمعروف، إذا نهيت عن المنكر، إذا ربيت أولادك تربية إسلامية إذا أخذت بيد زوجتك إلى الله ورسوله، هذا هو رزق ربك، الذي هو خير لك وأبقى من زهرة الحياة الدنيا.
﴿وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (131)﴾
[سورة طه]
ولكن أيها الإخوة الكرام ـ لابد من وقفة قصيرة عند هذه الزينة، قال العلماء والفقهاء: الاستمتاع بزينة الحياة الدنيا في حدود ما أباح الله عز وجل هذا الاستمتاع أولاً مباح، وله دور إيجابي يعين على متابعة السير كأنها واحة في الصحراء، تجلس قليلاً، وترتاح يسيراً كي تستعيد النشاط وتنطلق إلى جولة ثانية، لذلك الاستمتاع بزينة الحياة الدنيا في حدود ما أباح الله عز وجل له دور إيجابي، فهو يعين على متابعة السير لذلك قال الله تعالى:
﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32)﴾
[سورة الأعراف]
يعني هذه الزينة لهم وللذين كفروا في الدنيا، ولهم وحدهم في الآخرة.
يستمتع بها المؤمنون في الدنيا وغيرهم، لكنها خالصة للذين آمنوا يوم القيامة.
﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32)﴾
[سورة الأعراف]
ويا أيها الإخوة الكرام، العلماء وضعوا ثلاث ضوابط للاستمتاع بزينة الحياة الدنيا للمؤمن أولاً: ينبغي أن لا يكون هذا الاستمتاع بالزينة مما حرم الله، قلت في المباحات.
الإنسان يتزوج، يأكل الطعام، يجلس في مكان مريح، ينظر إلى منظر جميل، هذه زينة أباحها الله عز وجل، وأن لا يطغى هذا الاستمتاع على الواجبات، لو أنه ضيع فرض صلاة أصبح عمله منحرفاً لو أنه ضيع طلب العلم، لو ضيع عملاً صالحاً، والشيء الثالث ينبغي ألاّ تنسي هذه الزينة ذكر الله، إن لم تنس ذكر الله، وإن لم تشغل عن طلب العلم والعمل الصالح، وإن لم تكن في محرم فهي مباحة، ولعلها ذات دور إيجابي في الحياة تعين على متابعة السير، وتجعل الإنسان في نشاط ليستعيد عمله الشاق في طلب مرضاة الله عز وجل.
أيها الإخوة الكرام، الاستمتاع بالزينة تتعاوره الأحكام الخمس، من فرض إلى مندوب إلى مباح إلى محرم.
فتناول الطعام والشراب فرض عين لبقاء الحياة، وفي الطعام لذة وزينة، والزواج مندوب، وأن تشرب شراباً تحبه هذا مباح، وأن تزيد عن الحد المعقول في الطعام والشراب، هذا مكروه، وأن تأخذ ما حرم الله هذا محرم، فزينة الحياة الدنيا تتعاورها الأحكام الخمسة بين فرض، وندب، وإباحة، وكراهية، وتحريم.
أيها الإخوة الكرام، ما قال الله عز وجل هذه الآية الكريمة:
﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ﴾
إلا من أجل أن يحجمها وأن تغدو بحجمها الطبيعي لا أن تزيد عن حجمها.
بقيت الفقرة الأخيرة من هذه الآية وهي التفاخر.
فقد يشح الإنسان يضن بدرهم ينفقه في مجال لا فخر فيه، ولا أحد يعلم به وقد ينفق مئات الألوف إذا كان في هذا الإنفاق مجالاً للفخر والذكر والتبجح. قال تعالى:
﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَراً وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47)﴾
[سورة الأنفال]
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18)﴾
[سورة لقمان]
﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً (37)﴾
[سورة النساء]
قال العلماء: التفاخر يحبط العمل الصالح، بل يفر إلى مقارفة الحرام، وهو مكروه، ومباح في مواقف القتال لتحجيم العدو.
بقي علينا من فقرات الآية، الفقرة الأخيرة وهي التكاثر وسوف تستغرقها خطبة بكاملها، إن شاء الله تعالى في الأسبوع القادم.
أيها الإخوة الكرام، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم
واعملوا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني، والحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية:
أيها الإخوة الكرام، سمعت قبل حين أن ثلاث عشرة حالة كسر بالعظام دخلت بعض المستشفيات الحكومية في يوم واحد بسبب قشر الموز الذي يؤكل ويلقى في الطريق، فالذي يلقي هذه القشرة التي تسبب انزلاقاً حاداً وربما سببت كسراً في عظام الإنسان، هذا الذي يلقيها في قارعة الطريق يأثم عند الله أشد الإثم.
ولكن قبل أن نتحدث عن هذا أردت بعد أن أذل الله هذه السلعة بعد أن كانت عزيزة، وبعد أن أصبحت في متناول معظم الناس أردت أن أقف على تكوين هذه الفاكهة، فقد دُهشت أنها عندنا فاكهة، لكنها عند غيرنا قوت كالقمح تماماً، أو كالأرز بالنسبة لأهل الصين واليابان، إنها في بعض البلاد تُعد قوام حياتهم، وغذاءهم الأساسي كالقمح تماماً، ثم دُهشت أيضاً حينما علمت أن المائة غرام من هذه الفاكهة تعطي من الحريرات ما تعطيه مئة غرام أخرى من اللحم، من حيث المواد التي تعطي الطاقة، ثم فوجئت أن في هذه الفاكهة من الكالسيوم والفوسفور والحديد والبوتاسيوم والنحاس والفلور، وهذه كلها معادن أساسية جداً يحتاجها الإنسان، بل إن ثلاث حبات من هذه الفاكهة تعطي كفايته التامة من هذه المعادن في اليوم، ثم علمت أن في هذه الفاكهة ثمانية فيتامينات أساسية، لها تأثير كبير في عمل أجهزة الإنسان، ثم إن هذه الفاكهة يكملها الحليب الذي امتن الله به علينا، والخبز الذي جعله قوتاً لنا.
إذاً الإنسان الذي يأكل هذه الفاكهة ينبغي أن يعلم علم اليقين أنها مصممة خصيصاً للإنسان، والإنسان المؤمن يرى أن الله سبحانه وتعالى سخر لنا كل ما في الأرض جميعاً منه، تسخير تكريم، وتسخير تعريف، فهذه العلاقة بين حاجة الجسم ولا سيما الأطفال، وبين مقومات هذه الفاكهة علاقة دقيقة جداً، يعني الكالسيوم مع الفوسفور، مع البوتاسيوم، مع النحاس مع الفلور الذي يقاوم نخر الأسنان كلها في هذه الفاكهة، والفيتامين ب1، وب2، وب6 وب12، وفيتامين د، وفيتامين واو، ثمان أنواع من الفيتامينات موجودة في هذه الفاكهة، فضلاً عن المواد السكرية، وعن بعض المواد الدهنية، وعن بعض المواد البروتينية، وعن الماء، فهذه من نعم الله عز وجل التي امتن الله بها علينا، هل يجوز أن تُلقى قشور هذه الفاكهة لتسبب كسراً لإنسان.
يعني هذا الذي يأكل هذه الفاكهة، ويلقي بقشرها من نافذة السيارة هذا إنسان غير منضبط، وهذا إنسان لا يعرف قيمة هذه الفاكهة، أتأكلها أنت وتسبب كسراً لآخر.
ذكر لي أخ كريم طبيب في مستشفى حكومي أن ثلاث حالات كسر بالعظام بسبب قشور هذه الفاكهة، هذا لا يجوز أبداً، فالمؤمن منضبط، والمؤمن لا يسبب للآخرين متاعب والله يحاسبه عليها، دققوا في قوله تعالى:
﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12)﴾
[سورة يس]
يعني الآثار المترتبة على هذا العمل يُحاسب عليها الإنسان.
فعلى الإنسان أن يشكر هذه النعمة كانت عزيزة فأصبحت ذليلة بسعرها وكانت في متناول فئة قليلة أصبحت في متناول أكثر الناس، لذلك من شكر هذه النعمة أن نتعرف إلى الله من خلالها، وأن نشكره عليها، وأن لا نؤذي عباد الله بها.
الدعاء:
اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت تباركت ربنا وتعاليت، لك الحمد على ما قضيت، نستغفرك ونتوب إليك اللهم هب لنا علاً صالحاً يقربنا إليك.
اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا رضنا وارض عنا، اقسم لنا من خشيتك، ما تحول به بيننا وبين معصيتك ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ومتعنا اللهم بأسماعنا، وأبصارنا، وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا، مولانا رب العالمين.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، ودنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين.
اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك.
اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين.
اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، وآمنا في أوطاننا، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً، وسائر بلاد المسلمين.
اللهم إنا نعوذ بك من الخوف إلا منك، ومن الفقر إلا إليك، ومن الذل إلا لك، نعوذ بك من عضال الداء، ومن شماتة الأعداء، ومن السلب بعد العطاء.
اللهم ما رزقتنا مما نحب فاجعله عوناً لنا فيما تحب، وما زويت عنا ما نحب فاجعله فراغاً لنا فيما تحب.
اللهم صن وجوهنا باليسار، ولا تبذلها بالإقتار، فنسأل شر خلقك ونبتلى بحمد من أعطى وذم من منع، وأنت من فوقهم ولي العطاء وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء.
اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر أعيننا من رضوانك يا رب العالمين.
اللهم بفضلك وبرحمتك أعل كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى إنك على ما تشاء قدير وبالإجابة جدير.