أمسينا وأمسى الملكُ لله. الَّلهُمَ ما أمسى بِنَا مِنْ نِعْمَةِ فَمِنْكَ وَحْدَك لا شَرِيكَ له.الَّلهمَ صَلَ وَبَارِك علَىَ نَبِينا .سَدد الَّلهمَ لَنْا قَوْلَنا وانْفعنا يا رَبَنا بما نقوله وانفعنا يا رَبْنَا بِما نَسْمَعه . وَبْعد:
بِسم الله الرحمن الرحيم ((وأما الَّذينَ سُعِدْوا فَفي الجَنةِ خَالدينَ فيها)) بسم الله الرحمن الرحيم ((فَأما الَّذينَ شَقُوا فَفي النارِ)). وَبْعد أعظم خَبَرين: تَعرِفْ أينَ مَكان السعادة وأين مَكان الشقاء. فالسعادة مَطْلَب كُل البَشَرِية، الكافِر، المُؤِمنْ ،الفَاسق، ولا أحَد يَطلب الشقاء لِنَفسه. الله يُرشِدنا أين مَكان السعادة. فَخلق الله لِهَذا الإنسان قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الإنْسَانَ ثَلاثَة دور، قَبْلَ أن يخلق أدم خلق لآدم وذريتهُ دار قَبل الموت هي الدنيا, وداران خلقهما بعد الموت هما الجنة والنار. فدار ملأه إبتلاءٌ وهي الدنيا ليس فيها حقيقة السعادة ولا حقيقة الشقاء، شَرّها إبتلاء و خيرها إبتلاء، يبتليكَ بالصحة، يبتليكَ بالمرض، يبتليكَ بالأحوال الطيبة والأحوال المخالفة ،ولا يسعدك بالغنى بل يبتليك،و لا يشقيكَ بالفقر بل يبتليك ،((ونبلوكم)) ما قال يُسْعِدكم ولا يُشْقِيكم ((ونبلوكم بالشرِ والخير)). إذا ما عرفنا هذا، إذا عَرفنا أنهُ الأحوال الموافِقَة يُسْعِدنا الله بها ،مثلا سَعِدْتُ بالمال، فهذا خطر على عَقيدتكَ. ((فأما الإنسان)) إنسان كافر ((إذا ما ابتلاهُ ربهُ)) ابتلاهُ ليس أسعدهُ ((فأكرمهُ ونعمه فيقول ربي اكرمن وأما اذا ما ابتلاهُ)) وليس اشقاهُ ((فَقَدَرَ)) ضَيقَ وقَلّل ((عليه رِزقَه فيقول ربي أهانن)) من هذا؟ هذا الكافر ((ولئِن أذقنا الأنسان منا رحمة ثم نزعناها منه)) راحت السعادة ((إنه ليؤس كفور ولئِن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عني إنه لفرح فخور)) فيفرح بالأحوال الموافقة وينتعش مع الأحوال الموافقة فإذاً أصبحت الدنيا جَنَتَهُ.
فالأحوال إبتلاء، لا نسعد بأحوالنا بل نسعد بأعمالنا. في الجَنّة كل الناس وكل الأحوال وفي النار كل الأحوال، ففي النار الفقير العاصي والغني العاصي والملك العاصي والمملوك العاصي والمشلول العاصي والأعمى العاصي والبصير العاصي، وكل هذه الأحوال إبتلاء: لا يشقى الأعمى بعماه فالعمى إبتلاء والبصر إبتلاء. والجنة فيها كل الأحوال البصير الطائع والأعمى الطائع والملك الطائع والمملوك الطائع والمشلول الطائع والصحيح الطائع. كلنا الآن هدفنا نترقى بالأحوال لكن لا يمكن نترقى عند الله قيد شبر بالأحوال، تترقى عند زوجتك ((وما أموالُكم ولا أولادُكم بالتي تُقَرِبكم عندنا زلفى)) فملأ الله هذه الدنيا بالإبتلاء، لا فيها سعادة ولا فيها شقاء، وإنما أسباب السعادة في الدنيا وهي الأعمال الطيبة وأسباب الشقاء في الدنيا وهي الأعمال السيئة. عندما أنتَ تَشتغل بالأعمال يكون عندك سعادة، ليس سعادة كاملة بل سعادة روحية، قَلب مُطْمَئِن، لَيس سَعادة كاملة، فَفي الجَنْة سَعادة الأرواح والأشباح. في الدنيا روحك تطمئن بهذه الأعمال لكن جسدك يتعب، ليس فيها الوجه الناعم لكن في الجنّة ((وجوهُ يَوْمئِذٍ ناعمة)) هذهِ السعادة الوجْه الناعم الحَرير النَاعم. ليسَ في الدنيا لا سعادة ولا شقاء، أين السعادة؟ ((وأما الذين سعدوا ففي الجنة)), جنة عَرْضُها السموات والأرض ملأها الله سعادة، ما فيها لحظة ابتلاء وما فيها لحظة شقاء. فكل دار من الدور الثلاثة ليس فيها التي فيها أخواتها. وملأ الله النَار شَقْاء, مَا فْيها لَحْظَة إبتلاء، ما في فُرْصَة حَتْى الله يَبْتَليك ((أصبروا أو لا تصبروا)) وليس فيها ذرة سعادة، لا ذرة سعادة ولا ذرة إبتلاء. ملأ الله النارَ شقاء وملأ الله الجنة سعادة وملأ الله الدنيا أحوال وإبتلاء، هذه عَقِيدَتُنْا. الكافر سَعادتهُ في الدنيا وشقاءه في الدنيا، أين الشقاء ذاك المَريض الشقي الله يكفينا شَرُّه والآخر داخل في السجن مسكين فكيف ينتقل مِنْ شقاء الدنيا، مِنْ الأحوال المُخَالِفة، الى السَعادة؟ راح الفقر وجاءَ المال - سَعِدْتُ - راحت المُصيبة جاءَ الفقر - شَقيتُ - وهكذا أحواله. أين الشقاء؟ في النارِ فأشارَ إلى هذهِ الآلام القَليلة في الفَانية التي لا تَدوم جَعلها شَقاء وَجعل المَلذاتِ الصَغيرةِ التي لا يَضمن بَقَائها لَحظة، لَيْسَ هُناكَ في الدُنْيَا ملذات تَضْمن بَقائها لَحْظة واحدة، جعل الملذات سعادتهُ فالدنيا جنتهُ. ولكن المشترك بيننا وبين أهل الباطل تفسير السعادة، تفسير السعادة ومعنى السعادة شيء مشترك، فماذا يتخيل السعادة؟ هي ملذات - الإنسان ما يشعر بالسعادة و الطبيب يخلع سنه يقول أنا سعيد فالآلام تُنْقِص السعادة، نَحْنُ متفقين مع أهل الباطل أن السعادة هي الراحة الكاملة، هِيَ الصِحَةُ، هِيَ العافيةُ، هِيَ الزوجةُ الجميلة، هِيَ الوجه الناعمُ، هي الشبابُ، فما يَسعَدُ الانسانُ بالطرشِ والشيبةِ. اذن ما هي السعادةُ؟ هي ان يَسعَدَ الانسانُ بالملذاتِ وليسَ بالالامِ هذا التفسيرُ الصحيحُ للسعادةِ.
فسر الله الخالقِ السعادةِ بالملذات وفسرِ الكافرُ السعادة بالملذاتِ فربنا عندما يعطينا السعادةَ ((يطافُ عليهم بصحافِ من فضةِ)) والزوجةُ الجميلة ((وحور عين)) وأنهار من لبنٍ وأنهار من عسلٍ وتُخْدَمْ وليس تَخْدِمْ ((ويطوف عليهم ولدان)), اليوم أسبابُ السعادةِ أن تَخْدِمْ والسعادةُ ان تُخْدَمْ، فاليوم اُخدُم ساعة حتى تُخْدَمْ مليونَ سنةٍ ((ويطوف عليهم ولدان مخلدون)) هولاءِ الخدمُ فكيف المخدومونَ فرقُ كبيرُ ((لؤلؤاً منثورا)) فكيف المخدومُ فرق كبير بين جمال الخادمِ وجمال المخدومْ هذا الخادمُ فكيفَ الملك! فكيف سيدهُ! اذاً الخادمُ كانهُ لؤلؤ فكيف المخدومْ ؟ اليوم في الدنيا السيد مرات يمرض ومرات حالتهُ حالة و مرات يحتاج عملية.
يا سيدي لماذا هذهِ الجلسةُ؟حتى نتسببُ بها بسعادةِ ،اليوم اُظلهم تحتَ ظل العرشِ، الآن هذه الجلسةُ ما فيها سعادة، تعبان أنا، الآن احبُ أن أكونَ مع اولادي، هذهِ اسبابُ السعادةِ لكن لمّا أعرف أسبابُ السعادةِ فالروح تنتعش يصير عندي آمال سعيدة، آمال حقيقية سعيدة، تَسعدُ الروح ولكن الجسم ليس سَعيدْ. ففي الدنيا سعادةْ هي السعادةُ الروحية, سعادةُ الأرواحِ وفي الجنة سعادةُ الأرواحِ و الأشباحِ.
السعادةُ فتحُ بابِ الهوى وأسبابُها اغلاقُ بابِ الهوى. هذا يعني أن هذه الجلسةَ ليس فيها هوى، هواي اظل مع زوجتي وأولادي ،اظلُ مع ابني مع زوجتي ولهذا ((الحقنا بهم ذريتهم)) هذه هي السعادة فارِقْهُمْ حتى الله يجمعكِ بهم للأبدِ.
أسبابُ السعادةِ ((ونهى النفس عن الهوى))، وأما السعادةُ فهو فتحُ بابِ الهوى ((وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين)). فالجنةُ يُصِلحُها الهوى فلا تحتاجُ للهُدى ما تقول يا الله آدابُ الطعامِ, كُل كما تهوى,و هذهِ الحوريةُ كيف ادابُ النكاحِ؟ إنِكح كما تهوى .الحوريات تُقَدِمُ هذه تُؤخِرُ هذه ما تحاسبُ عليه,لكن عندك في الدنيا زوجتين وحدة جميلة , تُحب ان تكونَ معها ليلتين, تبقى مع المحبوب وليلة مع الغير المحبوب تحاسبُ يومَ القيامةِ .
الدُنيا دارُ إئتمانِ، الصحة إئتمان, إنسانيتنا هذه لا نَملُكُها(( كونوا قردة)) راحت الإنسانية، مثلا أمين صندوق وعنده مليون دولار ومَطلوب منه ان يوزعها، يأتي لزوجتهِ يقولُ أنا عندي مليون دولار!!! لا... هذا تُحاسبُ عليهِ, وكذلك والله يسألك من أين لكَ هذا؟ كل شيء تُحاسبُ عليهِ حتى لو أكَلتَ خبز الشعير الله سيسألك من أينَ لك هذا, فكيف ستَسعَدُ بشيءِ سَتُحَاسَبُ عليه . ولكن الجنة تمليك أنهارها تمليك لا يمكن أن تَسلبَ إنسانيتك فهي تمليك, جمالُ الخلقِ وجمالُ الخلقُ تمليك , تعطى جمالُ سيدنا يوسف وأخلاقُ نبينا محمد تمليك. لكن هنا صِفَاتُنا إبتلاء يوم مليح ولما تَتَكَبَّر ربنا يجعلك قبيح, فلا جمالُ الوجه نملكهُ ولا جمالُ الخلقِ نملكهُ .إذا أطعنا الله يعطيك يوم القيامة, يُمَلَّكون أخلاقَ سيدنا محمد، لا يسلبون ,يملكونَ جمال سيدنا يوسف شبابً لا يفنى. هذه هي السعادةُ, لا تَخَافُ دول كبرى ودول صغرى ,أمن كامل سلام كامل، عز كامل، فربنا ملك حيٌ لا يموت وأنتَ عبدُ ملكِ حيٍ لا تَموتُ. فيعطيكَ هذه الصفاتُ .
هناك على الأرائك هذه هي السعادةُ, وأسبابها نترك هنا الأرائك ,فإن كنتَ على الأرائكِ في الدنيا فالدنيا جنتكَ، فلو الصحابة بيوتهم فيها الأرائك فالدينُ لا ينتشر .ما الذي يَمنَعُنا من الخُرُوجِ الآن؟ لأن بيوتنا صارت جنة كل شيء صار بالبيت ,فنترك هذهِ الارائك من اجل تلكَ الارائك، وترك الأرائك والخروج في سبيلَ الله هذه أسبابُ السعادةِ والإتّكاءُ على الأرائكِ هي السعادةً ((على الارائكِ متكئونَ)) يا سلام. السعادة أن تعيشَ مع محبوباتكْ ,كل شيءِ تحبهُ النفسُ موجود، وأسبابها أن تعيشَ مع محبوباته. الإيمانُ والأعمالُ محبوباتهُ ,ذهب وفضة وأنهار وحور وقصور محبوباتك. لمّا ربنا يقول أنهار من لبنٍ فربنا لا يشربُ لبن .الله يعطيك الجائزة, فكل عَمل تَعمُلهُ ومع كل عمل يُحبهُ جائزة تُحبُها, مثال سبحان الله , كلمة واحدة, سبحان الله غرسه في الجنة .الجلسة هذه, يوم القيامة -اليوم اظلهم تحت ظلي- تَكضمُ غيظكَ لله ,تَخرجُ في سبيلِ الله وتتكلم مع واحد حتى تَكونَ سببُ الهدايةِ فإذا سبك أُكْظُمْ غيظك كما كَظَمَ رسولُ الله غيظه وتدعو له بخير – يُخَيَّرُ من كَظَمَ غَيظه لله من الحُورِ ما يشاء - السعادة أن تَعيش مع محبوباتك .فَليسَ في بَيت صَغْير فيه سُكر وشاي قَال أنْا سَعيد بيتنا فيه كل شيء وبعدها مِنْ القصور إلى القبور فراحت السعادة. لكن عند الله جنة عرضها السموات والأرض مملوءة بِمَحبوباتك. هذهِ هي السعادة, هذا عرضها فكيف طولها ؟؟ مملوءة بمحبوباتك ,أجمل اسرة ,احمل زوجة, اجمل , اجمل, فكيف نخرج أربعين يوم نملأها بمحبوباته .والصحابة ما خَرَجوا أربعين يوم فقط بل حياتهم كلها لله، أحَلّوا دمهم لله ,كم دم سُفِكَ, أحلوا أولادهم لله, يَفْرح لَما الوَلد يموت في سبيل الله, ونحن أولادنا معنا زوجاتنا معنا، لا أنت مخرج أبنك ولا أنت مخرج مالك, وبعدها ندعو الله يا الله نسألك الفردوس الأعلى!!!! ماذا عملت حتى الله يعطيك الفردوس الاعلى ؟؟؟ فما أحلى الدعاء بعد ما نثير الغبار في سبيل الله. فالدعاء مع الإتكاء قلة أدب ((وإذ يرفع إبراهيم القواعد)) هو يشتغل يقول ربنا ربنا, اول شيء يشتغل وبعد ذلك يدعو. أما الذي يَجْلس وَيدعو فَهو يَستخدم رَبهِ مِثل الملك يجلس يَقْول لِرَعيتهِ أفعل كذا وكذا ,وكذلك نَحْن جالسين ونقول يا الله, تستخدم ربك! أعوذ بالله! أشتغل وأدعُ ربك لكن أحنا قاعدين وندعو, لهذا ربنا يقول ((فإني قَريب أجيبُ دَعْوةِ الداعِ إذا دعان)) لكن بشرط فليستجيبوا لي, هو دعاك ((أقيموا الصلاة)) دعوة (( وأدعو إلى سبيل ربك )),((إدفع بالتي هي أحسن )) هو يدعوك وأنت تدعوه: الَّلهم أنصرنا الَّلهم أرزقنا, هو يقول يا عبادي أشتغلوا بالدعوة, فأولاً أسْتَجْيب دعاءه يَسْتَجيب دعاءك ((فليستجيبوا لي)) قَبْل أن أستجيب لهم ((إن تنصروا الله ينصركم)) نحن نقول يالله إن تَنْصُرنا بالأول نَنْصُرك!!! عَجْيبة هَذهِ الأمة ,نَحْن قَلبنا الموازين أنصرنا يا الله ــ إن تنصرنا ننصرك !!!