خطبة أسباب الهجرة النبوية
فضيلة الشيخ:- أشرف الفيل *
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول صلي الله عليه وآله وسلم وبعد: ـ يقول الحق سبحانه وتعالى " وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ " ويقول جل وعلا " إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السفلي وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ "
أولا معني الهجرة: ـ
الهجرة في اللغة معناها الترك وفي الشرع: الخروج من أرض الكفر إلى أرض الإسلام والمراد بها الهجرة من مكة إلى المدينة المنورة والتي كانت في عهد النبي صلي الله عليه وسلم.
أنواع الهجرة
للهجرة أنواع أربعة ورد ذلك في الجامع لأحكام القرآن في تفسير قول الله عز وجل " وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا " كما قال تعالى " مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا " قال والهجرة أنواع:
1 ـ منها: ـ الهجرة إلى المدينة لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم وكانت هذه واجبة أول الإسلام حتى قال لاهجرة بعد الفتح.
2 ـ ومنها: ـ وهجرة مَن أسلم في دار الحرب فإنها واجبة.
3 ـ ومنها: ـ هجرة أهل المعاصي حتى يرجعوا تأديبا لهم فلا يكلموا ولا يخالطوا حتى يتوبوا كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع كعب وصاحبيه.( مرارة بن ربيعة العامري وهلال بن أمية الواقفي ) وقد ذكر الله قصتهم في سورة التوبة قال الله تعالي " لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ " وقال جل وعلا في شأن المنافقين " سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (95) يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ "
4 ـ ومنها: ـ هجرة المسلم ما حرم الله عليه كما في صحيح البخاري من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه " وفي صحيح ابن حبان من حديث فضالة بن عبيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ألا أخبركم بالمؤمن ؟ المؤمن مَن أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب.و في مسند أبي يعلي من حديث عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل سأله يا رسول الله فأي الهجرة أفضل, قال: أن تهجر ما كره ربك..... الحديث
وفي المستدرك على الصحيحين من حديث أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم............. والمهاجر من هجر السوء والذي نفسي بيده لا يدخل الجنة عبد لا يأمن جاره بوائقه "
أسباب الهجرة النبوية
رغبة النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته في التمكن من إقامة دولة إسلامية من الطراز الأول يؤدون فيها عبادة الله تعالي على أتم وجه. لكن متى فكر ؟؟ ولماذا فكر ؟؟ فكر بعد ثلاثة عشرة سنة من دعوة قومه إلى الله تعالي ترى لماذا ؟؟؟؟؟؟؟؟ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام أراد أن يبني الرجال الذين سيقودون هذه الدولة قبل أن يبني الدولة ولكن كيف بنى الرسول هؤلاء الرجال ؟؟؟
• بناهم على اليقين على الله سبحانه وتعالى فعلمهم كيف يعتمدون عليه ويؤمنون به وكيف لا يخافون في الله لومة لائم وكيف لا يثقون إلا بالله تعالى ؟
• بناهم على خشية الله وحسن الأدب مع الله
• بناهم على الصدق والعفاف
• بناهم على حب الله تعالى وترك كل حب إلا حب الله تعالي فملأ الإيمان قلوبهم بحبه فلم يضيرهم شيئ ولم يهمهم شيئ إلا حب الله ورضاه
استثمار الإيمان الموجود في قلوبهم الذي أغناهم عن أهلهم ووطنهم وذويهم ولم يكونوا يتمكنوا من هذا الأمر في وطنهم وذلك لصد المشركين من أهل مكة دعوتهم بعنف شديد وتعذيب لا وصف له
• فها هو عقبة بن أبي معيط يدخل على رسول الله وهو يصلي في الكعبة ويضع ثوبه في عنقه ويخنقه خنقا شديدا فأقبل أبو بكر حتى أخذ بمنكبه وقال: أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله !!!!!!
• وها هي أسماء بنت أبي بكر الصديق تحكي أن قريشا ضربوا رسول الله مرة حتى غشي عليه فقام أبو بكر ونادى فيهم أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله فتركوه وأقبلوا علي أبي بكر.
• وها هو أنس يحكي أن الرسول قال: لقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد وأخفت في الله وما يخاف أحد...... وهذا خباب بن الأرت يدخل على الرسول وهو متوسد في ظل الكعبة ويقول: ألا تدعو لنا ألا تستنصر لنا..... الحديث
دعــــاؤه على المشركين
وهذا ابن مسعود رضي الله تعالى عنه يحكي فيقول بينما رسول الله -صلى الله عليه وسلم يُصَلّي عند البيت، وأبو جهل، وأصحاب له جلوس، وقد نُحِرتْ جَزور بالأمس، فقال أبو جهل: أيُّكم يقومُ إِلى سَلا جَزور بني فلان، فيأخذه فيضَعه بين كَتِفَي محمد إِذا سجد ؟ فانبعث أشقَى القوم فأخذه، فلما سجد النبي -صلى الله عليه وسلم- وضَعَهُ بين كتفيه، فاستضحكوا، وجعل بعضهم يميل على بعض، وأنا قائم أنظر، فلو كانت لي مَنَعة طَرَحْتُهُ عن ظهر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والنبي ساجد ما يرفع رأسه، حتى انطلق إنسان فأخبر فاطمة، فجاءت - وهي جُوَيْرِيَة - فطرحته عنه، ثم أقبلت تَسُبُّهم...فلما قضى النبي - صلى الله عليه وسلم- صلاته رفع صوته، ثم دعا عليهم - وكان إِذا دعا دعا ثلاثا، وإِذا سأل سأل ثلاثا - ثم قال: اللهم عليك بقريش ثلاث مرات - فلما سمعوا صوته ذهب عنهم الضحك، وخافوا من دعوته. ثم قال: اللهم عليك بأبي جهل بن هشام، وعُتْبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعُقْبة بن أبي مُعَيْط، وذكر السابع - ولم أحفظه - قال: فوالذي بعث محمدا بالحق، لقد رأيتُ الذين سَمَّى صَرْعَى، ثم سُحِبُوا إِلى القَليب، قليب بَدْر أخرجه البخاري ومسلم. وفي رواية ذكر السابع، وهو عمارة بن الوليد
تحـالف المشركين
تحالف المشركون على بني هاشم وبني المطلب أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم ولا يؤوهم ولا يخاطبوهم ولا يكون بينهم وبينهم شيء حتى يسلموا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.......
المقـاطعة الظالمة
ثم تقاسموا على الكفر كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بعد فشلهم في كل العروض التي عرضوها على عم الرسول أبي طالب من أن يصرف ابن أخيه عن دعوته أو أن يعطوه فتى من أجمل فتيان قرش ويسلم لهم محمدا وكلما اشتد الإيذاء على رسول الله واشتدت عداوتهم له كلما كشف الله عنهم الكرب الشداد ها هو سيدنا حمزة بن عبد المطلب في ظل هذه الظروف يدخل في الإسلام وبعده بثلاثة أيام يدخل عمر بن الخطاب بعد دعوة الرسول له...........ففكروا في هذه المقاطعة الظالمة قطعوا عنهم الطعام، والمادة فلم يكونوا يتمكنوا من ذلك إلا من الموسم إلى الموسم، وهكذا جنَّد الله من المشركين مَن يدخلوا ليلاً بالطعام والحنطة عليهم، ومنهم هشام بن عمرو بن ربيعة، وظل عمه أبو طالب في حمايته يضطجع رسول الله على فراشه ويضطجع هو أحد أبنائه مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم نقضت الصحيفة الظالمة لما أذن الله ومحَّص قلوب المؤمنين ثم مات أبو طالب عم النبي وحاميه، وماتت خديجة بنت خويلد المرأة التي أحبها رسول الله ودافعت عن الدين وضحت بكل ما تملك السيدة خديجة رضي الله عنها حينما أخبرها الرسول خبر الوحي ماذا فعلت ؟ بشرته وهدأت من روعه !!!! ثم ماذا قدمت ؟؟؟
ماذا قدمت لدين ربها ؟ قالت يا محمد أنا أكثر قريش مالا خذ مالي وأنفقه في سبيل الدعوة إلى الله ثم اجتهدت على النساء مثل فاطمة بنت الخطاب التي كانت سببا في إسلام رجل قال فيه الرسول صلي الله عليه وسلم " لوكان نبي بعدي لكان عمر........ اجتهدت على رجل كان سببا في التفريق بين الحق والباطل لهذا كله شرَّفها الله وأرسل إليها مع النبي كلمات ما أجملها "اقرأ خديجة مني السلام وقل لها إن الله يبشرها ببيت من قصب لانصب فيه ولا وصب" وقال عنها الرسول: " كمل من الرجال كثير وكمل من النساء أربع وذكر منهن خديجة بنت خويلد الحديث
وعند ذلك أمر الرسول أصحابه بالهجرة إلى الحبشة
والهجرة هجرتان: هجرة من مكة إلى الحبشة وكانت مرتين المرة الأولى كانت سنة خمس وأربعين من مولد النبي صلى الله عليه وسلم وذلك لما اشتد إيذاء أهل قريش للنبي وصحابته ولم يشأ الرسول عليه الصلاة والسلام أن يدعو الله عليهم وكان صلى الله عليه وسلم يواسي أصحابه ويأمرهم بالصبر حتى ضاقت عليهم مكة واشتد أذي الكفار لهم وهنالك أذن النبي لأصحابه " بالهجرة إلى أرض الحبشة وقال لهم: إن بها ملكا لا يظلم الناس عنده فالحقوا ببلاده حتى يجعل الله لكم فرجا ومخرجا مما أنتم فيه وهاجر اثني عشر رجلاً وأربع نسوة وكانت هذه أول هجرة في الإسلام وأقاموا عند النجاشي بخير دار في أحسن جوار. ءامنوا فيه على دينهم وأنفسهم.....
فلما بلغ ذلك قريشا ائتمروا أن يبعثوا إلى النجاشي رجلين جلدين وأن يهدوا للنجاشي هدايا مما يستطرف من متاع مكة وهما عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي وعمرو بن العاص بن وائل السهمي ودار حوار طويل وكان من جملة ما قاله جعفر بن عبد الله للملك قال " أيها الملك كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسيء الجوار ويأكل القوي منا الضعيف فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله عز وجل لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دون الله من الحجارة والأوثان وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء ونهانا عن الفواحش وشهادة الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنة وأمرنا أن نعبد الله لا نشرك به شيئا وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة........ فعدَّد عليه أمور الإسلام ثم قال فصدقناه وآمنا به واتبعناه على ما جاء به فعبدنا الله وحده لا نشرك به شيئا وحرمنا ما حرم علينا وأحللنا ما أحل لنا فغدا علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله عز وجل وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث فلما قهرونا وظلمونا وشقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلدك واخترناك على مَن سواك ورغبنا في جوارك ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك فقال النجاشي هل معك مما جاء به عن الله من شيء قالت فقال له جعفر نعم قالت فقال له النجاشي فاقرأه فقرأ عليه صدرا من كهيعص فبكى النجاشي حتى اخضل لحيته وبكت أساقفته حتى اخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تتلى عليهم ثم قال: النجاشي إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة انطلقا فو الله لا أسلمهم إليكم أبدا ولا أكاد قالت أم سلمة فلما خرجا من عنده قال عمرو بن العاص والله لأتينه غدا أعيبهم عنده بما استأصل به خضراءهم فقال له عبد الله بن أبي ربيعة وكان أتقى الرجلين فينا لا تفعل فان لهم أرحاما وإن كانوا قد خالفونا قال والله لأخبرنه أنهم يزعمون أن عيسى بن مريم عليه السلام عبد قالت ثم غدا عليه فقال أيها الملك إنهم يقولون في عيسى بن مريم قولا عظيما فأرسل إليهم فسلهم ما يقولون فيه قالت فأرسل إليهم يسألهم عنه قالت ولم ينزل بنا مثلها واجتمع القوم فقال بعضهم لبعض ما تقولون في عيسى بن مريم فقال له جعفر بن أبي طالب " نقول فيه الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول " قال فضرب النجاشي يده إلى الأرض فأخذ منها عودا. رواه أحمد
ولما سمع الصحابة المهاجرون في الحبشة ـ من أمر سورة النجم وأن النبي قارب قومه ودنا منهم ودنو منه وكفوا آذاهم عنه ـ وكان قد صاحب نزول سورة النجم فتنة عظيمة ـ أحدثها الشيطان فألقى في مسامع قريش كلمات في مدح آلهتهم كقوله " وإنهن الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى " وأظهر الشيطان تلك الكلمات حتى بلغت أرض الحبشة وبلغهم أن المشركين سجدوا مع المسلمين فقال المهاجرون إذا كانوا قد آمنوا فلنرجع إلى عشائرنا أحب إلينا فخرجوا حتى كان بينهم وبين مكة ساعة من نهار فلقوا ركبانا من الناس فسألوهم فعلموا أنها فتنة؛ فدخل بعضهم مكة مستخفيا وبعضهم بجوار. غير ابن مسعود مكث يسيرا ولم يدخل مكة ثم رجع إلى أرض الحبشة. واشتد البلاء على المسلمين وعظمت المواجهه فأذن النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه في الخروج إلى أرض الحبشة، فقال عثمان ابن عفان: نهاجر ولست معنا ؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام أنتم مهاجرون إلى الله وإلي. لكم هاتان الهجرتان جميعا، فقال عثمان حسبنا يا رسول الله؛ فهاجروا إلى الحبشة ثانيا راضين بحكم الله فرحين بإقبالهم عليه، وفقرهم إليه، وسياحتهم في سبيله، مستبشرين خيراً بنصره لهم وتأييده لنبيهم مؤمنين أنهم على الحق ـ ولا بد للحق أن يعلو وينتصر ـ وكان جملة مَن هاجر ثلاث وثمانون رجلا
الخروج إلي الطائف لما مات أبو طالب عم النبي وخديجة زوج الرسول اشتد الأذى على رسول الله وصحابته ففكر النبي في الخروج من مكة عساه أن يجد مَن يستمع لدعوته ويؤويه فخرج إلى الطائف ومكث بها شهرا وقيل عشرة أيام ـ يدعوهم إلى الإسلام ــ لا يدع أحدا من أشرافهم إلا جاءه وكلمه فلم يستجيبوا له ولم يجد منهم خيرا وخافوا على أبنائهم وقالوا له يا محمد اخرج من بلدنا والحق ببلدك و لما مر الرسول جعلوا يسبونه ويرمونه بالحجارة حتى أدمو كعبه وألجاؤه إلى حائط لعتبة ابن ربيعة وشيبة ابن ربيعة وهما فيه فعمد إلى ظل فرع من عنب فجلس إليه وهو مكروب متوجع تسيل رجلاه دما وابنا ربيعة ينظران إليه فلما راءاهما كره مكانهما لما يعلم من عداوتهم لله ورسوله فلما اطمأن قال " اللهم إني أشكوا إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي، وهواني على الناس !! يا أرحم الراحمين ! أنت رب المستضعفين وأنت ربي ! إلي من تكلني ؟؟ إلى بعيد يتجهمني ؟ أم إلى عدو ملكته أمري ؟؟ إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي. ولكن عافيتك أوسع لي. أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن ينزل بي غضبك أو يحل علي سخطك. لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك. " فلما رأى عتبة وشيبة ذلك تحرك له رحمهما فدعيا له غلاما نصرانيا يدعى عداس وقالا له خذ قطفا من هذا العنب وضعه في ذلك الطبق ثم اذهب به إلى ذلك الرجل
ولكن أين رد هذا الكلام من الله ؟؟؟؟؟
لما رجع الرسول إلى مكة وهو حزين فلما كان بنخلة وهي على قرب من مكة قام يصلي من الليل فصرف الله إليه سبعة من الجن فاستمعوا إليه ولم يشعر بهم وآمنوا به وأنزل الله فيهم قرآنا يتلى قال الله تعالي ". وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآَنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ... الآية "
وأرسل الرسول رجلا من خزاعة إلى الأخنس بن شريق قائلا له " هل أنت مجيري حتى أبلغ رسالة ربي ؟ " فاعتذر وكذا أرسل الرجل إلى سهيل بن عمرو فاعتذر ثم أرسله إلى مطعم بن عدي فاستجاره وأدخله ونهى أحدا أن يتعرض له أو يهجوه وكان النبي لا ينسى ذلك لمطعم وهكذا حمى الدعوة مَن هم ليسوا من المسملين ومن جنس الكفرة والمشركين !!! ويلي ذلك بيعة العقبة الأولى حيث عرض النبي نفسه ودعوته على القبائل وفي المواسم على الأفراد والجماعات وتمت بيعة العقبة الأولى في منى وكان ذلك في السنة الثانية عشر من النبوة وكان عدد المبايعين اثنا عشر رجلا
وفي العام التالي كانت بيعة العقبة الثانية وكان عدد المبايعين للرسول ولدعوته سبعون رجلا وكان ذلك أعظم تمهيد لهجرة الرسول عليه الصلاة والسلام
ولقد استنفذت كل المحاولات في إصلاح أهل مكة ودعوتهم إلى الله ترى في ماذا فكر الرسول عليه الصلاة والسلام ؟؟؟
ففكر النبي صلى الله عليه وسلم في مكان يأمن فيه المسلمون على أنفسهم حال عبادتهم لربهم فأمر المسلمون أولا أن يهاجروا إلى الحبشة وتكرر ذلك مرتين ثم خرج الرسول إلى الطائف ثم فكر في المدينة ودعا أهلها قبل أن يدخلها عن طريق بيعتي العقبة الأولى والثانية ثم فكر في الخروج وخطط له بخطط ناجحة وممكنة فذهب إلى أبي بكر كما في صحيح البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها قالت لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشية.....................فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أريت دار هجرتكم رأيت سبخة ذات نخل بين لابتين وهما الحرتان فهاجر مَن هاجر قبل المدينة حين ذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجع إلى المدينة بعض مَن كان هاجر إلى أرض الحبشة وتجهز أبو بكر مهاجرا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم على رسلك فإني أرجو أن يؤذن لي قال أبو بكر هل ترجو ذلك بأبي أنت قال نعم فحبس أبو بكر نفسه