35- فضلُ صيامِ التطوع
عَنْ أَبي أُمَامَةَ قَالَ: «أتيتُ رسُولَ الله ﷺ فَقُلْتُ: مُرْني بأَمْرٍ آخُذُهُ عَنْكَ، قَالَ: عَلَيْكَ بالصَّومِِ فَإِنَّهُ لا مِثْلَ لَه».
وفي لَفْظٍ آخَرَ أَنَّ أَبا أُمَامَةَ سَأَلَ رَسُولَ الله ﷺ فقَالَ: «أَيُّ العَمَل أَفْضَلُ؟ قَالَ: عَلَيْكَ بالصَّومِِ فَإِنَّهُ لا عِدْلَ لَهُ».
وفي رِوَايَةٍ أَنَّ أَبَا أُمَامَةَ قَالَ: «يا رسُولَ الله، مُرْنِي بِعَمَل أَدْخُلُ به الجَنَّةَ، فقَالَ: عَلَيكَ بالصَّوم فَإِنَّهُ لا مِثْلَ له، قَالَ: فكَانَ أبو أُمَامَةَ لا يُرى في بَيتِهِ الدُّخَّانُ نَهاراً إلا إذا نَزَلَ بِهمْ ضَيفٌ، فإذا رَأُوا الدُّخانَ نَهاراً عَرَفوا أَنهُ قَدْ اعَترَاهُم ضَيفٌ».
وفي رِوَاية فقلت: «يا رَسُولَ الله، مُرْنِي بِعَمَلٍ، قَالَ: عَليكَ بالصَّومِ فإِنَّه لا مِثْلَ له، قَالَ: فَما رُئِي أَبو أُمَامَةَ ولا امرَأَتُهُ ولا خَادِمُهُ إلاّ صِيَاماً، قال: فَكَانَ إِذا رُئِيَ في دَارِهم دُخانٌ بالنَّهارِ قيل: اعترَاهُم ضَيفٌ، نزَلَ بهم نَازِل، قَالَ: فلَبِث بذلك مَا شَاءَ الله ثُمَّ أتَيتُهُ فقلت: يا رَسُولَ الله أَمَرْتَنا بالصِّيام فأرَجو أن يكونَ قد بَاركَ اللهُ لنَا فيه. يا رسُولَ الله، فَمُرْنِي بِعَمَلٍ آخَرَ قَالَ: اعْلَمْ أنَّكَ لنْ تَسْجُدَ لله سَجْدَةً إلا رَفَعَ اللهُ لَكَ بها دَرجَةً وحَطَّ عَنْكَ بها خَطِيئَةً» رَوَاهُ النسائيُ وأَحمدُ وصححه ابنُ خزيمةَ وابنُ حبانَ والحاكم( ).
الفوائد والأحكام:
الأول: حِرْصُ الصَّحابَةِ على السُّؤالِ عمَّا يَنفعُهُم في الآخرة.
الثاني: أنَّ الصومَ من أفضَلِ الأعمالِ، وهَذَا الحَدِيثُ يَدلُّ على أنَّه أفضَلُهَا، وَقَدْ جَاءَ أَنَّ أَفْضَلَهَا الصَّلاةُ في حَديثِ «واعلَمُوا أنَّ خيرَ أعمالِكُمُ الصَّلاة»، والظاهِرُ أَنَّ الأفضليَّةَ لكلِّ إنسانٍ بِحَسَبِهِ، فقد يكونُ الصيَامُ في حقِّ بعضِ النَّاسِ أفضَلَ لأَنَّهُ يَردَعُهُ عن الشَّهَواتِ المُحرَّمَةِ، ويصَفِّي قَلبَهُ لعبادَةِ الله تعالى، وتكونُ الصَّلاةُ أفضلَ لآخَرين؛ لأنَّ أجسَامَهُمُ لا تُطِيقُ الصيَامَ، أو تَضْعُفُ بِسَبَبِهِ عَنْ أَدَاءِ الوَاجبَاتِ الأُخْرى، قَالَ ابنُ القَيمِ رَحِمَهُ الله تَعَالى: «وَمَنْ غَلَبتْ عَلَيهِ شَهْوَةُ النِّساءِ فَصَومُهُ لهُ أفضَلُ مِنْ غيره».
الثالث: أَنَّ الصيَامَ سببٌ لقطعِ دواعِي الشَّهواتِ التي هي سببٌ للإثْمِ، وتصُدُّ عن الطَّاعاتِ؛ وقد أُمِرَ به الشَّابُ الذي لا يَجِدُ مَؤُنةَ الزَّواجِ، ويخافُ على نفسِهِ الحرَامَ؛ ولِذَا كَانَ لا عِدْلَ له ولا مَثِيلَ في هَذهِ النَّاحِيَةِ.
الرابع: امْتثالُ أَبي أُمَامَة وآلِ بَيتِهِ لأَمْرِ النَّبيِّ ﷺ إيَّاهُم بالصِّيَام، وهَذَا يَدُلُّ عَلى سُرْعَةِ امْتِثَالِ الصَحَابَةِ لأَوَامَرِ الشَّرْعِ الحَنِيِف .
الخامس: مَشْرُوعيَّةُ إِكْرَامِ الضيَّفِ، ومِن إِكْرَامِهِ تَرْكُ صَومِ التَّطَوِّعِ لأَجلِه.