2- بم يثبتُ دخولُ الشهر وخروجُه
عَنْ عَبدِالله بنِ عُمَرَ رَضيَ الله عَنْهُما أَنَّ رَسُولَ الله ﷺ ذَكَرَ رَمَضَانَ فقَالَ: «لا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوا الهِلال، ولا تُفْطِروا حَتَّى تَروْهُ، فَإِنْ غُمَّ عليكُمُ فاقْدُرُوا لهُ» رواه الشيخان.
وفي رِوايةٍ لِلْبُخَاري: «إِذا رَأَيتُمُوهُ فصُومُوا، وإِذا رَأَيتمُوهُ فأفطِرُوا، فَإِنْ غَمَّ عَلَيكُم فاقدُرُوا له»( ).
وَمَعْنَى: فَاقْدُرُوا له: أَيْ: ابْلُغُوا به قَدْرَهُ، وقَدْرُ الشَّهْرِ ثَلاثُونَ يَوْماً، والمعْنَى: إِتْمامُهُ، وهَذَا هُوَ قَوْلُ جُمْهورِ السَّلَفِ والخَلَفِ( ) بِدَلِيلِ الرِّوَايَاتِ الأُخْرَى، ومِنْهَا: رِوايةُ: «فَإِنْ أُغْمِىَ عَلَيْكُم فَاقْدُروا لَهُ ثَلاثِين»، ورِوايةُ: «فَعُدُّوا ثَلاثينَ» ورِوايَةُ: «فَأَكْمِلُوا العَدَدَ» وكُلُّها في صَحِيحِ مُسْلِمٍ ( ).
وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: «إِذا رأَيتُم الهِلالَ فصُومُوا، وإِذا رَأيتُمُوهُ فَأَفْطِروا، فإن غُمَّ عَلَيكُمْ فصُومُوا ثلاثِينَ يَوماً».
وفي رِوايةٍ: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِن غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاثينَ».
وفي رِوايةٍ: «فَإِن غَبِيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاثِينَ» رواه الشيخان( ).
وعَنْ عَبْدِالله بنِ عُمَرَ رَضِيَ الله عَنْهُما قَالَ: «تَرَاءَى النَّاسُ الهلالَ فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ الله ﷺ أَني رَأَيْتُهُ فَصَامَهُ وأَمَرَ النَّاسَ بِصيَامِهِ» رواه أبو داود وصححه ابن حبان والحاكم( ).
الفوائد والأحكام:
الأول: أَنَّ صيَامَ رَمَضَانَ مُعَلَّقٌ بِرُؤْيَةِ هِلالِهِ الرُّؤْيَةَ الشَّرعيَّةَ، فَإِنْ حَالَ دُونَ رُؤْيَتِهِ غَيْمٌ أو غُبَارٌ أو دُخَانٌ أَوْ نَحْوُه وجَبَ إِكْمالُ شَعْباَنَ ثَلاثِين يَوْماً.
الثاني: أنه لا يُصَامُ آخرُ يَوْمٍ من شَعبَانَ على الاحتِيَاطِ ولو لم يُرَ الهلالُ بِسَبَبِ الغيمِ والغُبارِ وغَيرِهِ؛ لِنَهْيِ النَّبيِّ ﷺ عَنْ ذَلكَ بِقَوْلِهِ: «لا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوا الهِلالَ» والنَّهيُ يَقْتَضِي التَّحْريمَ.
الثالث: إذا ثبَتَتْ رَؤْيَةُ الهِلَالِ وجَبَ الصَّوْمُ، ولا يُلْتَفتُ إِلى أقَاويلِ أهلِ الحِسَاب( ).
الرابع: أَنَّ مِنْ يُسْرِ الشَّريعَةِ الإسْلامِيَّةِ تَعلِيقَ الصَّوْمِ والإفْطَارِ على الرُّؤيَةِ التي لا تَحتَاجُ إلى تعَلُّمٍ، ويُدْرِكُهَا مَنْ كَانَ قَويَّ الإِبْصَارِ، وَلَو كَانَتْ بالحِسَابِ الفلَكيِّ لَشَقَّ ذَلكَ عَلى كَثيرٍ من المُسْلِمينَ في كَثيرٍ من الأقطَارِ التي لا يُوجَدُ فيهَا مَنْ يُتْقِنُ الحِسَابَ الفَلَكيّ( ).
الخامس: أَنَّ الصَّومَ يلزَمُ مَنْ كَانَ في البَلَدِ التي رُؤِي فيها الهِلالُ، أمَّا إذا كَانَ في بلَدٍ لم يُرَ فيها الهِلالُ فَلا يَصُومُ؛ لأنَّ الصَّومَ عُلِّقَ بالرُّؤيةِ، ولاخْتِلافِ مَطَالِعِ الهِلالِ بَينَ البُلْدَان( ).
السادس: أَنَّ دُخُولَ شَهْرِ رَمَضَانَ يُقْبَلُ فيهِ شَهَادَةُ عَدْلٍ وَاحِدٍ كَما دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ ابنِ عُمَرَ، وَأَمَا خُرُوجُ رَمَضَانَ فَلا بُدَّ فِيهِ مِنْ شَاهِدَيْنِ عَدْلَينِ، لِدَلالَةِ أَحَادِيثَ أُخْرَى عَلى ذَلك( ).
السابع: أَنَّ الإِمَامَ هُوَ الَّذي يَجيءُ الإِعْلانُ بِالصِّيَامِ أَوْ العِيدِ مِنْ جِهَتِهِ( ).
الثامن: أَنَّهُ يَنْبَغي لمنْ رَأَى الهلالَ أَنْ يُخبِرَ الإِمَامَ أَوْ نَائِبَهُ بِرُؤْيَتِهِ.
التاسع: أَنَّهُ يَجِبُ اعْتمادُ خَبَرِ وَسَائِلِ الإِعْلامِ الحَدِيثَةِ في إِعْلانِ دُخُولِ الشَّهْرِ وَخُرُوجِهِ إِذَا كَانَتْ تُعْلِنُ عَنْ أَمْرِ الإِمَامِ أَوْ نَائِبهِ( ).
العاشر: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلمُسْلِمينَ تَرَائي الهِلالِ لَيْلَةَ الثلاثينَ مِنْ شَهْرِ شَعْبَانَ، وَمِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ؛ لمعْرِفَةِ دُخُولِ الشَّهْرِ وَخُرُوجِهِ.
الحادي عشر: إِذَا رَأَت المرْأَةُ الهلالَ فَقَبُولُ شَهَادَتِهَا في ذَلِكَ مَحَلُّ خِلافٍ بَيْنَ العُلَماءِ، وَرَجَّحَ الشَّيْخُ ابنُ بَازٍ رَحِمَهُ الله تَعَالى عَدَمَ قَبُولِ شَهَادَتِها؛ لأَنَّ هَذا المقَامَ مما يَخْتَصُّ بِهِ الرِّجَالُ وُيُشَاهِدُونَهُ، وَهُمْ أَعْلَمُ بالنِّسَاءِ مِنْهُ وَأَعْرَفُ( ).