التماسُ ليلةِ القدرِ في إحدى وعشرين( )
عَن أَبي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِالرَحمنِ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالى قَالَ: «تَذَاكَرْنَا لَيْلةَ القَدرِ فَأَتيتُ أَبا سَعِيدٍ الخُدَريِّ وكانَ لي صَدِيقاً، فَقُلتُ: أَلا تَخرُجُ بنا إلى النَّخْلِ؟ فَخَرَجَ وعلَيهِ خَمِيصَةٌ، فقلتُ له: سَمِعْتَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَذكُرُ لَيلَةَ القَدْرِ؟ فَقَالَ: نعم، اعْتَكَفْنَا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم العَشرَ الوُسْطَى من رَمَضَانَ، فَخَرَجنا صَبِيحَةَ عِشرِينَ، فَخَطَبَنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إني أُرِيتُ لَيلَةَ القَدرِ، وإنِّي نَسِيتُها أو أُنْسِيتُها، فَالتَمِسُوهَا في العَشْرِ الأَوَاخِرِ من كُلِّ وِتْرٍ، وإنِّي أُرِيتُ أَنِّي أَسْجُدُ في ماءٍ وطِين فَمن كَانَ اعْتَكَفَ مع رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَليَرجِع، قَالَ: فَرَجَعْنَا ومَا نَرَى في السَّماءِ قَزَعَةً، قَالَ: وجَاءَت سَحَابَةٌ فَمُطِرْنَا حَتَّى سَأَلَ سَقفُ المَسجِدِ، وكانَ من جَرِيدِ النَّخلِ، وأُقِيمتْ الصَّلاةُ فَرأيتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَسجدُ في الماءِ والطين، قَالَ: حتى رَأيتُ أَثَرَ الطينِ في جَبْهَتِهِ» رواه الشيخان( )
وَفي رِوَايَةٍ: قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الخُدَرِيُّ رضي الله عنه: «كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُجَاوِرُ في رَمَضَانَ العَشَرَ الَّتي في وَسَطِ الشَّهْرِ، فَإِذا كَانَ حِينَ يُمْسي مِنْ عِشْرينَ لَيْلَةً تَمضي وَيَسْتَقْبِلُ إِحْدَى وَعِشْرينَ رَجَعَ إِلى مَسْكَنِهِ، وَرَجَعَ مَنْ كَانَ يُجاوِرُ مَعَهُ » رواه البخاري( )
ومن الفوائد والأحكام( ) أنَّ لَيلَةَ القَدْرِ تُطلَبُ في العَشرِ الأَوَاخِرِ، وأَرجَاهَا الأَوتَارُ، ومِنْ أَرْجَى الأَوتَارِ لَيلَةُ إِحدَى وعِشرِين,وَأَنَّهَا مَظِنَّةُ لَيْلَةِ القَدْرِ فَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَلاَّ يُفَرِّطَ في إِحْيَائِهَا.
التماسُ ليلةِ القَدْرِ في ثلاثٍ وعشرين( )
عَنْ عَبدِالله بنِ أُنيسٍ الجُّهَنيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُرِيتُ لَيْلَةَ القَدْرِ ثُم أُنْسيتُها وأَرَاني صُبْحَهَا أَسْجُدُ في مَاءٍ وطِينٍ، قَالَ: فَمُطِرنَا لَيْلَةَ ثَلاثٍ وعِشرينَ، فَصَلَّى بنا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَانْصَرفَ وإِنَّ أَثَرَ الماءِ والطِّينِ عَلى جَبْهَتِهِ وَأَنْفِهِ، قَالَ: وَكَانَ عَبدُالله بنُ أَنيسٍ يَقُولُ: ثَلاثٍ وعِشرينَ» رواه مسلم( )
وعَنْ ابنِ عَباسٍ رَضيَ الله عَنْهُما قَالَ: «أُتِيْتُ وأَنا نَائِمٌ في رَمَضَانَ فَقيلَ لي: إِنَّ الَّليلةَ لَيْلَةُ القَدْرِ، قَالَ: فَقُمْتُ وَأَنا نَاعِسٌ فَتَعَلَّقْتُ بِبَعْضِ أَطْنَابِ فُسْطَاطِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَأَتَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فَإِذَا هُوَ يُصَلي، قَالَ: فَنَظَرْتُ في تِلْكَ الَّليْلَةِ فَإِذا هِيَ لَيْلَةُ ثَلاثٍ وعِشرينَ» رواه أحمد( )
الفوائد والأحكام:فَضَيلَةُ لَيْلَةِ ثَلاثٍ وعِشْرينَ، وأَنَّها مَظِنَّةُ لَيْلَةِ القَدْرِ فَيَنْبَغي للمُسْلِم إِحْيَاؤُهَا بالعِبَادَةِ، والاجْتِهَادُ فِيهَا.
التماسُ ليلةِ القَدْرِ في السبعِ الأواخر
عَن ابنِ عُمَرَ رَضيَ الله عَنْهُما أَنَّ رِجَالاً مِنْ أَصْحَابِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أُرُوُا لَيْلَةَ القَدْرِ في السَّبْعِ الأَوَاخِرِ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : «أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ في السَّبْعِ الأَوَاخِرِ، فَمَنْ كَانَ مُتَحَرِيْها فَلْيَتَحَرَاها في السَّبْع الأَوَاخِر» متفق عليه. وفي رواية: «التَمِسُوهَا في العَشْرِ الأَوَاخِر، فَإِنْ ضَعُفَ أَحَدُكُمْ أَوْ عَجَزَ فَلا يُغْلَبَنَّ على السَّبْع البَواقِي».وفي رواية: «تَحَرُّوا لَيْلَةَ القَدْرِ في السَّبْعِ الأَوَاخِر»( )
الفوائد والأحكام:أَنَّ رُؤْيا الصَّحَابَةِ رَضيَ اللهُ عَنْهُم تَواطَأَتْ عَلى أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ في السَّبع الأَواخِرِ من رَمَضَان، وَأَمَرَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بتَحَرِيهَا فيهَا ذَلكَ العَام، فَهِيَ مِنْ آكدِ الَّليالي ( ) ومنها أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدرِ قَدْ تُكْشَفُ لبَعْض النَّاس في المنَامِ أَو اليَقَظَةِ فَيَرى أَنْوارَهَا، أَو يَرى مَنْ يَقولُ لَه: هَذهِ لَيلَةُ القَدْرِ، وقَد يَفْتَحُ اللهُ تَعالى عَلى قَلْبِهِ مِن المُشَاهَدَةِ مَا يَتَبيَّنُ به الأَمْر ( )
التماسُ لَيلةِ القَدرِ في آخرِ ليلة
عَنْ عُيَيْنَةَ بنِ عَبدِالرَّحمنِ قَالَ: حَدَّثَني أَبي قَالَ: «ذُكِرَتْ لَيْلَةُ القَدْرِ عِنْدَ أَبي بَكْرَةَ فَقالَ: مَا أَنا مُلْتَمِسُهَا لِشَيءٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم إِلا في الْعَشْرِ الأَواخِرِ فَإِني سَمِعْتُهُ يَقولُ: التَمِسُوهَا في تِسْعٍ يَبْقينَ، أَو في سَبْعٍ يَبْقينَ، أَو في خَمْسٍ يَبْقينَ أَو في ثَلاثٍ، أَو آخِرِ لَيْلَةٍ، قَالَ: وكَانَ أَبُو بَكْرَةَ يُصَلِّي في العِشْرينَ مِنْ رَمَضَانَ كَصَلاتِهِ في سَائِرِ السَّنَةِ فَإِذَا دَخَلَ العَشْرُ اجْتَهَدَ» رواه الترمذي وقال: حسن صحيح ( )
وَعَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ أَبي سُفيانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : «التَمِسُوا لَيْلَةَ القَدْرِ في آخِرِ لَيْلَةٍ» رَوَاهُ ابنُ خُزَيْمَةَ وبَوَّبَ عَلَيهِ فَقالَ: بَابُ الأَمْرِ بِطَلَبِ لَيْلَةِ القَدْرِ آخِرَ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ إِذْ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ في بَعْضِ السِّنينَ تِلْكَ الَّليْلَةَ( )
التماس ليلةِ القَدْرِ في سبعٍ وعشرين
أنها ليلة السابع والعشرين , وهو قول جمع من الصحابة منهم أبي بن كعب ( ) وأنس بن مالك( ) وإليه ذهب زر بن حبيش ( ) قال الحافظ ابن حجر: "القول الحادي والعشرين: أنها ليلة سبع وعشرين. وهو الجادّة من مذهب أحمد، ورواية عن أبي حنيفة، وبه جزم أبي كعب، وحلف عليه، كما أخرجه مسلم"( ) وعن زر بن حبيش عن أُبي بن كعب رضي الله عنه قال: قال أُبيّ في ليلة القدر: (والله إني لأعلمها، وأكبر علمي هي الليلة التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها، وهي ليلة سبع وعشرين) ( )
وفي رواية عَنْ زِرِّ بنِ حُبَيْشٍ رَحِمَه اللُه تَعَالى قَالَ: «سَأَلْتُ أُبيَّ بنَ كَعْبٍ رضى الله عنه فَقُلْتُ: إِنَّ أَخَاكَ ابْنَ مَسْعُودٍ يقولُ: مَنْ يَقُم الحَوْلَ يُصِبْ لَيْلَةَ القَدْرِ، فقالَ: رَحِمَهُ الله أَرَادَ أَنْ لا يَتَّكِلَ النَّاسُ، أَمَا إِنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّها في رَمَضَانَ وأَنها في العَشْرِ الأَوَاخِرِ، وأَنها لَيْلَةُ سَبْعٍ وعِشْرينَ، ثُم حَلَفَ لا يَسْتَثْنِي أنَها لَيْلَةُ سَبْعٍ وعِشْرينَ، فقلتُ: بِأَيِّ شَيءٍ تَقُولُ ذَلكَ يَا أَبَا المنْذِرِ، قَالَ: بالعَلامَةِ أو بالآيَةِ الَّتي أَخْبَرنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَنَّها تَطْلُعُ يَوْمَئذٍ لا شُعَاعَ لها» رواه مسلم( ) وفي رِوايةٍ لأَحمد: «أَنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ غَدَاةَ إِذْ كَأَنَّها طَسْتٌ لَيْسَ لَها شُعَاعٌ»( ) وفي رِوايةٍ لِلترمذيِّ قَالَ أُبَيٌّ رضي الله عنه: «والله لَقَدْ عَلِمَ ابنُ مَسْعُودٍ أَنَّها في رَمَضَان، وأَنَّها لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرينَ، ولَكِنْ كَرِهَ أَنْ يُخبِرَكُمْ فَتَتَكِلُوا» ( )وعَنْ مُعَاويَةَ رضي الله عنه عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالْ: «لَيْلَةُ القَدْرِ لَيْلَةُ سَبْعٍ وعِشْرينَ» رواه أبو داود ( ) وعَنْ عَبْدِالله بنِ عَبّاسٍ رَضيَ الله عَنْهُما أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «يا نَبيَّ الله، إِنّي شَيْخٌ كَبيرٌ عَلِيلٌ يَشُقُّ عَلَيَّ القِيَامُ، فَأْمُرْني بِلَيْلَةٍ لَعَلَّ الله يُوَفِّقُني فيهَا لَيْلَةَ القَدْر، قالَ: عَلَيْكَ بالسَّابِعَةِ» رواه أحمد( )
الفوائد والأحكام:
أَنَّ مِنْ عَلامَاتِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ شُرُوقُ الشَّمْسِ صَبِيحَتَها بَيْضَاءَ لا شُعَاعَ لَها.وأَنَّ إِخْبَارَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لِذَلكَ الشَّيْخِ الْكَبيرِ العَليلِ بأَنَّها في سَبْعٍ وعِشْرينَ لا يُعَارِضُ الأَحَاديثَ الأُخْرى الَّتي جَاءَ فِيهَا أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ في غَيْرِهَا؛ إِذْ إِخْبَارُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ تِلْكَ الَّليْلَةِ كَانَ في تِلْكَ السَّنَةِ الَّتي سَأَلَهُ السَّائِلُ عَنْهَا؛ وذَلكَ جَمْعاً بَينَ النُّصُوصِ المخْتَلفَةِ في ذَلك.
الترجيح:ولعل أرجح الأقوال فيها أنها في العشر الأواخر من رمضان؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إني أُريت ليلة القدر ثم أنسيتها، فالتمسوها في العشر الأواخر)) ( )
وقد نُقل إجماع الصحابة على هذا؛ فقد روى عبد الرزاق في مصنّفه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "دعا عمر بن الخطاب أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فسألهم عن ليلة القدر، فأجمعوا أنها في العشر الأواخر..." ( )
ويستحب تحرّيها في الأوتار من العشر الأواخر، كليلة الحادي والعشرين، والثالث والعشرين، والخامس والعشرين، والسابع والعشرين، والتاسع والعشرين ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((فالتمسوها في العشر الأواخر في الوتر)) ( ) وقولِه صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة: ((تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان)) ( ) وقولِه: ((التمسوها في العشر الأواخر من رمضان ليلة القدر في تاسعة تبقى، في سابعة تبقى، في خامسة تبقى)) ( ) وقولِه: ((هي في العشر الأواخر، في تسع يمضين أو في سبع يبقين)) ( )
قال ابن بطال: "وإنّما يصح معناه وتُوافِق ليلة القدر وتراً من الليالي على ما ذُكِر في الحديث: إذا كان الشهر ناقصاً، فأما إن كان كاملاً فإنها لا تكون إلا في شفع، فتكون التاسعة الباقية: ثنتين وعشرين، والخامسة الباقية: ليلة ست وعشرين، والسابعة الباقية: ليلة أربع وعشرين على ما ذكره البخاري عن ابن عباس، فلا تصادف واحدة منهن وتراً، وهذا يدل على انتقال ليلة القدر كل سنة في العشر الأواخر من وتر إلى شفع، ومن شفع إلى وتر، لأنّ النبي عليه السلام لم يأمر أمته بالتماسها في شهر كامل دون ناقص، بل أطلق طلبها في جميع شهور رمضان التي قد رتبها الله مرّة على التمام، ومرةً على النقصان، فثبت انتقالها في العشر الأواخر وكلّها على ما قاله أبو قلابة" ( )
وهي في ليلة السابع والعشرين آكد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، التمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة)) ( ) ولحلف أبيّ بن كعب رضي الله عنه على ذلك.قال الحافظ ابن حجر: "وأرجاها أوتار العشر، وأرجى أوتار العشر عند الشافعية ليلة إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين على ما في حديث أبي سعيد وعبد الله بن أنيس، وأرجاها عند الجمهور ليلة سبع وعشرين"( )