فضل ليلة القدر
1- لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مّنْ أَلْفِ شَهْرٍ: فإن ليلة القدر هي أفضل ليالي العام والموفق والسعيد من يسر الله له قيامها واجتهد في فعل الأعمال الصالحة فيها فإن العمل فيها ليس كالعمل في غيرها بل أعظم أجراً وثواباً، وقال الدكتور عبد الرحمن حبنكة: "وألف شهر تعادل ثلاثاً وثمانين سنة وثلث السنة، وهذا عمرٌ قلَّ من الناس من يبلغه، فكيف بمن يعبد الله فيه، وهو لا يعبد إلاّ مميزًا على أقل تقدير"( ) .
2- تَنَزَّلُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا: قال البغوي: "قوله عز وجل: {تَنَزَّلُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ وَٱلرُّوحُ} يعني جبريل عليه السلام معهم {فِيهَا} أي: ليلة القدر {بِإِذْنِ رَبّهِم} أي: بكل أمرٍ من الخير والبركة"( ) وقال الحافظ ابن كثير: "أي: يكثر تنـزّل الملائكة في هذه الليلة لكثرة بركتها، والملائكة يتنـزلون مع تنزّل البركة والرحمة، كما يتنـزلون عند تلاوة القرآن، ويحيطون بحِلَقِ الذكر، ويضعون أجنحتهم لطالب العلم بصدقٍ تعظيماً له"( )
3- سَلَـٰمٌ هِىَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ ٱلْفَجْرِ: هي خير كلها ليس فيها شر إلى مطلع الفجر فعن مجاهد في قوله: {سَلَـٰمٌ هِىَ} قال: "سالمة لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءاً أو يعمل فيها أذى"( ) قال أبو المظفر السمعاني: "وقوله: {سَلَـٰمٌ هِىَ} فيه قولان:أحدهما: أن المراد منه تسليم الملائكة على من يذكر الله تعالى في تلك الليلة ( ) والقول الثاني: {سَلَـٰمٌ} أي سلامة، والمعنى أنه لا يعمل فيها داء ولا سحر ولا شيء من عمل الشياطين والكهنة" ( ) وقال ابن الجوزي: "... وفي معنى السلام قولان:أحدهما: أنه لا يحدث فيها داء ولا يُرسَل فيها شيطان، قاله مجاهد.والثاني: أن معنى السلام: الخير والبركة، قاله قتادة، وكان بعض العلماء يقول: الوقف على {سَلَـٰمٌ}، على معنى تنزّل الملائكة بالسلام"( )
4- من قامها إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدّم من ذنبه:فإن من وفق لقيامها مع إيمانه واحتسابه لهذا القيام غفر الله له ما تقدم من ذنبه فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدّم من ذنبه)) ( ) قال ابن بطال: "ومعنى قوله: ((إيماناً واحتساباً)) يعني مُصدِّقاً بفرض صيامه، ومصدقاً بالثواب على قيامه وصيامه، ومحتسباً مريداً بذلك وجه الله، بريئاً من الرياء والسمعة، راجياً عليه ثوابه"( ) قال النووي: "معنى إيماناً: تصديقاً بأنّه حق، مقتصد فضيلته، ومعنى احتساباً: أن يريد الله تعالى وحده، لا يقصد رؤية الناس ولا غير ذلك مما يخالف الإخلاص، والمراد بالقيام: صلاة التراويح، واتفق العلماء على استحبابها"( ) قال الخطابي: احتسابًا أي عزيمة، وهو أن يصومه على معنى الرغبة في ثوابه، طيبة نفسه بذلك، غير مستثقل لصيامه، ولا مستطيل لأيامه. قال ابن الأثير: الاحتساب في الأعمال الصالحة وعند المكروهات هو البدار إلى طلب الأجر. أي المبادرة إلى طلب الأجر وتحصيله بالتسليم والصبر، وباستعمال أنواع البر والقيام بها على الوجه المشروع؛ طلبا للثواب ونجاة من العقاب.(غفر له ما تقدم من ذنبه): قال النووي: إن المكفرات إن صادفت السيئات تمحوها إذا كانت صغائر، وتخففها إذا كانت كبائر، وإلا تكون موجبة لرفع الدرجات في الجنات. فمَن
صام الشهر مؤمنا بفرضيته، محتسبا لثوابه وأجره عند ربه، مجتهدا في تحري سنة نبيه صلى الله عليه وسلم فيه فهو من أهل المغفرة.
- تقدير الأرزاق والآجال والمقادير فيها:ومن فضلها أنه يقدر فيها التقدير الحولي قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَـٰرَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}( ) . أي في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى الملائكة الكتبة أمر السنة وما يكون فيها من الأرزاق والآجال وهذا قول غير واحد من السلف. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (إن الرجل ليمشي في الناس وقد رُفع في الأموات)، ثم قرأ هذه الآيةوقال: (يفرق فيها أمر الدنيا من السنة إلى السنة) ( ) وقال أبو عبد الرحمن السلمي في الآية: "يُدَبِّر أمر السنة في ليلة القدر"( ) وقال مجاهد: "كنا نحدّث أنه يفرق فيها أمر السنة إلى السنة"( ) ونقل القرطبي عن ابن عباس رضي الله عنه: "يحكم الله أمر الدنيا إلى قابل في ليلة القدر ما كان من حياة أو موت أو رزق، وقاله قتادة ومجاهد والحسن وغيرهم، وقيل: إلا الشقاء والسعادة فإنهما لا يتغيران ؛ قاله ابن عمر" ( ) واختُلف في الليلة المراد بها في الآية على قولين:
القول الأول: أنها ليلة القدر. وهو قول ابن عباس ( ) وأبي عبد الرحمن السلمي( ) وقتادة ( ) ومجاهد( ) والحسن البصري ( )
القول الثاني: أنها ليلة النصف من شعبان. وهو مروي عن عائشة ( ) وعكرمة ( )
ونرجح ما قاله ابن جرير الطبري: "وأولى القولين بالصواب قول من قال: ذلك ليلة القدر؛ لما تقدم من بياننا عن أن المعنيّ بقوله: {إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَـٰرَكَةٍ}( ) ليلة القدر، والهاء في قوله: {فِيهَا} من ذكر الليلة المباركة"( )
وقال الحافظ ابن كثير: "... ومن قال إنها ليلة النصف من شعبان كما رُوي عن عكرمة فقد أبعد النُجعة، فإنّ نص القرآن أنّها في رمضان. والحديث الذي رواه عبد الله بن صالح عن الليث عن عقيل عن الزهري أخبرني عثمان بن محمد بن المغيرة بن الأخنس قال: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان حتى إنّ الرجل لينكح ويولد له، وقد أخرج اسمه في الموتى)) ( ) فهو حديث مرسل، ومثله لا يعارض به النصوص"( )
وما أعظم أن يرغم العبد أنفه لربه تبارك وتعالى ، بكثرة السجود ، وكثرة الركوع ، وطول القيام ، لمناجاة الخالق جل جلاله ، وقد كان السلف الصالح من هذه الأمة يطيلون صلاة الليل متأسين بنبيهم صلى الله عليه وسلم الذي كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه وتتشقق من طول قيامه لله ، ومناجاة لمولاه ، قال تعالى : " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً " ( )يقول السائب بن يزيد : أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، أبي بن كعب ، وتميماً الداري رضي الله عنهما أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة ، قال : وقد كان القارئ يقرأ بالمئين حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام ، وما ننصرف إلا في فروع الفجر " .