الحمدُ للهِ عظيمِ الشانِ، قديمِ الإحسانِ، ذي الفضلِ والامتنانِ، القائلُ في محكمِ القرآنِ: ﴿ هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ ﴾ [الرحمن:60].
نشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ، وحدهُ لا شريكَ لهُ الرحيمُ الرحمنُ، ونشهدُ أنَّ سيِّدَنا ونبينَا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُهُ بعثهُ اللهُ للإنسِ والجانِّ، صلى اللهُ وسلَّمَ وباركَ عليهِ وعلى آلهِ وأصحابهِ الذينَ آمنوا بهِ ونصروهُ فانتصروا على سائرِ الأديانِ.
أما بعدُ: فاتقوا اللهَ، عبادَ اللهِ، فبالتقوى تبلغوا رِضى الرحمنِ، وتفوزوا بأعَالي الجِنَانِ.
عبادَ اللهِ... إنَّ مِنْ أعظمِ الإحسانِ معَ اللهِ استشعارُ نعمةِ الهِدايةِ لهذا الدينِ العظيمِ والدَّلالةِ لهذا الدينِ القويمِ.
فالمالُ والأولادُ والزوجةُ والأهلُ وتسخيرُ الكونِ كُلِّهِ للإنسَانِ وغيرُ ذَلِكَ مِنَ النِّعَمِ الكثيرةِ. كلُّ هذهِ النعمِ تنتهي بانتهاءِ الحياةِ.
أما النعمةُ الوحيدةُ التي يمتدُّ أثرُها إلى الآخِرةِ فهيَ أكبرُ نِعمةٍ أنعمَ اللهُ بها علينا، ألا وهىَ نعمةُ الإسلامِ؛ فهيَ التي تُفَرِّقُ بينَ المسلمِ والكافرِ وبينَ المؤمنِ والغافلِ وبينَ الطائعِ والعاصِي فيظهرُ أثَرُها في الدنيا وعندَ الموتِ وفي الآخرةِ.
فالإسلامُ هوَ دِينُ اللهِ، دينُ اللهِ تباركَ وتعالى الذي رَضِيَهُ لِعِبادهِ دِينًا ولا يُقْبلُ منهمْ دِينًا سِواهُ.
يقولُ جلَّ وعَلا: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [آل عمران:19].
وقال تعالى: ﴿ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنعام:125] ويقول جلَّ وعلا: ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران:85]. أيْ: في الإسلامِ.
فإذا نظرتُمْ إلى أهلِ الأرضِ وجدتُمُوهُمْ، إمَّا لا دِينِيِّينَ ملاحِدةً لا يؤمنونَ بِرَبِّ، وإنما يَعِيشونَ عِيشةَ البهَائمِ: ﴿ وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ ﴾ [الأنعام: 29]، وإمَّا أنْ يكونوا على دِينٍ بَاطلٍ، إمَّا يَهُودِيةٍ، أوْ نصرانيةٍ مُحَرَّفةٍ ومَنسوخةٍ، وإمَّا وثنيةٍ، وعبادةٍ لغيرِ اللهِ عزَّ وجلَّ مِنَ الأصنامِ والأحجارِ والأشجارِ والقبورِ والأضرحةِ وغيرِ ذلكَ، فَهُمْ يعيشونَ مشركينَ كُفَّارًا لا حاضرَ لهمْ ولا مستقبلَ، ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ ﴾ [محمد: 12].
أمَّا مَنْ مَنَّ اللهُ عليهِ في الإسلامِ فإنهُ على نُورٍ مِنْ ربهِ في عَقيدتهِ، وفي عبادَتِهِ، وفي معاملاتِهِ، وفي أخلاقِهِ، وسُلوكِهِ فهوَ على نورٍ مِنْ رَبِّهِ في كلِّ أحْوالِهِ، يَعيشُ في الدنيا عِيشَةَ المؤمنينَ المطْمئنينَ، وفي الآخِرةِ يكونُ في جَنَّاتِ النَّعيمِ، فلهُ الحَاضرُ ولهُ المستقبَلُ بإذنِ اللهِ عزَّ وجلَّ.
ولهذا كانَ الواجِبُ مَعَ اللهِ الإحسانَ معَه سبحانَهُ وشُكْرَه والثَنَاءَ عَلَيْهِ.
ومِنَ الإحْسانِ معَ اللهِ اعتقادُ أنَّ اللهَ وحدَهُ هوَ الخالقُ الرَّازقُ الْمُعطِي المانعُ النافعُ الضَارُّ، مُدَبِّرُ الأمورِ الذي يُدَبِّرُ الأمرَ منَ السَّماءِ إلى الأرْضِ، وَمِنْه كَذَلكَ إفْرادُ اللهِ تعَالى بأفعَالِ عِبَادِهِ فلا يُدْعَى ولا يُسْتَغاثُ ولا يُذْبَحُ ولا يُنْذَرُ إلَّا لهُ سُبحانَهُ، وأنْ نُثْبِتَ لهُ مِنْ أَسمَائِهِ وصفَاتِهِ ما أَثْبتَهَا لِنفسِهِ أَوِ الَّتي أثْبتَهَا لَهُ رسُولُهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ.
ومِنَ الإحْسانِ معَ اللهِ تعالى أنْ يكونَ مُحمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ النبيُّ الأميُّ -صَلَواتُ رَبِّي وسلامُهُ عليهِ- القُدْوةَ والأُسْوةَ، فلا نُقَدِّمُ على قَوْلِهِ قَوْلَ بَشَرٍ كَائِنًا مَنْ كَانَ؛ لأنَّهُ الْمُبَلِّغُ عنِ اللهِ، وهو صَاحِبِ الشَّريعةِ الخَاتِمةِ والسَّبِيلِ القَويمِ، يَقولُ سُبحانهُ: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب:21].
هذهِ الأُسْوةُ تُوجِبُ علينا طَاعتَهُ واتِّباعَهُ حتَّى نَنَالَ رِضَا اللهِ عَلينا وَحُبَّهُ لنَا، يَقُولُ سُبْحانهُ: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [آل عمران:31].
فاتِّبَاعُ هذا النبيِّ واجِبٌ على كُلِّ مُسلمٍ وَمُسْلِمَةٍ، بلْ إنَّ الأَنبيَاءَ لوْ أَدْركُوا رَسُولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ مَا وَسِعَهُمْ إلاَّ أنْ يَتَّبِعُوهُ، يَقُولُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ مُوسَى كَانَ حَيًّا، مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي"، روَاهُ الإمامُ أَحمدُ والبَيْهَقِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ.
ومِنَ الإِحْسَانِ مَعَ اللهِ تعَالَى كَثْرَةُ الشُّكْرِ والابْتِهَالِ للهِ علَى نِعَمِهِ بلِسَانِهِ، وذلكَ بِحَمْدِ اللهِ والثَّنَاءِ عليهِ بِمَا هُوَ أَهلُهُ، وبجوارِحِهِ بتسخِيرِها في طَاعَتِهِ عزَّ وجلَّ.
ومِنَ الإِحْسَانِ مَعَ اللهِ قِيَامُ الْعَبْدِ بِمَا أمرَهُ اللهُ مِنَ العِبَادَاتِ العَظِيمَةِ الَّتِي يَفعَلُهَا العَبْدُ مُتَقَرِّبًا بِهَا إِلى اللهِ جَلَّ وعَلا- مُنْقَادًا مُسْتَسْلِمًا مُذْعِنًا للهِ خَاضِعًا لِجَنَابهِ سُبحانهُ، وأَعظَمُ طاَعَاتِ الإسْلامِ وأجَلُّهَا مَبَانِي الإسلامِ الْخَمْسَةُ الَّتِي بيَّنَها النَبِيُّ صلَّى اللهُ عليْهِ وَسَلَّمَ فِي أَحَادِيثَ مُتَكَاثِرَةٍ.
مِنْهَا حَديثِ ابنِ عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنهُمَا، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قَالَ: "شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ الْبَيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ"، رَوَاهُ البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ.
فَتُؤَدِّى هذِهِ العِبَادَاتِ أيًّا كَانَ نَوْعُهُا أدَاءً صَحِيحًا، باسْتِكْمَالِ شُرُوطِهَا وأرْكَانِهَا، واسْتِيفَاءِ سُنَنِهَا وآدَابِهَا، وأَعْظَمُهَا المحافَظةُ على الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ مَعَ جَمَاعةِ المسْلِمينَ؛ فالصَّلاةُ صِلَةٌ ومُنَاجَاةٌ بَينَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ.. الصَّلاةُ -يَا أهْلَ الإسلامِ- عَوْنٌ علَى مَتَاعِبِ ومصَاعِبِ الحيَاةِ: ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾ [البقرة:45].
ومِنَ الإحْسَانِ مَعَ اللهِ اسْتِشَعَارُ قُرْبِهِ سُبْحَانهُ مِنْهُ فَيَعْبُدُ اللهَ علَى هذِهِ الصِّفَةِ، وأنَّهُ أَمَامَ عَيْنِهِ كَأَنَّهُ يَرَاهُ، وذَلِكَ يُوجِبُ شَيْئًا عَظِيمًا مِنَ الْخَشْيَةِ والخَوفِ والهَيْبةِ والتعْظِيمِ، كمَا جَاءَ في رِوَايةِ أبي هُريرةَ، عَنْهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: «أَنْ تَخْشَى اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنَّكَ إِنْ لَا تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ"، رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وهذَا لا يَتِمُّ للْعَبْدِ إلاَّ إذَا كَانَ شُعُورُهُ قَوِيًّا بِمُرَاقَبَةِ اللهِ عَزَّ وجلَّ حتَّى كَأنَّهُ يرَاهُ تعَالَى ويُشَاهِدُهُ، أَوْ علَى الأَقَلِّ يُشْعِرُ نفْسَهُ بأَنَّ اللهَ تعَالَى مُطَّلِعٌ علَيْهِ، ونَاظِرٌ إِلَيْهِ، فبِهَذَا وحْدَهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُحَسِّنَ عِبَادَتَهُ ويُتْقِنُهَا، فَيَأْتِي بِهَا علَى الْوَجْهِ الْمَطْلُوبِ.
قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: "ولَوْ قَدَّرْنَا أَنَّ أَحَدَنَا قَامَ فِي عِبَادَةٍ وَهُوَ يُعَايِنُ رَبَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا مِمَّا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنَ الْخُضُوعِ وَالْخُشُوعِ وَحُسْنِ السَّمْتِ وَاجْتِمَاعِهِ بِظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ عَلَى الِاعْتِنَاءِ بِتَتْمِيمِهَا عَلَى أَحْسَنِ وُجُوهِهَا إِلَّا أَتَى بِهِ".
ومِنْ صُوَرِ الإحْسَانِ معَ اللهِ حُسْنُ الظنِّ باللهِ تعَالى، فَمَهْمَا كَانَ الأَمرُ صَعْبًا والظَّرْفُ مُؤْلِمًا كأَحْوَالِ أُمَّةِ الإسْلامِ اليومَ فلا بدَّ أنْ يَكونَ التَّفَاؤلُ حَاضرًا، والثِّقَةُ بنَصْرِ اللهِ تعَالَى قَرِيبًا، مَعَ بذْلِ الأَسْبَابِ كالدُّعَاءِ والدَّعْمِ المادِيِّ والإِعْلامِيِّ.
وأمَّا عَلَى الْمُسْتَوى الشَّخْصِيِّ فالْحَذَرُ كُلُّ الْحَذَرِ مِنْ سَيْطَرَةِ مَشَاعِرِ النقْصِ والإحْبَاطِ أوِ الخَوفِ الدَّائِمِ مِنَ الْمستَقْبَلِ والتَّشَاؤمِ مِنْ ذَلِكَ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلكَ في الصِّحَّةِ والعَافِيةِ، أوْ في مستَقْبَلِ الأبْنَاءِ، أوْ فِيمَا يَؤولُ إِليهِ المجْتمَعُ، أوِ التَّفكِيرِ بِأَنَّ الْحَظَّ السَّيءِ الْمُتَعَثِّرِ حَلِيفُهُ دَائِمًا، ولا بُدَّ أَنْ نَتَذَكَّرَ دَائِمًا أنَّ خَزَائِنُه سبحانَه مَلْأَى، وأنَّ عَطَاءَهُ ﻻ يَنْفَدُ، قَالَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ، وَقَالَ: يَدُ اللَّهِ مَلْأَى لاَ تَغِيضُهَا نَفَقَةٌ سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، وَقَالَ: أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَدِهِ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ، وَبِيَدِهِ المِيزَانُ يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ" رواهُ البُخَاريُّ ومُسْلمٌ.
عِبَادَ اللهِ... ومِنْ صُوَرِ الإحسانِ معَ اللهِ الإخْلاصُ وصدقُ النِّيَّةِ وصَلاحُهَا، قالَ عزَّ وجلَّ: ﴿ أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ﴾ [الزمر:22]، فالْمُوَفَّقُ هوَ ذَاكَ الْمُخْلِصُ الذي أخلَصَ عمَلَهُ للهِ فصَدَقَ مَعَ رَبِّهِ يُريدُ مَرْضَاتَهُ مُكْتَفِيًا باطِّلاعِ اللهِ عليهِ، فلا يَلْتَفِتُ إلى الْمَخْلُوقِينَ لِيَمْدَحُوهُ أوْ يَنَالَ إِعْجَابَهَمْ، فهوَ يَحْذَرُ مِنَ الرِّيَاءِ والسُّمْعَةِ والْعُجْبِ والإِدْلاَلِ بالْعَمَلِ وغيرِهَا مِنْ مُفْسِدَاتِ الأَعْمَالِ ومُوهِنَاتِ الْقُلُوبِ.
نسألُ اللهَ أنْ يرْزقَنَا الإحسانَ في أعمَالِنَا وأخلاقِنَا، والإِخْلاصَ في الأَقْوَالِ والأَعْمَالِ، إنَّهُ بكُلِّ جَمِيلٍ كَفِيلٍ، وهوَ حَسْبُنَا ونِعمَ الوكيلُ، والحمدُ للهِ ربِّ العَالَمِينَ.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ على فضْلِهِ وإحسَانِهِ، وأشكُرُهُ على تَوْفِيقِهِ وامْتِنَانِهِ، وأشْهَدُ أنْ لا إِلهَ إلاَّ اللهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ مُحمَّدًا عبدُهُ ورسولُهُ صلَّى اللهُ عليهِ وعلَى آلهِ وأصحابهِ، وسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثيرًا.
أمَّا بعدُ:
عِبَادَ اللهِ... إنَّ مِنْ رَحمَةِ اللهِ وفضْلِهِ أنْ جعَلَ الجزَاءَ مِنْ جِنْسِ العَمَلِ، ومِنْ ذَلِكَ أنَّهُ جعَلَ ثَوَابَ الإحْسَانِ إحْسَانًا كمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴾ [الرحمن: 60].
ومَنْ أَحْسَنَ عمَلَهُ أحسنَ اللهُ جَزَاءَهُ، وقَدْ وَضَّحَ اللهُ سُبحانَهُ فِي كِتَابهِ العزيزِ جَزَاءَ الْمُحْسِنِينَ، وأنَّهُ أعْظَمُ جَزَاءٍ وأَكْمَلُهُ، فَقَالَ تَعَالى: ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [يونس:26].
وهذِهِ الآيةُ فَسَّرَهَا رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وَسَلَّمَ بِمَا رَواهُ مُسلِمٌ عنْ صُهَيْبٍ رضيَ اللهُ عَنهُ بأنَّ الحسنى: الجنَّةُ، والزيَادةُ: رؤيةُ اللهِ في الآخرةِ، رواهُ مُسْلِمٌ.
عِبَادَ اللهِ.. تَدَارَكُوا الوَقْتَ بالإحْسَانِ مَعَ اللهِ وبالشُّكْرِ والثَّنَاءِ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ فَإِنَّ الحياةَ أَنْفَاسٌ لا تَعُودُ، وَقُلْ دَائِمًا: ﴿ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ﴾ [النمل:19].
وتَأَمَّلُوا فِيمَا يَنْتَظِرُ المحْسِنُونَ والشَّاكِرُونَ؛ فَقَدْ قَالَ رَسُولُكُمْ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: "إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، قَالَ: يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا؟ أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ، وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ، فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ"، ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ﴾ [يونس: 26]. رواهُ مُسْلِمٌ.
اللهمَّ وَفِّقْنَا لِلْعَمَلِ بِكِتَابِكَ وسُنَّةِ نَبِيِّكَ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ.
هَذَا وَصَلُّوا....
أحمد بن عبد الله الحزيمي