الخطبة الأولى :
الحمد لله ذي الفضل والإنعام ، مقلب القلوب وغفار الذنوب وساتر العيوب ومفرج الكروب .
توعد من عصاه بأليم الانتقام ، ووعد من أطاعه بجزيل الثواب والإكرام ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله حث على فعل الطاعات وحذر من المعاصي والآثام ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيرا .
عباد الله :- أبدأ خطبتي بسؤال أسأله نفسي ثم أدع نفسي تطوف بين جنبات كلام الله سبحانه وتعالى باحثة عن إجابة لهذ السؤال . هذه السؤال –
- من هو الله ؟؟؟؟ فتأتيني الإجابة من كلام الله سبحانه وتعالى ( الله خالق كل شئ وهو على كل شئ وكيل ) .
- من هو الله ؟؟؟؟ فتأتيني الإجابة من كلام الله سبحانه وتعالى ( الله نور السماوات والأرض )
- من هو الله ؟؟؟؟ فتأتيني الإجابة من كلام الله سبحانه وتعالى ( بديع السماوات والأرض أنى - يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شئ وهو بكل شئ عليم )
- من هو الله ؟؟؟؟ فتأتيني الإجابة من كلام الله سبحانه وتعالى (فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنْ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ(11)لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )
- من هو الله ؟؟؟؟ فتأتيني الإجابة من كلام الله سبحانه وتعالى ( الله لاإله إلا هو الحي القيوم لاتأخذه سنة ولانوم له مافي السماوات ومافي الأرض )
- من هو الله ؟؟؟؟ فتأتيني الإجابة من كلام الله سبحانه وتعالى (أَلَمْ تَرَى أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ)
أخي الحيبب :- تأمل عظمة هذا الإله العظيم الذي تعصيه ليل نهار
يقول رب العزة والجلال ( وماقدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون ) فكيف يجروء عاقل بعد ذلك على معصية الله عزوجل .
أخي الحيبب :- تأمل عظمة هذا الإله العظيم الذي تعصيه ليل نهار
السماء بغير عمدٍ ترونها من رفعها؟ بالكواكب من زيَّنها؟ الجبال من نصبها؟ الأرض من سطحها وذلَّلها وقال: (فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا) الطبيب من أرداه، المريض وقد يُئِس منه، من عافاه؟ الصحيح من بالمنايا رماه؟ البصير في الحفرة من أهواه؟ والأعمى في الزِّحام من يقود خُطَاه؟ الجنين في ظلماتٍ ثلاثٍ من يرعاه؟ الوليد من أبكاه؟ الثعبان من أحياه، والسُّم يملأ فاه؟! الشَّهد من حلاَّه؟ اللبن من بين فرث ودم من صفَّاه؟ الهواء تحسُّه الأيدي ولا تراه من أخفاه؟ النَّبت في الصحراء من أرْبَاه النخل من شقَّ نواه؟ الجبل من أرساه؟ الصخر من فجَّر منه المياه؟ النهر من أجراه؟ البحر من أطغاه؟ الليل من حاك دُجَاه؟ الصُّبح من أسفره وصاغ ضحاه؟ العقل من منحه وأعطاه؟ الجبار من يقصمه؟ المظلوم من ينصره؟ المضطَّر من يجيبه؟ الملهوف من يغيثه؟ الضال من يهديه؟ الحيران من يرشده؟ العاري من يكسوه؟ الجائع من يشبعه؟ الكسير من يجبره؟ الفقير من يغنيه؟. أنت، أنت مَنْ خلقك؟ من صوَّرك؟ من شق سمعك وبصرك؟ من سوَّاك فعَدَلَك؟ من رزقك؟ من أطعمك؟ من آواك ونصرك؟ من هداك؟ إنه الله الذي أحسن كل شيء خلقه. لا إله إلا هو. (هَذَا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ)
( وماقدروا الله حق قدره ) . أخي يارعاك الله
هل من ترك الصلاة قدر الله حق قدره؟هل من أكل الربا قدر الله حق قدره؟
يقول بشر رحمه الله: [لوتفكر الناس في عظمة الله جل وعلا ما عصوا ربهم جل وعلا
يقول سعد بن بلال : لا تنظر إلى صغر المعصية - ولكن انظر إلى عظمة من عصيت تعرف قدر المعصية، ولو عرف الناس قدر عظمة الله ماعصوا ربهم جل وعلى
أخي يارعاك الله :- أرأيت هذه السماوات السبع، والكون كله،ماذا تمثل أنت على الأرض من حجم هذا الكون . نحن على الأرضلا شيء، والأرض في المجموعة الشمسية لا شيء، والمجموعة الشمسية في المجرة لا شيء،والمجرة ضمن المجرات لا شيء، فنحن نقطة في فضاء كامل لا نراه،شيء عجيب وكون فسيح حتى نصلَ إلى السماء الدنيا، ثمبين كل سماء والتي تليها مسيرة خمسمائة عام،
أرأيت هذه السماوات العظيمة وهذا الكون الكبير الفسيح هذا كلهبالنسبة إلى كرسي الرحمن كحلقة ملقاة في أرضٍ فلاة -أي في صحراء- وما ذا تمثل الحلقة حين تلقى في الصحراء . هذا الكون كلهوالسماوات السبع كحلقة، أرأيت؟! أتخيلت؟! أتصورت؟!
نحن ماذا نساوي داخل هذهالحلقة؟ لاشيء.
ثم اعلم أن هذا الكرسي بالنسبة لعرش الرحمن جل وعلا كالحلقةبالنسبة للفلاة . تخيل وتصور!! فكيف بعظمة الرحمن جل جلاله الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى[ . هذا الإله العظيم الذي تعصيه ليل نهار . يعلم ما توسوس به كل نفس، يسمع دبيب النملة على الصخرة الصماء في الليلةالظلماء: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ
اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّاهُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاتأخذه سنة ولانوم . هذا الإله العظيم الذي تعصيه ليل نهار حي لا يموت، حي لا ينام، قيوم: قائمٌ بنفسهمقيم لغيره، ما من دابة إلا وهو آخذ بناصيتها .
أخي يارعاك الله :- لا تظن عندما تختلي بنفسك في معصية أو تسافر؛ لتعصي اللهجل وعلا، أو تغلق على نفسك الباب وتطفئ الأضواء لتعصي لا تظن أن الله قد غفل عنك:
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل عليّ رقيبولا تحسبنالله يغفل ساعة ولا أن ما تخفيه عنه يغيبلهونا لعمر الله حتى تتابعتذنوب على آثارهن ذنوبالإمام أحمد بن حنبل لما سمع هذه الأبيات تركمجلس العلم، ودخل في غرفة وأغلق الباب على نفسه، وانتظره طلابه فلم يخرج، فجاءواإلى الغرفة يريدون طرق الباب، فسمعوا الإمام أحمد يردد هذه الأبيات وهو يبكي.
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل عليّ رقيبولاتحسبن الله يغفل ساعة ولا أن ما تخفيه عنه يغيبلهونا لعمر الله حتىتتابعت ذنوب على آثارهن ذنوبفيا ليت أن الله يغفر ما مضى ويأذن فيتوباتنا فنتوبيقول وهب رحمه الله: [خفِ الله على قدر قدرته عليك ] خفمن الله على قدر قدرته عليك وأي قدرة لله تعالى علينا .
زين العابدين علي بن الحسين رضي الله عنه : كان إذاتوضأ اصفر لونه، فيقولون له: لم يصفر لونك عند الوضوء؟ فيقول لهم : [أتدرون بينيدي من أقف؟! أقف بين يدي الله.. أقف بين يدي الله ]
رسالة نوجهها إلى الذين يكبرون للصلاةوقلوبهم في الأسواق وفي الدنيا وشهواتها؟ أخي الكريم: يا من تنامعن الصلاة!
أخي العزيز: يا من هجرت القرآن!
أخي الفاضل: يا من مازلت تبيع الحرام، أو تشتري الحرام، أو تأكل الحرام،نحن لا نتعامل مع بشر، نحن نتعامل مع رب البشر جل وعلا، الذي قال عن نفسه: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ الله أكبر! الله يحذر البشر نفسه،ومازال بعض الناس في غيبته وغفلته.
وبعض الناس لا ينتبه، أتعرف متى ينتبه؟! إذاكان ملك الموت عند رأسه، فهنا يتذكر ويقول: قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ .الآن عرفت ربك؟ الآن عرفت قدر الله عز وجل؟ لماذا يطلب العودة إلى الدنيا أليجمع أموالاً؟ الينظر إلى أفلامٍ ومسلسلات؟اليتمتع ببيته الجديد؟ أو يعانق زوجته وحبيبته؟ أو يقبل أولاده؟ لا. نسي الدنيا كلها،ويريد شيئاً واحداً: لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَاكَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ.
أخي الحبيب :- تأمل في عظمة هذا الإله الذي تعصيه ليل نهار
يوماً من الأياموالنبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه، فإذا به يقول لهم: (تسمعون ما أسمع؟ قالوا: لا يا رسول الله ) (أطت السماء وحق لهاأن تئط ) أطت أي ثقلت ما الذي حدث؟ ما الذي جرى؟ السماء العظيمة فيها حمل ثقيل، أتعرف ما الذيفيها؟ (ما فيها موضع أربعة أصابع إلا وفيه ملك ساجدٌ أو راكع ) الله أكبر! الله أكبر! اللهأكبر! (ما من موضع أربعة أصابع إلا وفيه ملك ساجد أو راكع)
هؤلاء الملائكة الذين لايَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ إذابعثوا يوم القيامة تعرف ماذا يقولون؟سبحانك ما عبدناك حق عبادتك! لا يعصونالله، حياتهم عبادة، وركوع وسجود وتنفيذ لأوامر الله، لا يعصون الله ما أمرهم،يسبحون الله ولا يفترون. فأي عظمة لهذا الإله العظيم الذي تجترئ على معاصيه ليل نهار .
يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( أُذنلي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله عز وجل من حملة العرش ما بين شحمة أذنه إلى عاتقهمسيرةُ سبعمائة عام). لاإله إلا الله ملك واحد من الملائكةالذين يحملون العرش ، مابين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام ، فكيف بعظم جسد هذا الملك إذا كان مابين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام . فكيف بعظمة العرش الذي يحمله هذا الملك . فكيف بعظمة الجبار جل جلاله الذي استوى على هذا العرش ( وماقدروا الله حق قدره ) .
وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم ( إن للهتعالى ملائكةٌ ترعد فرائصهم من خيفته .. ما منهم ملك تقطر منه دمعة من عينه .. إلاوقعت على ملك يصلي .. وإن لله عز وجل ملائكةٌ سجود لله منذ يومَ خلق اللهالسماوات والأرض .. لم يرفعوا رؤوسهم ولا يرفعون إلى يوم القيامة .. وملائكةٌركوع لم يرفعوا رؤوسهم .. ولا يرفعونها إلى يوم القيامة .. وملائكة صفوفٌ لم ينصرفواعن مصافهم .. ولا ينصرفون عنها إلى يوم القيامة ..
وإذا رفعوا ونظروا إلى وجهالله تعالى قالوا : سبحانك ما عبدناك حق عبادتك) فبعد هذه العظمة كيف يجروء عاقل على معصية الجبار جل جلاله .
أخي يارعاك الله :- أرأيت أو سمعت بوصف أفضل الملائكةجبريل؟ جبريل عليه السلام له ستمائة جناح؛ كل جناح يغطي الأفق كله، فتخيل، وتصور! هذا الخلق العظيم .جبريل عليه السلام صاح صيحة دمر قرية بأكملها .جبريل عليه السلام بطرف جناحه قلب قرية على رأسها.
جبريل هذا المخلوق العظيم رآه النبي صلى الله عليه وسلم يوم المعراج فيالسماء السابعة كالحلس البالي، كالثوب الخلق، تعرف لِمَاذا؟ لأن جبريل قد اقترب منالجبار جل جلاله فزاد خوفاً وهلعاً: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُجَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )
أخي يارعاك الله :_ أرأيت السماوات السبعِالعظيمة؟ يطويها الرب جل وعلا كطي السجل للكتب ،يقبض الرب عز وجل الأرض بيمينهوالسماوات بيده الأخرى وكلتا يديه يمين، فيقول للخليقة كلها: أنا الملك، أينالجبارون؟ أين المتكبرون؟ من يرد عليه، من يجرأ أن يرد على الله في ذلك اليوم؟أين ملوك الأرض؟ أين السلاطين؟ أين المتجبرون على أمر الله؟
يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَلا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِالْوَاحِدِ الْقَهَّارِ .
عباد الله ، أقول ماتسمعون ، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولك ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .