وهو حكيم : فالنظر في هذا الكون يشي بأنّه محكم متقن قد وضع كلّ شيء منه في موضعه المناسب ، وخُلق بالمقدار المناسب ، في غاية الجودة والإتقان ( وترى الجبال تحسبها جامدةً وهي تمرُّ مرَّ السَّحاب صنع الله الذي أتقن كل شيءٍ ) [ النمل : 88 ] ، ( الذي أحسن كلَّ شيءٍ خلقه وبدأ خلق الإنسان من طينٍ ) [ السجدة : 7 ] .ولذلك فإن الناظر المتبصر في خلق الله لا يرى إلا الكمال والإتقان ، ولو بحث عن عيب في الخلق لأعجزه ( الذي خلق سبع سماواتٍ طباقاً مَّا ترى في خلق الرحمن من تفاوتٍ فارجع البصر هل ترى من فطورٍ – ثم ارجع البصر كرَّتين ينقلب إليك البصر خاسِئاً وهو حسيرٌ ) [ الملك : 3-4 ] .
صفات أُخرى : ما ذكرناه من دلالة الخلق على بعض صفات خالقه أردنا به التمثيل ، لا الحصر والاستقصاء ، وهو تمثيل يفتح الباب للاستدلال والبحث ، وإلا ففي الكون الكثير من الآيات الدالة على عظمة الله وعزته ولطفه ، واستمع إلى الصفات الإلهية التي ذكرها الله في ختام كلّ آية من الآيات التالية ( ألم تر أنَّ الله أنزل من السَّماء ماءً فتصبح الأرض مخضرَّةً إنَّ الله لطيف خبيرٌ – له ما في السَّماوات وما في الأرض وإنَّ الله لهو الغنيُّ الحميد – ألم تر أنَّ الله سخَّر لكم ما في الأرض والفلك تجري في البحر بأمره ويمسك السَّماء أن تقع على الأرض إلاَّ بإذنه إنَّ الله بالنَّاس لَرَؤُوفٌ رحيمٌ ) [ الحج : 63-65 ].
إذا نظرنا إلى آلة دقيقة الصنع ، بديعة التكوين ، غاية في القوة والمتانة ، تقوم بعملها على خير وجه ، فلا بدّ أن ندرك بلا كثير تفكير أن صانعها يتصف بصفة الحياة والعلم ولديه قدرة وإرادة ... إلى آخر تلك الصفات التي تنبئنا عنها الآلة .وهذا الكون يشي ويعرّف بكثير من صفات الخالق ، فمن ذلك :
قدرته وعلمه : هذا الكون الهائل الضخم الشاسع الواسع السائر وفق نظام دقيق لا بدّ أن يكون صانعه قديراً عليماً ، والله خلق الخلق بهذا التكوين الهائل وهذا النظام الكامل ليعرفنا بقدرته وعلمه ( الله الذي خلق سبع سماواتٍ ومن الأرض مثلهنَّ يتنزَّلُ الأمر بينهنَّ لتعلموا أنَّ الله على كل شيءٍ قديرٌ وأنَّ الله قد أحاط بكل شيءٍ علما ) [الطلاق :12] .ولا بد أن يكون العلم الذي يحكم هذا الكون شاملاً كاملاً ( ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقةٍ إلا يعلمها ولا حبَّةٍ في ظُلمات الأرض ولا رطبٍ ولا يابسٍ إلاَّ في كتابٍ مبينٍ ) [ الأنعام : 59 ] .