الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
حكمة الله في ابتلاء الخلق
00:00:25
الحمد لله يبتلي عباده بالشدة والرخاء، الحمد لله الذي يبتلي عباده بالسراء والضراء، وابتلاؤه سبحانه لحكمة وليس عبثاً، وإنما يبتلي لينظر كيف يعملون فيظهر في الواقع علمه؛ وإلا فإنه يعلم ماذا سيعملون قبل أن يخلقهم.
عباد الله:
قال ربنا في كتابه العزيز ذكراً لحكمته في خلقه: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌسورة الأنعام:165 أي: جعلكم خلفاء يخلف بعضكم بعضاً، فيذهب جيل ويأتي جيل، استخلفكم في الأرض، فالابن يرث أباه، ويأتي الحي من بعد الميت، وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ أي: في القوة، والعافية، والمال، والجاه، والخلق، والخُلق، لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ أي: ليختبر الغني في غناه، والصحيح في صحته، والمتزوج في زوجته، وصاحب الولد في أولاده؛ لينظر من يؤدي حقه ممن يعرض عنه.
وقد أخبر الله عباده بهذا الابتلاء لتتوطن نفوسهم على أداء حقوقه، فهذه الكلمات القليلة فيها الحكم العظيمة فضعها نصب عينيك، لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ يؤتي المال فيطغى بعض الناس كَلَّا إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى* أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَىالعلق:7، فإذا رأى نفسه قد استغنى بماله طغى، ومنع الحقوق، وظلم، وتجبر، ولم يؤد حق الله، وسخر من عباد الله، فكان إيتاء المال لأجل الاختبار، كما ابتلى ثلاثة نفر من بني إسرائيل كانت بهم عاهات وعلل بدنية: أبرص، وأقرع، وأعمى وكلهم كانوا فقراء، فأزال عن الأبرص برصه، وآتاه ناقة عُشراء، حتى صار له قطيع من الإبل، وأزال عن الأقرع قرعه، وأبدله شعراً حسناً، وآتاه بقرة حاملاً، ثم صار عنده قطيع من البقر، ومسح الملك بأمر الله تعالى على عين الأعمى فردَّ الله بصره إليه، وأُعطي شاة والداً، وصار عنده قطيع من الغنم، فآتاهم وابتلاهم فيما آتاهم كما جاء في أول الحديث: (إن ثلاثة في بني إسرائيل أبرص وأقرع وأعمى بدا لله) أي: أراد الله أن يبتليهم، فبعث إليهم ملكاً ... إلى آخر القصة، فماذا كانت المواقف؟
أما الأقرع والأبرص فإن كلاً منهما جحد، وقال للسائل: (الحقوق كثيرة)، وكل منهما قال: (ورثت المال كابراً عن كابر) أي: أبي عن جدي، إنكاراً للنعمة، وكفراً للمنعم، وأما الأعمى فلم يمنع شيئاً، وقال للملك الذي جاءه بصورة بشر: (خذ ما شئت فوالله لا أجهدك اليوم بشيء أخذته لله) فكانت النتيجة رضا الله عنه، وسخطه على صاحبيه.
وقارون آتاه الله وفتح عليه من الأموال مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِسورة القصص:76، لكن كفر واغتر وقال: إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِيالقصص:78 أي: بذكائي، وعبقريتي، وفطنتي، وكسبي، ومقدرتي، وجهدي، وكدي، ولم يقل هذا من فضل الله، ولا من نعمة الله، فكانت النتيجة فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَالقصص:81.
قيامه عليه الصلاة والسلام بواجب العبودية في الفقر والغنى
00:05:10
وقد فاوت الله أحوال نبيه عليه الصلاة والسلام، وجعل الأحوال تتقلب به حالاً بعد حال، فمن الشدة إلى الرخاء، ومن الفقر إلى الغنى، كان في مكة لا يجد شيئاً يأكله إلا شيئاً يواريه إبط بلال، وجاع، وحوصر، وأخيف، وضُيق عليه، وفتن، ولكن ثبت في المحنة، والشدة، والضراء، فلما فُتحت خيبر وما بعدها؛ أتته الأموال وكانت أكواماً في المسجد، فأغناه الله في آخر حياته، قال العز رحمه الله: "كان صلى الله عليه وسلم قبل الغنى قائماً بوظائف الفقراء، أي: يصبر، ويعبد على الشدة، فلما أغناه الله قام بوظائف الفقراء والأغنياء فشكر، وصبر، فكان غنياً فقيراً، صبوراً شكوراً، راضياً جواداً صلى الله عليه وسلم".
ومن الناس من إذا آتاه الله مالاً بخل به وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّالتوبة:75، لكنهم لما آتاهم بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَالتوبة:76، وقال تعالى: وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًاالكهف:34 أوسع منك بيتاً، وأكثر منك رصيداً، وأغلى منك سيارة، وأرقى منك جوالاً.
أحوال الناس فيما يؤتيه الله من النعم
00:06:57
ومن العباد من يسخط مهما أوتي ولا يقنع، لا بأس بالغنى لمن اتقى، والصحة لمن اتقى خير من الغنى.
عباد الله:
وبعضهم يؤتيه الله زوجة بعد أن كان عزباً فماذا يحصل بعدما يتزوج؟ بعضهم يشكر النعمة، ويقيم الزوجة على الطاعة، ويجعلها عوناً على العبادة، ويبني البيت على أساس تقوى من الله ورضوان، وتقوم الأسرة في تشكيلة مما رزقهم الله من الأبناء والبنات، يبتغي ما كتب الله له، وما كسب بهذا النكاح من الولد، فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْالبقرة:187 أي: من الأولاد، ولم يقل: حد النسل، فصارت الزوجة معينة على الطاعة.
لكن منهم من يقول: أريدك أن تخرجي بالعباءة الفرنسية، والغطاء الشفاف، والزينة؛ لأني أريد امرأة راقية، أريد أن أظهر أمام الناس أن عندي زوجة جميلة، حسنة الهندام، وظاهرة الزينة، وفواحة العطر؛ غريب هذا! أين الغيرة؟ هل زوجتك لك أم لغيرك؟! هل مقدار الرقي، والمعيار، والمقياس، والميزان في التقدم هو إظهار زينة الزوجة للآخرين؟!
ومن الناس من لم يكن عنده ولد فأتاه الله أولاداً، والمال والبنون زينة الحياة الدنيا، والعبد ممتحن بالأولاد وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌالأنفال:28، فماذا يفعل؟
يهملهم فلا يأبه بتربيتهم ولا بتعليمهم، ولا بأمرهم بالصلاة لا بصلاة الفجر ولا غير الفجر، بل بعضهم يربيهم على المعصية، ومنهم من إذا سافر للسياحة اصطحبهم إلى أماكن المعاصي، وهكذا إهمال تام للأولاد، وإعطاؤهم على هواهم، وتركهم على مناهم، يوفر الأشياء المالية، والصحية، والدراسية، أما الشرعية، والأخلاقية، والدينية؛ فلا، والذي ينبغي أن تغرس فيهم المفاهيم الإسلامية على مذهب لقمان عليه السلام الذي كان يعظ أولاده ويهتم بابنه يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَلقمان:17، بعد أن قرر في نفسه قواعد الإيمان إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُلقمان:16، ثم يعطيه الأخلاق وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًالقمان:18، وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَلقمان:19 إيمان، وعبادة، ودعوة، وأخلاق، هكذا يغرس في نفس الولد ما يُغرس.
وقد يحس الإنسان أحياناً أن الزوجة والأولاد ثقل، وهمّ، ومصاريف، فنقول: إن النبي عليه الصلاة والسلام قد خفف عنك أيها الأب، فإذا ضاقت بك الأحوال، وشعرت أنها ثقل، ومسؤولية، وإنفاقات، فتذكر قوله: (اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول) وفي رواية لابن خزيمة: (تقول امرأتك: انفق عليّ أو طلقني، ويقول ولدك: إلى من تكلنا) أي: لمن نذهب غيرك، وما عندنا مصدر إلا أنت، فتذكر يا عبد الله أن اليد العليا خير من اليد السفلى، فأنت منفق، ومتفضل، ومنعم، ومأجور، ومثاب؛ لأنك إذا احتسبت الصدقة فيهم فقد أوتيت أجراً عظيماً، وكان صلة بن أشيم رحمه الله في مغزى له، ومعه ابن له؛ فلما حضرت ساعة الالتحام قال: أي بني تقدم فقاتل حتى أحتسبك، فحمل فقاتل حتى قتل، ثم تقدم صلة فقُتل رحمه الله، فاجتمعت النساء عند امرأته معاذة العدوية فقالت: مرحباً إن كنتن جئتن لتهنيني فمرحباً، وإن كنتن جئتن لغير ذلك فارجعن. رواه أحمد في كتاب الزهد بإسناد صحيح..
وكان إبراهيم وإسماعيل يتعاونان على البر والتقوى، وكان السلف الأب يعين الابن، والابن يعين الأب على قيام الليل، والبنات يثبتن الأب عند الشدة، وكتبت ابنة عاص بن علي لأبيها رسالة: يا أبانا إنه بلغنا أن هذا الرجل أخذ أحمد بن حنبل فضربه على أن يقول القرآن مخلوق، فاتق الله ولا تجبه، فوالله لئن يأتينا نعيك أحب إلينا من أن يأتينا أنك أجبت، فكانت هذه نتيجة التربية لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْسورة الأنعام:165، آتاكم أولاد فماذا فعلتم بهم؟ آتاكم بنين وبنات فماذا قمتم بشأنهم؟
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يهيأ لنا من أمرنا رشداً، وأن يجعل من ذرياتنا قرة أعين لنا، وأن يجعلنا للمتقين إماماً.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، مالك يوم الدين، رب الأولين والآخرين، أشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له الحي القيوم، لا يموت، والجن والإنس يموتون، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، وأمينه، ومصطفاه، وخليله، وخاتم أنبيائه، وحامل لواء الحمد، والشافع المشفع يوم الدين، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله، وصحبه، وذريته، وخلفائه الطيبين، وزوجته البررة، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم ارض عن أصحابه، واجزهم خير ما جزيت حواري الأنبياء يا رب العالمين.
عباد الله:
لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ سورة الأنعام:165 يؤتيكم الصحة فماذا فعلتم بها؟ يؤتيكم العافية، (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ) ، بذلت قوتك، وشبابك، وصحتك في ماذا؟ بذلت جسدك في أي شيء؟ أنت الآن في حال الصحة، وحال القوة، وحال الشباب، وحال الجسد؛ فماذا عملت به، شبت في الإسلام شيبة في طاعة الله، (من شاب شيبة في الإسلام كانت له نوراً يوم القيامة) ، أنفقت الصحة، وأنفقت هذا الجسم بحيويته وطاقته في طاعة الله، من الغدو إلى المساجد، والرواح، والجلوس في المجالس، والذكر، والصيام بما فيه من المشقة، وهكذا الحج بما فيه من التعب والنصب، وهكذا من صلة الرحم، والذهاب، وأفعال الخير من إغاثة الملهوفين، وإعانة الضعفاء المحتاجين.
عبوديات الجسد
00:15:05
والجسد له عبوديات كثيرة، فالمفاصل هذه عليها عبوديات ثلاثمائة وستين مفصل يجزئ في شكرها ركعتا الضحى.
شخص كان عنده عجز عن امرأته، وصبرت عليه سنوات، وتحملت ما تحملت، فلما تم العلاج، وصار عنده القدرة انحرف وطغى، ثم وقع في الفاحشة، وصار مع البغايا؛ نعوذ بالله من الحور بعد الكور، ومن الضلالة بعد الهداية، نعوذ بالله أن نُرَد على أعقابنا.
الواجب علينا تجاه ما أوتينا من نعم
00:15:47
يؤتيك شهادة فماذا فعلت بها؟ يقول الناس: هذا جامعي، هذا معه الشهادة العليا كذا وكذا، فهل انتصرت بها لدين الله، واستثمرت المعرفة، والتقنية، والخبرة، وفي الدعوة إلى الله، وإقناع الخلق بدين الله، والذب عن الإسلام، والرد على الشبهات، آتاك قدرة تقنية على الدخول إلى المواقع فماذا فعلت في ذلك؟ آتاك قدرة خطابية، وقدرة كلامية، وقدرة كتابية من بيان نطقي وخطي فماذا فعلت في ذلك؟ آتاك حسن التعبير، وجودة في الصياغة.
رجع أحدهم ومعه الشهادة العليا من الخارج فجاءه أصحابه إلى البيت وهو الدكتور الكبير، فمرَّ أبوه الشايب المسكين باللباس الشعبي في الحديقة أمام المجلس، فقال أصحابه للدكتور: من هذا؟ فقال: هذا عامل الحديقة ينظف بالحديقة.
أهكذا تكون القضية بعد الشهادة العليا يحتقر الإنسان أباه، ويقول عنه عامل الحديقة، وهكذا قالت تلك المرأة صاحبة الشهادة لصاحباتها عن أمها العجوز التي مرَّت: هذه الخدّامة.
عباد الله:
المنصب والجاه إيتاء لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْسورة الأنعام:165 فماذا فعلنا في المنصب والجاه هل زكيناه؟، فإن للجاه زكاة كما أن للمال زكاة، قال ابن القيم في هداية الحيارى وهو يتحدث عن أهل الكتاب من اليهود والنصارى: "بل الرئاسة والمأكلة من جملة الأسباب المانعة لهم من الدخول في الدين - أي: في الإسلام -، وقد ناظرنا نحن وغيرنا جماعة منهم فلما تبين لبعضهم فساد ما هم عليه - أي: أن ما هم عليه ضلال، وشرك، وكفر، وزندقة، وانحلال - قالوا: لو دخلنا في الإسلام لكنا من أقل المسلمين، لا يؤبه لنا، ونحن متحكمون في أهل ملتنا في أموالهم، ومناصبهم، ولنا بينهم أعظم الجاه" أي: فقومنا يعطوننا، والأحبار والرهبان لهم مكانة، لكن إذا أسلمنا فسنكون من جملة الناس لا يؤبه لنا، فتفوت هذه المزايا، قال ابن القيم رحمه الله: "وهل منع فرعون وقومه من اتباع موسى إلا ذلك" .
بعضهم كان رجل السجادة والمصحف، فلما فوجئ بالمنصب، وأمامه المصحف؛ وبُشِّر به قال للمصحف: هذا فراق بيني وبينك.
قال تعالى: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِالحج:41، فلو صار عندك منصب، ومكانة، ووظيفة مرموقة فاجعلها طاعة وعوناً على الدين، أقم بها الملة، والعدل بالقسطاس المستقيم، مُر بالمعروف، وانه عن المنكر، واجعل ما آتاك الله من سلطة في نصرة الإسلام والدين، وهكذا يتقي الإنسان الفتن، فالدنيا فاتنة قال مالك بن دينار: "اتقوا السحارة، اتقوا السحارة، - أي: الدنيا التي تسحر - فإنها تسحر القلوب"، وهي خمر الشيطان، ومن يسكر منها لا يفيق إلا في عسكر الموتى.
البعض إذا صار عنده مرتبة، ورفعة؛ تنكر للأصحاب القدامى واستغنى عنهم.
ولا خير في خل يخون خليله *** ويلقاه من بعد المودة بالجفا
وينكر عيشاً قد تقادم عهده *** ويظهر سراً كان بالأمس قد خفى
سلام على الدنيا إذا لم يكن بها *** صديق صدوق صادق الوعد منصفا
فينبغي على العبد أن لا يترفع على إخوانه، وأصحابه، وأصدقائه، وأقربائه إذا صار عنده فتح في الدنيا
إن الكرام إذا ما أيسروا ذكروا *** من كان يألفهم في المنزل الخشن
تذكرهم فقد كانوا معك، وكانوا خلان، وإخوان، وأقارب؛ ولا زالوا، ولا تجحد النعمة.
لما أوتي سليمان عليه السلام ما أوتي من الملك، والعلم، وفوقها النبوة؛ سخر الله له الجن يعملون له ما يشاء، والريح، والطير، فماذا قال؟ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌالنمل:40، فليكن هذا هو موقف المؤمن.
فضل حراسة الثغور
00:21:22
عباد الله:
أنتم في مكانكم هذا تحرسون أجواء بلاد الحرمين، واحتسابكم الأجر في حراستكم ومراقبتكم؛ فيها عند الله ثواب، فأحسنوا النية، وهناك الكثير ممن يذهب للعمل، لكن شتان بين من يذهب ليؤجر، ومن يذهب فلا يكون له نية فيفوته الأجر.
اللهم إنا نسألك الأمن والإيمان لبلدنا هذا وبلاد المسلمين، اللهم من أراد بلدنا بسوء فابطش به، اللهم من أراد أن يعكر أمننا وإيماننا وأن يغير في دينك فانتقم منه، اللهم من أراد خراب منشآتنا واقتصادنا فاجعل كيده في نحره، اللهم اجعلنا في بلادنا آمنين مطمئنين، آمنا في الأوطان والدور، وأصلح الأئمة وولاة الأمور، واغفر لنا يا عزيز يا غفور، اللهم إنا نسألك الأمن يوم الوعيد، وأن تجعلنا من الآمنين يوم الخوف، اللهم إنا نسألك أن توسع علينا في أرزاقنا، وأن تبارك لنا فيما آتيتنا، لا تحرمنا فضلك بذنوبنا، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وزدنا ولا تنقصنا، وعافنا واعف عنا يا أرحم الرحمين.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.