moder
عدد المساهمات : 276 نقاط : 779 السٌّمة : 1 تاريخ التسجيل : 08/04/2013
| موضوع: الخشية من الله الجمعة 13 مارس 2015, 8:21 am | |
| الخطبة الأولى : الخشية من المولى سبحانه وتعالىالحمد لله أحمده وأستعينه ، وأستغفره وأستهديه ، وأومن به ولا أكفره،وأعادي من يكفر به ، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله ، أرسله بالهدى ودين الحقّ والنور والموعظة والحكمة على فترة من الرّسل ، وقلّة من العلم وضلالة من النّاس وانقطاع من الزّمان، ودنوّ من السّاعة ، وقرب من الأجل. من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصي الله ورسوله فقد غوى وفرّط وضلّ ضلالا بعيدا .وإنّ خير ما أوصى به المسلم المسلم أن يحضّه على الآخرة وأن يأمره بتقوى الله ، واحذروا ما حذّركم الله من نفسه فإنّ تقوى الله لمن عمل به على وجل ومخافة من ربّه ، عون صدق على ما تبغون من أمر الآخرة . أمّا بعد عباد الله ،فأوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى، وإنها وصية الله للأولين والآخرين ولقد وصينا الذين أتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله .. الآية.يوم نام ابراهيم ابن الرسول عليه الصلاة والسلام في حضن أمه وكان عمره ستة عشر شهراً والموت يرفرف بأجنحته عليه والرسول عليه الصلاة والسلام ينظر إليه ويقول له : (يا إبراهيم أنا لا أملك لك من الله شيئاً ..) ومات إبراهيم وهو آخر أولاده فحمله الأب الرحيم ووضعهُ تحت أطباق التراب وقال له يا إبراهيم إذا جاءتك الملائكة فقل لهم الله ربي ورسول الله أبي والإسلام ديني) .. فنظر الرسول عليه الصلاة والسلام خلفهُ فسمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه يُنهنه بقلب صديع فقال له : ما يبكيك يا عمر ؟ فقال عمر رضي الله عنه يا رسول الله: " ابنك لم يبلغ الحلم ولم يجر عليه القلم وليس في حاجة إلى تلقين فماذا يفعل ابن الخطاب! ، وقد بلغ الحلم وجرى عليه القلم ولا يجد ملقناً مثلك يا رسول الله؟! "وإذا بالإجابة تنزل من رب العالمين جل جلاله بقوله تعالى رداً على سؤال عمر رضي الله عنه : (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة ويُضلُّ الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء)تأمّل أخي صبر النبي على الشدائد والمحن ، وهو أدب نبوي شريف تعلّمن من لدن الحق سبحانه وتعالى ألم يقل (أدّبني ربّي فأحسن تأديبي).لذلك كان الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين زاهدين في الدنيا خائفين من عذاب الله عزّ وجلّ ، وهذه بعض آثارهم تدلّ على أخلاقهم العطرة السويّة عسانا نجد فيها ما يقوّم اعوجاجنا ويصلح حالنا.قال الضحاك بن مزاحم -رحمه الله-:مر أبو بكر الصديق رضي الله عنه على طيرٍ قد وقع على شجرة فقال: "طُوبى لك يا طيرُ تطير فتقع على الشجر ثم تأكل من الثمر ثم تطير ليس عليك حسابٌ ولا عذاب !ياليتني كُنت مثلك ؛ والله لوددتُ أني كنتُ شجرةً إلى جانتِ الطريق فمر عليَّ بعير فأخذني فأدخلني فاه فلاكني ثم إزدردني ثم أخرجني بعراً ولم أكن بشراً.!"أما عمر رضي الله عنه فقد قال :" يا ليتني كُنتُ كبشَ أهلي سمنوني ما بدا لهم حتى إذا كنت كأسمن ما يكون زارهم بعض من يحبون فذبحوني لهم فجعلوا بعضي شواء وبعضه قديداً ثم أكلوني ولم أكن بشراً. !"قال عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه-:لو وقفتُ بين الجنة والنار ، فقيل لي : اختر نُخَيُّرُك من أيهما تكونُ أحبُّ إليك ، أو تكونَ رماداً ؟ لأحببتُ أن أكونَ رماداً .!َ المعجم الكبير للطبراني (7/499) ، حلية الأولياء (1/133)قال أبو ذر الغفاري -رضي الله عنه-:والله لو تعلمون ما أعلم ، لبكيتم كثيراً ولضحكتم قليلاً ، ولو تعلمون ما أعلم ما انبسطتم إلى نسائكم ، ولا تقاررتم على فُرُشِكُم ، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون وتبكون ، والله لوددت أن الله عز وجل خلقني يوم خلقني ، شجرة تُعْضَدُ ، ويؤكل ثمرها.! مصنف ابن أبي شيبة (13/341) ، مصنف عبد الرزاق (7/123) ، حلية الأولياء (1/164) .من تأمل أحوال الصحابة - رضي الله عنهم - وجدهم في غاية العمل مع غاية الخوف ، ونحن جميعا بين التقصير ، بل التفريط والأمن ، فهذا الصديق - رضي الله عنه - يقول : وددت أني شعرة في جنب عبد مؤمن ، ذكره أحمد عنه .وذكر عنه أيضا أنه كان يمسك بلسانه ويقول : هذا الذي أوردني الموارد ، وكان يبكي كثيرا ، ويقول : ابكوا ، فإن لم تبكوا فتباكوا .وكان إذا قام إلى الصلاة كأنه عود من خشية الله عز وجل .وأتى بطائر فقلبه ثم قال : ما صيد من صيد ، ولا قطعت شجرة من شجرة وهذا عمر بن الخطاب قرأ سورة الطور إلى أن بلغ : إن عذاب ربك لواقع [ سورة الطور : 77 ] فبكى واشتد بكاؤه حتى مرض وعادوه .وقال لابنه وهو في الموت : ويحك ضع خدي على الأرض عساه أن يرحمني ، ثم قال : ويل أمي ، إن لم يغفر لي ( ثلاثا ) ، ثم قضي .وكان يمر بالآية في ورده بالليل فتخيفه ، فيبقى في البيت أياما يعاد ، يحسبونه مريضا ، وكان في وجهه - رضي الله عنه - خطان أسودان من البكاء .وهذا عثمان بن عفان - رضي الله عنه - كان إذا وقف على القبر يبكي حتى تبل لحيته ، وقال : لو أنني بين الجنة والنار لا أدري إلى أيتهما يؤمر بي ، لاخترت أن أكون رمادا قبل أن أعلم إلى أيتهما أصير .وهذا علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وبكاؤه وخوفه ، وكان يشتد خوفه من اثنتين : طول الأمل ، واتباع الهوى ، قال : فأما طول الأمل فينسي الآخرة ، وأما اتباع الهوى فيصد عن الحق ، ألا وإن الدنيا قد ولت مدبرة ، والآخرة مقبلة ، ولكل واحدة بنون ، فكونوا من أبناء الآخرة ، ولا تكونوا من أبناء الدنيا ، فإن اليوم عمل ولا حساب ، وغدا حساب ولا عمل .وهذا أبو الدرداء كان يقول : إن أشد ما أخاف على نفسي يوم القيامة أن يقال لي : يا أبا الدرداء ، قد علمت ، فكيف عملت فيما علمت ؟ وكان يقول : لو تعلمون ما أنتم لاقون بعد الموت لما أكلتم طعاما على شهوة ، ولا شربتم شرابا على شهوة ، ولا دخلتم بيتا تستظلون فيه ، ولخرجتم إلى الصعدات تضربون صدوركم ، وتبكون على أنفسكم ، ولوددت أني شجرة تعضد ثم تؤكل .هكذا كان حال السلف الصالح رضوان الله تعالى عنهم أجمعين يتبعون أحسن القول ولا يفترون عن عبادة الله عز وجلّ ، عمل وتعلّم بالنّهار وقيام بالليل ، حياتهم كانت كلها جهاد في سبيل الله لنشر الدين وسماحة الدين ..فما حالنا نحن اليوم ؟ وهل لنا روابط دينيّة ودنيويّة وثيقة بهم ؟ هل عملنا لآخرتنا أم أنّ دنيانا ألهتنا عن ديننا ؟ هل اتبعنا الرسول وسنّته الشريف وتمسّكنا بكتاب الله عز وجلّ أم أنّنا من الذين يصدق عليهم قول الحق سبحانه :{ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا } (سورة الفرقان 30) ؟علينا أن نحاسب أنفسنا قبل أن نحاسب ونتدارك أمرنا قبل فوات الأوان فنتوب إلى الخالق سبحانه ونعيد المظالم إلى أهلها قبل أن لا يكون درهم ولا دينار .نسأل المولى سبحانه أن يبصّرنا بعيوبنا ويجعلنا من المتمّسكين بالعروة الوثقى إنه سميع قريب مجيب ولا حول ولا قوّة إلا بالله العي العظيم .الخطبة الثانية : دور المسجد دينا ودنياالحمد لله العلي الأعلى ، خلق فسوى ، وقدر فهدى ، أحصى على العباد أفعالهم وأقوالهم ، في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى ، أحمده وأتوب إليه ، له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تقدس وتعالى ، جلت عظمته ، وعمت قدرته ، وتمت كلمته صدقاً وعدلاً ، وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى ، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله ، صفياً مجتبى ، بعثه ربه بالحق والهدى ، فما ضل وما غوى ، وما نطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى ، صلى الله وسلم وبارك عليه ، وعلى آله وأزواجه أهل الخير والتقى ، وعلى صحابته مصابيح الدجى ، ونجوم الهدى ، والتابعين لهم بإحسان في الآخرة والأولى . . . أما بعد :عباد الله: إنه ينبغي للمسلم أن يتعلم أحكام المساجد وآدابها ليعرف ما يؤتى فيها وما يترك، ومايوافق قدسيتها، وما يعد مناقضاً لمكانتها إن المسجد في الإسلام له مكانة رفيعة وقدسية وطهارة ونظافة يعتاده المؤمن ويصلي فيه المصلي، ويعتكف فيه المعتكف، ويتعبد فيه المتعبد، ويتعلم فيه المتعلم، وتنشر فيه الصلة والمودة والرحمة، ويتعارف فيه أهل الحي فيتآلفون ويتعاونون ويتزاورون ويتراحمون، فهو المستشفى الروحي يدخل إليه المريض المذنب الجاني يتأوه من آلام لا يعبر عنها، يتنفس الصعداء حسرة وندامة على ما فرط في جنب الله تعالى، فيركع ركعات ويقرأ آيات أو يسمع كلمات طيبات، فتهدأ نفسه ويطمئن قلبه، ويجد برداً يتسلل إلى فؤاده فيخرج منشرح الصدر باسم الثغر يعلوه النور والوضاءة والرغبة في الخير و البراءة، فما يزال يعتاد المساجد حتى يصير الخير له عادة.فالمسجد له مكانة خاصّة في الإسلام وهو منارة عبادة و علم ، كان له في ما مضى دور في نشر الثقافة الإسلامية على إحدى المذاهب المتّصلة بالسنّة النبويّة الشريفة ، كما كان جامع الزيتونة المعمور وفروعه عامرا بطلاّب العلم والمريدين .عباد الله تعالى: من أين يستمد المسجد هذه المكانة وتلك الخصال؟أليست المساجد بيوت الله؟ أليس عمارها الخلصاء من عباد الله؟ قال الله تعالى: ( إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين) وقال أيضا: (وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً) .وقد حثّ الرسول على بناء المساجد والمساهمة فيها فقال: ((من بنى مسجداً لا يريد به رياءً و لا سمعة بنى الله له بيتاً في الجنة))، عباد الله: إن المرء المسلم الذي يؤمن بالله ويعظّمه ويعظّم شعائر الله تعالى و يتعلم ما يجب عليه، وماله و ما عليه حتى يكون إيمانه عن علم ويقين وعمله مرضي صحيح.وإن المرء المسلم الذي يؤمن بمحمد يبرهن على صدق إيمانه باتباع ماجاء به هذا الرسول العظيم ، وإن من أهم ذلك الارتباط بالمساجد تعميراً بالمال والأبدان، وتعلق القلوب بها تعبداً وتعلماً، إن من الذين يظلهم الله في ظله يوم لاظل إلا ظله: ((رجل قلبه معلق بالمساجد)) وجاء في سنن ابن ماجة: ((من دخل مسجدنا هذا ليتعلم خيراً أو ليعلم كان كالمجاهد في سبيل الله)) أو كما قال رسول الله .عباد الله: علينا أن نقتدي بهدي محمد وصحابته وسلفنا الصالح في جعل المساجد مراكز لكل خير بعد حسن رعايتها تنظيفاً وتطييباً كما أنه علينا أن نسعى في إرجاع الآبقين على ربهم إليها، الذين جعلوا الملاهي والمقاهي مراكز لهم فهجروا المساجد، نرجعهم بالكلمة الطيبة ونحذرهم عاقبة صدودهم عن ذكر الله وعن الصلاة في الدنيا قبل الآخرة.فالمسجد يجب أن يبقى مكانا للتعبّد والعلم لنشر الثقافة الدينيّة ولا ينبغي أن يتحوّل إلى بوق دعاية حزبيّة أو فئويّة ، كما ينبغي أن يحافظ إمام الجامع على الوسطيّة والاعتدال في خطابه و يجمع بين الدين والدنيا ، فليس في الإسلام " رجال دين " أو من يجعل نفسه وسيطا بين الخالق و المخلوق.. فالعبد يتوجّه لمولاه سبحانه وتعالى مباشرة دون واسطة لذلك فلا يحتاج إلى غيره من البشر كي يدعو له ..هذا في الأصل ، لكن بإمكانك أخي المؤمن أن تطلب من أخيك الذي تعتقد نقوته وطهره وإخلاصه أن يشملك بصالح دعائه ، فقد جاء في مسند الإمام أحمد رحمه الله عن سالم بن عبد الله بن عمر ، عن أبيه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنّه استأذن رسول الله في العمرة فأذن له وقال :(لا تنسنا من دعائك يا أخي ). | |
|