ملخص الخطبة
1-الكبر معصية إبليس وهي أول معصية عصي بها الله. 2- واقع الناس للكبر المال – العلم – النسب – المنصب. 3- صفة الكبرياء لا تليق إلا بالله عز وجل. 4- الكتكبرون في النار يوم القيامة. 5- معرفة الإنسان حقيقته تبعده عن الكبر. 6- من مظاهر الكبر الاسيال - رفض النصيحة – الزهو – احتقار الناس.
الخطبة الأولى
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى وأطيعوا وتخلقوا بأخلاق الإسلام دين الحق، وتأدبوا بآدابه تفلحوا.
واعلموا – رحمكم الله – أن الكبر ممقوت، وهو من شر الصفات، ومن أخطر الأمراض الاجتماعية ، المتصف بالكبرياء منازع لله وعدو للإنسانية؛ وهو مقتد بإبليس – قاتله الله – الذي أخرج أبانا وأمنا من الجنة ، فالتكبر أول معصية عصي بها الله عز وجل .
تكبر إبليس عن امتثال أمر الله ولم يسجد لآدم وقال : أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين، فأبعده الله وطرده من رحمته، فمن تكبر على الناس هان عليهم ، وسقط من أعينهم ، وذل بينهم، ومن تكبر بعلمه ركة علمه، ومن تكبر بماله فقد تشبه بقارون الذي خسف الله به وبداره الأرض، وجعل بينه وبين مجتمعه حاجزا نفسيا كبيرا ، ومن تكبر بمنصبه دل على خفة عقله فالله يقول: وتلك الأيام نداولها بين الناس [سورة آل عمران:140].ومن تكبر بنسبه وحسبه يرد القرآن عليه في قوله تعالى: إن أكرمكم عند الله أتقاكم [الحجرات:13].
إن صفة الكبرياء هي صفة مذمومة للبشر، ولكنها صفة تعظيم لله نثبتها له سبحانه وتعالى إثباتا يليق بجلاله، فمن أسمائه الجبار والمتكبر.
وهو الذي يقول في الحديث الذي يرويه مسلم ، عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري قالا : قال رسول الله : (( العز إزاره، والكبرياء رداؤه، فمن ينازعني عذبته ))(1).
ولأحمد عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : (( الكبر ردائي والعزة إزاري فمن نازعني واحدا منهما ألقيته في النار ))(2).
أما أبو هريرة رضي الله عنه فيقول فيما يرويه الإمام مسلم عن النبي : (( احتجت النار والجنة فقالت هذه: يدخلني الجبارون والمتكبرون، وقالت هذه: يدخلني الضعفاء والمساكين، فقال الله عز وجل لهذه: أنت عذابي أعذب بك من أشاء. وقال لهذه: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء، ولكل واحدة منكما ملؤها ))(3) إن التكبر من صفات أهل النار فالنبي يقول: ((ألا أخبركم بأهل النار ؟ كل عتل جواظ مستكبر ))(4) متفق عليه.
فالعتل : هو الغليظ الجافي ، والجواظ : هو الضخم المختال في مشيته.
إن الإنسان يا عباد الله لو أدرك حقيقة أمره ما تكبر وما ترفع ، إن أصله من ماء مهين، وقلبه استخلص من تراب وطين يخرج من موضع البول مرتين: مرة من أبيه، وأخرى من أمه، ويحمل بين جنبيه الأوساخ والعذرة، ثم إذا مات أصبح جيفة نتنة، فعلام يتكبر من كان هذا أمره؟ وعلام يتكبر من لا يملك شيئا من حوله ملكا حقيقيا بل لا يملك نفسه التي بين جنبيه؟
إن ملكنا للأشياء إنما هو ملك مجازي، والمالك الحقيقي لكل شيء هو الله جل وعلا.
إن من درجات الكبرياء يا عباد الله أن يترفع الرجل عن امتثال أمر من هو أفضل منه والنزول على نصحه وعاقبة ذلك وخيمة، فلقد أكل رجل عند رسول الله بشماله فقال النبي : (( كل بيمينك، قال: لا أستطيع، فقال النبي: لا استطعت. (ما منعه إلا الكبر) قال: فما رفعها إلى فيه ))(1) ( أي إلى فمه ). نعم لقد شلت يمينه نتيجة استكباره واستعلائه على خير البرية .
ومن مظاهر التكبر إسبال الإزار وجره ، وتطويل الثوب إلى ما تحت الكعبين فالحبيب يقول: (( لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر إزاره بطراً))(2) متفق عليه.
وقد يمشي الرجل في ثياب جميلة مرجلا شعره ، مختالا في مشيته غير عالم أن إعجابه هذا بنفسه من علامات التكبر فأبو هريرة يروي أن النبي قال: (( بينما رجل يتبختر يمشي في برديه قد ٍأعجبته نفسه فخسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة ))(3). ويتجلجل: ينزل.
ويقول : ((لا يزال الرجل يذهب بنفسه حتى يكتب في الجبارين فيصيبه ما أصابهم ))(4) رواه الترمذي .
فانظروا – رحمني الله وإياكم – إلى عاقبة الغرور والتكبر وإلى خطورة مخالفة أمر الله الذي يقول فيه: ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولاً [الإسراء:37].
وقد يظن البعض لأول وهلة أن ما أسلفنا من أحاديث فيه تحريم التزين والتمتع بطيب اللباس، وليس الأمر كذلك، فعن عبد الله بن مسعود عن النبي قال: (( لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر . قال رجل : إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة ، قال: إن الله جميل يحب الجمال ، الكبر بطر الحق وغمط الناس ))(1) رواه مسلم.
ومعنى بطر الحق : رده على قائله وعدم الاعتراف به . وغمط الناس : احتقارهم، فكل يا عبد الله واشرب، ولكن دون سرف ولا مخيلة.
اللهم جنبنا سبل الجبارين وأبعدنا عن التكبر، ونسألك ألا نزهو إلا بالحق على أهل الباطل، ونسألك ألا تجعل لمتكبر مختال علينا سبيلا.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم.
(1) صحيح مسلم : كتاب البر والصلة باب تحريم الكبر 16 / 173 .
(2) مسند أحمد : 2/ 248 .
(3) صحيح مسلم : ك الجنة ، ب جهنم 17 / 180 .
(4) صحيح البخاري : كتاب التفسير ، باب قوله تعالى : ( عتل بعد ذلك زنيم ) 6/ 72 . وصحيح مسلم : كتاب الجنة باب جهنم 17 م 187 .
(1) أخرجه مسلم في صحيحه : كتاب الأشربة ، باب آداب الطعام والشراب 13 / 192
(2) صحيح البخاري : كتاب اللباس باب من جر إزاره من غير خيلاء 7/ 34 .
(3) صحيح مسلم : كتاب اللباس والزينة باب تحريم التبختر في المشي 14 / 64
(4) سنن الترمذي : كتاب البر والصلة باب ما جاء في الكبر 4/ 361 .
(1) صحيح مسلم : كتاب الإيمان باب تحريم الكبر 2/ 89 .
الخطبة الثانية
الحمد لله، يرفع المتواضعين ،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يحب المخبتين ، وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله القائل للأعرابي الخائف تواضعا: (( هون عليك، فإنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد ))، فصلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما كثيرا. أما بعد :
فإن رسول الله يقول: (( وإن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد ))(1) رواه مسلم .
وإني في خطبتي هذه سأستعرض نماذج تحصل من بعض الناس فيها ما فيها من الغرور والتكبر:
فرب الأسرة الذي لا يخالط أهله ، ويأكل ويشرب ويجلس وحده ولا يعين أحدا من أهله تكبرا مخالف لهدي الحبيب .
فهذه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عندما تسأل: ما كان النبي يصنع فى بيته ؟ قالت: (( كان خرج إلى الصلاة ))(2) رواه البخاري.
وقد نرى ربة البيت عندما تخرج لمناسبة أو لزيارة ما ترافقها اثنتان أو ثلاث من الخادمات كبرا، فواحدة تفتح لها الباب، وأخرى تحمل لها حقيبتها اليدوية وتحفظ لها عباءتها – إن كان لها عباءة –، وثالثة تلاعب أطفالها الذين بصحبتها.
أو قد ترى عند أبواب بعض المدارس السائق الذي يسير ذليلا وراء الطفل أو الطفلة يحمل له أو لها الحقيبة الدراسية، وترى ذلك الطفل أو الطفلة يأمر وينهى، وهو بعد لا يجيد نطق الحروف تماما، إن من لا يربي أولاده على الاعتماد على النفس ويدعهم على هذا الحال يربي في نفسيتهم الكبرياء والدلال والغرور.
إن من يدع ابنه أو ابنته تطلب كل شيء من الخادم أو الخادمة حتى أن طفل لا يشرب بنفسه يربي ولده على الخمول والتكاسل والكبرياء فهو يخدم ولا يخدم ولو حتى نفسه.
وقد يمر بك في الشارع من لا يلقي عليك سلاما ، أو من تلقي عليه السلام فلا يرد عليك أو ترى من تعرفه وتقبل عليه، فيعرض عنك أو لا يبش في وجهك تكبراً أو غرورا.
ولا ننس منظر ذلك المختال بسيارته التي ربما حرم أهله ونفسه من أشياء كثيرة لشرائها غالية ثمنها جداً ليقال: يركب السيارة الفلانية ، ثم ليقلب نظره فيمن حوله مزدريا بهم جميعا.
وقد تدخل إلى مكتب موظف ما تراجع معاملتك، فلا يهتم بك ولا يسألك ماذا تريد ولا يجيبك، بل وقد لا يدعوك إلى الجلوس وإن كنت شيخا كبيراً.
ولربما تظاهر بأنه يتكلم بالهاتف متشدقا بضحكات عالية مستهترا بمصالح الناس؛ مسكين من هذا فعله أغضب ربه بكبريائه وخان أمانة أنيطت بعنقه، وجعل لنفسه أعداء يترصدون له قضاء حاجاته ، ولا سيما بعد خروجه من وظيفته، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
هذا النبي المختار خير من مشى على الأرض يقول: (( ما بعث الله نبيا إلا ورعى الغنم . فقال أصحابه : وأنت ؟ فقال: نعم .كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة )) (1)رواه البخاري.
فما أعظم تواضعك يا رسول الله بأبي أنت وأمي، وإننا ممتثلون أمر الله الذي يقول فيه: إن الله وملائكته يصلون على النبي يأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً [الأحزاب:56].