أولاً: الكبر على الله عز وجل، كفرعون و قارون و النمرود بن كنعان ، وكذلك من يرد الآن أحكام الشرع كبراً وعناداً وترفعاً، وأيضاً الإلحاد في آيات الله كبر، فهذه تكتب وتقول: إن الإسلام قد ظلم المرأة بإعطائها نصف نصيب الرجل في الميراث، أليس هذا كبراً على آيات الله؟ أليس لهم عقول يعقلون بها؟ والآخر علماني يرد شريعة رب البريات، فيرد تعدد الزوجات في الإسلام، لأن مسلسل الحاج متولي قد أحدث الآن بحثاً علمياً، ومن الذي يبحث؟ علمانيون، شيوعيون، ملحدون، وأناس لا صلة لهم بدين رب العالمين، فيقول أحدهم: أنا أرفض، والآخر: أنا أقبل، كيف ذاك؟ ومن أنتم حتى تناقشوا شرع الله، وحتى تدلوا بدلوكم في هذه القضية؟! إن القضية واضحة وبينة، وإن من محاسن شريعتنا أن الإسلام قد أباح التعدد للرجل إن استطاع أن يعدل، يقول رب العالمين تبارك وتعالى: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً [النساء:3]، فهذا من محاسن الشريعة، بل إن النظم الغربية الآن تدرس قضية التعدد، ونحن إسلامنا قد أباح التعدد بضوابطه، لكن يأتي آخر ويقول: الإسلام قد أباحه في موضع، وقال في موضع آخر: وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ [النساء:129]، فكأن الأصل واحد! نقول له: أنت خضت في بحر لا تجيد السباحة فيه. فدع عنك الكتابة لست منها ولو خضبت وجهك بالمداد ثم إنك لم تطلع على قول السلف في المراد بالعدل في الآية الثانية: وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا [النساء:129]، أي: في الميول القلبية، من الحب والعاطفة، وأما العدل في الآية الأولى فالمقصود به: العدل في المسكن والملبس، أي: العدل المادي، وعليه فالجهة منفكة، وأيضاً انظر إلى كل أنبياء الله ورسله، فهذا سليمان بن داود عليهما السلام قال: (لأطوفن الليلة على تسعين امرأة، وفي رواية: مائة امرأة -يعني: أنه كان متزوجاً بتسعين أو مائة بل يزيد- تنجب كل واحدة منهن مجاهداً يقاتل في سبيل الله) فانظر ماذا يتمنى؟ لا تلد مطرباً، أو لاعباً للكرة، أو ممثلاً، وإنما يتمنى أن كل امرأة تلد مجاهداً في سبيل الله عز وجل، ونسي أن يقول: إن شاء الله، فلم تلد إلا امرأة واحدة وولدت نصف ذكر، يعني: عنده شلل نصفي، ولذلك يقول ربنا في هذا: وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ [ص:34]، وهذا القول الراجح عند المفسرين من أن هذه الآية ترتبط بهذه القصة، وكذلك سيدنا يعقوب عليه السلام كان متزوجاً بأكثر من عشرين امرأة. ولذا فإن التعدد من محاسن شريعتنا بضابط العدل، لكن الذين يتكبرون على آيات الله، فيرفعون قضية المرأة لمنظمة حقوق الإنسان، وللدفاع عن حقوق المرأة؛ لأن المرأة لا تحب الشريك، نقول لها: أيتها الأخت الفاضلة لابد أن تقبلي شرع الله وإن خالف هواك، فشرع الله بين وواضح، فإن استطاع الرجل أن يضبط مسألة العدل فلا نستطيع أن نضع له حداً لواحدة وإنما نقول له: عدد طالما أنك تستطيع أن تعدل، ولذلك بعض الفقهاء يقولون: زوج الواحدة يحيض عندما تحيض، وينفس عندما تنفس، يعني: يظل هكذا، وليس معنى ذلك أننا نهدر الضوابط بل نقول بها، تعدد مع ضوابط شرعية، فاقبلوا أنتم أو لا تقبلوا، والقضية ينبغي أن يناقشها من لهم سبق في دين الله، ومن لهم دراية بشرع الله، أما أن تناقش القضية من أناس لا ناقة لهم ولا جمل، كموضوع الخلع قبل ذلك، فقد أتوا برجل علماني وآخر شيوعي، فقالوا له: ما رأيك في قضية الخلع؟ فيقول: أما الخلاع...، لا يستطيع أن ينطق بالكلمة! يقول عن الخلع خلاع، خلع الله كتفك يا هذا! قد وسد الأمر إلى غير أهله، وكما قال صلى الله عليه وسلم: (وكل العلم إلى الأصاغر) لا في زمن الفتن، بل زمن المحن والإحن. وهذا آخر يكتب ويقول: حوار مع إمام من أهل النقل، فيقول: صليت في القاهرة مع إمام من أهل النقل؛ فهو يقول عنا أننا من أهل النقل وهو من أهل العقل، وانظروا إلى عفن عقله وإلى خباثة فكره، فقد كتب في صحيفة رسمية هي الأكثر انتشاراً، فيقول في مقاله: ذكر الخطيب حديثاً عند مسلم : (أن النبي صلى الله عليه وسلم قام يصلي بالليل فجاء حذيفة بن اليمان ووقف عن يمينه، فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم سورة البقرة، فقال حذيفة لعله يركع، فقرأ النساء فقلت لعله يركع، فقرأ آل عمران فقلت لعله يركع ثم ركع)، يقول: عقلي لا يقبل هذا الحديث! رغم أن الحديث في البخاري و مسلم ، والداهية الكبرى أنه يقول: وليس للبخاري عصمة عندنا، فـالبخاري فيه أحاديث مكذوبة وموضوعة! فانظروا إلى حرية الكفر لا حرية الفكر، ثم من أنت حتى تحكم على أحاديث البخاري بالضعف أو الوضع؟! ولماذا رددت الحديث؟ يقول: حسبت المدة الزمنية التي تقرأ فيها
الكبر على رسل الله عز وجل
ثانياً: الكبر على رسل الله، وما أكثر الذين يتكبرون على الرسل بحجة أن الرسل بشر مثلهم! وبحجة أن الرسل يصيبون ويخطئون! فنقول: إن الرسل أرسلهم الله ليطاعوا بإذنه، فقال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ [النساء:64]، ولا يقرهم الله على اجتهاد إن خالف الأولى، فإذا اجتهد الرسول وخالف الأولى نزل القرآن ليرد الأمر إلى وضعه، وذلك كما حدث في أسرى بدر عندما نزل النبي عليه الصلاة والسلام على رأي الصديق وقبل منهم الفدية، فنزل الوحي: مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ [الأنفال:67]، يقول العلماء: إن حال الأنبياء -دائماً- في أمور الدين يئول إلى الوحي، ولذلك أقول: إن هناك من يتكبر على رسول الله فيرفض الأحاديث، ويرفض أن يمتثل لأمر الرسول، وذلك أن يقصر الثوب، والمسألة ليست أزمة قماش أو أزمة ملابس! بل نحن نمتثل ونعمل بما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إن الإمام الذهبي اعتبر إسبال الإزار من الكبائر في كتابه الكبائر، واسمع أيضاً إلى هذا الحكم، يقول الحنابلة: إن من صلى في ثوب مسبل فصلاته باطلة، خلافاً للجمهور القائلين بصحة الصلاة مع الإثم. ويقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين : هذا الملبس حرام لوصفه؛ لأن الملبس إما أن يكون حراماً لوصفه، وإما أن يكون حراماً لكسبه -يعني: مسروق، أو مغصوب- أو حراماً لذاته، كالحرير للرجال، أو كلبس البنطال للنساء، وما أدراك ما البنطال في زمن نتبع فيه سنن اليهود والنصارى شبراً بشبر وذراعاً بذراع؟! ولا ندري ماذا بعد البنطال؟! فأصبحت المرأة سلعة رخيصة، وأصبحت أعراضنا تباع وتشترى حتى إن أرادوا في مباراة كرة قدم للرجال أن يقدموا الهدايا للحكم واللاعبين قدم ذلك بعض النساء! حتى تنفتح نفوسهم للعب، فما علاقة هذا بهذا؟ إنه استخفاف بهذه المرأة، كما أصبحت سلعة رخيصة في إعلاناتهم، إن تاجراً أصيب بحالة ركود، فيأتيه آخر ويقول له: أنا أعرف لك مفتاحاً لسعة الرزق، وظف امرأة عارية فستجلب لك الشباب! فيطلبون الرزق في معصية الله عز وجل.
الكبر على العباد
ثالثاً: الكبر على العباد، ولذا فاحذر أن ترى نفسك أفضل من أحد، بل لابد أن تشعر أنك أقل من الجميع، واهضم حق نفسك، وتأمل إلى عمر وهو يقول لـحذيفة أمين سر رسول الله في المنافقين الذين تخلفوا في غزوة تبوك أو غيرهم، فيبكي ويقول: يا حذيفة ! أستحلفك بالله أسماني رسول الله مع المنافقين أم لا؟ عمر يخشى على نفسه من النفاق، أما نحن فقد أمنا من مكر الله عز وجل، ثم انظر إلى حال الأغنياء الذين يريدون أن يقيموا الناس بأموالهم، فيقولون: يا رسول الله إن للفقراء رائحة تزعجنا وتؤلمنا فاجعل لنا مجلساً آخر غير مجلسهم، فلا نريد أن نخالط الفقراء في مجلس واحد، فأنزل الله قوله: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا [الكهف:28]. ثم أيضاً من الناس من يتكبر على الخلق بمكانته الاجتماعية: سواء بملكه، أو رئاسته، أو منصبه، فنقول له: اعلم أن الملك بيد الله يؤتيه من يشاء وينزعه ممن يشاء، وهذه قصة تبين لنا أن الملك لا يساوي شيئاً: فقد أمر ملك من الملوك خادمه أن يأتي له بكوب من ماء، فلما جاءه الخادم بكوب الماء وشربه ثم سأله أحد جلسائه -وكان حكيماً- ماذا تصنع إن عز الماء فلم تجد شربة ماء؟ قال: أنفق نصف ملكي لأحصل عليها، قال: فإن حبس الله هذه الشربة في بدنك فما أنت صانع؟ قال: أنفق النصف الآخر، قال: فمال هذا الملك الذي لا يساوي شربة ماء؟! فانظر إلى من ابتلاهم الله -نسأل الله أن يعافينا ويعافيكم- بحبس البول في المثانة، فيعملون لهم قسطرة لإخراج هذه القطرات من البول. فالذي يتجبر بملكه وبمكانته يوم أن يصاب بأدنى أذى يجأر إلى ربه عز وجل، ومن الناس من يتكبر بماله، ومن الناس من يتكبر بمظهره وجماله، وهذا أكثر ما يكون في النساء، لذا لابد أن يعلم الجميع أن الدود سيأكل هذا الجمال، وسيضم بين القبر ويفنى. ولذا ينبغي على العبد العاقل أن يتواضع لربه عز وجل، قال تعالى: الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا [الفرقان:63]، فهذه هي الصفة الثانية من صفات عباد الرحمن، صفة الحلم، وهذا ما سنبينه في الخطبة الثانية إن شاء الله تعالى. أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم.