إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين...
أما بعد
فيا عباد الله لأن لهذه الأمة سلفا صالحا أمرنا باتباعهم قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي )) ولقد اختار الله محمدا صلى الله عليه وسلم ليكون خاتم الأنبياء واختار له من الأصحاب من هم خير الناس من هم خير الناس وخير القرون فاعرفوا رحمكم الله اعرفوا ما من الله به على محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الصحابة الكرام ذوي الفضائل العديدة والخصال الحميدة الذين نصر الله بهم الإسلام ونصرهم به أيها الاخوة إن الأمم تفتخر بزعمائها وكبرائها وتدرس حياتهم وتعرف ما هم عليه من الأخلاق والمناهج وكان الأجر بنا معشر الأمة الإسلامية أن نكون سابقين على غيرنا في ذلك أن نعرف سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأن نعرف سيرة الخلفاء الراشدين ولا سيما أبو بكر وعمر رضي الله عنهما اللذين قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم (( اقتدوا باللذين من بعد أبي بكر وعمر )) وقال (( إن يطيعوا أبا بكر وعمر يرشدوا أيها المسلمون لقد كان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الخلفاء الأربعة الراشدون وعلى رأسهم خليفة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أبو بكر الصديق رضي الله عنه عبدالله ابن عثمان فما طلعت شمس ولا غربت على أحد بعد النبيين خير من أبى بكر خلف النبي صلى الله عليه وسلم في أمته بإشارة من رسول الله صلى الله عليه وسلم وإيماء فقد ثبت في صحيح البخاري أن امرأة جاءت إلي النبي صلى الله عليه وسل في حاجة فأمرها أن ترجع اليه فقالت أرأيت إن لم أجدك قال فأتي أبا بكر وهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يكتب كتابا في خلافة أبي بكر ثم قال يأبى الله والمسلمون الا أبا بكر وفي رواية معاذ، الله أن يختلف المؤمنون في أبي بكر وخلفه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على الناس في الصلاة وفي الحج فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه أن يصلي أبو بكر بالناس وجعله أميرا على الناس في الحج سنة تسع من الهجرة وكل هذا إشارة إلى أنه الخليفة من بعده وكان ذلك بأمر الله عز وجل وبإذنه ولو كان أحد يستحق الخلافة بعد النبي صلى الله عليه وسلم سوى أبي بكر لخلفه النبي صلى الله عليه وسلم على أمته في هذين الركنين العظيمين الصلاة والحج ولكنه صلى الله عليه وسلم لم يخلف إلا أبا بكر ولقد سئل علي ابن أبي طالب رضي الله عنه هل عهد إليكم النبي صلى الله عليه وسلم بشيء يعني من أمر الخلافة فقال لم يعهد إلينا بشيء كان أبو بكر رضي الله عنه من سادات قريش وأشرافهم وأغنيائهم شهد له ابن الدغنة سيد القارة أمام أشراف قريش بما شهدت به خديجة للنبي صلى الله عليه وسلم حين قال له ابن الدغنة انك تكسب المعدوم وتصل الرحم وتحمل الكل وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم بادر أبو بكر رضي الله عنه إلى الإيمان به وتصديقه ولم يتردد حين دعاه إلى الإيمان ولازم النبي صلى الله عليه وسلم طول إقامته بمكة وصحبه في هجرته ولازمه في المدينة وشهد معه جميع غزواته أسلم على يديه رضي الله عنه خمسة من العشرة المبشرين بالجنة وهم عثمان بن عفان والزبير بن العوام وسعد بن أبى وقاص وطلحة بن عبيد الله وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عن الجميع وألحقنا بهم في جنات النعيم واشترى رضي الله عنه سبعة من المسلمين يعذبهم الكفار بسبب إسلامهم فاعتقهم ومنهم بلال مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعامر بن فهيرة الذي صحب النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر في هجرتهما ليخدمهما كان رضي الله عنه أعلم الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم ومدلول كلامه وفحواه فقد خطب النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حياته وقال إن عبدا خيره الله بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عند الله ففهم أبو بكر رضي الله عنه أن المخير رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فبكى رضي الله عنه فعجب الناس من بكاءه لأنهم لم يفهموا ما فهم من كلام النبي صلى الله عليه وسلم كان أبو بكر رضي الله عنه أحب الناس إلي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم معلنا فضله وهو يخطب الناس إن أمن الناس علي في ماله وصحبته أبو بكر ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر ولكن أخوة الإسلام ومودته وجاء مرة إلي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال : (يا رسول الله انه كان بيني وبين ابن الخطاب شئ فأسرعت إليه ثم ندمت فسألته أن يغفر لي فأبى فأقبلت إليك فقال النبي صلى الله عليه وسلم يغفر الله لك يا أبا بكر يغفر الله لك يا أبا بكر يغفر الله لك يا أبا بكر ثم إن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه ندم الا يكون غفر لأبى بكر فأتى منزل أبي بكر فسأل أثم أبو بكر قالوا لا فجاء إلي النبي صلى الله عليه وسلم فسلم فجعل وجه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتمعر حتى أشفق أبو بكر أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر ما يكره فجثا أبو بكر على ركبتيه فقال يا رسول الله والله أنا كنت أظلم والله أنا كنت أظلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن الله بعثني إليكم فقلتم كذبت وقال أبو بكر صدق وواساني بنفسه وماله فهل أنتم تاركو لي صاحبي فهل أنتم تاركو لي صاحبي) فما أوذي صلى الله عليه وسلم بعدها أبدا وكان رضي الله عنه اثبت الصحابة عند النوازل والكوارث ففي صلح الحديبية لم يتحمل كثير من الصحابة الشروط التي وقعت بين النبي صلى الله عليه وسلم وكان منها أي من هذه الشروط منها أن يرجع النبي صلى الله عليه وسلم وكان عليه الصلاة والسلام محرما بالعمرة ومعه نحو ألف وأربعمائة من أصحابه لا يريدون إلا العمرة لا يريدون إلا النسك ومعهم الهدي كثير ولكن حمية الجاهلية أبت إلا أن يرجع دون تكميل عمرته وكان من بين الشروط أن من جاء من قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم رده إليهم وإن كان مسلما وأن من جاء من المسلمين إلى قريش لم يردوه إلي المسلمين فشق ذلك على المسلمين مشقة عظيمة حتى إن عمر رضي الله عنه راجع النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ( إني رسول الله ولست اعصيه وهو ناصري) فذهب عمر إلي أبى بكر لأنه يعلم أنه أولى الناس بالرسول صلى الله عليه وسلم أبو بكر فقال له أبو بكر: (أيها الرجل يعني عمر إنه لرسول الله وليس يعصي ربه وهو ناصره فاستمسك بغرزه فوالله إنه على الحق) فكان جواب أبي بكر لعمر بن الخطاب رضي الله عنه كجواب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سواء بسواء وفي هذا دليل على أنه رضي الله عنه أكمل الصحابة وأشدهم ثباتا في مواطن الضيق وأنه أقربهم إلى الصواب وإن كان ذلك مشهورا في عمر رضي الله عنه فإن أبا بكر رضي الله عنه في مقام الضنك أقرب من عمر إلى الصواب ولما توفي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم اندهش المسلمون لهذه الفاجعة حتى قام عمر رضي الله عنه وأنكر موت الرسول وقال والله ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وليبعثنه الله فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم ولكن أبا بكر رضي الله عنه ونحن نعلم أنه أشد الناس مصيبة برسول الله صلى الله عليه وسلم جاء رضي الله عنه فكشف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مسجى أي مغطى كشف عن وجهه وقبله وقال له: ( بابي أنت وأمي طبت حيا وميتا) ثم خرج إلى الناس فصعد المنبر فخطب الناس بقلب ثابت فقال كلماته المشهور كلماته التي تستحق أن تكتب بمداد من النور والذهب قال رضي الله عنه : ( من كان يعبد محمدا فان محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت وتلا قول الله عز وجل : ( إنك ميت وإنهم ميتون ) وقوله تعالى (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين) قال عمر رضي الله عنه فعقرت حتى ما تكلم برجال وعلمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات انظروا عباد الله إلى ثبات أبي بكر رضي الله عنه عند هذه الكارثة العظيمة التي قال عنها أنس بن مالك قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فأضاء منها كل شيء ولما مات أظلم منها كل شيء ولما أراد لما أراد أبو بكر رضي الله عنه أن ينفذ جيش أسامة بعد وفاة النبي صلى الله عليه راجعه عمر وغيره من الصحابة وقالوا له لا تسير هذا الجيش لأننا في حاجة إليه لقتال أهل الردة ولكنه رضي الله عنه صمم على تنفيذه وقال : (والله لا أحل راية عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو أن الطير تخطفنا) فكان في ذلك فرج وعز وكرامة للصحابة رضي الله عنهم لما علم المرتدون أنهم نفذوا جيشا إلى قتال الروم أو حدود الروم قالوا إن هؤلاء لأقوياء وإن عندهم لجيوشا فنكصوا على أعقابهم وكان في هذا الخير والبركة لهذه الأمة رضي الله عنه وأرضاه ولما مات رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وارتد من ارتد من العرب ومنعوا الزكاة عزم رضي الله عنه على قتالهم فراجعه من راجعه في ذلك فصمم على قتالهم وكان ممن راجعه في هذا عمر ابن الخطاب رضي الله عنه فما زال أبو بكر يورد عليه الأدلة قال عمر: ( فعرفت أن ذلك هو الحق) وصفه أي وصف أبا بكر علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: ( كنت أول القوم إسلاما وأخلصهم إيمانا وأحسنهم صحبة وأشبههم برسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم هديا وسمتا وأكرمهم عليه خلفته في دينه أحسن خلافة حين ارتدوا ولزمت منهاج رسول الله صلى الله عليه وسلم كنت كالجبل لا تحركه العواصف ولا تزيله القواصف متواضعا في نفسك عظيما عند الله أقرب الناس عندك أطوعهم لله وأتقاهم) رضي الله عن الجميع توفي أبو بكر رضي الله عنه بعد أن تولى الخلافة وسار في الناس سيرة حميدة وبارك الله في مدة خلافته على قصرها فقد كانت مدة خلافته سنتين وثلاثة أشهر وتسع ليال ومات رضي الله عنه ليلة الثلاثاء بين المغرب والعشاء ليلة ثلاث وعشرين من جمادى الثانية سنة ثلاث عشرة من الهجرة وكان من بركته أن خلف على المسلمين أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فإن هذا والله من حسنات أبي بكر رضي الله عنهما وعن الصحابة جميعا ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين اللهم إنا نسألك في مقامنا هذا أن تجعلنا من الذين اتبعوهم بإحسان اللهم اجعلنا ممن اتبعوهم بإحسان اللهم اجعلنا ممن اتبعوهم بإحسان اللهم احشرنا في زمرتهم اللهم اجمعنا بهم في جنات النعيم انك على كل شئ قدير اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ...
الحمد لله تعالى وأشكره وأتوب إليه وأستغفره وأشهد ألا اله إلا الله وحده لا شريك له وأِشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ...
أما بعد
أيها الاخوة المؤمنون إني أحثكم على أن تقرؤوا سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرة الخلفاء الراشدين كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن اقتدى بخير الناس كان له نصيب من هذه الخيرية وما أحسن أن تقرؤوا من كتاب البداية والنهاية لابن كثير فإنه من خيروهو في الحقيقة تاريخ إسلامي واسع كبير لكن المهم منه الذي أحثكم على أن تقرؤوه من هذا الكتاب العظيم هو سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاءه الراشدين حتى تزدادوا إيمان وتزدادوا محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتزدادوا استقامة في سلوككم ومنهجكم واتباعكم وتكون قلوبكم دائما معلقة بالله عز وجل ثم برسوله صلى الله عليه وسلم وخلفاءه الراشدين أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد في أقوالنا وأفعالنا وعقائدنا إنه على كل شيء قدير واعلموا أن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة في الدين بدعة وكل بدعة ضلالة كل من أحدث في دين الله ما ليس منه فإنه مبتدع ضال مردود عليه عمله مهما كان ذلك العمل قال النبي صلى الله عليه وسلم (( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد )) .
اللهم صلى على محمد وعلى اله وصحابه وسلم