الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
تأثير القرآن في القلوب.
00:00:49
عباد الله:
لقد أنزل الله سبحانه وتعالى كتابه أحسن الحديث تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله، أنزله سبحانه وتعالى ليكون مؤثراً في قلوب المؤمنين، فإذا استمعوا له تخبت له قلوبهم، وإذا قُرأت عليهم آياته خروا سجداً وبكياً، ولما نزل هذا القرآن كان له الأثر الكبير حتى في نفوس المشركين، فقد جعل بعضهم يستمع إليه خلسة، ويعترف بأنه يعلو ولا يعلى، وكذلك سمعته الجن فعلموا أنه عجب فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًاسورة الجن1، فكيف بنفس رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأه ويدارس جبريل في رمضان كل ليلة هذا القرآن، ويحب أن يسمعه من غيره كما أمر ابن مسعود رضي الله عنه أن يقرأ عليه، فقال: أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: (إني أحب أن أسمعه من غيري)[رواه البخاري4582 ومسلم800 ]، وهكذا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قلوبهم أوعية العلم، تختزن القرآن، بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَسورة العنكبوت49، لو أنزل الله القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله، فكيف سيكون تأثيره في قلوب المؤمنين التي هي أعظم تأثراً من الحجارة والجمادات بلا ريب.
نماذج للسلف في تأثير القرآن عليهم
00:03:08
عباد الله:
ومن هنا كان تأثير القرآن في قلوب الأسلاف عظيماً، فكانوا يقفون عند حدوده، يحركون به القلوب، يؤمنون بمتشابهه، ويعملون بمحكمه، عندما سمع جبير بن مطعم قبل أن يسلم قول الله عز وجل: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَسورة الطور35كاد قلبه أن يطير، وهكذا لما استمع الصحابة رضوان الله عليهم لقول الله: اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْسورة الأنفال24، كانت هذه المخاطبات بالأوامر والنواهي تعني أشياء كثيرة، وكان الصحابة إذا سمعوا هذا القرآن فإنهم يعملون به، الصديق رضي الله عنه لأجل آية في كتاب الله أعاد النفقة إلى مسطح وهو قريبه، مع أنه كان قد آذى ابنته عائشة رضي الله عنها ولكنه لقول الله: وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌسورة النور22يعني: لا يمتنع، لما سمع قول الله عز وجل في هذا وهو يقول: ألا تحبون أن يغفر الله لكم، قال: بلى أحب أن تغفر لي يا رب، وأعاد النفقة إلى مسطح، وكذلك عمر رضي الله عنه عندما سمع قول الله: لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَسورة آل عمران92كان عنده أرض عظيمة بخيبر زراعية ثمينة، جاد بها لله وجعلها وقفاً، كما فعل أبو طلحة الأنصار بالضبط في أفضل ما يملك البستان العظيم قبالة المسجد جاد به لله لأجل آية في كتاب الله لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَسورة آل عمران92.
وهكذا يا عباد الله كان موقف عمر في قوله عز وجل: إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِن دَافِعٍسورة الطور7-8، هكذا كان موقف عمر رضي الله عنه وهو يسمع الآيات التي تذكر أهوال القيامة يمرض، ويعوده الناس، لا يدرون ما به، والذي به تأثير القرآن.
وكذلك الصحابة لما نزل عليهم أمر الله تعالى بالامتناع عن الخمر والنهي عنها فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَسورة المائدة91امتثلوا مباشرة وسالت شوارع المدينة وطرقاتها بالخمر الذي سكب في أفواهها، وعندما كان عمر رضي الله عنه خليفة وجاءه ذلك الرجل الذي به سفه، يقول: يا ابن الخطاب ما تعطينا الجزل ولا تحكم فينا بالعدل، فأراد أن يوقع به فتلا عليه أحدهم قول الله: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَسورة الأعراف199، وقف عمر فلم يوقع به؛ لأجل هذه الآية، لما قيل له وهذا من الجاهلين، فأعرض عنه امتثالاً لأمر الله عز وجل.
وعندما نجد الآيات أيضاً التي فيها التذكير بما يكون يوم القيامة لهؤلاء الأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، مر عمر رضي الله عنه وكان قد ذهب إلى الشام -نسأل الله أن يرفع البلاء عن الشام- مر بصومعة راهب فناداه فأطل الراهب فنظر عمر في وجه رجل قد أضر به كثرة العمل والسهر والتعب، والتنسك والرهبنة فبكى عمر رضي الله عنه، فقيل له: ما يبكيك هذا رجل مشرك، من الذين يقولون: لله ولد وله صاحبة، فقال عمر رضي الله عنه: ذكرت قول الله: عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةًسورة الغاشية3-4، فهذا من أهلها، يعمل ويعمل وفي النهاية في النار، لماذا؟ لأنه مشرك، والله لا يقبل عمل المشركين.
كان السلف إذا مر الواحد منهم بآية السجدة خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّاسورة مريم58، يعاتب نفسه إذا لم يبك ويقول: هذا السجود فأين البكاء.
وأيضاً نجد امتثالهم واضحاً لقول الله عز وجل: لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَسورة آل عمران92في إعتاق ابن عمر لأحب أمة من إمائه إليه، أنت حرة لوجه الله، نجد امتثالهم وتفاعلهم مع القرآن، ابن عباس رضي الله عنهما لما كان في طريق سفر فجاءه خبر موت ابن له أو أخيه فأوقف دابته ونزل على جنب الطريق وصلى ركعتين ثم قال: فعلنا ما أمر الله، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَسورة البقرة153، وعندما زوَّج معقل بن يسار رضي الله عنه أخته لرجل لم يحسن إليها في البداية، مع أنه أكرمه بتزويجها ويسر الأمور عليه فطلقها الرجل فلما انتهت العدة ندم وأراد التراجع، وجاء يخطبها من أخيها مرة أخرى فرفض، وقال: زوجتك ففعلت وفعلت لا ترجع إليها، فلما نزل قول الله: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِسورة البقرة232دعا معقل ذلك الرجل وقال له: أزوجك وأكرمك لأجل هذه الآية.
كان قول الله تعالى: وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِسورة النساء100كافياً لأن يدفع رجلاً من المهاجرين وهو مريض بمكة أن يقول لأهله: وجهوني إلى طريق المدينة، فيقولون: أنت مريض، فيقول: إني أخشى أن يقال لي: أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًاسورة النساء97، فوجهوه إلى طريق المدينة فمات بالطريق، فنزل قول الله عز وجل: وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ سورة النساء100.
كانت الآيات في سورة الحجرات يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَسورة الحجرات2، كفيلة أن تجلس خطيب الأنصار ثابت بن قيس في بيته وهو يبكي ظاناً أنه دخل في الآية؛ لأن صوته جهوري بطبعه فخشي أن يكون قد حبط عمله؛ لأنه لا يخلو أن يكون قد رفع صوته يوماً بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم حتى جاءه من يواسيه ويخبره من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ليس من أهل هذه الآية.
عباد الله:
لم يكن الامتثال خاصاً بالرجال فإن زينب رضي الله عنها لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يزوجها لزيد فتمنعت لأنها قرشية حرة وذاك مولى، لكن لما نزل قول الله: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْسورة الأحزاب36وافقت وتزوجت زيداً، ولما نزل قول الله عز وجل: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّسورة النور31امتثلت نساء الأمصار وشققن مروطهن واعتجرن بها وتغطين فصرن كالغربان في السواد متشحات بالحجاب، لا يرى منهن شيءٌ امتثالاً لأمر الله، آية مثل قول الله عز وجل: فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِسورة الطور27كانت كافية لأن تجعل عائشة وأسماء رضي الله عنهما في الصلاة تطيلان جداً الوقوف عند هذه الآية، وهما تسألان الله عز وجل أن يمن عليهما وأن يقيهما عذاب السموم فكان المار ينتظر ينتظر، ويذهب إلى السوق ويعود ليرى أسماء باقية كما هي واقفة تردد هذه الآية.
أيها المسلمون يا عباد الله:
تبقى آيات القرآن في نفوس المؤمنين لها شأن، وهي تدفع إلى خير وتمنع من شر، وتزيد الإيمان، تبقى هذه الآيات في نفوس المؤمنين لها شأن عظيم في تقريبهم من الله، وإحياء قلوبهم بالذكر، وثمار الأعمال الصالحة التي تظهر بعد أن تستقر آيات الوحي في القلوب، وآية مثل قول الله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَسورة الأعراف201كانت كافية جداً أن تردع شاباً أغوته فتاة فذهب إليها أن يقطع المشوار في منتصف الطريق ويرجع لما تذكر هذه الآية، كان ذاهباً إلى حرام فلما ذكر قول الله: إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا أبصروا انتبهوا، فيتعظ ويرعوي ويرجع مستجيباً لله ورسوله، كما أن الفضيل رحمه الله رجع من مشوار حرام تائباً إلى الله لأنه سمع قارئاً يقرأ بالليل: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّسورة الحديد16.
اللهم إنا نسألك أن تحيي قلوبنا بالقرآن، اللهم اجعلنا من أهل القرآن يا رب العالمين، اللهم انفعنا به وارفعنا به يا أرحم الراحمين، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين أشهد أن لا إله إلا هو ولي المتقين، سبحانه وتعالى، أكبره تكبيراً، وأشكره ولا أكفره، وأخلع كل من يكفره، لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، أشهد أن لا إله إلا هو حقاً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صدقاً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأزواجه وخلفائه وذريته والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أشهد أنه رسول الله بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، فصلوات الله وسلامه عليه إلى يوم الدين.
عباد الله:
تحب النفوس المال ولا تجود به إلا لمحبوب هو أشد من محبوبها هذا.
حج صفوان بن سليم رحمه الله ومعه سبعة دنانير من الذهب، فجاد بها كلها لله في شراء بدنة في الهدي تنحر لله عز وجل من أجل آية في كتاب الله، وهي قول الله عز وجل: وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌسورة الحج36، فاشترى بدنة بسبعة دنانير من الذهب امتثالاً لهذه الآية.
كان مطرف رحمه الله يستلقي على فراشه يريد النوم فيطير النوم من عينيه قول الله عز وجل: كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَسورة الذاريات17، وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًاسورة الفرقان64، أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِسورة الزمر9فكيف بأناس اليوم هم في النار وسيقال لهم توبيخاً في النار: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَسورة المدثر42-43، أولئك كانت الآيات توقظهم لقيام الليل، وتمنعهم من مواصلة النوم لأجل مستحب، وهؤلاء يضيعون الفرائض، ولا يصلون الواجبات.
عباد الله:
الآيات ليست فقط في أمور العقيدة، والواجبات، والمحرمات، والعبادات، بل حتى في الآداب، والأخلاق، لما تعثرت تلك الأمة وبيدها إناء المرقة الحار، تعثرت عند رأس سيدها فانسكب الإناء عليه بما فيه من المرقة الحارة فماذا تظنون أن يفعل الواحد منا لو كان في مكانه! لكن ذلك الرجل من السلف لما انسكبت المرقة الحارة عليه، وقامت تلك الأمة مذعورة مما يمكن أن يقع عليها فتذكرت آية قالتها لسيدها وهي متلعثمة معتذرة خائفة تقول: سيدي وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ، قال: قد كظمت غيظي، قالت: وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ، قال: قد عفوت عنك، قالت: وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَسورة آل عمران134قال: اذهبي فأنتِ حرة لوجه الله، هذا تأثير الآيات في النفوس، هكذا يجب أن يكون وقع القرآن على قلوبنا، هكذا ينبغي أن نحيا بالقرآن يا عباد الله، والإمام أحمد سامح الذين ضربوه بالباطل في السجن بالسياط لأجل أن يقول: القرآن مخلوق، ولم يقل، سامح المسلمين منهم لأجل قول الله سبحانه وتعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِسورة الشورى40، قال: وماذا تستفيد أن يعذب أخوك بسببك، بل تعفو والأجر عند الله عظيم، يعني أجر الذي يعفو أشد من حسنات أكثر من الحسنات التي سيأخذها لو ما عفا، المظلوم لو ما عفا سيأخذ من حسنات الظالم يوم القيامة، فإذا عفا فالله قال: فأجره على الله، والأجر الذي على الله أعظم من الحسنات التي ستؤخذ من الظالم إذا ما عفا المظلوم، ولذلك كان الفقهاء يعفون؛ لأنهم يريدون الأجر الأعظم والأكثر.
رجل كان خاله مدمن خمر يتأول أشياء، كما يفعل بعض الذين يفلسفون معاصيهم، فكان خاله عنده يوماً، وهذا الرجل يقرأ القرآن فمر بقول الله عز وجل ورفع صوته بها: لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىَ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَسورة الأنفال37، وهذا الرجل كان من الذين يجادلون في تحريم الخمر، فقال: يا خال يقول الله: {ليميز الله الخبيث من الطيب} فإذا ميَّز الله الخبيث من الطيب يوم القيامة فيا ترى أن يكون هذا الشراب في قسم الخبيث أو في قسم الطيب؟ فنظر وتفكر ثم قال يا بني: امض إلى المنزل فاصبب كل شيء فيه أرقه، فلم يشربها حتى مات.
وهكذا يقال اليوم يا عباد الله لمن يجادلك في تحريم الموسيقى والغناء فقل له: هذه الأغاني الموجودة في القنوات، والتي في كثير منها غناء النساء المتبرجات، والرقص، والفيديو كليب، هذه الموسيقى بأوتارها، وطبولها، وأدواتها، يا ترى لو فعلت بحضرة محمد صلى الله عليه وسلم أفتراه ينكرها أم يقرها؟ وإذا جاءت يوم القيامة يوم يميز الله الخبيث من الطيب أفتراها تكون في قسم الخبيث أم في قسم الطيب، ناقش نفسك ثم احكم بنفسك، ثم افعل ما يميله عليك ضميرك، وقل مثل ذلك في التدخين وفي غيره مما يجادل فيه بعض الناس، وسل هل هو من الخبيث أو هو من الطيب.
حاجة الأمة اليوم لفقه القرآن
00:24:08
يا عباد الله:
نحن نحتاج اليوم إلى فقه كثير في القرآن، نحن نحتاج اليوم أن نقرأ القرآن، وأن نتلو القرآن حق تلاوة، ليس القضية مجرد إمرار اللسان بحروف القرآن، ليست المسألة فقط إنهاء ختمة، وراء ختمة، وإنهاء السورة، ليست القضية فقط التجويد والتحفيظ، مع عظم التجويد وعظم التحفيظ، لكن القضية الفقه والفهم، يا أيها الناس إذا سألنا اليوم أكثر المسلمين عما يقرؤونه في الصلاة من السور لقالوا: نقرأ قصار السور، فإذا سألتهم ما معنى الصمد، وما معنى الخناس، وما هو الغاسق، وما معنى وقب، وما معنى ضبحا، وما معنى لإيلاف، لتوقف الكثير منهم لا يحرون جواباً، فتقول: يا عبد الله هذه السور التي أنت تقرأها غالباً في صلواتك ولا تعرف معنى ما فيها فضلاً عما هو في طوال السور فوا أسفاه فوا خيبتاه، وا خجلاه من قوم أنزل الله عليهم كتاباً وأرسل إليهم رسالة منه وهو ملك الملوك ثم لا يعرفون ما معنى الرسالة، وماذا يوجد فيها فأي عيب أشد عيباً من هذا؟ ولذلك لا بد من التفسير ومعرفة المعنى، لو تأخذ فقط التفسير الميسر يبين لك المعنى الإجمالي للآية، ومعاني الكلمات الصعبة، لو يكون هناك حلق مدارسة ألا تعرفون أن الله تعالى ينزل السكينة والرحمة والملائكة من أجل قوم قعدوا يدرسون ويتدارسون كتاب الله فيما بينهم، كل واحد يخبر الآخرين بما قرأ في التفسير، يستخرجون الفوائد، ينظرون كيف يعملون به، وكيف يستفاد من الآيات في الواقع، الانطباقات المدهشة لآيات القرآن على أحداث الواقع، التجدد العجيب الموجود في القرآن الذي نراه دائماً وباستمرار في أي حادثة تحدث في الأرض، ترى آيات في القرآن بشأنها، مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍسورة الأنعام38.
فضائل شهر شعبان
00:26:45
عباد الله:
شهركم شعبان هذا الذي ترفع فيه الأعمال إلى الله كان عند السلف يقال له: شهر القراء من الاجتهاد في القراءة فيه، هذا الشهر بين رجب ورمضان يغفل الناس عن العمل الصالح فيه، مع أن الأعمال فيه ترفع إلى الله، هذا الرفع السنوي، أما الرفع الأسبوعي في الاثنين والخميس، والرفع اليومي في صلاة الصبح وصلاة العصر، فإذا كان شهر شعبان هذا شهر القراء، وترفع فيه الأعمال إلى الله عز وجل، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يحب الإكثار من الصيام فيه، ونبهنا إلى عدم الغفلة فيه، فإن كثيراً من الناس اليوم مثلاً يذهبون فيه، شهر السياحة، بحكم وقوعه الآن في هذه الإجازة، فما هي الأعمال الصالحة التي سوف تستودع في هذا الشهر.
اللهم إنا نسألك أن تحيي قلوبنا بذكرك يا رب العالمين، اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، اللهم اجعلنا من أهل القرآن، اجعلنا ممن يحل حلاله ويحرم حرامه، ويؤمن بمحكمه ومتشابهه، اللهم إنا نسألك أن تغفر ذنوبنا كلها دقها وجلها سرها وعلانيتها، لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا كرباً إلا نفسته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا عيباً إلا سترته، يا أرحم الراحمين، يا رب العالمين أنزل رحمتك وبركاتك علينا، اغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا، اغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين يوم يقوم الحساب، أحسن وقوفنا بين يديك، ولا تؤاخذنا يوم العرض عليك، ولا تفرق جمعنا هذا إلا بذنب مغفور وعمل مبرور وسعي مشكور، اللهم إنا نسألك أن ترزقنا خشيتك في الغيب والشهادة وكلمة الإخلاص في الغضب والرضا، اللهم إنا نسألك قرة عين لا تنفد ولا تنقطع، نسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك يا رب العالمين، آمنا في الأوطان والدور، وأصلح الأئمة وولاة الأمور، واغفر لنا يا رحيم يا ودود يا غفور، اللهم إنا نسألك الرحمة لإخواننا المسلمين، اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين، اللهم ارفع عنهم البلاء واكشف عنهم اللأواء يا سميع الدعاء كن معهم ولا تكن عليهم، وانصرهم ولا تنصر عليهم، وأعنهم ولا تعن عليهم، اللهم إن في المسلمين من الشدة والبلاء ما لا يعلمه إلا أنت، وإنا نسألك لإخواننا المستضعفين في ساعتنا هذه النصر والتمكين إنك على كل شيء قدير وبالإجابة جدير.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين