الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده، ورسوله.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عباد الله:
شهركم قد انتصف! فمن ذا الذي أخذ حقه وانتصف، ومن حاسب نفسه على ما مضى كي يستدرك فيما بقي؟ سارعوا بالخيرات، وسابقوا بالحسنات، فهذا المضمار ونحن فيه، ولا ندري متى يهجم الأجل، اللهم أعنا على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك.
حق القرآن علينا كبير.
أيها المسلمون:
لقد أنزل الله سبحانه وتعالى كتابه، في ليلة القدر من هذا الشهر، ولذلك فإن الاعتناء بالقرآن في رمضان، أمر عظيم، هذا شهر القرآن، شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىسورة البقرة185. ولذلك ينبغي أن يكون موقفك يا عبد الله، وأنت تتلوا كتاب الله، استمداد الهدى، وحصول البينات، الهدى الذي يهديك إلى الصراط المستقيم، الذي يهديك إلى الحق بإذن ربك، والبيانات التي تتبين من خلالها هذا الحق، وتعرف تفاصيله، ويستنير لك الطريق، هدى وبينات، ينقذك من الضلالة، فيتوب الإنسان بعد معصية، ويتعلم بعد جهل، وكذلك يصيب السنة، بدلاً من الوقوع في البدعة، هدى، هذا هدى، والبينات التي يعرف من خلالها تفصيل العبادات، والحلال، والحرام، وغير ذلك مما يريده الله من العبد، ولذلك فينبغي أن يكون العمل في هذا الكتاب ليس مجرد التلاوة.
عباد الله:
إن حق القرآن علينا كبير، ويَتْلُونَهُ حَقَّسورة البقرة121. هذا من الواجب، ولكن أيضاً يتدبرونه، فإذن واجب القرآن علينا أن نتلوه، ولا نهجره، وأن نتلوه حق تلاوته إذا تلوناه، فنقرؤه كما أنزله الله، ولذلك فإن معرفة تجويده، ومخارج حروفه، والوقوف أين يكون ونحو ذلك، في غاية الأهمية لتلاوته حق التلاوة، ثم التدبر، ولا يمكن التدبر إلا بمعرفة المعنى، وهذا هو التفسير، ثم يعين على ذلك المدارسة، وقد كان الرسول البشري يقعد مع الرسول الملكي في رمضان، كان عليه الصلاة والسلام في رمضان مع جبريل يتدارسان القرآن، وهذه المدارسة أن يقرأ هذا ويستمع الآخر ثم يتبادلان ما في هذه الآيات من العلم والمعاني، وتعظيم الله، والموعظة باليوم الآخر، ما في قصص الأنبياء من الفوائد، وما في قصص الصالحين، وأعداء الله أيضاً من المواعظ، وكذلك ما في هذا القرآن من الأحكام، ففيه وعد ووعيد، وفيه علم وتفصيل، وفيه موعظة بليغة.
حال السلف مع القرآن، وفائدة معرفة أسباب النزول.
قرأ أحد السلف مرة قوله تعالى:لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْسورة الأحزاب8، فوقف، قال: ليسأل الصادقين عن صدقهم، فماذا عن غير الصادقين؟ قال لنفسه لما قرأ الآية: لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْهذا إذا كان يحاسب هؤلاء الصادقين،لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْفكيف بغير الصادقين.
ومر بعض السلف بمثل من أمثال القرآن، فأراد أن يعرف معناه فلم يهتد إلى ذلك، كأنه خفي عليه، فبكى، فسئل، قال: إن هذه الأمثال التي أخبر الله عنها وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَسورة العنكبوت43. فأبكي على نفسي أني لست بعالم.
فإذن نحن عندما نجتهد في قراءة القرآن في رمضان، ونفتح المصحف قبل الصلاة، وبعد الصلاة، وفي البيت، عندما نفتح المصحف يا إخواني ينبغي أن يكون لنا مع المصحف موقف، سواءً في الاستعداد لقراءته من التطهر، وإصلاح النية بالإخلاص، والإقبال على هذا القرآن بنية المستفيد منه، ولذلك كانت عبارات بعض السلف في مسألة حضور الخشوع عند تلاوة القرآن، استحضر كأن الله يخاطبك به، استحضر كأن القرآن ينزل عليك، استحضر كأنك تخاطب ربك، كأنك تكلم ربك بكلامه، فعندما يشعر المسلم أنه يكلم ربه، بكلام ربه فيكون لذلك وقع آخر في النفس، ولذلك تعامل المؤمن مع القرآن لا بد أن يكون فيه تأمل، تفكر، تدبر، فعندما يسمع مثلاً هذه الحروف المقطعةالمسورة البقرة1.حمسورة الأحقاف1.قسورة ق1.يسسورة يس1.نسورة القلم1.كهيعصسورة مريم1. عند ذلك يستحضر التحدي، الذي تحدى الله به العرب بهذا القرآن، لما كان قوم موسى مشهورين بالسحر، تحداهم الله بهذه العصا، التي تنقلب حية، وهذا اليد التي تخرج بيضاء للناظرين، عندما كان قوم عيسى مشهورين بالطب، تحداهم الله بمعجزات لعيسى، يبرئ الأكمة، والأبرص، ويحيي الموتى بإذن الله، يقيمه من قبره بإذن الله، يمسح الأعمى فيرتد بصيراً بإذن الله، عندما كانت قريش، والعرب مشهورين بالفصاحة، وكان الوقت في ذلك الحين عند العرب قمة الشهرة بالفصاحة، والمعلقات الشعرية، جاءهم هذا القرآن، فتحداهم الله بهذه الأحرف، القرآن منها هاتوا مثله، القرآن فيه ألف ولام وميم وحم وميم فيه ياء وسين وقاف ونون، هاتوا مثله، إنه من الحروف التي تعرفونها؛ فهاتوا مثله، عجزوا، فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِسورة هود13.عجزوا،فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِسورة يونس38.عجزوا، فنادى عليهم بالعجز إلى قيام الساعة، قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًاسورة الإسراء88. هنا تحس يا عبد الله حتى وأنت تقرأ الأحرف المقطعة، أن هنالك أمراً عظيماً، وراء هذه الأحرف، فإذا سمعت النداءات، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْفلك وقفة؛ أن الله يناديك بهذا النداء الذي تتصف به أنت بالإيمان به، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر، خيره وشره، فتقول: ماذا يريد ربي مني؟ إما خير تأمر به، وإما شر تنهى عنه، هذا وقفة،يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِسورة الحجرات1. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةًسورة آل عمران130.يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَىسورة البقرة264.يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ.. وهكذا تقرأ في القرآن، وعندما تمر بآيات فيها أفعال الله، يُدَبِّرُ الْأَمْرَسورة السجدة5.يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِسورة الزمر5.اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَسورة الزمر42.يَفْعَلُ مَا يَشَاءسورة آل عمران40.تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءسورة آل عمران26.وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاءسورة آل عمران26.عندما تتأمل في فعال الله، كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍسورة الرحمن 29.عندما تتأمل في أفعال الله،وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءمن هؤلاء الملاحدة، وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِسورة الرعد13. كما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً من أصحابه إلى رجل من المشركين، من عظماء المشركين يدعوه إلا الله، فإذا بهذا الصنديد من الكفار يجادل في الله، ويقول للمسلم: أيش ربك؟ من حديد هو؟ من نحاس هو؟ من فضة هو؟ من ذهب هو؟ فيرجع الصحابي إلى النبي عليه الصلاة والسلام، يقول: قال كيت وكيت، فيرده إليه يدعوه، والمشرك يرد بنفس الرد فيعود المسلم في الثالثة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله أرسل على صاحبك صاعقة أحرقته) وأنزل الله وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاء. وقال:وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ، سبحانه وتعالى.
ولذلك أيها الإخوة: يكون معرفة أسباب النزول من الأمور المهمة في فهم الآيات، حتى في شعورك أنت بهذه الآيات ومعانيها، لما تقرأ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌسورة الحشر9. لها معنى، لكن عندما تستحضر أنه كان هناك ضيف جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والنبي عليه الصلاة السلام أرسل إلى أزواجه قالوا: ما عندنا شيء، واحدة وراء واحدة، ما عندنا شيء، فقال النبي عليه الصلاة والسلام، وهو المتطبع بطبع إكرام الضيف الذي يستحي أن يخرج الضيف بلا شيء، قال: (ألا رجل يضيف هذا الليلة يرحمه الله)، فقال رجل من الأنصار: أنا يا رسول الله، فأخذه إلى بيته، الرجل لما دخل على زوجته قال: هذا ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدخل علينا لا تدخريه شيئاً، قالت: ليس عندي إلا قوت الصبية، قال: ضعي له الطعام وأتظاهر أني أصلح السراج وأطفؤه ونتظاهر بالأكل وندعه يأكل، فحصل ذلك، وباتا طاويين، ونوموا الأولاد على جوع، وفي الصباح غدا به إلى النبي عليه الصلاة والسلام، فأنزل الله وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ. خصاصة يعني: حاجة، جوع، فعندما تستحضر القصة التي نزلت بشأنها الآية يكون هناك طعم آخر.
فمعرفة أسباب النزول مفيدة جداً في تدبر القرآن، هذه الآية نزلت في من قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُسورة المجادلة1. تأتي خولة بنت ثعلبة إلى النبي عليه الصلاة والسلام وهي امرأة كبيرة تقول: يا رسول الله هذا زوجي أوس، هذا أفنيت شبابي ونثرت له بطني حتى إذا كبرت سني وانقطع ولدي ظاهر مني، يقول: أنت علي كظهر أمي، أشكو إلى الله، النبي عليه الصلاة والسلام ما عنده جواب حاضر، ولا يقول بغير علم، فيطلب من المرأة أن تنتظر وأن تحسن رفقة هذا الإنسان حتى يحكم الله، وكان رجلاً كبيراً تقدم به السن وتغير خلقه لكبر السن، وهذا معروف مشاهد، تغير الخلق لكبر السنة، فينزل الله الآية
تأتي خولة بنت ثعلبة إلى النبي عليه الصلاة والسلام وهي امرأة كبيرة تقول: يا رسول الله هذا زوجي أوس، هذا أفنيت شبابي ونثرت له بطني حتى إذا كبرت سني وانقطع ولدي ظاهر مني، يقول: أنت علي كظهر أمي، أشكو إلى الله، النبي عليه الصلاة والسلام ما عنده جواب حاضر، ولا يقول بغير علم، فيطلب من المرأة أن تنتظر وأن تحسن رفقة هذا الإنسان حتى يحكم الله، وكان رجلاً كبيراً تقدم به السن وتغير خلقه لكبر السن، وهذا معروف مشاهد، تغير الخلق لكبر السنة، فينزل الله الآية
، تقول عائشة: "سبحان الذي وسع سمعه الأصوات" إني في ناحية البيت أسمع كلام خولة أسمع بعضه، ويخفى علي بعضه، شيء سمعته، وشيء ما سمعته، وتنزل الآية قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ. وتنزل الأحكام. معرفة سبب النزول مرة أخرى يعين كثيراً على تدبر القرآن، ما أعظم هذه الرسالة يا عباد الله.
معرفة معاني القرآن وتفسيره.
وإن التفسير، ومعرفة المعاني، معاني الكلمات في غاية الأهمية، فلو كان الإنسان لا يعرف كلمة (خصاصة)ما معناها؟ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًاسورة النحل52. لا يعرف وَاصِبًاما معناها،لِإِيلَافِ قُرَيْشٍسورة قريش1.لا يعرف معنى لإيلاف، فضلاً عن تلاوتها لأن بعضهم يقول: لإلاف بالكسرة وهي لإيلاف بالياء، إذا كنت لا تعرف المعنى، (الصمد) لا تعرف معناها، (غاسق) لا تعرف معناها، (وقب) لا تعرف معناها، (ضبحا) لا تعرف معناها، وهكذا فكيف ستتدبر يا عبد الله؟
ولذلك يا إخواني: هذا القرآن الذي نفتح في رمضان، وربما ننهي الختمة، والختمتين، وأكثر له حق عظيم علينا، ليست القضية فقط في إمراره وإنهاء التلاوة، أنهينا ختمة ختمنا، أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَاسورة محمد24. أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًاسورة النساء 82. هذا القرآن الذي تجد فيه حتى نقاش الملاحدة،أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ*أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَسورة الطور25-36. هذا القرآن تجد فيه العلاجات العظيمة، علاجات المشكلات الاقتصادية، وعلاجات المشكلات الاجتماعية، وعلاجات المشكلات النفسانية، وهكذا، والله فيه علاجات عظيمة، إنسان عنده كنز عظيم لكن لا يعرف كيف يستفيد منه، عنده حساب مجمد فيه ملايين؛ لكن لا يعرف كيف يستثمره، ومن هنا والله إن حق القرآن علينا عظيم، حق القرآن علينا عظيم، حتى لما تكون في ضائقة، وتقرأ الآيات قُلِ اللّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍسورة الأنعام64. أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ * فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْسورة الشرح 1-8. لكن ماذا نفعل عند الكرب؟ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ، صلاة عبادة ذكر.
اللهم إنا نسألك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، وشفاء صدورنا، وذهاب همومنا، وعلاج غمومنا، وأحزاننا، اللهم ذكرنا منه ما نسينا، وعلمنا منه ما جهلنا، وارزقنا تلاوته آناء الليل، وأطراف النهار كما تحب يا ربنا.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، أشهد أن لا إله إلا هو، وحده لا شريك له، لم يتخذ صاحبة، ولا ولداً، رب الأولين، والآخرين، وديان السماوات، والأرضين، وخالق الناس أجمعين، لا إله إلا هو، يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، وهو الحي القيوم، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الأمين، أرسله الله رحمة للعالمين بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه، وسراجاً منيراً، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، فصلوات الله وسلامه عليه إلى يوم الدين، اللهم صل وسلم وبارك على نبيك محمد إمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، وحامل لواء الحمد يوم الدين، والشافع المشفع، بإذنك يا رب العالمين، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى ذريته الطيبين، وآله، وأزواجه، وخلفائه، الميامين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
معرفة علم المناسبات في القران الكريم.
عباد الله:
هذا كتاب ربنا وحقه عظيم علينا، وتأمل ما في القرآن من النفائس العظيمة، مهم للغاية، ومن علوم القرآن علوم المناسبة، ومجيء هذا مع هذا، وهذا بعد هذا، وهذا قبل هذا، هذه آيات الصيام في سورة البقرة فيها أشياء كثيرة، فهو أخبرنا في ثناياها، وذكر عبادات في ثنايا آيات الصيام، كأنه يذكر الصائمين بأشياء، فمثلاً ذكر في آيات الصيام الدعاء، في أثناء هذه الأحكام والفرضية وذكر الآداب ذكر الدعاء،وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِسورة البقرة186. فمعناها أن للدعاة مع الصيام شأن عظيم، فينبغي للصائم أن يحرص عليه، والصائم دعاؤه مستجاب أثناء الصيام، وعند الإفطار، فإذن دعوة الصائم لا ترد أثناء صيامه، وللصائم عند فطره دعوة هذه ميزة أخرى عند الفطر.
وذكر أثناء الصيام عبادة الاعتكاف وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِسورة البقرة187. فمعنى ذلك أن الاعتكاف والصيام بينهما علاقة قوية، لماذا ذكر الاعتكاف أثناء الصيام؟ ولذلك فإن اعتكاف الصائم عبادة جليلة، قال بعض العلماء: "أقله يوم وليلة"، قال بعضهم: "ليلة لحديث عمر: نذرت ليلة أن أعتكف في المسجد الحرام، قال: (أوف بنذرك)."، وقال بعضهم: "لا حد لأقله، فلو نوى الاعتكاف ساعات صح ذلك"، لو واحد قال: أنا موظف أنا لا يتهيأ لي أن أعتكف، مثلاً إلا أن أدخل قبل العشاء وأخرج بعد القيام أتسحر، أنويها اعتكاف، خمس ساعات ست ساعات، قال بعض العلماء بصحة ذلك، الله كريم لا يرد، ويضاعف الأجر، أثناء آيات الصيام قال: هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّسورة البقرة187. وقال:فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْسورة البقرة187. ذكر الصائمين، ذكّر الرجال بحق النساء، وذكر العلاقة بين المرأة والرجل في أثناء آيات الصيام، هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ هل تستغني يا مسلم في الحر أو في البرد، هل تستغني عن اللباس؟ إذن زوجتك لا تستغني عنك، وأنت لا غنى لك عن زوجتك، كلاهما مهم في إعفاف كل طرف للآخر، واللباس يلي الإنسان مباشرة، على الجلد مباشرة، فأخص العلاقات العلاقة بين الزوجين، واللباس يستر الإنسان، هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ يعني: ستر لكم، وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ يعني: ستر لهن، فهو ستر لها، لا يفضح أسرارها، ولا يهتك، ولا يكشف، وهي كذلك؛ لأن من طبيعة اللباس أن يستر، وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْيعني: من الولد إذا أتيتها، فيذكر الصائمين في الإتيان بنعمة الله عليهم أنه جعله في الليل، وكان قبل ذلك إذا نام ما يجوز يأتيها حتى لو استيقظ قبل الفجر، لكنه خفف وتاب، ابتغوا ما كتب الله من الولد، حتى فيها رد على دعاة تحديد النسل، وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ،إذن هنا علم يقال له: علم المناسبة، ذكر أشياء خلال أشياء له معنى، فذكر أثناء آيات الصيام الدعاء، والاعتكاف، والوصية، بالزوجة، والزوج بالزوجة، والزوجة بالزوج، وقضية النية الحسنة في ابتغاء الولد، وذكّرنا في هذه الآيات بالتقوى، وهي أصل الصيام، ليس للحمية فقط لتخفيف الوزن فقط، لعلاج مشكلات المعدة فقط، هذه تأتي تبعاً لكن ما هو الأصل؟ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَسورة البقرة183.وينبغي المحافظة على هذه الكلمات الشرعية، فيقال: الصيام للتقوى، وكذلك واسانا في الصيام بأنه فرضه على الذين من قبلنا، فلسنا وحدنا في هذا المشوار، وبأنه أيام معدودات سرعان ما تنقضي، هل فعلاً أحسسنا أيها الإخوة: بأن الشهر قد انقضى نصفه، نصفه ذهب، ذهب نصف رمضان، هكذا بهذه السرعة؟
ينبغي المحافظة على هذه الكلمات الشرعية، فيقال: الصيام للتقوى، وكذلك واسانا في الصيام بأنه فرضه على الذين من قبلنا، فلسنا وحدنا في هذا المشوار، وبأنه أيام معدودات سرعان ما تنقضي، هل فعلاً أحسسنا أيها الإخوة: بأن الشهر قد انقضى نصفه، نصفه ذهب، ذهب نصف رمضان، هكذا بهذه السرعة؟
إذن لما قال:أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍسورة البقرة184. فعلاً أنت ترى ذلك، وتعاينه يا مسلم يا عبد الله بنفسك، وكر الأيام بسرعة، وذهب نصف الشهر، راح النصف، مع أننا نعيش الآن أشد الرمضانات حرارة وأطول النهار عبر ثلاث وثلاثين سنة، نعيشه الآن، هذا رمضان أشد الرمضانات حرارة وأطوله نهاراً، وما يأتي مثله إلا بعد ثلاثة وثلاثين سنة، لكن مع طوله وشدة حرارته، هل استوعبنا أنه فعلاً قد ذهب نصفه بهذه السرعة؟ رب كريم، يفرض علينا، ويواسينا، رب كريم، يحكم فينا، ويعطينا، ما أعظم الأجر (إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به)، كل الأعمال له وهو يجازي على كل الأعمال لكن هذه تحديداً (لي) لما فيه من السر بينك وينه؛ لأن الصوم ترك وبقية الأعمال فعل، (وأنا أجزي به)، هو عندما يتكفل بالجزاء معناها أن العطاء مدهش؛ لأنه من كريم.
وهكذا يا عباد الله: نجد أن تدبر القرآن يعطينا أبعاداً كثيرة نحن بأمس الحاجة إليها، الناس عندهم مشكلات مادية، مشكلات مالية، مشكلات نفسية، أزمات، عندهم اكتئاب، إحباط، عندهم صدمات، عندهم أشياء عصبية، هذه علاجها والله الذي لا إله إلا هو بهذا القرآن، ولو أنك جمعت، جرب يا أخي، اجمع الآيات التي فيها مواساة الله لنبيه في إعراض الكفار عنه،فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَسورة الكهف6.فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍسورة فاطر8.وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُن فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَسورة النمل70. ستجد والله أن العلاجات هذه القرآنية الإلهية، للنبي عليه الصلاة والسلام، في الأزمة التي كان فيها نتيجة إعراض المشركين ستنفعك أنت كثيراً في علاج أزماتك النفسية.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من أهل القرآن، اللهم اجعلنا من أهل القرآن يا رب العالمين، واجعلنا من خاصتك، وحزبك المفلحين، اللهم ارزقنا العمل بكتابك، اللهم إنا نسألك في ساعتنا هذه أن تعتق رقابنا من النار، اللهم تول أمرنا، واغفر ذنبنا، واقض ديننا، واجمع على الحق شملنا، اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين.
اللهم اغفر لنا، ولآبائنا، وأمهاتنا يا أرحم الراحمين، واجعل الجنة مثوانا، اللهم باعد بيننا وبين جهنم كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم اجعل رزقنا وفيراً، وعيشنا رغداً، اللهم ارزقنا بر أبنائنا وبناتنا، وهب لنا من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء، اللهم اغفر لنا أجمعين، اللهم اغفر لنا أجمعين، وأخرجنا من ذنوبنا كيوم ولدتنا أمهاتنا يا رب العالمين، ارزقنا التقوى واليسر وجنبنا العسر.
اللهم إنا نسألك في مقامنا هذا في ساعتنا هذه أن تفرج كرب إخواننا في الشام، وبورما، وسائر الأرض، يا رب العالمين، اللهم انصرهم على عدوك، وعدوهم، اللهم سدد رميهم، ووحد على التوحيد صفوفهم، اللهم آوهم وأطعمهم، واكسهم، اللهم احملهم، اللهم إنا نسألك وأنت على كل شيء قدير أن تنجيهم من عدوك، وعدوهم، اللهم نجهم، اللهم نجهم، اللهم نجهم، اللهم أمددهم بمدد من عندك، اللهم أمددهم بمدد من عندك، اللهم أمددهم بمدد من عندك، اللهم يا ناصر المظلومين انصرهم، ولا تخذلهم، اللهم عليك بأعدائهم شتت شملهم، وفرق جمعهم، واخذلهم، وخذهم، اللهم احصرهم، واجعلهم غنيمة للمسلمين، يا رب العالمين، اللهم اجعل بلدنا هذا آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً، وسائر بلاد المسلمين، اللهم ارزقنا الأمن، والإيمان في بلدنا هذا، وبلاد المسلمين يا رحمن، اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجأة نقمتك، وجميع سخطك، اللهم إنا نسألك في مقامنا هذا في ساعتنا هذه أن تتقبل صيامنا، وقيامنا، ودعاءنا يا أرحم الراحمين، يا رب العالمين.
آمنا في الأوطان، والدور، وأصلح الأئمة، وولاة الأمور، واغفر لنا يا عزيز يا غفور، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
وقوموا إلى صلاتكم، يرحمكم الله.