لحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد:
شهر ربيع من الأشهر الإثنى عشر التي عدها الله - عز وجل - في قوله - تبارك وتعالى -: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}1، وحدثت في هذا الشهر أحداث ووقائع أحببنا أن نذكرها هنا لنستفيد منها، ونقرأ منها العبر والعظات، ومن تلك الأحداث التي حدثت في شهر ربيع على سبيل التمثيل والعرض، لا على سبيل الحصر للوقائع والأحداث ما يلي:
- ولادة الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم - يوم الاثنين، وفي شهر ربيع الأول، إلا أنه لم ترد رواية صحيحة في تحديد التاريخ لليوم الذي ولد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فيه، "فالاختلاف وقع فيما ذكر في قضية متى وُلد النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويجب أن يُعلم أن المُتفق عليه أنه ولد في الاثنين، وفي شهر ربيعٍ الأول، وعلى الإنسان دائماً في طلب العلم أن يأخذ ما اتُفق عليه في الأول، وأما ما اختلف عليه فيبدأ بعد ذلك بالأقوى، لكن لا بد في الأخير للمسيرة العلمية من شيءٍ قوي تركن إليه، ثم تُخرج الأضعف فالأضعف، وفي هذا الموضوع فإن الثابت أنه - صلى الله عليه وسلم - وُلد في يوم الاثنين، وهذا قطعيٌ لورود ذلك في الحديث الثابت عنه - صلى الله عليه وسلم -، ولا خلاف في أنه وُلد في يوم الاثنين، واُتفق عليه أنه وُلد في شهر ربيعٍ الأول، لكن الخلاف هو في أي يومٍ من شهر ربيعٍ الأول وُلد؟ والذي عليه عامّة الناس في عصرنا أنه يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول، والأظهر - والله أعلم - مما دلت عليه الدراسات المعاصرة أنه وُلد يوم الاثنين التاسع من شهر ربيعٍ الأول، لأن العلماء الفلكيين كالعلامة محمود باشا والمنصور فوزي وغيرهم ذكروا أنه لا يمكن أن يكون يوم الاثنين في العام الذي وُلد فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - فلكياً أن يكون يوم اثني عشر، وإنما هو يوم الاثنين التاسع من شهر ربيعٍ الأول الموافق في السنة الميلادية الثاني والعشرين من شهر إبريل لعام خمسمائة وواحد وسبعين من ميلاد المسيح - عليه الصلاة والسلام -"2.
- هجرته - صلى الله عليه وسلم - من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، ودخوله - صلى الله عليه وسلم - المدينة المنورة في "12ربيع الأول سنة 622م، كان خروجه - صلى الله عليه وسلم - من مكة يوم الخميس أول يوم من ربيع الأول، وقدم المدينة لاثنتي عشرة خلت منه، وذلك يوم الاثنين الظهر لثلاث وخمسين سنة من مولده 28 يونيه (622م)"3.
- زواج عثمان بن عفان - رضي الله عنه - بأم كلثوم، "وفي شهر ربيع الأول من هذه السنة تزوج عثمان بن عفان؛ أم كلثوم بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل بها في جمادى الآخرة"4.
- غزوة ذي أمر "إلى بني أنمار، حين بلغه جمع بني ثعلبة ومحارب، فخرج في الثامن عشر من شهر ربيع الأول في أربعمائة وخمسين رجلاً، واستخلف على المدينة عثمان بن عفان، فهربوا منه على رؤوس الجبال، فعاد ولم يلق كيداً بعد أحد عشر يوماً، وفي هذه الغزوة وقف على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعثور بن الحارث وهو مضطجع وحده، فسل سيفه وقال: يا محمد من يمنعك مني؟، فقال: الله، فسقط السيف، فأخذه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال له: من يمنعك مني؟ قال: لا أحد، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعاد إلى قومه يدعوهم إلى الإسلام"5.
- غزوة بُحْران "وهي دورية قتال كبيرة قوامها ثلاثمائة مقاتل، قادها الرسول - صلى الله عليه وسلم - في شهر ربيع الآخر سنة 3هـ إلى أرض يقال لها: بحران، وهي مَعْدِن بالحجاز من ناحية الفُرْع، فأقام بها شهر ربيع الآخر، ثم جمادى الأولى من السنة الثالثة من الهجرة، ثم رجع إلى المدينة، ولم يلق حرباً"6.
- سرية محمد بن مسلمة إلى ذي القصة: "في شهر ربيع الآخر سنة ست من مهاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محمد بن مسلمة إلى بني ثعلبة وبني عوال من ثعلبة وهم بذي القصة، وبينها وبين المدينة أربعة وعشرون ميلاً طريق الربذة في عشرة نفر، فوردوا عليهم ليلاً، فأحدق به القوم وهم مائة رجل، فتراموا ساعة من الليل، ثم حملت الأعراب عليهم بالرماح فقتلوهم، ووقع محمد بن مسلمة جريحاً فضرب كعبه فلا يتحرك، وجردوهم من الثياب، ومرَّ بمحمد بن مسلمة رجل من المسلمين فحمله حتى ورد به المدينة، فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا عبيدة بن الجراح في أربعين رجلاً إلى مصارع القوم فلم يجدوا أحداً ووجدوا نعماً وشاء فساقه ورجع"7.
- غزوة بواط: "قال ابن إسحاق: ثم غزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شهر ربيع الأول يريد قريشاً، قال ابن هشام: واستعمل على المدينة السائب بن عثمان بن مظعون حتى بلغ بواط من ناحية رضوى، ثم رجع إلى المدينة ولم يلق كيداً، فلبث بها بقية شهر ربيع الآخر، وبعض جمادى الأولى"8.
- غزوة سفوان، وتسمى ببدر الأولى: "في شهر ربيع الأول سنة 2هـ، الموافق سبتمبر سنة 623م؛ أغار كرز بن جابر الفهري في قوات خفيفة من المشركين على مراعي المدينة، ونهب بعض المواشي، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سبعين رجلاً من أصحابه لمطاردته، حتى بلغ وادياً يقال له: سفوان من ناحية بدر، ولكنه لم يدرك كرزاً وأصحابه، فرجع من دون حرب، وهذه الغزوة تسمى بغزوة بدر الأولى، واستخلف في هذه الغزوة على المدينة زيد بن حارثة - رضي الله عنه -، وكان اللواء أبيض، وحامله علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -"9.
- غزوة بني غطفان بذي أمر بنجد: "وكانت في شهر ربيع الأول سنة ثلاث، وكان سببها أن جمعاً من بني ثعلبة بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان، وبني محارب بن خصفة بن قيس تجمعوا يريدون أن يصيبوا من أطراف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان الذي جمعهم دعثور بن الحارث المحاربي، وبلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خبرهم فخرج في أربعة مئة وخمسين، وصار إلى ذي القصة، فلقي بها رجلاً من بني ثعلبة، فقال له المسلمون: أين تريد؟ فقال: أريد يثرب لأرتاد لنفسي وأنظر، فدعاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الإسلام فأسلم، وأخبر أن المشركين تجمعوا، فلما بلغهم خبره، هربوا إلى رؤوس الجبال، وكان اسم الرجل جباراً، ولم يلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذه الغزاة كيداً"10.
- غزوة بني النضير: "قال ابن إسحاق: ثم خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بني النضير يستعينهم في دية ذينك القتيلين من بني عامر اللذين قتل عمرو بن أمية الضمري للجوار الذي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عقد لهما عقد وحلف، فلما أتاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستعينهم في دية ذينك القتيلين قالوا: نعم يا أبا القاسم نعينك على ما أحببت مما استعنت بنا عليه، ثم خلا بعضهم ببعض فقالوا: إنكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى جنب جدار من بيوتهم قاعد، فمن رجل يعلو على هذا البيت فيلقي عليه صخرة فيريحنا منه؟ فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب أحدهم فقال: أنا لذلك، فصعد ليلقي عليه صخرة كما قال، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نفر من أصحابه فيهم أبو بكر وعمر وعلي - رضوان الله عليهم - فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخبر من السماء بما أراد القوم؛ فقام، وخرج راجعاً إلى المدينة، فلما استلبث النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابُه قاموا طلبه فلقوا رجلاً مقبلاً من المدينة فسألوه عنه فقال: رأيته داخلاً المدينة، فأقبل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى انتهوا إليه - صلى الله عليه وسلم -، فأخبرهم الخبر بما كانت اليهود أرادت من الغدر به، وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالتهيؤ لحربهم والسير إليهم، قال ابن هشام: واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم، وذلك في شهر ربيع الأول، فحاصرهم ست ليال"11.
- سرية حمزة بن عبد المطلب:"قال ابن إسحاق: وبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - في مقامه ذلك أي لما وصل إلى المدينة بعد غزوة الأبواء؛ حمزة بن عبد المطلب - رضي الله عنه- إلى سِيف البحر من ناحية العيص في ثلاثين راكباً من المهاجرين، فلقي أبا جهل بن هشام بذلك الساحل في ثلاثمائة راكب من أهل مكة، فحجر بين الفريقين مجدي بن عمرو الجهني، وكان موادعاً للفريقين جميعاً، فانصرف القوم عن بعض ولم يكن بينهم قتال"12.
- غزوة دومة الجندل: و"مكث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بعد بدر الصغرى في المدينة ستة أشهر، ثم جاءت إليه الأخبار بأن القبائل حول دومة الجندل قريباً من الشام تقطع الطريق هناك، وتنهب ما يمرُّ بها، وأنها قد حشدت جمعاً كبيراً تريد أن تهاجم المدينة، فاستعمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري، وخرج في ألف من المسلمين لخمس ليال بقين من ربيع الأول سنة 5هـ، وأخذ رجلاً من بني عذرة دليلاً للطريق يقال له: مذكور، خرج يسير الليل، ويكمن النهار، حتى يفاجئ أعداءهم وهم غارون، فلما دنا منهم إذا هم مغربون، فهجم على ماشيتهم ورعائهم، فأصاب من أصاب، وهرب من هرب، وأما أهل دومة الجندل ففروا في كل وجه، فلما نزل المسلمون بساحتهم لم يجدوا أحداً، وأقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أياماً، وبث السرايا، وفرق الجيوش؛ فلم يصب منهم أحداً، ثم رجع إلى المدينة، ووادع في تلك الغزوة عيينة بن حصن، ودُومة بالضم: موضع معروف بمشارف الشام بينها وبين دمشق خمس ليال، وبُعْدُها من المدينة خمس عشرة ليلة"13.
- سرية زيد بن حارثة إلى الجَمُوم: "في ربيع الآخر سنة 6هـ، والجموم ماء لبني سليم في مَرِّ الظَّهْرَان، خرج إليهم زيد فأصاب امرأة من مُزَيْنَة يقال لها: حليمة، فدلتهم على محله من بني سليم أصابوا فيها نعماً وشاء وأسرى، فلما قفل زيد بما أصاب وهب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للمزينية نفسها وزوجها"14.
- غزوة بني لَحْيَان: "بنو لحيان هم الذين كانوا قد غدروا بعشرة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالرَّجِيع، وتسببوا في إعدامهم، ولكن لما كانت ديارهم متوغلة في الحجاز إلى حدود مكة، والثارات الشديدة قائمة بين المسلمين وقريش والأعراب؛ لم يكن يرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يتوغل في البلاد بمقربة من العدو الأكبر؛ فلما تخاذلت الأحزاب، واستوهنت عزائمهم، واستكانوا للظروف الراهنة إلى حدٍ ما؛ رأى أن الوقت قد آن لأن يأخذ من بني لحيان ثأر أصحابه المقتولين بالرجيع، فخرج إليهم في ربيع الأول أو جمادى الأولى سنة 6 هـ في مائتين من أصحابه، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم، وأظهر أنه يريد الشام، ثم أسرع السير حتى انتهى إلى بطن غُرَان واد بين أمج وعسفان حيث كان مصاب أصحابه، فترحم عليهم ودعا لهم، وسمعت به بنو لحيان فهربوا في رؤوس الجبال، فلم يقدر منهم على أحد، فأقام يومين بأرضهم، وبعث السرايا، فلم يقدروا عليهم، فسار إلى عسفان، فبعث عشرة فوارس إلى كراع الغميم لتسمع به قريش؛ ثم رجع إلى المدينة، وكانت غيبته عنها أربع عشرة ليلة"15.
فهذه بعض الأحداث والوقائع التي حدثت في صدر الإسلام، ومن خلالها يستطيع الإنسان أن يدرك أن تاريخنا حافل بالأحداث والوقائع العظام التي تعيد للأمة شرفها، ومجدها، وسؤددها.
نسأل الله العظيم أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يردنا إلى دينه مرداً جميلاً، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.