أولاً: ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم :
ولد صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين كما جاء في صحيح مسلم من حديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه وفيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل عن صوم يوم الإثنين فقال: «ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ وَيَوْمٌ بُعِثْتُ أَوْ أُنْزِلَ عَلَىَّ فِيهِ» الحديث(
.
أما عن الشهر الذي ولد فيه وتاريخ هذا اليوم فقد اختلف فيه العلماء، فقال ابن إسحاق: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين لاثنتي عشرة خلت من شهر ربيع الأول، عام الفيل(9).
وقال ابن كثير: ولد صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول وقيل: ثامنة، وقيل: عاشرة، وقيل: لثنتي عشرة منه، وقال الزبير بن بكار ولد في رمضان وهو شاذ حكاه السهيلي في (الروض)(10)، وقيل: في التاسع من شهر ربيع الأول(11).
أما العام: فقال ابن إسحاق: عام الفيل، قال ابن كثير: وهو المشهور عند الجمهور، وقال إبراهيم بن المنذر الحزامي شيخ البخاري: وهو الذي لا يشك فيه أحدٌ من العلماء(12).
وروى البيهقي عن ابن عباس رضي الله عنه قال: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفيل. يعني عام الفيل(13).
وروى ابن إسحاق وأبو نعيم و البيهقي عن المطلب بن عبد الله بن قيس بن مخرمة عن أبيه عن جده قال: ولدت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل كنا لدَيْن(14).
وسأل عثمان بن عفان رضي الله عنه قياث بن أشيم الكناني ثم الليثي: يا قياث أنت أكبر أم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر مني، وأنا أسن منه!!(15) ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل ووقفت بي أمي على خذق الفيل أخضر محيلا(16).
وعلى هذا فقيل: بعد الفيل بخمسين يومًا.
قال ابن كثير وهو أشهر، وصححه المسعودي والسهيلي، وزاد أنه الأشهر والأكثر وقيل: بزيادة خمس، وقيل: بزيادة ثمان.
وروى ابن مسعود وابن عساكر عن أبي جعفر الباقر: قال: كان قدوم أصحاب الفيل في النصف من المحرم ومولد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده بخمس وخمسين ليلة.
وصحح الحافظ الدمياطي هذا القول.
وقيل: بأربعين يومًا. وقيل: بشهر وستة أيام، وقيل: بعشر، وقيل: بثلاثين عامًا، وقيل: بأربعين عامًا، وقيل: بسبعين عامًا(17).
وكان مولده صلى الله عليه وسلم لأربعين خلت من ملك كسرى أنو شروان، ويوافق ذلك العشرين أو الثاني والعشرين من شهر أبريل سنة 571، وقيل: 570(18).
ومن هنا نأتي على القول بأنه ولد في يوم الإثنين في شهر ربيع الأول لأول عام من حادثة الفيل، هذا هو القول الذي عليه أغلب العلماء.
وروى ابن سعد أن أم رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: «لما ولدته خرج مني نور أضاءت له قصور الشام»(19).
وقد روي أن إرهاصات بالبعثة وقعت عند الميلاد، فسقطت أربع عشرة شرفة من إيوان كسرى، وخمدت النار التي يعبدها المجوس، وانهدمت الكنائس حول بحيرة ساوة بعد أن غاضت. روى ذلك البيهقي(20).
قال الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ: «ذكر ارتجاس الإيوان وسقوط الشرفات وخمود النيران ورؤيا الموبذان وغير ذلك من الدلالات وليس فيه شيء»(21).
قلت: ومراده ـ رحمه الله ـ أنه لم يرد فيه شيء صحيح.
ويقول الدكتور أكرم ضياء العمري: «... وكذلك وردت روايات موضوعة حول هواتف الجان في ليلة مولده وتبشيرها به، وانتكاس بعض الأصنام في المعابد الوثنية بمكة، وحول ارتجاس إيوان كسرى، وسقوط شرفاته، وخمود نيران المجوس، وغيض بحيرة ساوة، ورؤيا الموبذان الخيل العربية تقطع دجلة، وتنتشر في بلاد الفرس، كذلك وردت روايات ضعيفة عن إخبار يهود بليلة مولده، وإخبار الراهب عيصا بمر الظهران بمولده. وقول العباس عمّه إنه رآه في المهد يناغي القمر، ولكن ثمة أخبار تقوى ببعضها إلى الحسن احتفت بمولده، منها ما يفيد أن آمنة رأت حين وضعته نورًا خرج منها أضاءت منه قصور بصرى من أرض الشام» ا.هـ.(22)
ولما ولدته أمه أرسلت إلى جده عبد المطلب تبشره بحفيده، فجاء مستبشرًا ودخل به الكعبة، ودعا الله وشكر له، واختار له اسم محمد(23).
الدروس والعبر في هذا الحدث:
كان هذا الحدث الجلل والأمر العظيم في حياة البشرية جمعاء، إيذانًا بنزول وحي الله ﻷ ليُصلح البشرية ويخرجها من الظلمات إلى النور، ولإفراد الله وحده بالعبادة، وترك الشرك والأنداد والأصنام.
فهذا الحدث العظيم نتعلم منه كيف أن الله ﻷ يرعى عباده ويمنُّ عليهم بإرسال الرسل والكتب، وأنه يحوطهم ويكلأهم ويرعاهم.
وفيها أن الله تعالى اختار هذه النشأة للنبي صلى الله عليه وسلم وهي كونه يتيمًا فقيرًا ليتولى الله رب العالمين عنايته وتربيته وليُصنع على عينه وحفظه سبحانه، فأعده الله ﻷ للبعثة وإخراج الناس من الظلمات إلى النور وأدَّبه ربه وقوّاه وأعانه، فأخرج جيلًا دانت لهم الدنيا وتحولوا من رعاة للإبل والغنم إلى سادة للأمم، وبنوا حضارة وأسسوا أمة انتشرت في الآفاق ونشرت الدين الإسلامي.