وللشيطان إلى قلب الإنسان مداخل، فالقلب مثل الحصن، والشيطان حريص على اقتحام هذا الحصن ودخوله واتخاذه مسكنًا له، وكلما امتلأ القلب بمعصية الله والتعلق بالدنيا كان طمع الشيطان فيه أكثر، وكان طرده عنه أصعب. ومثّل العلماء لذلك بكلب جائع وبين يديك لحم، فهو يهجم عليه ولا يندفع إلا بمجاهدة شديدة، وغالبًا لا يفلح في تخليص اللحم منه ..
وبعد: فقد حذرنا ربنا سبحانه في كتابه الكريم من الشيطان الرجيم، وبيّن لنا سبحانه أن الشيطان عدو مبين، أي: واضح العداوة، وأمرنا باتخاذه عدوًا، قال تعالى: (إِنَّ الشَّيْطَـانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُواْ مِنْ أَصْحَـابِ السَّعِيرِ) [فاطر:6]، وقال تعالى: (ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوتِ الشَّيْطَـانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوتِ الشَّيْطَـانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِلْفَحْشَاء وَلْمُنْكَرِ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنكُم مّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَـاكِنَّ اللَّهَ يُزَكّى مَن يَشَاء وَللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [النور:21]، وقال تعالى: (إِنَّ الشَّيْطَـانَ لِلإِنْسَـانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) [يوسف:5]، وقال: (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِى وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّـالِمِينَ بَدَلاً) [الكهف:50].
وعداوة الشيطان للإنسان قديمة منذ خلق آدم -عليه السلام-، فقد حسد عدو الله إبليس آدم -عليه السلام- على ما أعطاه الله من الكرامة وتكبر وقال: أنا ناريٌّ وهذا طيني، قال تعالى: (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَـائِكَةِ إِنّى خَـالِقٌ بَشَرًا مّن طِينٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى فَقَعُواْ لَهُ سَـاجِدِينَ * فَسَجَدَ الْمَلَـئِكَةُ كُـلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلاَّ إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَـافِرِينَ * قَالَ ياإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَىَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَـالِينَ * قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مّنْهُ خَلَقْتَنِى مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ * قَالَ فَخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِى إِلَى يَوْمِ الدّينِ) [ص:71-78].
وقد أقسم الشيطان بعزة الله أن يغوي بني آدم إلا عباد الله المخلِصين المخلَصين، فإنه لا سلطان له عليهم، قال تعالى: (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لاَغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) [ص:82-83]. قُرِئ بفتح اللام وكسرها. وقال تعالى: (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِى لاقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَـانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَـاكِرِينَ) [الأعراف:16-71].
وقد أزل الشيطان أبانا آدم وأمنا حواء -عليهما السلام-، وحلف لهما بالله كاذبًا أنهما إن عصيا الله وأكلا من الشجرة أن يكون لهما المُلك والخلد، فصدقاه ظنًا منهما أنه لا يحلف أحد بالله كاذبًا، فأخرجهما من الجنة، ولذا قال الإمام ابن القيم -رحمه الله-:
ولكننا سبي العدو فهل ترى *** نعود إلى أوطاننا ونسلم
أي: أخرجنا العدو من الجنة وسبانا في الأرض.
قال تعالى: (يَـابَنِى آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَـانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءتِهِمَا) [الأعراف:27].
وللشيطان إلى قلب الإنسان مداخل، فالقلب مثل الحصن، والشيطان حريص على اقتحام هذا الحصن ودخوله واتخاذه مسكنًا له، وكلما امتلأ القلب بمعصية الله والتعلق بالدنيا كان طمع الشيطان فيه أكثر، وكان طرده عنه أصعب.
ومثّل العلماء لذلك بكلب جائع وبين يديك لحم، فهو يهجم عليه ولا يندفع إلا بمجاهدة شديدة، وغالبًا لا يفلح في تخليص اللحم منه، أما إذا جاء الكلب الجائع ولم يجد بين يديك شيئًا فإنه يندفع بمجرد أن تقول له: اخسأ، فالقلب الخالي من قوت الشيطان ينزجر عنه بمجرد ذكر الله تعالى.
الشيطان له مداخل يحاول الدخول منها إلى قلب الإنسان، والواجب على المسلم أن يسد عليه هذه المداخل، ومنها:
البخل والخوف من الفقر، قال تعالى: (لشَّيْطَـانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِلْفَحْشَاء) [البقرة:268]، والفحشاء هنا هي البخل، فيأتي الشيطان للإنسان من هذا الباب، فيبخل بالواجبات كالزكاة، ويمتنع من صلة الرحم، ويحرص على جمع المال من الحرام فيهلك.
الغضب؛ فإنه من الشيطان، والشيطان من نار، والماء يطفئ النار، فلذا أمرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- أن نتوضأ، فالشيطان يدخل من باب الغضب فيفرق بين المرء وزوجه، ويوقع البغضاء والظلم والعدوان بسببه، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن الشيطان أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم".
النظر إلى ما حرم الله؛ فالنظرة سهم مسموم من سهام إبليس، ينفذ إلى قلب الإنسان فيهلكه ويطفئ نور الإيمان، ويحرم صاحبه من حلاوة الإيمان.
العجلة وترك التثبت في الأمور؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: ":العجلة من الشيطان، والتأني من الله تعالى". رواه الترمذي وحسنه الألباني في السلسلة (1795). فالاستعجال في طلب الرزق وفي جميع أمور الدنيا يدخل منه الشيطان ويوقع العبد فيما حرم الله.
الغفلة عن ذكر الله وعن التعوذ من شر الشيطان؛ لأن الشيطان يرانا من حيث لا نراه: (إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ) [الأعراف:27]، ومتى غفل العبد وسوس الشيطان، ولهذا سماه الله الوسواس الخناس، إذا غفل العبد وسوس، وإذا ذكر العبد ربه خنس الشيطان.
وقد أمرنا بالتعوذ عند دخول الخلاء من الخبث والخبائث، أي: من ذكور الشياطين وإناثهم، وعندما يأتي الرجل أهله يقول: اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا؛ لأن الشياطين تحضر أماكن الخلاء وانكشاف العورات.
ويخبرنا تعالى بقوله: (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَـانِ كَانَ ضَعِيفًا) [النساء:76]، فإذا تحرّز العبد بذكر الله تعالى وتحصن به فلن يضره كيد الشيطان.
قال -صلى الله عليه وسلم- لعمر: "إن الشيطان يفرق منك يا عمر"، رواه أحمد والترمذي عن بريدة وهو في صحيح الجامع (1650)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "لا تسبوا الشيطان، وتعوذوا بالله من شره". رواه الديلمي وصححه وهو في صحيح الجامع (7318).
قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ إِذَا مَسَّهُمْ طَـائِفٌ مّنَ الشَّيْطَـانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ) [الأعراف:201]. فالعلاج في ترك الانكباب على الشهوات واتباع الهوى، والتحصن بذكر الله وتعلق القلب بالله سبحانه.
نسأل الله تعالى أن يعيذنا من شر الشيطان ومكايده.