.معنى توحيد الربوبية والألوهية:
توحيد الربوبية: هو توحيد الرب بأسمائه وصفاته وأفعاله.
وتوحيد الألوهية: هو توحيد الله بأفعال العباد كالصلاة والدعاء.
والربوبية والألوهية لهما إطلاقان:
تارة يذكر أحدهما مفرداً عن الآخر، فيكون معناهما واحداً، كما قال سبحانه: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام: 164].
وتارة يذكران معاً، فيفترقان في المعنى.
فيكون معنى الرب الخالق المالك، الذي بيده الخلق والأمر كله.
ويكون معنى الإله المعبود المستحق للعبادة وحده دون سواه، كما قال سبحانه: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [1] مَلِكِ النَّاسِ [2] إِلَهِ النَّاسِ [3] مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ [4] الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ [5] مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ [6]} [الناس:1- 6].
.تلازم توحيد الربوبية والألوهية:
توحيد الربوبية مستلزم لتوحيد الألوهية.
فمن أقر بأن الله وحده هو الرب الخالق المالك الرازق، لزمه أن يقر بأنه لا يستحق العبادة إلا الله وحده لا شريك له.
فلا يدعو إلا الله وحده.. ولا يستغيث إلا به.. ولا يتوكل إلا عليه.. ولا يصرف شيئاً من أنواع العبادة إلا لله وحده دون سواه.
وتوحيد الألوهية مستلزم لتوحيد الربوبية.
فكل من عبد الله وحده، ولم يشرك به شيئاً، لابد أن يكون قد اعتقد وعرف أن الله ربه وخالقه ومالكه ورازقه.
فهذا مبني على هذا، ولا يقبل هذا إلا بهذا، ولا يصح عمل إلا بهذا وهذا.
وتوحيد الربوبية يقرُّ به الإنسان بموجب فطرته ونظره في الكون.
والإقرار به وحده لا يكفي للإيمان بالله، والنجاة من النار، فقد أقرّ به إبليس والمشركون فلم ينفعهم، لأنهم تركوا القيام بثمرته وهو توحيد العبادة لله وحده.
.حقيقة التوحيد:
حقيقة التوحيد ولبابه أن يرى الإنسان الأمور كلها من الله تعالى رؤية تقطع الإلتفات عن غيره من المخلوقات والأسباب، فلا يرى الخير والشر، والنفع والضر، والغنى والفقر، إلا منه وحده، ويعبده سبحانه وحده لا شريك له. مع كمال الحب له.. وكمال التعظيم له.. وكمال الذل له.
حقيقة التوحيد ترد الأشياء كلها إلى الله وحده.. خلقاً وإيجاداً.. تصريفاً وتدبيراً.. بقاء وفناءً.. حياة وموتاً.. نفعاً وضراً.. حركة وسكوناً..
قال الله تعالى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [54]} [الأعراف: 54].
وحقيقة الشرك ترد الأشياء كلها إلى غير الله.
فالتوحيد ألذ شيء، وأحسنه، وأجمله، والشرك أقبح الأشياء.
فالتوحيد أعدل العدل.. والشرك أظلم الظلم.
ولهذا يغفر الله كل ذنب وجرم إلا الشرك.
قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا [48]} [النساء:48].
.فضل التوحيد:
قال الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [82]} [الأنعام:82]. 2- عَنْ عُبَادَةَ- رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ شَهِدَ أنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأنَّ عِيسَى عَبْدُ الله وَرَسُولُهُ، وَكَلِمَتُهُ ألْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، أدْخَلَهُ اللهُ الجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنَ العَمَلِ». متفق عليه.
.كمال التوحيد:
التوحيد لا يتم إلا بعبادة الله وحده لا شريك له، واجتناب عبادة ما سواه.
والتعلق به وحده لا شريك له، وعدم الالتفات إلى ما سواه، والانقياد والتسليم لله في كل شأن.
وإيثار كل ما يحبه الله ورسوله على ما تحبه النفس.
وتقديم طاعة الله ورسوله على طاعة كل أحد.
وإجلال الله وتعظيمه، والإكثار من ذكره وشكره، والذل والانكسار بين يديه، والتضرع والافتقار إليه، ومحبته وخوفه ورجائه، وامتثال أوامره.
قال الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [36]} [النحل: 36].
وقال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا [125]} [النساء:125].
.عظمة كلمة التوحيد:
قال الله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [18]} [آل عمران:18].
وعَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قالَ رسُولُ الله: «إِنَّ نَبِيَّ اللهِ نُوحاً عليه السلام لَمَّا حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ قَالَ لاِبْنِهِ: إِنِّي قَاصٌّ عَلَيْكَ الوَصِيَّةَ، آمُرُكَ بِاثْنَتَيْنِ، وَأَنْهَاكَ عَنِ اثْنَتَيْنِ، آمُرُكَ بـ (لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ) فَإِنَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ، وَالأَرْضِينَ السَّبْعَ، لَوْ وُضِعَتْ فِي كِفَّةٍ وَوُضِعَتْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ فِي كِفَّةٍ رَجَحَتْ بِهِنَّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَلَوْ أَنَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ وَالأَرْضِينَ السَّبْعَ كُنَّ حَلْقَةً مُبْهَمَةً قَصَمَتْهُنَّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَسُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ فَإِنَّهَا صَلاَةُ كُلِّ شَيْءٍ، وَبِهَا يُرْزَقُ الخَلْقُ، وَأَنْهَاكَ عَنِ الشِّرْكِ وَالكِبْرِ» أخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد.
.براهين التوحيد:
البراهين والأدلة الدالة على وحدانية الله كثيرة منها:
.1- برهان الفطرة:
فجميع الخلق مفطورون على معرفة الله والإقرار به.
قال الله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ [30]} [الروم:30].
.2- برهان الخلق والإبداع:
فالله وحده هو المتفرد بالخلق والإبداع، فيجب أن يفرد بالعبادة وحده.
قال الله تعالى: {أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ [16]} [الرعد: 16].
.3- النظر في السماء وما فيها من المخلوقات العظيمة:
قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا [15] وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا [16]} [نوح: 15- 16].
وقال الله تعالى: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ [6]} [ق:6].
.4- النظر في الأرض وما فيها من العجائب والآيات:
قال الله تعالى: {وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ [7] تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ [8]} [ق:7- 8].
وقال الله تعالى: {وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ [5] ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [6] وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ [7]} [الحج: 5- 7].
وقال الله تعالى: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ [59] أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ [60] أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ [61]} [النمل:59- 61].
.5- النظر في عجائب خلق الإنسان:
قال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ [20]} [الروم:20].
وقال الله تعالى: {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ [20] وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ [21]} [الذاريات:20- 21].
.6- النظر في عجائب خلق المخلوقات وتدبيرها وتصريفها:
قال الله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [164]} [البقرة:164].
وقال الله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [54]} [الأعراف:54].
وقال الله تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ [31] فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ [32]} [يونس:31- 32].
.7- النظر في مظاهر قدرة الله وجلاله:
قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا [41]} [فاطر:41].
وقال الله تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا [6] وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا [7] وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا [8] وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا [9] وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا [10] وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا [11] وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا [12] وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا [13] وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا [14] لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا [15] وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا [16] إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا [17]} [النبأ: 6- 17].
وقال الله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [19] قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [20]} [العنكبوت:19- 20].
.8- النظر إلى سعة علم الله عز وجل:
قال الله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا [12]} [الطلاق:12].
وقال الله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [59]} [الأنعام:59].
وقال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [34]} [لقمان:34].
.9- النظر في سعة رحمة الله وفضله:
قال الله تعالى: {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ [45] أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ [46] أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ [47]} [النحل:45- 47].
وقال الله تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ [72]} [النحل:72].
وقال الله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ [27]} [السجدة:27].
.10- النظر إلى غنى الخالق، وفقر المخلوقات كلها إليه:
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [15]} [فاطر:15].
وقال الله تعالى: {قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [68]} [يونس:68].
ودلائل وحدانية الله أشهر وأبين من ضوء الشمس، ولا يحصيها إلا الذي أحاط بكل شيء علماً، ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور.
.تحقيق التوحيد:
التوحيد يقوم على أصلين:
شهادة أن لا إله إلا الله... وشهادة أن محمداً رسول الله.
فتحقيق شهادة أن لا إله إلا الله يقتضي من العبد أن يحب الله، ويحب ما يحبه الله.. ويبغض ما أبغض الله.. ولا يحب إلا لله.. ولا يبغض إلا في الله.. ولا يرجو إلا الله.. ولا يخاف إلا الله.. ولا يسأل إلا الله.. ويأمر بما أمر الله به.. وينهى عما نهى الله عنه.. ويفعل الطاعات.. ويجتنب المعاصي.. ولا يعبد إلا الله.. ولا يستعين إلا بالله.. فهذه ملة إبراهيم، وهي الإسلام الذي بعث الله به جميع الأنبياء والمرسلين.
قال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا [125]} [النساء:125].
وتحقيق شهادة أن محمداً رسول الله:
بطاعته فيما أمر.. وتصديقه فيما أخبر.. واجتناب ما نهى عنه وزجر.. وأن لا يعبد الله إلا بما شرع.
فالحلال ما أحله.. والحرام ما حرمه.. والدين ما شرعه..
قال الله تعالى: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [158]} [الأعراف: 158].
.قوة كلمة التوحيد:
قال الله تعالى: {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ [22]} [لقمان:22].
عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو قَالَ: «إِنَّ نَبِيَّ اللهِ نُوحاً عليه السلام لَمَّا حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ قَالَ لاِبْنِهِ: إِنِّي قَاصّ ٌعَلَيْكَ الوَصِيَّةَ، آمُرُكَ بِاثْنَتَيْنِ، وَأَنْهَاكَ عَنِ اثْنَتَيْنِ، آمُرُكَ بلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ فَإِنَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ، وَالأَْرْضِينَ السَّبْعَ، لَوْ وُضِعَتْ فِي كِفَّةٍ وَوُضِعَتْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ فِي كِفَّةٍ رَجَحَتْ بِهِنَّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَلَوْ أَنَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ وَالأَْرْضِينَ السَّبْعَ كُنَّ حَلْقَةً مُبْهَمَةً قَصَمَتْهُنَّ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَسُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ فَإِنَّهَا صَلاَةُ كُلِّ شَيْءٍ، وَبِهَا يُرْزَقُ الخَلْقُ، وَأَنْهَاكَ عَنِ الشِّرْكِ وَالكِبْرِ» أخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد.
وَعَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ سَيُخَلِّصُ رَجُلاً مِنْ أُمَّتِي عَلَى رُؤُوسِ الخَلاَئِقِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيَنْشُرُ عَلَيْهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلاًّ، كُلُّ سِجِلٍّ مِثْلُ مَدِّ البَصَرِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئاً؟ أَظَلَمَكَ كَتَبَتِي الحَافِظُونَ؟ فَيَقُولُ: لاَ يَا رَبِّ. فَيَقُولُ: أَفَلَكَ عُذْرٌ؟ فَيَقُولُ: لاَ يَا رَبِّ. فَيَقُولُ: بَلَى إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَةً، فَإِنَّهُ لاَ ظُلْمَ عَلَيْكَ اليَوْمَ، فَتَخْرُجُ بِطَاقَةٌ فِيهَا أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فَيَقُولُ: احْضُرْ وَزْنَكَ. فَيَقُولُ: يَا رَبِّ مَا هَذِهِ البِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلاَّتِ؟ فَقَالََ: إِنَّكَ لا تُظْلَمُ. قَالَ: فَتُوضَعُ السِّجِلاَّتُ فِي كَفَّةٍ وَالبِطَاقَةُ فِي كَفَّةٍ فَطَاشَتِ السِّجِلاَّتُ وَثَقُلَتِ البِطَاقَةُ فَلاَ يَثْقُلُ مَعَ اسْمِ الله شَيْءٌ». أخرجه الترمذي وابن ماجه.
.محل التوحيد:
القلوب مكان التوحيد والإيمان.. ومكان الشرك والكفر، وهي منبع كل بر وإحسان.. ومنبع كل إثم وعدوان. وإذا صلح القلب بالمعرفة والتوحيد والإيمان، صلح الجسد كله بالطاعة والتسليم والإذعان لرب العالمين.
وإذا فسد القلب بالجهل والشرك والكفر، فسد الجسد كله بالمعاصي والطغيان والفجور.
فكل فساد في البدن سببه فساد القلب، وكل نقص في الخارج سببه النقص في الداخل، وكل فساد في الأمة سببه فساد الإنسان، وكل فساد في الإنسان سببه فساد القلب.
عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قال: سَمِعْتُ رَسُولَ الله يَقُولُ- وَأهْوَى النُّعْمَانُ بِإِصْبَعَيْهِ إِلَى أذُنَيْهِ: «إِنَّ الحَلالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى، يُوشِكُ أنْ يَرْتَعَ فِيهِ، ألا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، ألا وَإِنَّ حِمَىَ الله مَحَارِمُهُ، ألا وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ، فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألا وَهِيَ القَلْبُ». متفق عليه.
.حفظ التوحيد:
التوحيد كالجوهرة يجب حفظه من النفس والهوى والشيطان.
والتوحيد والإيمان أعظم شيء في خزائن الله، وأغلى شيء يعطاه أحد، يؤتيه الله من يعلم أنه يصلح له، ويمنعه ممن يعلم أنه لا يصلح له، والله عز وجل وحَّد نفسه في الأسماء والصفات والأفعال.
فلا شبيه له ولا مثيل في أسمائه وصفاته، ولا خالق إلا هو، ولا رب سواه.
ووحَّد نفسه في الألوهية، فلا يعبد إلا الله وحده لا شريك له.
ووحَّد نفسه في الأمر والنهي، فلا حكم إلا لله الحكيم العليم.
ووحَّد نفسه في الملك، فهو مالك الملك كله، وله الخلق والأمر كله.
والتوحيد الذي دعت إليه الرسل من أولهم إلى آخرهم هو معرفة الله بأسمائه وصفاته وأفعاله، وإفراده وحده بالعبادة.
والعبادة حق الله وحده، لاحظ فيها لملك مقرب، ولا نبي مرسل، فضلاً عن غيرهم من الأحياء والأموات والمخلوقات.
والتوحيد كالمرآة أدنى شيء يؤثر فيه ويخدشه وينقصه، فهو يدخل في النيات والإرادات، والأقوال والأفعال.
فمن عبد الله ليلاً ونهاراً، ثم دعا نبياً أو ولياً عند قبره، فقد اتخذ إلهين اثنين، ولم يشهد أن لا إله إلا الله.
قال الله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [18]} [الجن:18].
ومن ذبح ألف أضحية لله، ثم ذبح لنبي أو غيره، فقد اتخذ إلهين اثنين، ولم يشهد أن لا إله إلا الله.
قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [162] لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [163]} [الأنعام:162- 163].
وهكذا.. في كل نية.. وفي كل عمل.
فمن أخلص العبادات كلها لله، ولم يشرك فيها غيره، فهو الذي شهد أن لا إله إلا الله.
ومن جعل فيها مع الله غيره فهو المشرك الظالم الجاحد.
قال الله تعالى: {وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ [51] وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ [52]} [النحل:51- 52].
وقال الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [110]} [الكهف:110].
وقال الله تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ [6]} [فاطر:6].