وفي السطور التالية سأذكر لكم حكاية سيدة كانت خليط من النوعين الثالث والرابع تلك السيدة
قال عنها المؤرخ ابن تغري بردي أعظم نساء عصرها ديناً ، وأصلاً ، وجمالاً، وصيانةً ، ومعروفاً)
إنها السيدة زبيدة بنت جعفر، ولدت في عام 145هـ ، واسمها الحقيقي "أمة العزيز"
أطلق عليها جدها أبو جعفر المنصور إسم زبيدة لنضارتها وبياض بشرتها .
وهي زوجة الخليفة هارون الرشيد وابنة عمه ، وإبنة خالته أيضاً ،
تزوجته سنة 165هـ ، ثم أنجبت له ولدهما الخليفة الأمين ،
كان حفل زفافها أسطورة من الأساطير نظرا للبذخ الهائل الذي أحاطه ،
ومما قيل عنه أن الطرقات فرشت بالبسط الموشاة بالذهب ،
ونثرت عليها كميات كبيرة من الآلي الثمينة أثناء مرور موكبها.
وتذكر لنا كتب التاريخ أنها كانت بارعة الجمال، رزينة وعاقلة وفصيحة،
نظمت الشعر، وناظرت الرجال في مختلف نواحي الثقافة.
وكانت إمرأة ذكية عرفت كيف تكسب رضا زوجها من خلال إبراز صواب آرائه أمام الحاشية،
فأحبها هارون الرشيد حباً شديداً وفضلها على سائر نسائه ، مما أعطاها مكانة ونفوذا كبيرين.
سبقت عصرها في الذوق والأناقة ، ولها الفضل في تطور أزياء العصر العباسي ،
كانت محط أنظار النساء من جميع الطبقات ،
فكن ينتظرن ظهورها في أي مكان لتقليد ملابسها التي تميزت بالفخامة ،
وغرابة التصميم والألوان التي لم يسبقها إليها أحد ،
حيث كانت تستورد أفخر أنواع الحرير الطبيعي الموشي بالذهب والفضة والأحجار الكريمة من الهند والصين .
كما اهتمت بالأثاث والديكور فكانت أول من استخدم للقصر أدوات من الذهب والفضة المطعمة بالجواهر،
كما كانت أول من بني القبب من الفضة والأبنوس والصندل.
ورغم حياتها المرفهة لم تنسي الفقراء ، فكانت لها إسهامات عديدة في خدمتهم ،
ويذكر المؤرخون أنها في أحدي رحلات الحج شاهدت معاناة الحجاج للحصول على مياه الشرب
فأمرت المهندسين بجر المياه في القنوات عبر الجبال لـ10 أميال
وهي مسألة صعبة ومكلفة في ذلك الوقت،ولم يثنها هذا الأمر فأنفقت لذلك (54 مليون درهم) إبتغاء ثواب
الله .
كما بنت الكثير من المساجد وحفرت الآبار طوال الطريق من بغداد لمكة وذلك لخدمة الحجاج والمسافرين .
وأهتمت بالأطباء و العلماء ، والمشايخ ، والشعراء وجعلت بغداد قبلتهم نظرا لما وفرته لهم من وسائل البحث
العلمي ، والإبداع الأدبي.
توفيت رحمها الله في بغداد سنة 216 هـ الموافق 831 م ، بعد أن ضربت أروع الأمثلة على ما وصلت له
المرأة المسلمة
من مكانة رفيعة وعلم وثقافة في الوقت الذي عانت به نساء الحضارات الأخرى من الجهل ، والتخلف ،