روى الامام أحمد رحمه الله تعالى في مسنده (عن أبي هريرة قال
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ السَّاعَةِ سِنُونَ خَدَّاعَةٌ يُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ وَيُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ... قيل وما الرويبضة؟ قال: الرجل التافه السفيه يتكلم في أمر العامة).
وأظن أننا نعيش في زمن هذا الرويبضة، وهذا السفيه، وما أكثرهم اليوم في عالمنا.
وليس الأمر في العجب، مادام السفيه منطوياً على نفسه، حلس بيته، ولكن كل العجب ان يأتي هذا السفيه فيتحدث بلسان فرق من الناس أو جماعات منهم أو طوائف، فيتكلم بشفه، ويتحدث بتفاهة فيعظمه القوم، كان الزمن بدأ العنصر الجيد يتناقص فلم يبق الا هذا.
والأكثر عجباً ان صاحب القلم التافه، والسفيه المتمكن فيه الخبل والسفه تفتح له أبواب الاعلام، و تسلط عليه الأضواء، فيصدق نفسه أنه كاتب ومفكر وعاقل، فينخدع الناس به.
وقد ظهر بيننا في هذه الأيام كاتب سفيه، يتحدث بما لا يعقل، وينطق بما لا يفهم، ويدخل أبواباً هو أجهل ما يكون بها، فتراه يخبط يمنة ويسرة، وتُجمع له المادة فيكتب، وليته ان كتب كتب بوعي واتقان، وانما هي نقولات تأتي تباعاً دون رابط، ولا اتصال، انما كل عمله فيها هي حروف الجر أو العطف أو لا شئ.
وأنا لا ألوم هذا الشخص، لان الله خلقه سفيهاً، وخلقه تافهاً لا يعي من أمر دينه ولا دنياه شيئاً، ولكنني ألوم من يفتح له أبواب الجريدة، فيقول فيها ما يشاء، دون زمام ولا خطام.
ان هذا السفيه قد رأيته وقرأت له شيئاً مما يكتب، فرأيته يضرب العلماء، ويتحدث عن العقيدة الاسلامية كأنه بها عالم، فيأتي ويتهم هذا، ويطعن في معتقد ذاك، ويتطاول على علماء الأمة، ويسمي كلامه نقداً، وليت الأمر فيه موضوعية، ونقداً علمياً لقلنا رجل يحمل من العلم والوعي فيتحدث بما يعلم، و لكن ان يأتي مستخفاً بالعلماء، مستهزئاً بهم، فذلك شيء، فوق السفه، وأمر قد ربا عن التفاهة الى الحمق، أو كما يقال صورة قلمه، خبل في صورة تأليف. وقد صدق المتنبي عندما قال.
ومن جهلت نفسُه قدرَه.. رأى غيرُه منه ما لا يرى
فهو لم ير آثار عمله ومغبة لغوصته فيما لا يعي ولا يفهم، ولكننا رأينا كثيراً ما يتلوث به هذا الدعي وأمثاله، وأجدني أردد مع الشاعر الجاهلي طرفة بن العبد:
وان لسان المرء، مالم تكن لـــه
حصاة، على عوراته لدليل
ولا أظن ان كاتبنا لديه حظ من هذه الحصاة، فترده عن سفهه وعن حمقه، ولكنه على أي حال لابد أنه يوماً سيقع في شر أعماله، وسيرى كيف تكون السفاهة تسرع الخطى بصاحبها نحو الهلكة والدمار