الرضا بما قسم الله
بعد المقدمة
صغير يشتهى كبرا وشيخ ود لو صغر
وخال يبتغى عملا وذو عمل به ضجرا
ورب المال في تعب وفى تعب من افتقرا
قال النبي صلى الله عليه وسلم ( ارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس )الترمذي – صحيح
قال النبي ( ليس الغنى كثرة العرض – المال – ولكن الغنى غنى النفس ) مسلم
وقال النبي ( ومن يستعفف يعفه الله ) متفق عليه
اخوتى في الله
الصغير يود لو يكبر والكبير يقول ليت الشباب يعود يوما وخالي العمل يريد عملا وصاحب العمل متضايق منه والغنى غير مرتاح وكذا الفقير كل ذلك بسبب عدم الرضا بما قسم الله
الرضا هو جنة الدنيا وهو من العبادات القلبية التي تعكس إيمان العبد بربه – والرضا يبعث في النفس الطمأنينة والسكينة - والسخط قلما يفرح ويسعد بل هو دائم الضيق والقلق والتوتر
لذا فالرضا لايقدر عليه إلا الكبار أصحاب النفوس الكبيرة
احدهم حزين لأنه لم يدخل كلية القمة فدخل كليه أخرى وفيها كانت درجاته مرتفعة حتى أنه صار أستاذا بها
وأخرى تتضجر من قول جيرانها لها يا أم البنات فدعت الله أن يرزقها الولد ولو معاقا وولدت بعد مدة ولدا ذكرا لكنه معاق فكان سببا في كثير من المشاكل في البيت فتمنت موته لاترضى بعدم الولد ولا ترضى بالولد
وآخر لم يلحق حافلة الساعة الثامنة فجلس يتكلم ويسخط ويرتفع صوته احتجاجا على عدم لحاقه بها لأن السائق تحرك قبل الموعد وركب حافلة الساعة العاشرة وبعد نصف ساعة فقط شاهد حافلة الثامنة مقلوبة على الطريق فنزل مع الركاب وسألوا عمن كان فيها فقيل ماتوا والخمسة الباقين في الإنعاش
ابن الراوند الضال جلس على جسر بغداد فمرت خيل فقال لمن قالوا لعلى بن بلتق ثم مرت جواري فقال لمن قالوا لعلى بن بلتق ثم مر به غلام أشفق عليه فأعطاه رغيفا فقال الضال لعلى بن بلتق خيل وجواري وأنا أتسول رغيفا فرماه وظل يومه جائعا اجتمعت فيه خصال الحسد والغل وعدم الرضا بما قسمه الله فختم الله على قلبه فبعد أن كان من أهل السنة انتقل إلى المعتزلة ثم صار رافضيا ثم صار ملحدا ومات على ذلك
امرأة تزوجت رجلا عنده ولد ماتت أمه -ومن عدم رضاها أشعلت فرن البيت يوما وألقت فيه الطفل فاحترق ثم قدر الله أن تنجب خمسة أولاد ولم تكن راضية هي تريد ستة مثل جارتها ويوما أشعلت الفرن وخرجت تنادى جارتها تساعدها أمام الفر ن تطايرت شرارة من الفرن فأمسكت بما في الغرفة ثم البيت صاحت النساء فهرع الناس للمساعدة في إطفاء الحريق ولما أخمدوها وجدوا الأولاد الخمسة قد احترقوا فوقفت المرأة مذهولة غير راضية تقول الناس تنسى وأنت لا تنسى واحد بخمسة – الناس تنسى وأنت لاتنسى واحد بخمسة
آخى في الله ارض بما قسم الله واعلم انه حكيم يضع الشئ في موضعه يعطى بحكمة ويمنع بحكمة
فما هو الرضا لغة / رضي يرضى - اقتنع وثبت
اصطلاحا / سكون القلب إلى اختيار الرب
فالله حكيم عليم خبير
سيد الراضين عن ربه محمد صلى الله عليه وسلم في يوم الطائف أدموا قدمه الشريفة فنزفت دما فجلس بجوار شجرة وقال كلمات قال عنها البعض أنها لا تصح وقال الآخرون بل هي كلمات تخرج من مشكاة النبوة وهذا ما أرجحه قال صلى الله عليه وسلم ( إن لم يكن بك غضب على فلا أبالى ) لذا قالوا اقل الناس يشكو الخالق إلى المخلوق والذي يرحم إلى من لايرحم فيشتكى الله إلى الناس والوسط من الناس يشكوا الناس إلى الله وأعلى الناس يشكو نفسه إلى الله وقد بلغ هذه المنزلة سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم
وهاهو واحد من الصحابة الكرام وكلهم كذلك سعد بن أبى وقاص قائد القادسية وكان مستجاب الدعوة وكان الناس يأتونه ليدعو لهم - فقد بصره آخر عمره فقال له شاب أدعو الله يرد عليك بصرك فقال يابن اخى قضاء الله أحب إلى من بصري أ فيرضاه لي ولا أرضاه لنفسي
قال النبي ( من فقد حبيبتيه - عينيه – وصبر فله الجنة )
رجل كان يسمى بهلولا يقولون عنه مخبول أو معتوه والله إنه لأعقل من كثير منا جلس يوما أمام قبر محفور فدلى رجله في القبر فقيل له تجلس ها هنا – قال ولم لا اجلس عند قوم لا يؤذونني وإن غبت عنهم لا يغتابونني فقالوا له الأسعار غلت فقال لوبلغت كل حبة بمثقال لا أبالى نعبده كما أمرنا ويرزقه كما وعدنا يشير إلى قوله تعالى ( وفى السماء رزقكم وما توعدون ورب السماء والأرض إنه لحق مثلما أنكم تنطقون ))
أنواع الرضا أولا الرضا بما قسمه الله وأعطاه - والرضا بما قدره الله وقضاه - وأخيرا الرضا بالله عن كل ماسواه
فالرضا بما قسمه الله وأعطاه أعظمه أنك مسلم ونبيك هو محمد صلى الله عليه وسلم
وانظر الى أعضائك سترى نعم الله جل وعلا عليك
ومما يساعدك على ذلك قول النبي صلى الله ( انظروا إلى من هو أسفل منكم ولانتظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر الا تزدروا نعمة الله ) مسلم
أطول الناس هما الحسود وأهناهم عيشا القنوع
يقول احدهم
النفس تجزع من الفقر مع أن الفقر أفضل من غنى يطغيها
وغنى النفوس هو الكفاف فإن أبت فجميع مافى الأرض لا يكفيها
والرضا بما قدره الله وقضاه - قال على بن أبى طالب رضي الله عنه يعزى رجلا مات ولده إن صبرت جرى عليك القدر وأنت مأجور وإن جزعت جرى عليك القدر وأنت مأثوم
قال النبي الأكرم ( قد افلح من اسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما آتاه ) مسلم
وإياك اخى في الله أن تتسخط على قضاء الله وقدره
يقول النبي ( إن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط ) البخاري
وأعلى درجات الرضا هو الرضا بالله عن كل ماسواه -يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( من قال حين يصبح وحين يمسى رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا كان حقا على الله أن يرضيه )
الخطبة الثانية
اعلم يرحمك الله أن غالب السلف وأكثر الجيل الأول كانوا فقراء لا أعطيات – لا مساكن – لا مراكب – لا حشم - ومع ذلك اثروا الحياة واسعدوا الإنسانية لأنهم وجهوا ما آتاهم الله من خير في سبيله الصحيح فبورك لهم في أعمارهم وأوقاتهم ومواهبهم ورضوا بالله ربا وبالرسول هاديا وبتعاليم الإسلام فمثلا
عطاء بن رباح / عالم الدنيا في عهده كان مولى – أفطس – اسود – أشل – مفلفل الشعر
الأحنف بن قيس / حليم العرب كان نحيف الجسم احدب الظهر أحنى الساقين ضعيف البنية
الأعمش / محدث الدنيا - كان من الموالى – ضعيف البصر –فقير ذات اليد – ممزق الثياب
بل الأنبياء الكرام رعوا الأغنام وكان داود عليه السلام حدادا - وزكريا عليه السلام كان نجارا وإدريس عليه السلام كان خياطا وهم من هم صفوة الخلق وخير البشر
أخيرا فالرضا هو جنة الدنيا وهو من العبادات القلبية التي تعكس إيمان العبد بربه – ويبعث في النفس الطمأنينة لذا فلا يقدر عليه إلا أصحاب النفوس الكبيرة فاللهم ارض عنا
الدعاء الدعاء