الحمدُ لله الذي جَعَل الصلاة راحة قلوب الأخيار، وهي طريق السعادة في دار القرار، أحمده سبحانه وأشكره، جعل الجنة مأوى الذين اتقوا ومثوى الكافرين النار. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلهَ حقٍ في البر والجو والبحار، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، بادر إلى الصلاة بسكينةٍ ووقار، ووقف بين يدي الله بمحبة وخضوع وانكسار، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ما تعاقب الليل والنهار، وما تساقط ورق الأشجار .
أما بعدُ فيا عباد الله : اتقوا الله تعالى حق التقوى.
قضيَّةٌ مُهِمَّةٌ , وعَلامَةٌ للإسلام بارزةٌ , من خلالِهَا يتَبَيَّنُ الكفرُ من الإسلام , ويَظهرُ النفاقُ من الإيمان , هي الميزانُ الذي تُعرفُ به مكانةُ الشخص في الإسلام , والمقياسُ الذي يوزنُ به الإسلامُ في قلبه , تلكم يا عباد الله هي الصلاةُ التي من حَفِظَهَا حَفِظَ دينَهُ , ومن ضَيَّعَها فَهُو لِما سِواهَا أضْيَعُ .
أيها المؤمنون : الصلاةُ مكانَتُها في الإسلام كبيرةٌ , فهي الركنُ الثاني من أركان الدين , وهي عمودُه وقاعدتُه وهي الفاصِلَ بين المسلمين والكافرين فعن أبي سفيان رضي الله عنه قال سمعت جابراً رضي الله عنه يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلَاةِ» أخرجه مسلم وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو بن العاص – رضي الله عنهما - ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ: ذَكَرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا فَقَالَ: (( مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا؟ كَانَتْ لَهُ نُورًا، وَبُرْهَانًا، وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نُورٌ، وَلَا بُرْهَانٌ، وَلَا نَجَاةٌ ، وَكَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ، وَفِرْعَوْنَ، وَهَامَانَ، وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ )) أخرجه أحمد والطبراني وابن حبَّان ورجاله ثقات .
وقال عُمَرُ رضي الله عنه: «لَا حَظَّ فِي الإِسْلامِ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلاةَ».
أخي المسلم : تبرزُ أهميَّةُ الإسلام عندك , من خلال المحافظةِ على الصلاة , فعنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها وعن أبيها مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: «كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ - تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ - فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ» رواه البخاري .
ويقول صلى الله عليه وسلم «جُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ» أخرجه احمد والنسائي والطبراني وهو صحيح .
وكان النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ: " يَا بِلَال، أَرِحْنَا بِالصَّلَاةِ "
وأوصى صلى الله عليه وسلم بعضَ أصحابِه فقال : «عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ لِلَّهِ، فَإِنَّكَ لَا تَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً، إِلَّا رَفَعَكَ اللهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً)) أخرجه مسلم.
أيها المسلمون : الصلاةَ الصلاةَ , فقد أمرَ اللهُ بالمحافظَةِ عليه كثيراً , وحَذَّرَ من التهاونِ فيهَا أو التَّكاسُلِ عنها , وكذلك نبيُّه محمدُ بن عبدالله صلى الله عليه وسلم , والنصوصُ في ذلك كثيرةٌ لا تخفى على صاحب عقل وبصيرة .
لقد أوجبَ اللهُ تعالى الصلاةَ على المسلمينَ حتى في حالاتِ القتال , والنفوسُ أشدُّ ما تكون خوفاً من العدوِّ , يقول سبحانه ((حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ * فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ )) وقال سبحانه ((فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً)).
وليس هذا فحسب , بل لقد أوجبَ اللهُ تعالى الصلاةَ حتَّى على المريض , فيُصلي حسب حاله , قائماً أو قاعداً , أو جالساً أو على جنبه , يومي إلى القبلة بالركوع والسجود إيماءً , سواءٌ استطاعَ التطَهُّرَ أم لا , كلُّ ذلك دليلٌ على مكانة الصلاةِ في الإسلام وعِظَمِ منزلتها .
أيها المسلمون : لقد ضَعُفَ ارتباطُ الكثير من الناس ِ بالمساجد وتكاسلوا عن حضور الجُمَعِ والجماعات , ولو علموا بما في الصلاة من الأجر والخير لأتوها ولو حبواً , يقول ربنا ((إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ))
نرى أولئك المتخلفين عن الجُمَعِ والجماعات يملأونَ الأسواقَ , وبأكلونَ من الأرزاقِ ولا يتَّجِهون إلى المساجد مع المسلمين ((اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ)).
حرموا أنفسَهُم أجرَ المشي إلى المساجد , وما فيه من الحسناتِ وتكفيرِ الخطايا والسيئات , وبقيت أوزارُهم على ظهورهم ألاَ ساءَ مَا يَزِرُونَ .
عباد الله : إن التأخُّر عن الصلاة يُفَوِّتُ أجراً كثيراً ويفتح باباً للتهاون في الصلاةِ , ويَؤدي في النهاية إلى تركها , فقد روى مسلم في صحيحه فعن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: رَأَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَصْحَابِهِ تَأَخُّرًا، فَقَالَ: " تَقَدَّمُوا فَأْتَمُّوا بِي، وَلْيَأْتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ، وَلَا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ، حَتَّى يُؤَخِّرَهُمُ اللهُ ".
وهؤلاء المتأخرونَ عن الصلاةِ لو كانوا في طَمَعٍ من مَطَامِعِ الدُّنيا لجاءوا مع أول الناس , ولجَلسوا الساعاتِ الطويلةَ ينتظرون , دون ملَلٍ , لأن الدنيا أحبُّ إليهم من الآخرة .
عباد الله : لقد أصبحت المساجدُ مهجورةً تشكوا إلى الله قِلَّةَ المرتادينَ لها , والجالسينَ فيهَا , فقدت الرجالَ الذينَ يُسَبِّحُون اللهَ فيها بِالْغُدُوِّ والآصال .
أيها المؤمنون : وكم يحزُّ في النفس أن نرى في بُيوت مجاورةِ للمساجدِ أعداداً من الرجالِ والشبابِ قدْ هَجَرُوا المساجدَ لا يعرفونها وإن عرفوها لا يعرفونها إلا يومَ الجُمُعَةِ , وأكثرهم قد ألغى الصلاة من حسابه وبالذات صلاةَ الفجر , فأي قلوبٍ لهؤلاء , وأيُّ إسلامٍ لهم , لقد خرجوا بذلك من المسلمين ودخلوا في عِداد المنافقين والكافرين الذين تحرُمُ مجالستُهم و مؤاكلتُهم , إلا أن يُجَدِّدوا التوبة , ويحافظوا على الصلاة .
عباد الله : لا بُدَّ من وَقْفَةٍ حاسِمَةٍ مع هؤلاء الذين لا يشهدون الصلاةَ مع المسلمين , كلٌّ على حسب دورِه , فالأبُ مسئولٌ , والأخُ مسئولٌ , والجار مسئولٌ , ألا كلُّكم راعٍ ومسئولٌ عن رعيَّتِهِ .
عباد الله إن الصلاة من أعظم الأمانات عندكم ، مطلوب ، منكم أن تؤدوها وتقيموها قال تعالى :﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴾ فالله سبحانه أمرنا بالمحافظة على الصلاة فِي أوقاتها والقيام فيها خاشعين خاضعين لجلالته وعظمته ، وجعلها طريق الفوز والسعادة فِي العاجل والآجل قال تعالى : ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ .
فبالمحافظة على الصلاة تقوى النفس على احتمال الشدائد ، وتثبت عند نزول البلايا والمحن ، قال الله تعالى : ﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ ﴾.
فاتقوا الله عباد الله , حافظوا على الصلوات في الجماعة , واعمروا المساجد بطاعة الله تعالى , وتَفَقَّدُوا بعضَكم عند الصلاة , وتآمروا فيما بينكم بالمحافظة عليها , واحذروا من التفريط فيها , أقول ما قد سمعتم وأستغفرُ الله لي ولكم فاستغفروه ......
الحمد لله، أمر عباده بالصلاة فقال: { وأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين } وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، مدح المؤمنين الذين هم على صلاتهم دائمون، والذين هم على صلاتهم يحافظون ، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله إمام الركع السجود . أما بعد فيا عباد الله :
ألم تعلموا أن أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة فإن صلحت صلح سائر عمله وإن فسدت فسد سائر عمله.
فكونوا يا عباد الله ممن قال الله عنهم ((فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِرِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38)
عبادَ الله صلُّوا رحمني اللهُ وإيَّاكم ، على الهادي البشيرِ ، والسراجِ المنيرِ ، كما أمرَكم بذلك اللطيفُ الخبيرُ ، فقال سبحانه قولاً كريما ( إِنَّ اللهَ وَملاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبيْ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُواْ صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) وقد قال عليه الصلاةُ والسلامُ { حيثما كنتم فصلوا عليَّ فإنَّ صلاتَكم تبلغني }وقال{ من صلى علي صلاةً صلى اللهُ عليه بها عشراً } اللهم صلِّ وسلمْ وأنعمْ وأكرمْ وزدْ وباركْ ، على عبدِك ورسولِكَ محمدٍ ، وارضَ اللهم عن أصحابِهِ الأطهارِ ، ما تعاقبَ الليلُ والنهارُ ، أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ ، وعن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين ، وعن التابعينَ وتابعِيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ ، وعنَّا معَهم بمنِّكَ وفضلِكَ ورحمتِكَ يا أرحمَ الراحمينَ .اللهم أعزَّ الإسلامَ المسلمينَ ، ودمرْ أعداءَ الدينِ من اليهودِ والنصارى ، وجميعِ الكفرةِ الملحدينَ ، اللهم إنا نسألُكَ ، بعزِّكَ الذي لا يرامُ ، وملكِكَ الذي لا يُضامُ ، وبنورِكَ الذي ملأ أركانَ عرشِكَ ، أن تكفيَنا شرَّ ما أهمَنا وما لا نهتمُ به ، وأن تعيذَنا من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا ، اللهم رَغّبْنا فيما يبقى ، وَزَهّدْنا فيما يفنى ، وهبْ لنا اليقينَ ، الذي لا تسكنْ النفوسُ إلا إليهِ ، ولا يُعوَّلُ في الدينِ إلا عليهِ ، اللهم أيدْ إمامَنا بتأيدِكَ ، وانصرْ بهِ دينَكَ ، ووفقْهُ إلى هُدَاكَ ، واجعلْ عمَلَهُ في رضاكَ ، وارزقْهُ اللهم البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ ، التي تدلُهُ على الخيرِ ، وتعينه عليه، اللهم احفظْ بلادَنا وولاةَ أمرِنا وعلماءَنا ودُعاتَنا ، اللهم وحِّدْ كلمتَنا وقوي شوكتَنا ياربَّ العالمينَ ، واجعل هذا البلد رخاءً سخاءً آمِناً مُطمَئِناً ، وسائر بلاد المسلمين يا ربَّ العالمين ، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنيين والمؤمنات ، الأحياء منهم والأموات ، اللهم ربنا ( آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)