الحمد لله الذي بنعمته ورحمته اهتدى المهتدون، وبعدله وحكمته ضل الضالون، وبقدرته وعلمه يومئذ يبعثون، فيجزي المحسنين بما عملوا ويزيدهم من فضله، ويجازي المجرمين بسيئاتهم ولا يظلمون، وأشكره سبحانه على نعمه الكثيرة، وكلنا في شكره مقصرون، ونسأله سبحانه التوفيق لطاعته والثبات على دينه، والكل إليه راجعون.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا مثيل له، ولا ند له ولو كره المشركون، وهو الواحد الفرد الصمد الخالق لكل شيء، والرازق لكل حي ولو أنكره الملحدون، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله الصادق المأمون، الذي دعا الخلق إلى الحق وإلى الجنة، وأكثر الناس عنها معرضون، فهدى الله بدعوته من اصطفاه من خلقه، وصرف عنها الأكثرون، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين هم بهديه مستمسكون، ولنهجه وشريعته متبعون، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم يبعثون.
أما بعد، فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى وامتثلوا أمره واجتنبوا ما نهاكم عنه، لعلكم تفلحون.
وإنا نحب أن نذكركم بما يشوق قلوبكم، وينعم نفوسكم بعد أن يسمع الإنسان الترهيب لا بد أن يسمع الترغيب في الجنة، حتى يسارع الإنسان ويقترب إليها بالقول أو العمل، كما يشير القرآن الكريم، الذي هو كلام الله سبحانه في مواضع كثيرة منه إلى ذلك يذكر صفة الجنة وما أعد الله لأوليائه مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ثم يذكر سبحانه بعد ذلك صفة النار وعذابها مما أعد الله لأعدائه فيها من العذاب والنكال والجحيم والأغلال، لعلهم يحذرونها.
نعوذ بالله من ناره وغضبه.
وقد يأتي في القرآن الترهيب ثم يأتي الترغيب.
وكما نعلم عقيدة أهل السنة والجماعة أن الجنة والنار مخلوقتان موجودتان، أعد الله جنته لأوليائه، وأعد ناره لأعدائه، فالجنة هي دار النعيم الذي لا يفنى ولا يبيد، فيها الأنهار تجري بغير أخدود، أنهار من أنواع المشروبات الملذوذات.
قال تعالى: (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ) [محمد: 15].
وفيها زوجات من الحور، ومن نساء الدنيا، قال تعالى: (وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ الْلُؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ) [الواقعة:22-23]، وفي الوصف الثاني (كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ) [الصافات:49]، (وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ)]الواقعة:21]، (يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْساً لا لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ) [الطور:23]، وقال تعالى: (أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ * فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ * لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ) [الصافات:41-47]، وقال تعالى: (هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ * لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ * سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) [يّـس:56-58].
أيها المسلمون إن الجنة فيها ما لا يخطر بالبال، ولا يدور في الخيال، ولا تحيط به عقول الرجال.
عباد الله إن الجنة غالية ونفيسة، ولا تنال إلا بعمل صالح، لا تنال بالبطالة والأماني، والكسل أو المخالفات و المعاصي و الآثام.
قال الله تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) [آل عمران:142]، ويقول تعالى لأهل الجنة يوم القيامة جعلنا الله وإياكم منهم: (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [النحل: من الآية32].
قال بعض السلف: "عجبت للجنة كيف نام طالبها، وعجبت للنار كيف نام هاربها".
ومع ذلك لا يعتمد الإنسان على عمله بل على رحمة الله كما قال صلى الله عليه وسلم: "لن يدخل أحدكم الجنة بعمله"، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: "ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل".
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سعلة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة".
جعلنا الله وإياكم من أهلها، وممن وفقه ربه لما يرضاه، وجنبه ما يكرهه ويأباه.
إن من يدخل الجنة يخلد ولا يموت، وينعم لا يبأس، ولا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه، على سن واحد لا يزيد ولا ينقص؛ أبناء ثلاثة وثلاثين سنة، في غاية تكامل الشباب ونهاية الآراب.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ) [الرعد:35].
نسأل الله الجنة، ونعوذ بالله من النار.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.