إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونثني عليه الخير كله ، خلقنا من العدم ، وأسبغ علينا النعم ، وعلمنا بالقلم ، علمنا ما لم نكن نعلم ، أحمده سبحانه وقد تفضل وتكرم ، وأشكره وقد أجزل وأنعم ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إله الخلق ورب الأمم ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي الأكرم ، صلى الله عليه وسلم ، وعلى آله وأصحابه خير القرون والأمم ، وعلى التابعين أهل المكارم والقيم ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون " ، " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير " . . . أما بعد : فاتقوا الله أيها الناس حق التقوى ، وتمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى ، فأجسادكم على النار لا تقوى ، وأعلموا أنكم بين يدي ربكم موقوفون ، وعن أعمالكم محاسبون ، وعلى تفريطكم نادمون ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون .
أمة الإسلام : لقد دعا الإسلام أهله إلى المحبة والألفة الدائمة ، والتعاون البناء ، والتكافل الاجتماعي ، قال تعالى : " والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض " ، وقال تعالى : " محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم " ، وعلى النقيض من ذلك فقد حذر الشرع القويم من الفرقة والاختلاف ، ونهى عن الكراهية بين المسلمين وكل ما من شأنه أن يكون سبباً لوغر الصدور ، وضيق الأخلاق ، وتأزم الأمور ، وحرم الغل والضغينة على المؤمنين ، قال تعالى : " ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم " ، من هذا المنطلق القرآني العظيم ، كانت الأمة المحمدية ، أمة شامخة أبية ، تخشاها الأمم ، وترهبها الشعوب ، فلما دب إليها داء الأمم ، ضعفت شوكتها ، وتصدع بنيانها ، وتهتك ستارها ، فأصبحت ضعيفة ، يدك حصونها التناحر والبغضاء ، نخرها سوس الحاسدين والحاقدين ، فتحتاج الأمة اليوم لرأب الصدع ، وترميم القلوب ، وتطهيرها من رجز الوثنية ، ودرن اليهودية ، إن موضوع الحسد لهو موضوع غاية في الأهمية ، جدير بالطرح والتحري ، والشفافية والتأني ، لمعرفة النتائج والأسباب ، ليتذكر أولوا الألباب ، ومن ثم وصف العلاج الناجح ، ليستبين الأمر الواضح ، أخرج الترمذي وأحمد ، عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ رضي الله عنه : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمُ : الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ ، هِيَ الْحَالِقَةُ ، لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ ، وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا ، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا ، أَفَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِمَا يُثَبِّتُ ذَاكُمْ لَكُمْ ، أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ " ، ألا فاعلموا أيها الناس أن من أسوأ نتائج الحسد أنه وقوع في الغيبة ، وتربص بالنميمة ، قال تعالى : " ولا يغتب بعضكم بعضاً " ، وقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " تَتَنَافَسُونَ ثُمَّ تَتَحَاسَدُونَ ثُمَّ تَتَدَابَرُونَ ثُمَّ تَتَبَاغَضُونَ " [ أخرجه مسلم ] ، ألا ما أقبح الحسد ، وما أسوأ نتائجه ، وما أفظع الحاسدين ، وما أشنع المغرضين ، نفوس تتحطم ، بيوت تتهدم ، أسر تتشرد ، صلات تتقطع ، أعراض تتهم ، صور مضيئة تتشوه ، مجتمعات تتردى ، جماعة تتفرق ، والسبب الحسد ، إنه بلاء لا يكاد الناس يسلمون منه .
أيها المسلمون : هناك نفوس لا تزال تتطلع إلى أكثر من حقها ، بل وتنظر إلى حق غيرها ، ولا شك أن ذلك هو الطمع والجشع ، وهما صفتان مذمومتان في بني الإنسان ، عَنْ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّه عَنْهمَا قال : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لَابْتَغَى ثَالِثًا ، وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ ، وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ " [ متفق عليه ] ، هكذا هو ابن آدم يعيش في كمد وكبد ، من أجل الحياة الدنيا ، فيكون نتيجة الطمع والجشع ، حسد للغير ، وإساءة للمسلمين ، ثم يموت ولم يحصل من الدنيا إلا ما كتب الله له ، أخرج ابن ماجة عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ ، فَإِنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا وَإِنْ أَبْطَأَ عَنْهَا ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ ، خُذُوا مَا حَلَّ وَدَعُوا مَا حَرُمَ " ، فيالها من أموال أكلت بالباطل ، كم من مظلوم ذهب ماله ، وكم من امرأة هضم ميراثها ، فالحسد يوغر الصدور ، ويُذهب الأجور ، يقطع الأواصر ، ويغير النفوس ، الحسد آفة الحساد ، ينغص حياتهم ، ويقض مضاجعهم ، لما رأوا نعم الله تترى ، يتفضل بها على من يشاء من عباده ، قال تعالى : " أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكاً عظيماً فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيراً " .
أيها الناس : ألم تقرءوا قول الله تعالى : " أهم يقسمون رحمت ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات " ، فإذا عرف الحاسد هذه الحقيقة ، فعلام الحسد ، ولماذا يتحمل الأوزار ؟ ويتجشم الأخطار ؟ ولماذا يعيش مهموماً مغموماً لكل نعمة يتفضل الله بها على المحسود ، فليرفق الحاسد بنفسه ، فحتماً سيكون الثمن صحته وعقله وتفكيره ، ألم تتأملوا أيها الحساد قول النبي صلى الله عليه وسلم : " واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك ، وما أخطأك لم يكن ليصيبك ، واعلم أن الخلائق لو اجتمعوا على أن يعطوك شيئاً لم يرد الله أن يعطيك ، لم يقدروا عليه ، ولو اجتمعوا أن يصرفوا عنك شيئاً أراد الله أن يصيبك به ، لم يقدروا على ذلك " [ أخرجه أبو داود وابن ماجة والحاكم واللفظ له ] ، فعلام الحسد ، وعلام يكيد المسلم أخاه ، وليت شعري لو أن الحاسد طلب ما عند الله بدلاً من كيد عباد الله ، قال تعالى : " وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ لّلرّجَالِ نَصِيبٌ مّمَّا ٱكْتَسَبُواْ وَلِلنّسَاء نَصِيبٌ مّمَّا ٱكْتَسَبْنَ وَٱسْأَلُواْ ٱللَّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُلّ شَىْء عَلِيماً " ، وقال صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ " [ متفق عليه ] ، الْحَاسِدُ لَا يَنَالُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ إلَّا لَعْنَةً وَبُغْضًا ، وَلَا يَنَالُ مِنْ الْخَلْقِ إلَّا جَزَعًا وَغَمًّا ، وَلَا يَنَالُ عِنْدَ الموت إلَّا شِدَّةً وَهَوْلًا ، وَلَا يَنَالُ عِنْدَ الْمَوْقِفِ إلَّا فَضِيحَةً وَهَوَانًا ، الحسود يرى النعمة عليك ، نقمة عليه ، فاحذروا الحساد ، وأهل الأحقاد ، ومن يدعون إلى الشقاق ، ويريدون الافتراق .
أمة الإسلام : اعلموا أن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب ، الحسد كبيرة من كبائر الذنوب ، حسد إبليس آدم عليه السلام فطرده من جنته ، وحسد ابن آدم أخاه فقتله ، فالحسد دليل على تفسخ الأخلاق ، وانسلاخ الإنسانية ، وانحطاط للهاوية ، الحسد ربيب الكبرياء ، ووالد الكراهية والبغضاء ، ومثير الفتن والشحناء ، وربما كان الحسد سبباً لإزهاق الأنفس البريئة ، قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " عَلَامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ ، إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مِنْ أَخِيهِ مَا يُعْجِبُهُ ، فَلْيَدْعُ لَهُ بِالْبَرَكَةِ . . " [ أخرجه ابن ماجة وأحمد ومالك ] ، فهلا أدركتم ذلك أيها الحساد ، وتجنبتم طريق الفساد ، وإهلاك العباد ، ثم اعلموا أنكم مسيئون ، وفي الأرض مفسدون ، والله تعالى يقول : " ويسعون في الأرض فساداً والله لا يحب المفسدين " ، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه : عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا " [ متفق عليه ] ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم محذِّرًا ومتوعِّدًا : " يا معشرَ مَن آمن بلسانِه ، ولم يدخلِ الإيمان قلبَه ، لا تغتابوا المسلمين ، ولا تتّبعوا عَوراتِهم ، فإنّه من تتبّع عوراتِهم تتبّع الله عورتَه ، ومن تتبّع الله عورتَه ، يفضحه ولَو في جوفِ بيتِه " [ أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي ] ، فما بال أقوامٍ هداهم الله ، من تكون غايةُ دنياه ، وأكبرُ همِّه ومُناه ، تتبّعَ العثراتِ ، وتصيُّدَ الزّلاّت ، والنّفخَ في الهِنَاتِ الهَيِّنات ، والتشهيرَ بها عبرَ المجالس والاجتماعات ، لا يفتؤون هَمزًا ، ولا ينفَكّون لمزًا ، ولا يبرَحونَ غمزًا ، حسداً ومقتاً ، ديدنُهم التشويش ، ومطيّتُهم التحريش ، وسجيّتُهم الإثارةُ والتهويش ، ناموا على سُوءُ الظنّ ، وقاموا على الأذَى والمنّ ، يكثِرون الوقيعةَ والعِتاب ، ولا يتورّعون عن الشّتائم والسّباب ، إذا رَأَوك في نعمةٍ حسَدوك ، وإن توارَيتَ عنهم اغتابوك ، يتحرّكون في الظلام كالخفافيشِ ، ويعمَلون خلفَ الكواليس ، يبثّون الشائِعات ، ويختلقون الوِشايات ، فسبحانَ ربّيَ العظيم ، ألا يخافون الله ربَّ العالمين ؟! إلى الله المشتَكى ، ولا حولَ ولا قوّةَ إلاّ بالله العليِّ العظيم ، بارك الله لي ولكم في القرآنِ والسنّة ، ونفعَني وإياكم بما فيهما من الآياتِ والحِكمة ، أقول قولي هذا ، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ، ولوالديَّ ووالدِيكم ، ولجميعِ المسلمين والمسلمات ، من جميع الذنوب والخطيئات ، فاستغفروه وتوبوا إليه ، إنّه هو التوّاب الرحيم .
------------
الحمدُ لله الواحدِ الخلاّق ، أمرَنا بالتّآلفِ والوِفاق ، ونَهَانا عن سُبُل التفرّق والشّقاق ، وحذرنا من الحسد والنفاق ، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له شهادةً تَملأ النفوسَ مِن الخشيةِ والإشفاق ، وأصلّي وأسلّم على نبيّنا محمّد بن عبد الله صلاةً وسلامًا تامّين كاملين ما تعاقب أُفول وإشراق ، وعلى آله وصحبِه أئمّة الهدَى باتّفاق ، ومَن تبِعهم بإحسانٍ إلى يومِ التّلاق . . . أمّا بعد : فاتّقوا اللهَ عبادَ الله ، وراقبوه في سركم ونجواكم .
أيها المسلمون : ليس كل الحسد مذموماً ، فالحسد نوعان ، حسد محرم ، وحسد جائز ، أما الحسد المحرم ، فهو تمني زوال النعمة عن المحسود ، وإلحاق الضرر به ، وأما الحسد الجائز ، فهو الغبطة ، وتمني مثل ما عند الغير من غير رغبةٍ في زوالها ، قال صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ : رَجُلٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ ، فَهُوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ ، فَسَمِعَهُ جَارٌ لَهُ فَقَالَ : " لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ فُلَانٌ ، فَعَمِلْتُ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَهُوَ يُهْلِكُهُ فِي الْحَقِّ ، فَقَالَ رَجُلٌ لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ فُلَانٌ فَعَمِلْتُ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ " [ أخرجه البخاري ] ، فاحذروا الحسد المذموم ، وسابقوا إلى الخيرات ، وسارعوا إلى مغفرة رب البريات .
أمة الإسلام : إن من أعظم أنواع الحسد خطورة ، وأشده نكاية ، أن يحسد الإنسان جاره أو قريبه ، أو رحمه أو صديقه ، فلربما منعه أو حرمه من طريق يعبر خلاله ويصل به إلى غايته ، والله تعالى يقول : " إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين " ، ومن الناس من يمنع عباد الله من وضع مسمار في جداره ، أو طرح خشبة في حرثه ، أو التبرع له من ماء بئره ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : " الناس شركاء في ثلاث : النار ، والماء ، والكلأ وثمنه حرام " [ أخرجه ابن ماجة وغيره ] ، قال تعالى : " من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة " ، وقال صلى الله عليه وسلم : " ما نقصت صدقة من مال ، بل تزده ، بل تزده " ، فتاجروا مع الله تعالى ، وطيبوا بها نفساً ، ألا وإن من أعظم أنواع الحسد من منع الناس من بناء مسجد لله تعالى في ملكه ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : " من بنى لله مسجداً بنى الله له بيتاً في الجنة " ، فكل ذلك من الحسد المذموم ، والفكر المسموم ، الذي نهى عنه الشارع الحكيم ، عباد الله ، لقد دخل رجل الجنة في غصن شجرة أزالها من طريق الناس ، ودخلت زانية الجنة عندما سقت كلباً يلهث من العطش ، فكيف بمن يسقي مسلماً من مائه ، ويهب للناس طريقاً في أرض الله التي وهبها إياه ، لهو أعظم أجراً ، وأكثر فضلاً ، والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً ، ولن يبقى للإنسان إلا عمله الصالح ، وسيرته الحسنة ، فأين أنتم عن هذه الأحاديث الصحاح ، أم أنكم ضمنتم الجنة ، وأمنتم من النار ، سبحان الله ! أما تخافون الله ، وتخشون عذابه ، وتحذرون عقابه ، أما تذكرتم القبر وظلمته ، والصراط وزلته ، ويوم القيامة وكربته ، فاجعلوا لكم نوراً تستضيئون به في القبور ، ويوم البعث والنشور ، ووالله لن يكون لكم ذلك ، حتى تطهروا قلوبكم من رجزها ، وأفئدتكم من أمراضها ، فتبرعوا بتراب الأرض لشق الطرق ، تصدقوا بأموالكم للفقراء والأيتام ، تفقدوا الأرامل والمساكين ، اطلبوا ما عند الله فهو باق ، واتركوا الدنيا فهي زائلة ، وسعوا على إخوانكم وجيرانكم ، يسروا ولا تعسروا ، بشروا ولا تنفروا ، طهروا قلوبكم من الغل والحقد ، وكونوا عباد الله إخواناً ، كفانا والله فرقة وحسداً ، وكفانا حقداً وغيظاً ، وأوصابًا وتَفريقًا ، وجروحًا وتمزيقًا ، كفانا عصبية وشتاتاً ، فهلا من رجل رشيد ، وليس ذلك على الله ببعيد ، رجل يجمع الشتات ، ويلم الشعث ، ويسعى للصلاح والإصلاح ، سبحان الله ! تأملوا يا رحمكم الله كيف قبض الله رحمته ، فأمسكت السماء الغيث والأمطار ، ومنعت الأرض الإنبات في الفيافي والقفار ، لقد تطاير الشرر ، وزاد الخطر ، ضاقت القلوب من حسادها ، وتمزقت النفوس من أحقادها ، ولفحت الشمس بحرارتها ، وتغيرت الأرض بطقوسها ، فمتى نعود إلى الله ؟ ومتى نحكم شرع الله ؟ لماذا لا تصقل النفوس ، وتبيض القلوب ؟ لماذا لا ننزع البغضاء ، ونزيل العداء ، ونرضى بالمحبة والإخاء ، فعليكم بالتّسامُح والتّراحُم ، والتّناصُر والتّلاحُم ، فاحذروا الحسد فإنه مطية إلى نار جهنم والعياذ بالله ، فكن أيها المسلم سمحاً متنازلاً ، رحيماً متعاوناً ، رفيقاً متآلفاً ، فتلكم صفات المؤمن الصادق ، الموقن بلقاء ربه تبارك وتعالى ، ثم اعلموا أن سلامة الصدر ، وتطهيره من الحسد والكبر ، من أسباب دخول الجنة ، نسأل الله الجنة ونعيمها ، ونعوذ به من النار وجحيمها ، أيها الأخوة الفضلاء ، أيها الأحبة العقلاء ، أرجو أن لا تحار العقول فيما قلت ، وألا يفسر القول بغير ما قصدت ، إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت ، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت ، هذا وصلوا وسلموا على المصطفى الحبيب ، فقد أمركم بذلك الحسيب الرقيب ، فقال في محكم التنزيل ، ومعجزة التأويل : " إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً " ، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد ، النذير البشير ، والسراج المنير ، وعلى آله وأزواجه ، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وعن سائر الصحابة أجمعين ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، ودمر أعداء الدين ، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين ، اللهم آمنا في أوطاننا ، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك ، برحمتك يا أرحم الراحمين ، اللهم انصر إخواننا المجاهدين في سبيلك في كل مكان ، اللهم كن لهم مؤيداً ونصيراً ، وعوناً ومعيناً ، اللهم عليك بأعدائك أعداء الدين ، اللهم مزقهم كل ممزق ، اللهم أدر الدائرة عليهم ، واجعلهم غنيمة للمسلمين يا قوي يا عزيز ، اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها ، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة ، اللهم ادفع عنا البلاء والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين ، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا ، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير ، والموت راحة لنا من كل شر ، اللهم إنا نعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء والأدواء ، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين ، واحفظنا بالإسلام قاعدين ، واحفظنا بالإسلام راقدين ، ولا تشمت بنا الأعداء ولا الحاسدين ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ، وقنا عذاب النار ، سبحان ربك رب العزة عما يصفون ، وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين ، وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .