بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنـا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ولا شريك له، إقراراً بربوبيته وإرغامـاً لمن جحد به وكفر.
وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر.
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه وعلى ذريته، ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين.
اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما، وأرِنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممــــن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة الكرام: الجرأة على الناس في غيبتهم كالتزلف إليهم في حضرتهم، كلاهما علامة الجبن والصغار، فعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
(( يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يؤمن بقَلْبَهُ لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ وَلَا تَتَّبَّعُوا عَوْرَاتِهِمْ فَإِنَّهُ مَنِ تتبَّعَ عَوْرة أخيه تَتَبَّعُ اللَّهُ عَوْرَتَهُ وَمَنْ تَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ ))
[أخرجه الترمذي وأبو داود وأحمد] أيها الإخوة الكرام: متابعة لموضوع الأسبوع الماضي حول الكلمة الطيبة التي تستند إلى علم، وإلى واقع، وإلى فطرة، وإلى نقل صحيح، وإلى تطبيق، وإلى نيَّة طيبة، الكلمة الطيبة التي شبهها الله بشجرة الطيبة، أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، أما الكلمة الخبيثة فهي كالشجرة الخبيثة تنتشر، وتتسع، ولها فعل خطير في المجتمع والغيبة من الكلمة الخبيثة.متابعة لموضوع الأسبوع الماضي ؛ الغيبة من الكلمة الخبيثة، التي تنتشر كالشجرة الخبيثة، لكن لا أصل لها , أيها الإخوة الكرام: الغيبة من أخطر المفاسد الخلقية، تسبب كثيراً من النزاعات، وينتج عنها التقاطع والتدابر والتباغض، وتفتت وحدة المسلمين، وتشتتهم وتفرقهم، وتلقي بينهم العدواة والبغضاء، بعض المسلمين يتوهم أنه بتركه للكبائر فقد وصل إلى كل شيء، ومن قال لك: إن الغيبة من الصغائر، إنها من الكبائر، وهي متفشية بين المسلمين، المسلمون في الأعم الأغلب لا يشربون الخمر، واقع المسلمين لا يشربون الخمر، ولا يقتلون، ولا يزنون، ولكن المعصية المتفشية فيما بينهم، والتي تفتتهم وتفرقهم، وتلقي بينهم العداوة والبغضاء، وتجعلهم ضعافاً متفرقين، متنازعين، متحاسدين، متباغضين، إنها الغيبة، فهي من أخطر المفاسد الخلقية.أيها الإخوة:((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بَالْكَلِمَةِ مِن سُخْطِ اللهِ لاَ يَرَى بِهَا بَأْساً. فَيَهْوِي بِهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ سَبْعِينَ خَرِيفاً ))
[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأبو داود وابن ماجه وأحمد] أيها الإخوة الكرام: هذا اللسان من أجل نعم الله علينا، إن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان علمه البيان، فالبيان من نعم الله العظمى، ولأن الإنسان مخير ولأن كل شيء في الكون إثنيني، بمعنى ؛ أنه يمكن أن يُوظف في الخير كما يمكن أن يوظف في الشر، كل حظ من حظوظ الإنسان التي منحها الله إياه إنما هي حيادية، توظف في الخير، وتوظف في الشر، فلذلك نعمة النطق، نعمة البيان، هذا اللسان الذي تذكر به الله عز وجل، الذي تذكر به إخوتك المؤمنين، الذي ترقى به إلى أعلى عليين، هذا اللسان نفسه بذاته يمكن أن يهوي بالإنسان إلى أسفل سافلين. وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ سبعين خريفاً.أيها الإخوة الكرام: كما أن الإنسان عن طريق اللسان والبيان يرقى إلى أعلى عليين، عن طريق اللسان والبيان يهوي إلى أسفل سافلين، قال تعالى: ﴿ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (114)﴾
[سورة النساء] والآية الكريمة: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)﴾
[سورة فصلت] باللسان ترقى إلى أعلى عليين، وباللسان يهبط العاصي إلى أسفل سافلين.أيها الإخوة الكرام: (( سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ فَقَالَ تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ وَسُئِلَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ فَقَالَ الْفَمُ وَالْفَرْجُ ))
[أخرجه الترمذي وابن ماجة وأحمد] فلما سئل النبي عن أكثر ما يدخل الناس النار فَقَالَ: الْفَمُ وَالْفَرْجُ ". بما يدخل، وبما يخرج، بما يدخل فيه من طعام اشتُري بمال حرام وبما يخرج منه من كلام فيه الإثم والبهتان، فأكثر ما يدخل الناس النار الفم والفرج.أيها الإخوة الكرام: وفي حديث آخر للنبي عليه الصلاة والسلام قال (( قَالَ مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ ))
[أخرجه البخاري والترمذي وأحمد] اللسان والفرج. عليه الصلاة والسلام: (( والذي لا إله غيره ما على ظهر الأرض شيء أحوج إلى طول سجن من لسان ))
أيها الإخوة الكرام: الغيبة خلق ذميم، يمقته الإسلام أشد المقت، وهو من أقبح القبائح ومن أكثرها انتشاراً بين الناس، وهي خيانة، وعليه الصلاة والسلام: (( والذي لا إله غيره ما على ظهر الأرض شيء أحوج إلى طول سجن من لسان ))
أيها الإخوة الكرام: الغيبة خلق ذميم، يمقته الإسلام أشد المقت، وهو من أقبح القبائح ومن أكثرها انتشاراً بين الناس، وهي خيانة، وهي هتك ستر، وهي غدر وهي تفرقة بين المسلمين، وهي زاد الخبيث، وطعام الفاجر، ومرعى اللئيم وضيافة المنافق، وفاكهة المجالس، ويبغض الله جل جلاله هذا الخلق أشد البغض، والعقل السليم يرفضه، والعرف القويم يأباه، والمجتمع النظيف يرده، والفطرة السليمة تنحرف عنه، والشرع الحنيف يحرمه. شرع حنيف، وفطرة سليمة، ومجتمع نظيف، وعرف قويم، وعقل سليم، كل هذه الأشياء مجتمعةً ترفض الغيبة أشد الرفض، لأن الله سبحانه وتعالى أرادنا أن نكون متماسكين كالصف الواحد، كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، فإذا اغتاب بعضنا بعضاً تفرقت وحدتنا، وانقسمنا فيما بيننا، وتفرق جمعنا وضعفت مكانتنا. أيها الإخوة الكرام: الغيبة شهوة، شهوة لا أساسها الطعام والشراب، ولكن أساسها نهش الأعراض، نهش أعراض الناس، وانتقاص كرامتهم، وحرماتهم وهم غافلون، إنها دليل جبن ودناءة، وطعن من الوراء، وهي معول من معاول هدم المجتمع، قلت في مطلع الخطبة ؛ الجرأة على الناس في غيبتهم كالتزلف إليهم في حضرتهم، كلاهما علامة الجبن والصغار. أيها الإخوة الكرام: تنشا الغيبة من الحسد، من حسد المغتاب، والحقد عليه، لما ناله من نعمة، أو لما اتصف به من فضل، تنشأ من الفقير للغني، ومن الضعيف للقوي، وهي خسة ودناءة، وضعف همَّة، ووضاعة نفس تزرع الضغينة، وتنبت العداوة، وينتج عنها التقاطع والتدابر، ويضعف الوفاء والإخلاص، ويشيع الرياء والنفاق، وتنتشر العداوة والبغضاء صورها القرآن بصورة تنفر منها النفوس، صور المغتاب كوحش كاسر انقض على أخيه الإنسان، بعد موته فجعل ينهش من لحمه، ويمزق من أوصاله، قال تعال:﴿ وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12)﴾
[سورة الحجرات]((قال عبد الله بن مسعود: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام رجل من المجلس فوقع فيه رجل من بعده (أي اغتابه) فقال عليه الصلاة السلام لهذا الرجل: تخلل (أي تمضمض، نظف فمك) فقال: يا رسول الله ومما أتخلل ؟ ما أكلت لحماً، فقال عليه الصلاة والسلام: إنك أكلت لحم أخيك ))
[رواه الطبراني]((عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَارْتَفَعَتْ رِيحُ جِيفَةٍ مُنْتِنَةٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتَدْرُونَ مَا هَذِهِ الرِّيحُ ؟ هَذِهِ رِيحُ الَّذِينَ يَغْتَابُونَ الْمُؤْمِنِينَ ))
[أخرجه أحمد] أيها الإخوة الكرام: جاء رجل إلى عمر بن عبيد، فقال له: إن الأسواري يغتابك، وما زال يذكرك في مجالسه بشرٍّ، فقال عمر: يا هذا ما راعيت حق مجالسة الرجل حين نقلت إلينا حديثه، واغتيابه لنا، ولا أديت حقي حين أعلنتني عن أخي ما أكره، ولكن قل: إن الموت يعمنا، وإن القبر يضمنا، وإن القيامة تجمعنا، والله يحكم بيننا وهو خير الحاكمين. وروي أن رجلاً قال لعبد الملك بن مروان: إني أريد أن أسرَّ إليك حديثاً، وكان مع أصحابه، فأشار الخليفة إلى أصحابه بالانصراف، فلما أراد الرجل أن يتكلم، قال الخليفة: قف، لا تمدحني فأنا أعلم بنفسي منك، ولا تكذبني فأنا لا أعفو عن كذوب، ولا تغتب عندي أحداً فلست أسمع إلى مغتاب، فقال الرجل: هل تأذن لي بالخروج، قال: إن شئت فاخرج.أيها الإخوة الكرام: جاء رجل إلى أحد الصالحين، فقال له: إن فلان قد اغتابك، فقال للذي نقل الكلام: أو ما وجد الشيطان بريداً غيرك. أيها الإخوة الكرام: تروي كتب السيرة أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان مع أصحابه، فقال أحدهم: والله ما رأينا خيراً منك بعد رسول اله، فأحد فيهم النظر حتى وجلوا، فقال أحدهم: لا والله، لقد رأينا من هو خير منك، قال: ومن هو ؟ فقال هذا الرجل: أبو بكر الصديق، فقال عمر رضي الله عنه موجهاً الكلام إلى كل من حوله: لقد كذبتم جميعاً وصدق كنت أضل من بعيري، وكان أبو بكر أطيب من ريح المسك. أيها الإخوة الكرام: الأب مع أولاده، والمعلم بين طلابه، ورئيس الدائرة مع موظفيه ومدير المستشفى مع الأطباء، ومدير المدرسة مع المدرسين، إن لم يسمح هؤلاء الأشخاص الذين أوكلهم الله أمر هؤلاء الذين دونهم، إن لم يسمح لأحدهم أن يغتاب أحداً، سارت الأمور على أحسن ما يرام، أما إذا أصغى إلى مغتاب، أو أصغى إلى مادح، أو أصغى إلى كاذب اختلت الأمور. أيها الإخوة الكرام: الذي يغنينا من هذا الموضوع أن الإنسان إذا جلس في مجلس ودارت فيه أحاديث الغيبة، وبقي جالساً فهو آثم، فإما أن يمنع هذا الحديث وإما أن ينصرف من هذا المجلس، وإلا فهو آثم، ولو فعل المسلمون هذا التوجيه الكريم، بأن لا يقعدوا مع الذين يغتابون، بأن يعنفوا الذين يغتابون، بأن ينصحوا الذين يغتابون، لكانت العلاقات بين المسلمين أفضل مما هي عليه اليوم.أيها الإخوة الكرام: ما من شيء يفتت وحدة المسلمين، يضعف العلاقة فيما بينهم، ما من شيء يضعضعهم، يفرق جمعهم، يلقي بينهم العداوة والبغضاء كأن تفشو فيهم الغيبة. أيها الإخوة الكرام: لهذا الموضوع تفصيلات كثيرة إن شاء الله تعالى أعالجها في دروس الأحد التي تتسع لتفصيلات كثيرة حول هذا الموضوع الجليل. أيها الإخوة الكرام: الإمام الحسن بن علي رضي الله عنه قال: الغيبة أسرع في دين الرجل من الأكلة في الجسد.يعني الغيبة تنهش في دين الرجل حتى تقضي عليه.وقال عمر بن العاص وقد مرَّ على بغل ميت، فقال لبعض أصحابه لأن يأكل الرجل من هذا حتى يمتلئ بطنه خير له من أن يأكل لحم رجل مسلم. أيها الإخوة الكرام حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا لغيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني..الخطبة الثانية: أيها الإخوة الكرام: ورد في الحديث الشريف الصحيح:((أنه من عامل الناس فلم يظلمهم وحدثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم فهو ممن كلمت مروءته وظهرت عدالته، ووجبت أخوته، وحرمت غيبته ))
قال بعض العلماء من السلف الصالح: أدركنا السلف وهم لا يرون العبادة في صوم ولا في صلاة، ولكن يرون العبادة في الكف عن أعراض الناس، العبادة ضبط اللسان، العبادة ضبط الدخل، ضبط الإنفاق، ضبط الجوارح، ضبط البيت، ضبط العمل:(( الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني ))
[أخرجه الترمذي وابن ماجه] أيها الإخوة الكرام: ((الإمام علي بن الحسين رحمه الله تعالى: إياك والغيبة فإنها إدام كلاب الناس ))
الإدام: الفاكهة وسيدنا عمر رضي الله عنه عملاق الإسلام له كلمة رائعة، يقول هذا الخليفة الراشد: عليك بذكر الله فإنه شفاء، وإياك وذكر الناس فإنه داء وشتان بين الشفاء وبين الداء ".الحسن البصري من أئمة التابعين، قال له رجل: " إنك تغتابني، فقال له الحسن البصري: ما بلغ قدرك عندي أن أحكمك في حسناتي يوم القيامة ".من أنت حتى أغتابك فأحكمك في حسناتي يوم القيامة ؛ لأن المغتاب يأخذ حسنات المغتاب الذي يغتاب.وعبد الله بن المبارك رحمه الله تعالى يقول: لو كنت مغتاباً لاغتبت والدي، لأنهما أحق بحسناتي من غيرهم.وهذه إشارة دقيقة إلى أن الذي يغتابه الناس زوراً وبهتاناً، المغتاب الذي اغتيب يأخذ حسنات الذي اغتابه، وهذا شيء ثابت. وقد قيل لعالم، قال له أحد الناصحين: إني أشفق عليك لكثرة ما يقوله الناس عنك، فقال هذا العالم: وهل سمعتني أقول عليهم شيئاً، قال: لا قال: عليهم فأشفق.والإمام علي بن أبي طالب وصف المغتاب وشبهه بتشبيه بليغ، فقال: الأشرار يتتبعون مساوئ الناس ويتركون محاسنهم، كما يتبع الذباب المواضع الفاسدة. المؤمن يبحث عن النقاط الإيجابية في أخيه، يذكرها بخير، يشجعه يذكرها بين الناس، حتى يعم الخير، لكن الشرير لا يرى في الإنسان إلا النقائص، وإلا العيوب، يذكرها، ويكبرها، وينشرها، وينقلها للناس.أيها الإخوة الكرام: في السنة الشريفة حديث دقيق جداً، يقول عليه الصلاة والسلام:((الذنب شؤم على غير صاحبه، إن تكلم به فقد اغتابه، وإن عيره ابتلي به، وإن رضي به فقد شاركه بالإثم ))
يعني غير المذنب أمام أحد هذه المزالق الثلاث، لو أن أخاك أذنب ذنباً، فإن نقلت هذا الذنب للناس فقد اغتبته، وإن رضيت به فقد شاركته بالإثم، وإن عيرته ابتليت به.وكلكم يعلم أن السيد المسيح فيما يُروى عنه كان مع الحواريين في طريق يمشون وقد وجدوا جيفة نتنة الرائحة، فقال بعض من حوله: ما أنت ريح هذا الكلب، فقال هذا النبي الكريم: بل ما أشد بياض أسنانها. يعني أراد أن ينبه من حوله إلى أن يبحثوا عن الإيجابيات، ويدعوا السلبيات. ونحن إذا تعاملنا، وإذا اتصلنا ببعضنا بعضاً، وإذا جلس بعضنا إلى بعض، وإذا سافرنا، فإذا كشفنا النواحي الإيجابية في شخصية الإنسان، وأثنينا عليها، ونقلناها للآخرين، تعمُّ المحبة والمودة بين الناس، ويصبح المجتمع كما أراد الله عز وجل، كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً. أما إذا تركنا المحاسن وبحثنا عن المثالب، ووقفنا عندها، وكبرناها ونشرناها بين الناس، فهذه صفة تجعل المجتمع الإسلامي مجتمعاً ممزقاً مجتمعاً ضعيفاً، متداعياً.ورد في الأثر: تعلموا ما شئتم، فوالله لن تؤجروا حتى تعملوا بما علمتم، وكل علم وبال على صاحبه ما لم يعمل به.وعالم بعلمه لم يعملن معذب من قبل عباد الوثن
أيها الإخوة الكرام: بين أن تقول مثلاً، ألف مليون ليرة بلسانك، وبين أن تملكها، أليست هناك مسافة كبيرة كبيرة، بين أن تنطق بهذا المبلغ، وبين أن تملكه المسافة هي نفسها بين أن تتكلم بالحق، وبين أن تطبقه، بين أن تتحدث عن الغيبة، وبين أن تدع الغيبة، بين أن تتحدث عن الصدق، وبين أن تكون صادقاً، بين أن تتحدث عن الوفاء، وبين أن تكون وفياً.الدعاء: اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت تباركت ربنا وتعاليت، لك الحمد على ما قضيت، نستغفرك ونتوب إليك اللهم هب لنا علاً صالحاً يقربنا إليك. اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا رضنا وارض عنا، اقسم لنا من خشيتك، ما تحول به بيننا وبين معصيتك ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ومتعنا اللهم بأسماعنا، وأبصارنا، وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا، مولانا رب العالمين. اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، ودنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين. اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك. اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين. اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، وآمنا في أوطاننا، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً، وسائر بلاد المسلمين. اللهم إنا نعوذ بك من الخوف إلا منك، ومن الفقر إلا إليك، ومن الذل إلا لك، نعوذ بك من عضال الداء، ومن شماتة الأعداء، ومن السلب بعد العطاء. اللهم ما رزقتنا مما نحب فاجعله عوناً لنا فيما تحب، وما زويت عنا ما نحب فاجعله فراغاً لنا فيما تحب. اللهم صن وجوهنا باليسار، ولا تبذلها بالإقتار، فنسأل شر خلقك ونبتلى بحمد من أعطى وذم من منع، وأنت من فوقهم ولي العطاء وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء. اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر أعيننا من رضوانك يا رب العالمين. اللهم بفضلك وبرحمتك أعل كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى إنه على ما تشاء قدير وبالإجابة جدير.