ياأيها المسلمون ان تقوى الله عزوجل من أعظم مايحقق معية الله الخاصة المقتضية للنصر والتأيد(إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ) (النحل : 128 )
ومتى كان العبد مع ربه ناصرا له ومؤيد فالخسران منه بعيد ، ومستحيل أن يخذله الله يوم الحوائج والكروب ...
أيها الأخوة :.
إن الله شرع هذا الدين وجعل من الطاعات والقربات ما يقرب منه سبحانه وتعالى ، فجعل من الأعمال الصالحة ما تزكو به نفس المؤمن ، ويخلص قصده لله رب العالمين ، ومن أعظم هذه العبادات ، سلاح عظيم ، جعله الله مع عباده المؤمنين , سلاح عظيم لا تفقده مع العالم من المسلمين ، كما أنك تجده مع عجوز في أطراف البسيطة، إنه الدعاء أيها الأخوة
سلاح المؤمن وركيزة عتاده ،الدعاء من أجل القربات وعظيم العبادات...
الدعاء شأنه عظيم ، ونفعه عميم ومكانته عالية في الدين ، فيه تخليص العبيد من الاتجاه لغير الله ، أو التعلق بمخلوق من المخلوقات، فهو عبادة من العبادات العظيمة (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) (غافر : 60 )
وقال صلى الله عليه وسلم (الدعاء هو العبادة) وقرا الآية التي قبل قليل ...
أيها الأخوة:.
الدعاء سلاح المؤمن ، معه عند اشتداد الكرب ، معه عند نزول المصائب والمحن ، معه عند انتشار الظلم ، معه على الظلمة والمعتدين ، فالدعاء سلاح المؤمن من لدن آدم إلى قيام الساعة ، لما اشتد إعراض قوم نوح بعد عرض دعوته ليلا ونهارا ، سرا وجهارا ، فما كان منه عليه السلام إلا أن قال (رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً) (نوح : 26 )
فأجاب دعوته (فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ) (العنكبوت : 14 )
لما اشتد إعراض فرعون وقومه عن دعوته موسى ما كان عليه السلام إلا أن قال (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ) (يونس : 88 )
فأجاب دعوته فأغرق فرعون وحشا فاه بالطين ...
لما اجتمع مشركوا قريش يوم بدر ، وألقت قريش بفلذات أكبادها إلى المعركة كان من دعائه صلى الله عليه وسلم (الله نصرك الذي وعدتني ، الله أحنهم الغداة)(1)
فما كان من الله إلا أن أنزل النصر ، وأعز جنده المؤمنين، لما طغت دول الكـــــــــفر وأنظمة الضلال وأجلبت بخيلها ورجلها بلاد المسلمين ، يرفع ا المؤمنين أيديهم ، اللهم عليك بأعدائنا أجمعين ،الله عليك بأعدائنا أجمعين، اللهم عليك بأعدائنا أجمعين ، ونصر الله قريب ، ولكن الناس أكثرهم يستعجلون....
أيها الأحبة:.
الدعاء عبادة يتحقق بها التوحيد لرب العالمين ، وينفك المسلم من رق الناس وفتنتهم ، ويقطع الطمع عما في أيديهم ، وهذا والله عين العز والفلاح (2)
بل ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الدعاء أكرم شيء على الله ، وقال صلى الله عليه وسلم ((إن الرحيم كريم ، يستحي من عبده أن يرفع إليه يديه ثم لا يضع فيها خيرا )) (3)
(وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (غافر : 60 )
قال العلامة السعدي رحمه الله : ((أمرهم بدعائه ووعدهم أن يستجيب لهم ))
تفتح أبواب السمـــــــــــاء ودونها
إذا قرع الأبـــــواب منهم قـــارع
إذا أوفدت لم يــــــــردد الله وفدها
على أهلــــها والله راء وسامع(4)
أيها المسلمون الدعاء كما قيل فيه قطع العلائق عن الخلائق ، فيه اعتماد القلب على الله والاستعانة به وتفويض الأمور إليه وحده سبحانه وتعالى بل إن الله ليغضب حين يترك سؤاله قال صلى الله عليه وسلم (( من لم يسأل الله يغضب عليه )) (5)
وإذا سأله عبده استحيا أن يرد يديه صفرا خائبتين ..
إذا عرضت لي في زماني حاجة
وقد أشكلت فيها علي المقاصد
وقفت بباب الله وقفة ضارع
وقلت الهي إنني لك قاصــــــــد
ولست تراني واقفا عند باب من
يقول فتاه : سيدي اليوم راقد!!(6)
الدعاء سبب لانشراح الصدر وزوال الغموم ، وتفريج الهموم ، قال صلى الله عليه وسلم: ((من نزلت به فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته، ومن نزلت به فاقة فأنزلها بالله ، فيوشك الله له برزق عاجل أو آجل )) (7)
وقال صلى الله عليه وسلم ((إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل فعليكم عباد الله بالدعاء))(
واني لأدعو الله والأمر ضيق
علي فما ينفـــك أن يتـــــفرجا
ورب فتى ضاقت عله وجوهه
أصاب له في دعوة الله مخرجا
الدعاء أنيس المؤمن عند الشدائد، ومسليه عند اشتداد الكرب ونزول المصائب ، فما استجلبت النعم بمثله ، ولا استدفعت النقم والبلايا بمثله ، قال صلى الله عليه وسلم :.
((إن الدعاء ينفع مما نزل و مما لم ينزل وان البلاء لينزل فيلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة))(9)
وقال صلى الله عليه وسلم :.((لا يرد القضاء الا الدعاء))
وقال ((من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد والكرب فليكثر من الدعاء في الرخاء))
يذكر أن أبا معلق الأنصاري ـ رضي الله عنه ـ خرج مرة في تجارةبمال له ولغيره وكان ـ رضي الله عنه ـ ناسكا عابدا ذا تورع ، فلقيه لص مقنع في السلاح فقال له : ضع المال فأني قاتلك
قال له أبو معلق : خذ المال ودعني ، قال المال لي ، ولست أريد إلا دمك ، قال : أما أذا أبيت ، فذرني أصلي أربع ركعات
قال صل ما بدا لك .
فتوضأ ، ثم صلى أربع ركعات فكان من دعائه في أخر سجدة أن قال : ياودود يا ذا العرش المجيد يا فعالا لما يريد أسألك بعزك الذي لا يرام ، وبملكك الذي لا يضام ،وبنورك الذي ملأ أركان عرشك : أن تكفني شر هذا اللص . يا مغيث أغثني، يا مغيث أغثني
يا مغيث أغثني، فإذا هو بفارس قد أقبل بيده حربة قد وضعها بين أذني فرسه ، فلما أبصر باللص أقبل نحوه فطعنه ثم قتله فأقبل على أبي معلق فقال له : قم
قال : بأبي أنت وأمي من أنت ؟
قال : أنا ملك من السماء الرابعة دعوت بدعائك الأول فسمعت لأبواب السماء قعقعة..
ثم دعوت بدعائك الثاني فسمعت لأهل السماء ضجة..
ثم دعوت بدعائك الثالث فقيل لي : دعاء مكروب ، فسألت الله أن يوليني قتله..(10)
(أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ )
وإذا رميت من الزمان بشدة
وأصابك الأمر الأشق الأصعب
فاضرع لربك انه أدنى لمن
يدعوه من حـــبل الوريد اقرب(11)
(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (البقرة : 186 )
أيها الأحبة:.
الدعاء ثمرته مضمونه، فالربح حاصل حاصل
فإما أن تجاب الدعوة ، أو يكف بها السوء، أو تدخر ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون،
قال صلى الله عليه وسلم (ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم ، إلا أعطاه الله بها احدى ثلاث :. إما أن تعجل له دعوته ، وإما أن يدخرها له في الآخرة ، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها..
قالوا: أذا نكثر يا رسول الله ـ أي من الدعاء ـ قال :
الله أكثر ))(12)
وهذا مشروط بشرط، قال: صلى الله عليه وسلم((ما لم يعجل ))
قالوا : يا رسول الله ما عجلته ؟ قال يقول دعوت دعوت ولا أراه يستجاب لي ))
اطلب ولا تضجر من مطلب
فآفة الطـــــــــــلب أن يضجرا
أما ترى الحبل بطول المدى
على صليب الصــــخر قد أثرا
الدعاء مفزع المظلومين ، وملجأ المستضعفين ، فالمظلوم أو المستضعف إذا انقطعت به الأسباب ، وأغلقت في وجهه الأبواب ولم يجد من يرفع عنه مظلمته ، ويعينه على دفع ضرورته ، رفع يديه إلى السماء ، وبث إلى الجبار شكواه ، فنصره الله وأعز وانتقم له ولو بعد حين ...(13)
ذكر البخاري ومسلم ـ رحمهما الله ـ أن امرأة خاصمت سعيد بن زيد ـرضي الله عنه ـ في أرض وزعمت أنه أخذ شيئا منها
فقال سعيد: كيف أخذ من أرضك وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من أخذ شبرا من الأرض ظلما طوقه الى سبع أراضين ))
فقال سعيد : ((اللهم إن كانت كاذبة فأعم بصرها ، واقتلها في أرضها ))
قال : فما ماتت حتى ذهب بصرها , وبينما هي تمشي في أرضها إذا وقعت في حفرة فماتت....(14)
وذكر أيضا رحمه الله أن أهل الكوفة شكوا سعد بن أبي وقاص
ـ رضي الله عنه ـ عند عمر وزعموا أنه لا يحسن الصلاة ، فسأله عمر ، فقال : أما والله إني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أحزم عنها ، أصلي العشاء فأركد في الأوليين ، وأخف في الأخريين، قال عمر : ذلك الظن بك يا أبا إسحاق وأرسل معه رجالا يسألون عنه أهل الكوفة، فكلهم أثنوا عليه إلا رجلا يكنى أبا سعدة فقد كذب عليه وقال : انه لا يعدل في القضية ولا يقسم بالسوية فقال سعد : أما والله لأدعون عليك بثلاث: اللهم إن كان عبدك هذا كاذبا قام رياء وسمعة فأطل في عمرة ، وأطل فقرة وعرضه للفتن.
ثم قد رؤي الرجل وقد سقط حاجباه على عينه من الكبر وإنه ليعترض للجواري في الطريق فيغمزهن وكان إذا سئل عن فعله قال : شيخ كبير مفتون ، أصابتني دعوة سعد ..(15)
فاتق دعوة المظلوم فأنها أقرب الدعوات إجابة ، ورحم الله الإمام الشافعي إذ يقول :
حسبك أن ينجو الظلوم وخلفه
سهام دعاء من قسي ركوع
مريشة بالهدب من كل ساهر
ومنهلة أطرافــــها بدموع!!
اللهم إنا نسألك طيب المطعم ، وصدق المنطق ، وإجابة الدعوة يا ذا الجلال والإكرام...
أما بعد أيها المسلمون ....
الدعاء دليل إيمان العبد وقوة يقينه بالله ، دليل على مدى استشعاره لقول ربه (ادعوني أستجب لكم )
وان الدعاء أيها الإخوة كغيره من العبادات له آداب وشروط وموانع تمنع من حصول آثره، ولعلنا نذكر بعض الآداب المتعلقة بالدعاء ونسأل الله التوفيق والسداد ...
1ـ ليعلم المسلم أن الدعاء شرعه الله ليعلم عباده أنهم مفتقرون إليه ، محتاجون إلى رحمته وفضله ومنته سبحانه وتعالى فإذا صادف الدعاء خشوعا في القلب، وانكسارا بين يدي الرب وافتقارا إليه وتضرعا ورقة ، كان له عظيم الأثر والنفع...
2ـ التماس سنة النبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء فلقد كان صلى الله عليه وسلم يثني على ربه في الدعاء وقال لرجل يدعو في صلاته ولم يحمد الله ولم يصلي على النبي قال له: إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد ربه والثناء عليه ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعو بما شاء))
ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي في دعائه بجوامع الأدعية التي تجمع بين خيري الدنيا والآخرة فكان يقول : (( اللهم أغفر لي وارحمني واهدني وعافني وارزقني وكان يقول اللهم سددني ))
وسمعه الصحابة مرة يدعو بدعاء كثير ولم يحفظوه فقالوا : يا رسول الله دعوت بدعاء كثير لم نحفظ منه شيئا
فقال : (( ألا أدلكم على ما يجمع ذلك كله ؟
تقول : اللهم إني أسألك من خير ما سألك منه نبيك محمد صلى الله عليه وسلم وأعوذك من شر ما استعاذك منه نبيك محمد صلى الله عليه وسلم وأنت المستعان وعليك البلاغ ولا حول ولا قوة
إلا بالله ))(16)
3ـ من الأمور المؤثرة في الدعاء طيب المطعم
نعم! طيب المطعم.
جاء سعد ـ رضي الله عنه ـ إلى النبي صلى الله عليه وسلم
فقال : يا رسول الله أدع لي أن تجاب دعوتي
فقال صلى الله عليه وسلم: ياسعد أطب مطعمك تجب دعوتك ، أطب مطعمك تجب دعوتك ،
وقال صلى الله عليه وسلم: آيا أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا
ثم ذكر الرجل يطيل السفر ، أشعث ، أغبر ، يمد يده الى السماء ّ! يارب ! يارب ! ومطعمه حرام ،ومشربه حرام ،وملبسه حرام ،وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له ))(17)
فمطعمك أيها الأخ المبارك ، احذر مطعمك، احذر مطعمك،نسأل الله طيب مطاعمنا وأن يجيب دعواتنا..
4ـ الإلحاح في الدعاء وعدم استعجال الإجابة ، وليعلم المسلم أنه رابح في جميع الحالات فإما إجابة الدعاء ، أو دفع السوء والبلاء ، أو ادخارها عند الرب الكريم الواسع العطاء..
5ـ اغتنم أوقات إجابة الدعاء في الثلث الأخير من الليل وعند الأذان ، وبين الأذان والإقامة ، وأدبار الصلوات المكتوبة ، وأخر ساعة بعد العصر يوم الجمعة ،وغيرها من الأوقات الفاضلة..(18)
ولقد أجاب ابن القيم ـرحمه الله ـ على سؤال وهو متى يستجاب الدعاء : فقال : ـ رحمه الله إذا جمع مع الدعاء : حضور القلب ، وصادف وقتا من أوقات الإجابة، وصادف خشوعا في القلب وانكسارا ، واستقبل الداعي القبلة ، وكان على طهارة ، ورفع يديه إلى الله ، وبدأ بحمد الله والثناء عليه ، ثم ثنى بالصلاة على محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم، ثم قدم بين يديه حاجته التوبة والاستغفار ، ثم دخل على الله وألح في المسألة ، وتملقه ، ودعاه ورغبة ورهبة ، وتوسل إليه بأسمائه وصفاته وتوحيده ، وقدم بين يديه صدقه ، فأن هذا الدعاء لا يكاد يرد ))(19)
أخيرا اعلموا أيها المسلمون أنكم في يوم الجمعة يوم عيد المسلمين فأكثروا فيه من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (الأحزاب : 56 )...