الخطبة الأولى:
الحمد لله، ثمّ الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنّا لِنَهْتَدِيَ لولا أن هدانا الله، وما توفيقي، ولا اعتصامي، ولا توكّلي إلا على الله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقرارًا لرُبوبيَّته، وإرغامًا لمن جحد به وكفر، وأشهد أنّ سيّدنا محمّدًا صلى الله عليه وسلّم رسول الله سيّد الخلق والبشر ما اتَّصَلَت عين بنظر، وما سمعت أذنٌ بِخَبر، اللَّهمّ صلّ، وسلّم، وبارك على سيّدنا محمّد، وعلى آله وأصحابه، وعلى ذريّته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدّين، اللَّهمّ ارْحمنا فإنّك بنا راحِم ولا تعذّبنا فإنّك علينا قادر، والْطُف بنا فيما جرَتْ به المقادير، إنَّك على كلّ شيءٍ قدير، اللّهمّ علّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علّمتنا وزدْنا علمًا، وأرنا الحقّ حقًّا وارزقنا اتّباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممَّن يستمعون القول فيتّبعون أحْسنه، وأدْخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة المؤمنون، أنهيتُ في الأسبوع الماضي سلسلة خطب تتحدَّث عن الجانب الاجتماعي في الإنسان، وها أنا ذا أبدأ بعون الله وتوفيقه سلسلة خطب أخرى، تتحدَّث عن الجانب النفسي في حياة الإنسان، فالإنسان أيّها الإخوة في حياته الدنيا، من حينٍ إلى آخر يُرتِّبُ أوراقه، ويرتِّب مكتبته، ويُعيد النَّظر في أموره، يراجع حساباته، يحتفظ بالمهمّ يرعى الأهمّ، يُلقي بالتافه في سلّة المهملات، هذه الحركة ؛ حركة الجرْد حركة التَّفَحُّص، حركة التقييم، حركة الفرْز، حركة رعاية الأهمّ، والاحتفاظ بالمهمّ، إلقاء التافه في سلّة المهملات، مراجعة الحسابات، معرفة رأس المال، الأرباح الخسائر، هذه الحركة يفعلها كلّ إنسان، مهما كان عمله صغيرًا، يفعلها الإنسان في بيته، يرتّب أغراضه، يرتّب مكتبه، يراجع الأوراق المبعثرة في درجه، أليْسَت نفس الإنسان أشدّ حاجةٍ للمراجعة من هذه الحاجات المادِيّة ؟
أيها الإخوة الكرام، هذه النفس التي كرّمها الله، وهذه النفس التي خلقها الله لجنَّة عرضها السماوات والأرض ؛ ألا تستحقّ هذا الجهد ؟ ألا تستحقّ هذا التنظيم ؟ ألا تستحقّ هذه المراجعة ؟ ألا تستحقّ هذه النفس أن تتعهَّد شؤونها بين الحين والحين ؟ لِتَرى ما عراها من اضطرابٍ فتُزيله، وما لحقها من اسم فتنْفِيَهُ.
أيها الإخوة الكرام، هذه النفس التي بين جنبيك أثمن شيءٍ في الدنيا، ألا تستحقّ بعد كلّ مرحلة تقطعها أن تعيد النَّظَر فيما عراها من غرْم، أو غمّ، أن ترجع إلى اعتدالها، كلّما رجَّتْها الأزمات، وهزَّها العِراك الدائب على ظهر الأرض، هذه الخَلْوة مع النفس، مراجعة الحسابات، معرفة الأرباح والخسائر، معرفة المغانم والمغارم، معرفة نقاط القوَّة ونقاط الضَّعْف، معرفة ما صحّ منه العمل، وما ساء منه العمل الإنسان المؤمن أيّها الإخوة في أمسّ الحاجة لهذه المراجعة، إنّ القلوب لتصدأ كما يصدأ الحديد، لذلك قال عليه الصلاة والسلام:
((جدِّدوا إيمانكم...".))
أيها الإخوة الكرام، يمكن أن يكون مِحْوَر هذه الخطبة: جَدِّدوا إيمانكم ! الإنسان يحتاج إلى مراجعة، ولا ينبغي أن تستهلكه الحياة، لا ينبغي أن يكون سعْيهُ سعيًا غير واضِحٍ، وغير هادف، لا ينبغي أن يُهمَّش في الحياة، أيّها الإخوة الكرام، الإنسان ذلك المخلوق الأوّل هو أحْوج الخلائق على الإطلاق إلى التنقيب في أرجاء نفسه، هل جلس أحدنا مرَّةً مع نفسه وتفحَّص بيته ؛ هل فيه معْصِيَة لا ترضي الله ؟ هل فيه خللٌ يخرجُه عن منهج الله ؟ هل هناك عمل يُسخط الله عليه ؟ هل تفحَّص الإنسان عمله ؟ هل تفحَّص عاداته وتقاليده ؟ هل تفحَّص سلوكه ؟
يا أيها الإخوة الكرام، مرَّةً ثانيَة نحن في أمسّ الحاجة إلى المراجعة، إلى الفرْز إلى التقييم، إلى معرفة ما صحَّ منه العمل، وما ساء منه العمل. نقطة ثانية في هذه الخطبة، الإنسان يتمنَّى كثيرًا أن يفْتح مع الله صفْحة جديدة، وهذه أُمْنِيَة كلّ مؤمن، ولكنّ الخطر يتأتَّى من أن معظم المسلمين يُعَلِّقون فتْح هذه الصفحة الجديدة مع الله، أو الصلح مع الله، أو التوبة النصوح بالتعبير القرآني، يعلّقون هذا الحدث الأساسي في حياتهم، يعلّقونه على شيءٍ تخبِّؤه الأقدار، يقول لك: إلى أن تنتهي هذه الدراسة إلى أن أتزوَّج، إلى ان أستقلّ في بيتٍ وحدي، إلى أن أُنهي هذا المشروع إلى أن يأتي الصيف، إلى أن تأتي الشتاء، الإنسان حينما يعلّق هذا الصلح مع الله، أو فتْح هذه الصفحة الجديدة من حياته على حدثٍ يأتي في المستقبل يُعَلِّق هذا بِمَوعدٍ تُخَبِّؤه الأقدار، إنَّ هذا الإنسان يقع في وهْمٍ كبير إنَّ الصُّلْح مع الله، والتوبة النصوح، وفتْح صفحةٍ جديدة مع الله لا يأتيك من خارجك، لا بدّ أن ينبع من داخلك.
أيها الإخوة الكرام، يقع الإنسان في وهْم كبير حينما ينتظر أن يأتيَهُ دافعٌ خارجي يدفعُهُ إلى الله، يقع الإنسان في وهْمٍ كبير حينما يتوهَّم أنَّه إذا فرغ من هذا العمل تفرّغ إلى الله، إذا خرج من البيت واسْتقلّ في بيت آخر ينطلق إلى الله، إذا أنهى هذه الشركة ينطلق إلى الله، إذا أنهى هذه الدراسة ينطلق إلى الله، حينما تعلِّق صلحكَ مع الله، وفتْحَ صفحةٍ جديدة مع الله، حينما تعلّق التوبة النصوح على شيءٍ يأتيك في المستقبل يعطيك قوَّةً على نفسك ؛ هذا وهْمٌ كبير، وهذا هو التَّسْويف المهلك، فقد ورد في الأثر: هلك المُسَوِّفون.
أيها الإخوة الكرام، البذرة، بذرة الورد أو بذرة الأزهار، تحتفظ بكلّ مُقَوِّماتها، ولو خُبِّئت في ترابٍ قَذِر، لو وُضِعَت في أماكن ذات بيئة سيّئة إنَّها تشقّ طريقها إلى الشمس، إنَّها تتفتَّح بِعِطر، ورائحةٍ، ومنظرٍ يُباعدها عن بيئتها، لا تنتظر أن يأتيَكَ الدَّعْم الخارجي، ابْحَث عن ذاتك من الداخل، واعْقد الصلح مع الله من توِّك، لأنَّ المستقبل لا تملكه.
أيها الإخوة الكرام، أنت بين أيّام ثلاثة ؛ بين يومٍ مضى، ويوم سيأتي، ويوم تعيشه، فاليوم الذي مضَى مضى، ولا جدوى من الحديث عنه، واليوم الذي سيأتي لا تملكهُ، لا تملك إلا اللّحظة الحاضرة فإما أن تتوب فيها، وإما أن تفوِّت عنك الفرْصَةَ.
أيها الإخوة الكرام، الإنسان إذا ملك نفسه، وإذا ملك وقته، وإذا ملك حرِّيته، يستطيع أن يصل إلى اله، وأن يسعد بقُرْبِهِ، ولو كانت الظروف التي حوله لا تُطاق، ولو كانت الظروف المادّية والاجتماعيَّة والنفسيّة لا تطاق، لأنّه كما يقول بعض الكتاب هو أقوى بكلّ ما يحيط به، الإنسان ليس منْفَعِلاً، ولو نشأ في بيئةٍ سيّئة، ولو أحاطتْ به ظروفٌ قاسِيَة، ولو أُقيمَت أمامه عقبات كؤود، ولو حيل بينه وبين ما يريد، هو أقوى من كلّ العقبات، أقوى من كلّ الظروف، أقوى من كلّ البيئات، أقوى من كلّ المعطيات.
أيها الإخوة الكرام، عليك أن تملك نفسك، لا أن تملِكَكَ نفسك، عليك أن تملك الوقت لا أن تكون جزءً من الوقت، عليك أن تملك حريّة الحركة، إذا ملكْتَ نفسك، ونظَّمْت وقْتك، وتحرَّرْتَ من عبوديَّة المادَّة، ومن عبوديّة الشهوات، من عبوديَّة التقاليد والأعراف، من عبوديَّة ما توارثْته عن الآباء الذي لا ينطبق مع الحقيقة.
أيها الإخوة الكرام، يجب أن تؤمن أنّك تستطيع أن تفعل كلّ شيء إذا أردت، إنَّ القرار الذي يتَّخِذه الإنسان في شأن مصيره قلَّما تنقضه الأيّام إذا كان صابرًا حقًّا عن إيمان، وعن إرادة.
أيها الإخوة الكرام، شطْرٌ بيتٍ فصَّلت فيه كثير، ما مضى فات، والمؤمَّل غيب، ولك الساعة التي أنت فيها، لا تقل أفعل هذا غدًا، وهل الدَّهر كلّه غدًا ؟ لا تقل سوف، من توِّك، ومن لحظتك، ومن هذه الثانية اِعْقِد العزم على أن تطيع الله، من هذه اللّحظة قلْ يا ربّ أُعاهدك على الطاعة، ما مضى فات، والمؤمَّل غيب، ولك الساعة التي أنت فيها.
الفكرة الثانية أيها الإخوة في هذه الخطبة، أنَّه لا ينبغي أن تنتظر أن يأتي ظرْفٌ خارجي كي يدفعك إلى الله، لن تندفع إلى الله إلا بِدافِعٍ داخلي، لن تصل إلى الله إلا بقرار داخلي، ولو أنَّ كلّ البيئة تفعل فعلاً سلْبيًّا، ولو أنَّ الظروف ليْسَت مواتيَة، ولو أنَّ البيئة ليْسَت صالحة، ولو أنّ ضغوط العمل كانت قاسيَة، ولو أنّ ما في اليد كان قليلاً، الإنسان أقْوى من كلّ الظروف، وهذه هي الحقيقة، وهناك أدلّة لا تعدّ ولا تحصى من حياة العظماء الذين شقُّوا طريقهم إلى ما يأملون، ولم يعبؤوا بكلّ المثبِّطات، ولا بالعقبات، ولا بكلّ البيئات والمعوّقات.
أيها الإخوة الكرام، روى الإمام مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا))
[ رواه مسلم ]
إذا كنت في النهار فَتُبْ إلى الله، لأنَّ الله باسط يديه إليك، يريد أن يتوب عليك، يريد أن يُسْعِدك، ويريد أن يقرّبك إلى ذاته، يريد أن ينوِّرَ عقلك ويطمئنَ قلبك، ويريد أن تكون معه، لا أن تكون مع الشهوة.
أيها الإخوة الكرام، قال ابن عباس رضي الله عنه:
((" النادم ينتظر الرحمة، والمعجب ينتظر المقت، وكل عامل سيقدم على ما أسلف عند موته، فإن ملاك الأعمال بخواتيمها، والليل والنهار مطيتان فاركبوهما بلاغا إلى الآخرة، وإياكم والتسويف بالتوبة والغرة بحلم الله! واعلموا أن الجنة والنار أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره". ))
[ أخرجه المتقي الهندي ]
واعلموا عباد الله أنَّ كلّ عاملٍ سيقْدم على عمله ولا يخرج من الدنيا حتى يرى حُسْن عمله، وسوء عمله، وإنّما الأعمال بخواتيمها، وإنما الليل والنهار مطِيَّتان، فأحسنوا السَّير عليهما إلى الآخرة، واحْذروا التسويف فإنّ الموت يأتي بغْتة، ولا يغْترَّ أحدكم بحِلْم الله عز وجل، فإنَّ الجنَّة أو النار أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، ثمّ قرأ صلى الله عليه وسلّم قوله تعالى:
﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ (
﴾
[ سورة الزلزلة ]
لسيّدنا عمر بن عبد العزيز قول رائع، يقول: الليل والنهار يعملان فيك، كيف ؟ أليْسَت عندك صورة وأنت شابّ ؟ وأنت في السابعة عشرة من عمرك وأنت في الثانية عشرة، انظر إلى هذه الصورة وأنت في مقتبل الحياة، انظر إلى الوجه، انظر إلى نظارة الشباب، وإلى جمال الشَّعر، ثمَّ انظر إلى صورة الإنسان وهو في الأربعين، وهو في الخمسين، وهو في الستِّين، هذا من فعْل الليل والنهار، الليل والنهار يعملان فيك فاعْمَل فيهما عليك أن تعمل فيهما، أي عليك أن تنفق الوقت إنفاقًا اسْتِثماريًّا، عليك أن تستفيد من الوقت، لا أن يسْتهلكك الوقت، وهذا معنى الآية القرآنية الكريمة:
﴿وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) ﴾
[ سورة العصر ]
خسارة محقَّقة، ما هي الخسارة ؟ مُضِيُّ الوقت يستهلك الإنسان، فهنيئًا لمن أنفق وقتهُ إنفاقًا اسْتثماريًّا، لا إنفاقًا اسْتِهلاكيًّا، هنيئًا لمن آمن وعمل صالحًا، وتواصى بالحق، وتواصى بالصبر.
أيها الإخوة الكرام، كلّ تأخير في إنفاذ منهج الله عز وجل، الذي يُجدِّدُ حياتك، وإيمانك، ويصلحُ به عملك، وتسْعد به نفسك، كلّ تسْويف أو تأخير، أو تعليق على حدثٍ يرده المستقبل، هذا التسويف وهذا التأخير لا يعني إلا إطالة فتْرة الهزيمة أمام نوازع الهوى، الإنسان حينما تغلبه نفسه هو مهزوم، هزمتْهُ نفسهُ، الانتصار على الذات هو الانتصار الحقيقي أحد زعماء الغرب ممَّن ربح الحرب العالمية الثانية قال كلمةً: وما أبلغها من كلمة، قال: ملكْنا العالم، ولم نمْلِك أنفسنا !! البطولة أن تملك نفْسَكَ، وقد فسَّر بعض المفسّرين قول الله عز وجل على لسان سيّدنا يوسف:
﴿رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ﴾
[ سورة يوسف ]
قالوا: ليس ملك الدنيا، وإنَّما أن يملك الإنسان نفسه فإذا ملكْتَ نفسكَ سيْطَرْت على نوازع الهوى، سيْطرت على النَّزعة المادِّية سَيْطرتَ على ما الناس غارقون به من حبّ الدنيا والاستمتاع بها، إذا سيْطرتَ على نفسك فقد انتصرْت عليها، أما إذا ملكتْك نفسك فأنت مهزوم والتَّسْويف يُطيل أمد الهزيمة.
أيها الإخوة الكرام، ربّما كان التسْويف - وهذه فكرة خطيرة - طريقًا إلى انحِدارٍ أشدّ وهو الطامَّة، لأنّ الشرّ يأتي بِشَرّ أكبر، وهكذا، والإنسان حركي، وليس ساكنًا، فكلّ عملٍ طيّب يقوده إلى عمل أطْيب، وكلّ خطوةٍ نحو الله تقوده إلى خطوة أخرى، وكلّ عمل سيّئ يقوده إلى عمل أسوأ، وكلّ خطوَةٍ نحو الدنيا تقوده إلى خطوة نحو النار، فيا أيها الإخوة الكرام، الفكرة الثانية، لا تنتظر حدَثًا في المستقبل، لا تعلّق توبتك إلى الله على مرحلةٍ تنتهي، أو على زواج ينعقد، أو على شركة تؤسّس، أو على صيف يأتي، أو على دراسة تنتهي، أو على دعْمٍ خارجي، الهِداية قرار تتَّخذه في داخلك بِصَرْف النَّظر عن كلّ عوامل البيئة التي تحيط بك.
أيها الإخوة الكرام، الإنسان - وهذا القسم الثالث من الخطبة - حينما يُهْمل شؤون حياته النفسيّة والعقليَّة قلَّما يبقى متماسكًا، لأنّ احتكاكه بظروف الحياة، وصنوف الشهوات، وضروب المغريات، هذا الاحتكاك الحادّ مع إهمال شؤون حياته العقليّة والنفسيّة ؛ هذا يحيل الإنسان إلى حالة مبعثرة مشتَّتة، غلى ضياع، إذا ترك الإنسان نفسه، ولم يراجع حساباته ولم يجدِّد إيمانه ترك نفسه لعوامل الهدم، وعوامل الهدم آتيَة لا محالة، وعندئذٍ ينفرط بناؤه العقلي والعاطفي كما تنفرط حبّات العقد إذا انقطع السّلك، وهذا شأن كما قال تعالى:
﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28) ﴾
[ سورة الكهف ]
أرْوع ما في الآية كلمة وكان أمره فرطًا ! انظر إلى حبات العنب التي سقطت من العنقود، انظر إلى حبّات التمر التي سقطت من العرجون كلمة فرط تعني حبّات متناثرة لا يجمعها شيء، والإنسان إذا أهمل نفسه أهمل علاقته مع الله، أهمل إقامة شرع الله، لم يُعنَ بمستقبله الأخروي عاش حياة ضياع يصْدق عليه هذا القول: وكان أمره فرطًا ! أموره مُسيَّرة، نفسه ضائعة، رغباته تسيْطر عليه، أهدافه ضبابيَّة، نفسه مشتَّتَة، هذا حال أهل الدنيا، وحال أهل الغفلة، وحال أهل الجهل، هذا حال الذين عظمت الدنيا في أعينهم فشغلتهم عن الآخرة، هذا حال الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم.
أيها الإخوة الكرام، قال تعالى:
﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28) ﴾
[ سورة الكهف ]
فرطًا في بيته، فرطًا في عمله، ذمَّته ليْسَت دقيقة، حساباته ليْسَت منتظمة، مواعيده ليسَت مضبوطة، بيته مُسيَّر، أولاده ليسوا كما ينبغي، زوجته ليْسَت منضبطة، قال تعالى:
﴿وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28)﴾
[ سورة الكهف ]
أيها الإخوة الكرام، النفس الإنسانيّة إذا لم ينظِم شتاتها عقيدة صحيحة، ولا منظومة قِيَم رفيعة انقطَعَت صِلَتها بالله، وأصبحَت أفكارها، ومشاعرها كهذه الحبّات السابقة لا خير فيها، ولا حركة، ولا قيمة لها، هذا الشيء الذي انخرط عِقده لا قيمة له.
أيها الإخوة الكرام، كأنَّ الله سبحانه وتعالى اختار لنا الوقت المناسب لِنُعيد فيه الحسابات، لِنُراجع فيه الأرباح والخسائر، كي نتفحَّص شؤوننا ؛ شؤون ذواتنا مع الله، وشؤون ذواتنا مع أهلنا، وفي عملنا، فالإنسان بعد أن يستريح من عناء اليوم الذاهب، وقبل أن ينطلق إلى الحركة في اليوم الجديد، هذا الوقت المبارك يستطيع الإنسان فيه أن يُجَدِّد حياته وإيمانه، وأن يعيد بناء نفسه على أسس صحيحة، أيُّ وقتٍ هذا ؟ إذا اسْتلقيْت على الفراش، وأخذْت قسطًا من الراحة، ثمَّ استيقظت على صلاة الفجر، قبل أن تنطلق إلى العمل، ورد في صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ فَيَقُولُ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ))
[ رواه البخاري ]
هذا وقت السَّحر، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا))
[ رواه البخاري ]
من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمّة الله، أخذْت قسطًا من الراحة، واستعاد جسمك حيوِيَّته ونشاطه، وقبل أن تنطلق إلى زحمة العمل، وإلى وحور المادة، وإلى البيع والشراء، وإلى التخاصم مع الناس، هذا الوقت المبارك ؛ وقت المراجعة، ووقت المذاكرة لذلك يقول الحسن البصري: ما من يوم ينشقّ فجره إلا وينادي يا ابن آدم أنا خلْقٌ جديد، وعلى عملك شهيد، فتزوَّد منِّي فإنِّي لا أعود إلى يوم القيامة، كان عليه الصلاة والسلام إذا استيقظ إلى صلاة الفجر يدعو بهذا الدعاء: الحمد لله الذي ردّ عليّ روحي، كم من إنسان نام ولم يستيقظ ؟! لمسَت زوجته يده فإذا هي باردة كلوْح الثلْج فقامَت مذعورة فإذا هو ميِّت، قال: وعافاني في بدني، توجَّه نحو المِغْسلة ليتوضَّأ، تحرّك، ورأى طريقه، وسمع صوت الباب، سمعه وبصره وقوّته معه ؛ الحمد لله الذي ردّ إليّ روحي، وعافاني في بدني، وأذن لي بذكره، ما من يوم ينشقّ فجره إلا وينادي يا ابن آدم أنا خلْقٌ جديد، وعلى عملك شهيد، فتزوَّد منِّي فإنِّي لا أعود إلى يوم القيامة، هذه النقطة الثالثة.
إذا أهملت شؤون دينك انفرط عقْدك، وتشتَّتَتْ نفسك، وضاعتْ عليك سعادتك، وكان حال هذا الإنسان كما وصفه الله عز وجل:
﴿كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفَرةُ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ ﴾
عمل متواصل، جهْد كبير، ثمَّ يُفاجأ بِمَلك الموت وهو لا يملك شيئًا من زاد الآخرة، قال تعالى:
﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197) ﴾
[ سورة البقرة ]
النقطة الرابعة في هذه الخطبة، لا يقولنَّ أحدكم لي أخطاء كثيرة ! أيّها الأخ الكريم لو كانت أخطاؤك ملء السماء والأرض غفرها الله لك ولمْ يُبالي بِشَرط أن تتَّجِه إليه مخلصًا، وأن تقصد وجهه الكريم، طالبني بالدليل ؟ قال تعالى:
﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعا﴾
[ سورة الزمر ]
يا ابن آدم كما في الحديث القدسي:
((إنَّك ما دعوْتني ورجوْتني غفرتُ لك على ما كان منك ولا أُبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثمَّ استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم لو أتيتني بِقراب الأرض خطايا ثمّ لقيتني لا تشرك بي شيئًا لأتيتك بقرابها مغفرة))
يا أيها الإخوة الكرام، لماذا لا يطير الإنسان إلى الله على جناح الشَّوق ؟ لماذا يؤثِرُ أن يُساق إلى الله بِسِياط الرَّهبة والخوف ؟ لك أن تصل إلى الله على جناح الشوق، فإن لم تفعل ساقك الله إليه بِسياط الابتلاء.
أيها الإخوة الكرام، أضع بين أيديكم هذه الحقيقة، أنت مُخيَّر، ولكنّ خيارك مع أشياء كثيرة خيار قبول أو رفْض، عُرِضَ عليك هذا البيت، تقول: لم يُعْجبني، أو إنَّ ثمنه مرتفع، عُرِضَت عليك هذه الشِّرْكة، تقول: نصيبي قليل أنا لا أُوافق على هذه النِّسبة، فخيارك خيار قبول أو رفض، لكنَّه ينبغي أتعلم علْم يقين أنَّ خيارك مع الإيمان ليس خيار قبول أو رفض، إنَّما هو خيار وقت فقط، فإن لم تؤمن في الوقت المناسب، وإن لم تصطلح مع الله في الوقت المناسب، إن لم تفتح مع الله صفحةً جديدة في الوقت المناسب، إن لم تتُبْ إلى الله توبةً نصوحة في الوقت المناسب كانت هذه التوبة بعد فوات الأوان، وعندئذٍ لا تنفع التوبة، ألم يقل فرعون: آمنت بالذي آمنت به بنو إسرائيل ؟ آمن إذًا !! أكْفرُ كفَّار الأرض قال: آمنتُ، فقال الله تعالى:
﴿آَلْآَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91)﴾
[ سورة يونس ]
إذًا خيارك مع الإيمان ليس خيار قبول أو رفض، خيار وقت فقط، فإمَّا أن تختار الوقت المناسب، أو أن يكون الإيمان في وقت غير مناسب، وعندئذٍ لا ينفع الإيمان شيئًا.
أيها الإخوة الكرام، بقيَت لنا نقطة أخيرة، إنَّ فرحة الله بِعَوْدة عباده إليه فوق كلّ وصْف، قال عليه الصلاة والسلام:عن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ حَدِيثَيْنِ أَحَدُهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ... قَالَ:
((لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ رَجُلٍ نَزَلَ مَنْزِلًا وَبِهِ مَهْلَكَةٌ، وَمَعَهُ رَاحِلَتُهُ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَوَضَعَ رَأْسَهُ فَنَامَ نَوْمَةً فَاسْتَيْقَظَ وَقَدْ ذَهَبَتْ رَاحِلَتُهُ حَتَّى إِذَا اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْحَرُّ وَالْعَطَشُ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ قَالَ أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِي فَرَجَعَ فَنَامَ نَوْمَةً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَإِذَا رَاحِلَتُهُ عِنْدَهُ))
[ رواه البخاري ]
وفي رواية أخرى من شدّة الفرح يقول هذا البدوي: يا رب أنا ربك وأنت عبدي ! اخْتلَّ توازنه.
أيها الإخوة الكرام، ألا نستغرب أنَّ المؤمن إذا عاد إلى الله، واصطلح معه يلقى هذا الترحاب من الله، ويلقى هذا الانتظار، يلقى هذا العطْف وتلك الرحمة، إنَّ أنْبل الناس عرقًا، وأطْهرهم نفْسًا قلَّما يجدوا فؤادًا يتلهَّف على لقائه هذا التلهّف، أما هذا الإنسان الخطَّاء المقصِّر المُسْرف إذا أراد أن يصطلح مع الله لقي من الله هذه المودَّة، وهذه اللَّهفة، وهذا العطف، وتلك الرحمة.
أيها الإخوة الكرام، الإنسان إذا تعرّف إلى الله، وسلك المنهج القويم قطف ثمارًا يانعةً في الدنيا قبل الآخرة، لكن هناك نقطة لا بدّ من التّحفّظ عليها فهذه العودة التي يفرح الله بها أشدّ الفرَح من ذلك البدويّ بِناقَتِهِ ليْسَت عوْدةً خاطفة، يرْتدّ بعدها المرء إلى ما ألِفَ من فوضى وإسراف، ليس محاولةً ينقصها صدْق العزم، وقوَّة التَّحَمّل، وطول الجلَد، إنَّ هذه العودة التي يفرح الله بها هي انتصار دائمٌ على أسباب الضَّعف والخمول، تحطيم أبديّ لِقُيود الهوى والجحود، قال تعالى:
﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى (82)﴾
[ سورة طه ]
أيها الإخوة الكرام، الصُّلح مع الله، والتوبة النصوح تجديد الإيمان لا يعني أن تُدخل على برنامجك اليومي بعض الأعمال الصالحة، وأن تُدخل على برنامجك اليومي بعض النوايا الحسنة، ليس هذا هو المطلوب، لا بدّ من أن تجدِّدَ حياتَكَ تجديدًا كُلِيًّا، لا بدّ من أن توقِعَ كلّ حركاتك وسكناتك وفق منهج الله، لا بدّ من أن تتقصَّى كلّ أوامر الله عز وجل، هذا معنى التوبة النصوح، أو العودة إلى الله التي يفرح الله بها، لذلك لو أنَّ للإنسان بعض الأعمال الصالحة وسط رُكامٍ من الأعمال السيّئة هذا لا يُنَجِّي، لذلك قال تعالى:
﴿أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (33) وَأَعْطَى قَلِيلاً وَأَكْدَى (34)﴾
[ سورة النجم ]
أعطى قليلاً، لا يوجد إنسان على وجه الأرض إلا وله أعمالاً صالحة، إلا وتعتريه بعض الحالات النفسيّة الطَّيّبة، إلا وينوي بعض النوايا الطَّيّبة، هذا لا يكفي، وهذه النقطة لا تصنع بحرًا، هذه النقطة لا تصنع ماءً كثيرًا.
أيها الإخوة الكرام، جنَّة عرضها السماوات والأرض لا تملكها بِرَكعتين ولا بِدَفع ليرتين، الجنَّة أعظم من ذلك، ألا إنّ سلعة الله غاليَة، حينما توقِّع حياتك وفْق منهج الله، وحينما تصطلح معه، وحينما تتوب إليه توبةً نصوحة عندئذٍ تعرف معنى كيف أنَّ الله يفرح بهذه التوبة النصوح.
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزِنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أنّ ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطّى غيرنا إلينا، فلْنَتَّخِذ حذرنا، الكيّس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتْبعَ نفسه هواها، وتمنّى على الله الأماني، والحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وليّ الصالحين، وأشهد أنّ سيّدنا محمَّدًا عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم، اللهمّ صلّ وسلّم وبارك على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة الكرام، يعرّف علماء النفس الصّحة النفسيّة بتعريفين اثنين ؛ الأوّل أن تخلُوَ حياة الإنسان من الأمراض النفسيَّة، وما أكثر الأمراض النفسيّة، والأمراض النفسيَّة في حقيقتها هي أعراض لمرض واحد، هي أعراض الإعراض عن الله، ويعرِّف علماء النفس مرَّةً ثانية الصِّحة النفسيّة بأنَّها القدرة على التَّكَيُّف بالمحيط، ولو رجعتَ إلى القرآن الكريم، وإلى السنَّة النبويّة المطهَّرة لوجدْت أنَّ المؤمن باصْطلاحه مع، وسَيْره على منهج الله، وتلك القِيَم التي تنتظم حياته، وهذا الصَّبر الذي يصبره وهذا الشكر الذي يشكرهُ، وهذا الإحسان الذي يفعله لوجَدْت حياة المؤمن تنطبق على أعلى درجات الصِّحة النَّفسيَّة، ولا تنْسَوا أيّها الإخوة أنَّ الخلل إذا أصاب الجسد فهذا خلل موقَّت ينتهي مع موت الجسد، لكنَّ القلب إذا أصابه عطب، هذا القلب يعيش معك إلى أبد الآبدين، لذلك قال تعالى:
﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)﴾
[ سورة الشعراء ]
العِبرة أن يكون قلبك سليمًا لأنَّ هذا القلب السليم هو سبب سعادتك الأبديَّة، وهذا القلب الممتلئ بالأمراض الناتجة عن الإعراض هو سبب الشقاء الأبدي، لذلك ربّنا عز وجل يقول:
﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)﴾
[ سورة الشعراء ]
إذا أردت أن تعيش صحَّة نفسيَّة متوازنة فعليك بِمَنهج الله، وعليك أن تكون في المستوى الذي أراد الله.
اللهمّ اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيْت، وتولَّنا فيمن تولّيْت، وبارك اللّهم لنا فيما أعْطيت، وقنا واصْرف عنَّا شرّ ما قضَيْت فإنَّك تقضي ولا يُقضى عليك، إنَّه لا يذلّ من واليْت، ولا يعزّ من عادَيْت، تباركْت ربّنا وتعاليْت، ولك الحمد على ما قضيْت، نستغفرك اللهمّ ونتوب إليك، اللهمّ هب لنا عملاً صالحًا يقرّبنا إليك، اللهمّ أعطنا ولا تحرمنا، وأكرمنا ولا تهنّا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وارضَ عنَّا، وأصْلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصْلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصْلح لنا آخرتنا التي إليها مردُّنا، واجْعل الحياة زادًا لنا من كلّ خير، واجعل الموت راحةً لنا من كلّ شرّ، مولانا ربّ العالمين، اللهمّ اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمَّن سواك، اللهمّ لا تؤمنَّا مكرك، ولا تهتِك عنَّا سترَك، ولا تنسنا ذكرك، يا رب العالمين، اللهمّ إنَّا نعوذ بك من عُضال الداء ومن شماتة العداء، ومن السَّلْب بعد العطاء، يا أكرم الأكرمين، نعوذ بك من الخوف إلا منك، ومن الذلّ إلا لك، ومن الفقر إلا إليك، اللهمّ بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحقّ والدِّين، وانصر الإسلام، وأعزّ المسلمين، وخُذ بيَدِ وُلاتهم إلى ما تحبّ وترضى إنَّه على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير.