الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد: فإذا عقد المسلم نيته على الحج فعليه أن يلبس ملابس الإحرام إزاراً ورداء، فيمر بالميقات وينوي الدخول في الحج بأحد الأنساك الثلاثة: فإن كان متمتعاً يحرم بالعمرة وحدها ويقول إذا وصل الميقات: لبيك عمرة متمتعاً بها إلى الحج، فإذا وصل إلى مكة، طاف وسعى سعي المعمرة ثم يحلق أو يقصر، فإذا كان اليوم الثامن من ذي الحجة يوم التروية أحرم بالحج وحده وأتى بجميع أعماله، وإن أخر إحرامه إلى اليوم التاسع فلا حرج عليه لكنه خلاف السنة، وينحر الهدي في اليوم العاشر. وإن أراد الحاج (الإفراد) يقول عند الميقات: لبيك حجاً، فإذا أخرّ سعيَ الحج سعى بعد طواف الإفاضة، ولا يحلق ولا يقصر ولا يحل من إحرامه، بل يبقى على إحرامه حتى يحل منه بعد رمي جمرة العقبة يوم العيد. والمفرد لا هدي عليه. والنسك الثالث: القرآن، وهو أن يحرم بالعمرة والحج جميعا فيقرن بينهما، وعمل القارن مثل عمل المفرد سواء بسواء إلا أن القارن عليه هدي كالمتمتع، وصفة النية أن يقول: لبيك عمرة وحجاً، وفي اليوم الثامن يستحب التوجه إلى منى قبل الزوال فيصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء قصراً، ويبيت فيها فيصلي فجر التاسع، وفي اليوم التاسع ـ وهو يوم عرفة ـ يمكث الحاج بعد صلاة الفجر في منى إلى ما بعد شروق الشمس ثم ينطلق من منى إلى عرفة وهو يلبي أو يكبر، فإذا زالت الشمس صلى الحاج الظهر والعصر جمعاً وقصراً جمع تقديم بأذان واحدا وإقامتين، ولا يصلي قبلهما ولا بينهما شيئاً ويتفرغ الحاج بعد ذلك للذكر والدعاء والتضرع إلى الله ويدعو بما أحب رافعاً يديه ويكثر من التهليل فإنه خير الدعاء يوم عرفة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. وكان للسلف أحوال من الرجاء في مغفرة الله، فكان أبو عبيدة الخواص يقول في الموقف: واشوقاه إلى من يراني ولا أراه، وكان بعد ما كبر يأخذ بلحيته ويقول: يا رب قد كبرت فأعتقني. قال ابن المبارك جئت إلى سفيان الثوري عشية عرفة، وهو جاثٍ على ركبتيه، وعيناه تهملان، فالتفت إلي فقلت له: من أسوأ هذا الجمع حالاً؟ قال: الذي يظن أن الله لا يغفر له. وروي عن الفضيل أنه نظر إلى نشيج الناس وبكائهم عشية عرفة فقال: أرأيتم لو أن هؤلاء صاروا إلى رجل فسألوه دانقاً يعني سدس درهم، أكان يردهم؟ قالوا: لا قال: واللهِ لَلْمَغْفِرَةُ عند الله أهون من إجابة رجل لهم بدانق. فإذا غربت الشمس أفاض الحجاج من عرفات إلى المزدلفة وعليهم السكينة والوقار، فإذا وصلوا المزدلفة صلوا المغرب والعشاء جمع تأخير قصراً، ويبيت في مزدلفة ويصلي فيها صلاة الفجر ويكثر من الذكر والدعاء بعد الصلاة ويلتقط سبع حصيات لرمي جمرة العقبة ثم يرمي جمرة العقبة مكبراً مع كل حصاة، ثم يحلق أو يقصر، ويطوف طواف الإفاضة، ويجوز تأخيره إلى اليوم الحادي عشر أو الثاني عشر أو مع طواف الوداع، ثم السعي إن لم يسعَ أولاً. وعلى القارن والمتمتع نحر الهدي، وفي اليوم الحادي عشر يبيت في منى ويرمي الجمرة الصغرى فالوسطى فالكبرى بعد الزوال، يكبر مع كل حصاة ويدعو بعد الصغرى والوسطى، وكذا يفعل في اليوم الثاني عشر، لكن يجوز للحاج أن يتعجل فينفر من منى إلى مكة قبل غروب الشمس، ثم يطوف طواف الوداع، ومن أراد أن يتأخر إلى اليوم الثالث عشر ـ وهو الأفضل ـ يبيت في منى ثم يرمي الجمرات الثلاث ويطوف طواف الوداع وهو واجب في تركه دم إلا الحائض والنفساء. أما والذي حـج المحبـون بيتـه ولبـوا لـه عند المهل وأحرمـوا وقد كشفوا تلك الرؤوس تواضعـا لِعِـزَّهِ مـن تعنـوا الوجوهَ وتسلم دعاهـم فلبـوه رضـا ومحبـة فلما دعـوه كـان أقـرب منهـم وقد فارقوا الأوطان والأهل رغبة ولــم تثنهـم لَـذَّاتُهـم والتنعـم ولما رأت أبصارهـم بيتـه الذي قلوب الورى شوقـا إليـه تضرم فلله كـم مـن عبـرة مهراقــة وأخـرى علـى آثارهـا لا تقـدم فلله ذاك الموقف الأعظـم الـذي كموقف يوم العرض بل ذاك أعظم ويدنو به الجبــار جل جلالـه يباهي بـه أملاكـه فَهْـوَ أكـرم فأشهدكم أني غفـرت ذنوبهـمْ وأعطيتهـم مـا أمَّلـوه وأنعـم فكم من عتيق فيه كمـل عتقـه وآخر يستسعـي وربـك أكـرم |