نماذج مما يعذب به أهل النار
أهل النار لهم دعوات أربع، قال تعالى: قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ [غافر:11].
يقولون: أنت يا رب أمتنا مرتين، وأحييتنا مرتين كما في قوله: وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [البقرة:28].
ثم قالوا: فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ [غافر:11] أي: فهل من وسيلة تخرجنا من هذا المكان؟ قال تعالى: ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ [غافر:12].
الدعوة الثانية قال تعالى: رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا [السجدة:12]، أي: رأينا النار، وسمعنا العذاب: فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا [السجدة:12]، قال تعالى: أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ [إبراهيم:44].
الدعوة الثالثة: قال تعالى حاكياً حالهم: رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ [فاطر:37].
ألم يعطك الله ستين سنة وأربعين سنة، ومائة سنة؟ فماذا صنعت فيها؟ سبحان الله، ولذلك أنا أريد أن أقول لك: إن مسألة قول الحق ولا يخاف فيه لومة لائم فرض على كل عبد مسلم، واسمعوا إلى هذا المفتي الذي كان صادقاً في إيمانه، أتى إليه رئيس الدولة وقال له: يا سيدنا الشيخ إن رمضان سوف يعطل الإنتاج، والناس سيصبحون كسالى عن العمل، قال له: وماذا تريد أنت؟ قال: أريد كلمتين منك تجوز لهم الفطر في رمضان؛ لأنه سيعطل الإنتاج، قال له: وأين أقول هذا الكلام؟ قال: أنا سأجمع لك مجلس النواب ومجلس كذا ومجلس كذا وتتكلم معهم على الهواء، فجاء المفتي الذي يتقي الله ثم قال لهم: السلام عليكم، إن سيدنا الشيخ سيقول لكم كلمتين، فقال: يقول الله عز وجل: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ... [البقرة:185]، إلى آخر الآية، فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة:185]، وصدق الله، وكذب بو رقيبة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فأدخله السجن إحدى عشرة سنة، لكن في التاريخ أولاده بعد كذا سيفخرون به.
يا أخي! هذا فرعون هدد وتوعد السحرة فقال: قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى [طه:71]، فبماذا أجابوه؟! قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى [طه:72-73]، إنما هي لحظات وإذا نحن في جنات عدن التي وعد الله المتقين.
وهذا صاحب ياسين حبيب النجار رحمه الله: قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ [يس:20-21]، فقتلوه عندما دعاهم إلى الإسلام، فقال الله عنه: قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ [يس:26-27]، رحم الله حبيباً النجار فقد وعظ أهله حياً وتمنى لهم الخير ميتاً، قال: ليت قومي يعرفون ما أنا فيه من الخير والنعمة!
فيقول أهل النار: رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ [فاطر:37]، أي: نحن نستطيع يا رب: أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ [فاطر:37].
الدعوة الرابعة: قال تعالى: قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ [المؤمنون:106-107].
قال الله عز وجل: قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ [المؤمنون:108]، وهكذا وللأسف الشديد كانت هذه آخر دعوة لأهل النار! يئسوا من الكلام بعد ذلك، فلا تسمع من أهل النار إلا شهيقاً وزفيراً، فانظر إلى الحمار كيف يكون عنده النهيق، فهذا هو منظر أهل النار مثل منظر الحمار في آخر نهيقه!
عذاب من إذا خلو بمحارم الله انتهكوها وإذا لقوا الناس كانوا مخبتين
وعن أنس وأبي هريرة رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يؤتي يوم القيامة بأناس من النار إلى الجنة حتى إذا دنوا منها، واستنشقوا رائحتها، ونظروا إلى قصورها وإلى ما أعد الله لأهلها فيها نودوا: أن اصرفوهم عنها لا نصيب لهم فيها، فيرجعون بحسرة ما رجع الأولون والآخرون بمثلها، يقولون: يا ربنا! لو أدخلتنا النار قبل أن ترينا ما أريتنا من ثوابك وما أعددت فيها لأوليائك لكان أهون علينا، فيقول الله عز وجل: ذاك أردت بكم، كنتم إذا خلوتم بارزتموني بالمعاصي) أي واحد يعمل معصية قدام الناس أو خلف الناس يستهين بنظرة الله له أم بنظرة الناس له؟ فهذا الكلام خطير، يقول: (بارزتموني بالمعاصي والعظائم، وإذا لقيتم الناس لقيتوهم مخبتين) ، وكأنهم أبو بكر الصديق وعثمان بن عفان رضي الله عنهما: (تراءون الناس، وهبتم الناس ولم تهابوني، وأجللتم الناس ولم تجلوني، وتركتم للناس ولم تتركوني، فاليوم أذيقكم العذاب الأليم مع ما حرمتم منه من النعيم المقيم)، ولذلك قلنا في بداية الحلقات: إن الإنسان أول ما يولد يجعل الله له مكاناً في الجنة ومكاناً في النار، فإذا اتقى الله عز وجل دخل الجنة، والكافر يرث مكانه الذي أعد له في النار لو عصى الله، وفي الجنة أنت تأخذ مكانك في الجنة ومكان الكافر، فترث في الجنة مكانين، قال تعالى: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ [الرحمن:46]، وقال تعالى: وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ [الزمر:74]، اللهم اجعلنا من الوارثين يا رب العالمين!
يقول صلى الله عليه وسلم: (كل أمتي معافى إلا المجاهرين) كل هذه الأمة إن شاء الله ربنا سيغفر لها ويتوب عليها، إلا شخصاً يعمل معصية ثم يذهب ليكلم أصحابه عن المعصية التي زوالها، يقول صلى الله عليه وسلم: (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه ..)، فاتقوا الله عباد الله؛ ولذلك نحن نقول: كلما فتح أهل الباطل مكاناً لباطلهم فتح أهل الحق مكاناً لذكر الله، حتى يحصل توازن لعل الله أن يرحمنا برحمته.
أربعة يتأذى منهم أهل النار على ما فيهم من أذى
قال صلى الله عليه وسلم: (أربعة يؤذون أهل النار على ما بهم من الأذى)، هناك أربعة من أهل النار يتأذى أهل النار منهم أكثر من الأذى الذي هم فيه: (يسعون بين الجحيم والحميم بالويل والثبور، يقول أهل النار بعضهم لبعض: ما بال هؤلاء قد آذونا على ما بنا من الأذى؟! فرجل مغلق عليه تابوت من جمر، ورجل يجر أمعاءه، ورجل يسيل قيحاً وصديداً، ورجل يأكل لحمه، فيقال لصاحب التابوت: ما بال الأبعد قد آذانا على ما فينا من الأذى؟ فيقول: إن الأبعد مات وفي عنقه أموال الناس لم يجد لها قضاءً أو وفاءً) كان يأخذ أموال الناس ولا يردها، ولذلك جاء في الحديث: (من استدان ديناً وهو لا ينوي سداداً فهو سارق، ومن تزوج على صداق وهو لا ينوي أداءه فهو زان).
قال: (ثم يقال للذي يجر أمعاءه: ما بال الأبعد آذانا على ما بنا من الأذى؟ فيقول: إن الأبعد كان لا يبالي أين أصاب البول منه ثم لا يغسله) وكما جاء في حديث: (يعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستبرئ من بوله).
وأما الذي يسيل فوه قيحاً وصديداً فيقال: (ما بال الأبعد؟ فيقول: إن الأبعد كان ينظر إلى كل كلمة قبيحة يستلذها كما يستلذ الرفث)، يعني: الذي يأتي بنكت فيها قلة أدب ويبحث عن الكلمة السيئة فيقولها، فهذا ينزل من فمه قيح وصديد والعياذ بالله! قال: (ثم يقال للذي يأكل لحمه: ما بال الأبعد يؤذينا على ما فينا من الأذى؟ قال: إن الأبعد كان يأكل لحوم الناس، ويمشي بينهم بالنميمة)، فهو يأكل لحوم الناس ويتتبع عوراتهم، يقول صلى الله عليه وسلم: (ومن تتبع عورات الناس ليفضحها تتبع الله عورته وفضحه ولو في جوف بيته).
عذاب من قتل نبياً أو قتله نبي أو كان من المصورين
يقول صلى الله عليه وسلم: (إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة في النار رجل قتل نبياً، أو رجل قتله نبي أو مصور يصور التماثيل) أي: شخص قتل نبياً بيده أو قتله نبي، أو مصور يصور التماثيل، ويدخل فيه أصحاب الفنون في كلية الفنون الذين يقومون بالنحت.
والفنان: هو الحمار في اللغة العربية، يعني: الحمار الوحشي.
اللهم باعد بيننا وبين النار بعد المشرقين، واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين، اللهم اجعل الجنة مآلنا، وأدخلنا الجنة بدون سابقة عذاب، وارحم المؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، واغفر لنا جميعاً يا رب العالمين!
وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.