خطبة الجمعة : آفاق العبادة .. للإمام الشيخ : عبدالله المؤدب البدروشي .. الخطيب بالجامع الكبير...شنني قابس
الحمد لله الذي أمر عباده بطاعته..و حثهم على ذكره وشكره و حسن عبادته.. أشهد أن لا إله إلا الله..وحده لا شريك له..وفق المؤمنين من عباده إلى خير المعاملات..ويسر لهم الطاعات و فعل الخيرات..و أشهد أن سيدنا و حبيب قلوبنا محمدا عبده و رسوله.. أثبت الخلق إيمانا.. وأبلغهم عبادة و إحسانا.. اللهم صل وسلم عليه في الأولين والآخرين..واعل اللهم مقامه في أعلى عليين..واجمعنا به على حوضه في مقام أمين.. وارزقنا جواره مع أصفيائك المقربين ..
أما بعد.. إخوة الإيمان و العقيدة :
بينما كان حبيب هذه الأمة صلى الله عليه وسلم..و أصحابه الميامين.. جالسين بالمسجد النبوي.. إِذ دخل عليهم رجل شديد بياض الثياب ..شديد سواد الشعر ..لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه من الصحابة أحد ..حتى جلس إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فأسند ركبتيه إلى ركبتيه .. سأله عن الإسلام و عن الإيمان ثم قال له..فما الإحسان يا رسول الله ؟ قال صلى الله عليه وسلم. الإِحْسَانُِ , أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ..قَالَ صَدَقْتَ. و لما انصرف الرجل..عجب الصحابة.. قالوا يا رسول الله..يسألك و يصدقك.. قال ذلك جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ.. وتعلمها الصحابة.. أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ..ملأت أسماعهم.. و استقرت في قلوبهم.. فهموا أن العبادة طاعة لله وخشية.. في كل مكان و في كل أوان.. فهي في المسجد صلاة.. وقرآن و ذكر ..وهي في الشارع كلمة طيبة.. وهي في البيت وفاق و مودة..وهي حول البيت حسن جوار.. وهي بين الأهل وصال و تراحم.. وهي في العمل حضور و إتقان.. فهم الصحابة رضوان الله عليهم أن العبادة لا تنحصر في ركوع وسجود داخل المسجد..رأوا العبادة في سائر شؤون الحياة.. فعلموا الدنيا.. ومن في الدنيا.. كيف يصعد الإسلام بالإنسان إلى قمم الفضيلة.. عاشوا حياتهم على قمة الصدق والإخلاص.. فتقربت إليهم الدنيا بمن فيها.. فقادوها نحو العزة و الرخاء..وهذا ما غاب عن أذهان الكثير منا في هذا الزمان.. حصرنا العبادة في ركعة و سجدة.. وأداء زكاة.. وصيام رمضان و حج البيت..أما الحياة ..و ما في الحياة.. فنتعامل فيها بقانون الحياة ..حتى لو أجاز الغش, من أجل المنفعة..حتى لو أحل التحايل ,من أجل الربح.. فلا جرم في الاعتداء من أجل المصلحة.. و هذا ما يتنافى مع الإسلام. حدثتكم كثيرا عن حديث رسول الله..صلى الله عليه وسلم..الذي أورده الإمام مسلم في صحيحه..و الذي سأل فيه الحبيب صحابته..قال أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ ؟ قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ. فَقَالَ إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِى, يَأْتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ, وَيَأْتِى قَدْ شَتَمَ هَذَا. وَقَذَفَ هَذَا. وَأَكَلَ مَالَ هَذَا. وَسَفَكَ دَمَ هَذَا. وَضَرَبَ هَذَا, فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ. فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقضَى مَا عَلَيْهِ ,أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِى النَّارِ.. فهذا المسلم صلى و صام ولكنه لم ينجح في تصرفه مع الناس.. عامل الناس كما يشتهي..لا كما أمر الله..عامل الناس بما اقتضت مصلحته.. لا بما اقتضت شريعة الله..و ربما عامل الناس بما وجد من سوء تعامل بين الناس.. فكانت نتيجة سوء تعامله.. أن دخل النار..لأن الله الذي أمر بعبادته..وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ.. وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ.. هذا الخالق العلي.. أمر كذلك بفعل الخير بين الناس..فقال جل جلاله..يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ فالإسلام ركوع و سجود لله..والإسلام كذلك محبة بين الناس ..و حبيبنا صلى الله عليه وسلم يقول.. والحديث في الصحيحين لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ.. أين المحبة بين الناس..جميعنا يعرف هذا الحديث..صغيرنا و كبيرنا يعرف هذا الحديث.. فأين المحبة بين الناس ؟ أين حق الوالدين.. الذي جعله الله بعد حق عبادته..فقال جل جلاله.. وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا.. أين حق الرحم..التي تعلقت بعرش الرحمان.. قَالَتْ هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنْ الْقَطِيعَةِ قَالَ أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ قَالَتْ بَلَى يَا رَبِّ قَالَ فَذَاكَ لَكِ..متفق عليه..فأين قاطع الرحم إذا قطعه الله.. لقد أخرجه الله من رحمته..قال تبارك و تعالى.. فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِى الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ.. ولذلك جاء في الأدب المفرد للإمام البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يوما.. لا تنزل الرحمة على قوم فيهم قاطع رحم. فقال رجل من جلسائه: يا رسول الله، لي خالة لم أكلمها. فقال: قم إليها فكلمها ..قم كلمها الآن حتى تنزل الرحمة.. وصلة الأرحام يا عباد الله..ليست أن تزور من يزورك.. لقد فسرها حبيبنا صلى الله عليه وسلم والحديث من صحيح الإمام البخاري فقال..لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ.. وَلَكِنْ الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا .. ثم أين حق الجار..الذي قال في حقه رسول الله صلى الله عليه وسلم .. من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره..رواه البخاري و مسلمأي فليحسن إلى جاره..فلا يظلم جاره.. وقد أقسم النبيء صلى الله عليه وسلم ثلاثا.. والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن قيل: ومن يا رسول الله ؟ قال :الذي لا يأمن جاره بوائقه..
الحديث في الصحيحين..وأين حق العباد يا عباد الله.. ونحن أمة متكلمة.. حذرنا الله و رسوله من اللسان.. فأين حفظ اللسان في هذا الزمان..قال الله تبارك و تعالى وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم.. وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم..جاء رجل إلى النبيء صلى الله عليه وسلم وقال ..يا رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة، قال : أمسك عليك هذا، وأشار إلى لسانه فأعاد عليه، فقال له: وهل يكب الناس على مناخيرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم ..
فأين نحن اليوم من الإسلام ..نعم أيها المؤمنون.. الصلاة واجبة , الزكاة واجبة , الصوم واجب , الحج واجب..لكن..كل ذلك يحتاج إلى معاملة طيبة .. كما يحتاج إلى خلق حسن.. حتى نحمل ديننا.. في قلوب تغمرها الأخوة .. ويحملنا ديننا.. إلى ما حمل إليه أسلافنا.. من مجد و عزة.. فلا عزة لنا بلا دين..و لا دين لنا من غير خلق حسن..
اللهم حسن أخلاقنا..و عمم وفاقنا ..و ثبت ميثاقنا ..واجعل راية الإسلام خفاقة على العالمين ..
أقول قولي هذا و أستغفر الله العظيم الكريم لي ولكم \