الحمد لله رب العالمين، أحمده سبحانه حمدا يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله جل وعلا، قال تعالى
واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون) ويقول سبحانه
فبشر عباد* الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه)
أيها المسلمون: تتوالى نعم الله تعالى على عباده، فيغمرهم بعفوه، ويمن عليهم بمناسبات الخير والرحمات بفضله، وقد حثنا ديننا الحنيف على اغتنام تلك المواسم بالمسارعة إلى الأعمال الصالحات التي تدخلنا الجنات، قال الله عز وجل
سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض)
ومن أعظم مواسم الخير شهر رمضان المبارك، الذي فضله الله سبحانه على الشهور والأيام، ففرض فيه على عباده الصيام، قال عز وجل
يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)
فأهلا به ضيفا كريم الوفادة، عظيم العبادة، جزيل الأجر والثواب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« قال الله: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي، وأنا أجزي به. والصيام جنة، وإذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد، أو قاتله فليقل إنى امرؤ صائم. والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح، وإذا لقى ربه فرح بصومه».
وكيف لا يفرح الصائم وقد جعل الله سبحانه له بابا إلى الجنة لا يدخل منه غير الصائمين، الذين امتنعوا عن المفطرات لله رب العالمين، قال صلى الله عليه وسلم « إن فى الجنة بابا يقال له الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم يقال أين الصائمون فيقومون، لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق، فلم يدخل منه أحد».
فحري بك يا عبد الله أن تستقبل شهر رمضان بفعل الخيرات، وعمل الصالحات، وأن تتقرب إليه سبحانه بسائر القربات، فمن أخلص لله عز وجل في صيامه، غفر الله تعالى له ما تقدم من ذنبه في سالف أيامه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه».
عباد الله: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحث أصحابه على اغتنام شهر رمضان الكريم بالطاعات؛ فيقول صلى الله عليه وسلم :« أتاكم رمضان شهر مبارك، فرض الله عز وجل عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم».
فلنستعد لهذا الشهر بما يوافق فضله وشرفه، وعلو مرتبته، فهو شهر المغفرة، والقرب من الله تعالى في المنزلة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد المنبر فقال: آمين آمين آمين. قيل : يا رسول الله إنك حين صعدت المنبر قلت: آمين آمين آمين. قال: إن جبريل أتاني فقال: من أدرك شهر رمضان ولم يغفر له فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين ، فقلت: آمين. ومن أدرك أبويه أو أحدهما فلم يبرهما، فمات فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين. ومن ذكرت عنده فلم يصل عليك فمات فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين.
أيها المؤمنون: إن من حسن استعدادنا لاستقبال شهر رمضان المبارك، أن يستقبله الواحد منا وقد عزم على التوبة والإنابة إلى ربه، وراجع نفسه ليصحح ما زل فيه من أمره، مسامحا من أخطأ في حقه، متجنبا الإسراف في مأكله ومشربه، متفقها في أحكام الصيام وما جاء في فضله، شاغلا وقته بتعلم القرآن الكريم وما فيه النفع والخير لنفسه، باذلا ماله في صنوف الإنفاق لأهله، فاللهم بارك لنا فيما بقي من شهر شعبان، وبلغنا يا ربنا شهر رمضان، وأعنا فيه على الصيام والقيام وقراءة القرآن.
نسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعا لطاعته وطاعة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وطاعة من أمرنا بطاعته، عملا بقوله
يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم
وبسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى أصحابه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله حق التقوى وراقبوه في السر والنجوى، واعلموا أن رمضان كما هو شهر العبادة والقيام والقرآن، فإنه كذلك شهر الجود والكرم والإنفاق في وجوه البر والإحسان، قال ابن عباس رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون فى رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه فى كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة.
ومن صور الإنفاق الوقف، الذي هو صدقة جارية للإنسان في حياته وبعد مماته، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علما علمه ونشره، أو ولدا صالحا تركه، أو مسجدا بناه، أو بيتا لابن السبيل بناه، أو نهرا كراه -يعني حفره- أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته، تلحقه من بعد موته» فزكوا أموالكم طيبة بها نفوسكم، وأوقفوا منها لتكون ذخرا لكم في حياتكم وبعد مماتكم.
هذا وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه، قال تعالى
إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا»
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر الصحابة الأكرمين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، اللهم إنا نسألك الجنة لنا ولوالدينا، ولمن له حق علينا، وللمسلمين أجمعين.
اللهم وفقنا للأعمال الصالحات، وترك المنكرات، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه فى قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه، اللهم أصلح لنا نياتنا، وبارك لنا في أزواجنا وذرياتنا، واجعلهم قرة أعين لنا، واجعل التوفيق حليفنا، وارفع لنا درجاتنا، وزد في حسناتنا، وكفر عنا سيئاتنا، وتوفنا مع الأبرار، اللهم لا تدع لنا ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا دينا إلا قضيته، ولا مريضا إلا شفيته، ولا ميتا إلا رحمته، ولا حاجة إلا قضيتها ويسرتها يا رب العالمين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
اللهم وفق ولي أمرنا رئيس الدولة، الشيخ خليفة ونائبه لما تحبه وترضاه، وأيد إخوانه حكام الإمارات وولي عهده الأمين.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، اللهم ارحم الشيخ زايد، والشيخ مكتوم، وإخوانهما شيوخ الإمارات الذين انتقلوا إلى رحمتك، اللهم اشمل بعفوك وغفرانك ورحمتك آباءنا وأمهاتنا وجميع أرحامنا ومن كان له فضل علينا.
اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا. اللهم أدم على دولة الإمارات الأمن والأمان وعلى سائر بلاد المسلمين. اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم (وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون).