الخطبة الأولى فضل الصلاة على النبي 18/1/1332هـ
الحمد لله المُتفرِّدِ بالخلقِ إيجادًا وإفناءً، أحمدُه سبحانَه وأشكُره هو القيوم دوامًا وبقاءً، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له شهادةً نرجو بها اتِّباعًا واهتداءً، وأشهد أنّ نبينا وحبيبَنا محمَّدًا عبدُ الله ورسوله صلاةً تُوفِّي حقَّه كِفاءً، وبارِك ـ يا ربنا ـ على آله السّامين زكاءً وصفاءً، وصحبه الكرام حبًّا وولاءً واصطِفاءً، ومَن تبعهم بإحسان يَرجو في الجنان ارتقاءً وبالأبرار التقاءً.
أمَّا بعد: فيا أيّها المسلمون، اتقوا الله؛ فإن تقواه أفضل مُكتَسَب، وطاعته أعلى نسَب، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران: 102].
أيُّها المسلِمون، لقد اصطَفى الله نبيَّنا محمَّدًا لتحَمُّل أعباءِ الرّسالة وتبليغِ الشّريعة، النبيُّ المُعظَّم، والرَّسول المُكرَّم، سيِّدُ ولد آدم بالاتِّفاق، وخيرُ أهلِ الأرض على الإطلاق، الجوهَرةُ الباهرة، والدُّرَّةُ الزاهرة، وواسِطةُ العِقدِ الفاخرة، عبدُ الله ورَسولهُ ونبيُّه، وصفِيُّه ونجِيُّه، ووليُّه ورَضِيُّه، وأمينُه على وحيِه، وخِيرته من خَلقِه، الذي لا يَصحُّ إيمانُ عبدٍ حتى يُؤمنَ برسالته ويشهدَ بنبوَّته .
سيِّدُ المرسلين والمُقدَّم لإمامَتِهم، وخاتم النبيِّين وصاحبُ شفاعتهم، أوّل من تنشقُّ عنه الأرض يومَ القيامة، وأوَّل شافعٍ يوم القيامة، وأوَّل من يجوز الصراط من الرّسل بأمَّته يوم القيامة، وأكثرُ الأنبياءِ تابعًا يومَ القيامة، صاحبُ اللّواء المعقود والمقام المحمود والحوض المورود، عبدُ الله المُصطفى ونبيُّه المُجتبَى ورسوله المُرتَضَى. يقول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: (ما خلَق الله وما ذَرَأ وما بَرَأ نفسًا أكرمَ عليه من محمّدٍ ، وما سمعتُ الله أقسمَ بحياة أحدٍ غيره". قال ابن كثير رحمه الله تعالى: "وأقسمَ بحياتِه، وفي هذا تَشرِيفٌ عظيمٌ ومقامٌ رفيعٌ وجاهٌ عريض".
أيّها المسلمون، وإظهارًا لفضله وعظيم شرفه وعلوِّ منزلته ومكانته وإرادةً لتكريمه ورفع ذكره وتنويهًا بمِنَّة رسالته ونعمة بعثته وتذكيرًا بوجوب حبِّه واتباعه شرَعَ الله الصلاةَ على النبيِّ ، وجعَلَها قُربةً جليلةً وعبادةً عظيمة، قال جلّ في عُلاه: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56].
للخَلقِ أُرسِل رحمةً ورَحيمًا صلُّوا عليه وسَلِّموا تَسلِيمًا
أيُّها المسلمون، ويَنالُ العبدَ من ثوابِ الله وكرامته ومغفرته وصلاته بسبَبِ صلاته على أشرفِ الخلق ما يشاءُ الله أن ينالَه، فعن أبي هريرةَ رضي الله عنه أنَّ رسول الله قال: ((من صلَّى عليَّ واحدةً صلَّى الله عليه عشرًا)) أخرجه مسلم، وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((من صلَّى عليَّ صلاةً واحدةً صلَّى عليه عَشرَ صلوات، وحطَّ عنه عَشرَ خطيئات، ورُفِعت له عَشرُ دَرَجات)) أخرجه أحمد والنسائي وابن حبان،.
أيُّها المسلمون، والإكثارُ منَ الصلاة على النبيِّ سببٌ لغفرانِ الخطايا وزوال الهموم والبلايا، فعَن أُبَيِّ بن كعبٍ رضي الله عنه قال: قلتُ: يا رسول الله، إني أُكثِر الصلاةَ عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟ أي: دعائي، قال: ((ما شئتَ))، قلتُ: الرّبع؟ قال: ((ما شئتَ، فإن زِدتَّ فهو خَيرٌ لك))، قلتُ: النصف؟ قال: ((ما شئتَ، فإن زِدتَّ فهو خيرٌ لك))، قلتُ: فالثُّلُثَيْن؟ قال: ((ما شئتَ، فإن زِدتَّ فهو خيرٌ لك))، قال: أجعل لك صلاتي كلَّها؟ قال: ((إذًا تُكفَى همَّك، ويُغفر لك ذنبُك)) أخرجه أحمد والترمذي.
أيّها المسلمون، وجاءتِ السنةُ بتأكيد الصلاة على النبي يوم الجمعة، فعن أبي أمامة رضي الله عنه أنَّ رسول الله قال: ((صلاةُ أمّتي تُعرَضُ عليَّ في كل يومِ جُمعة، فمن كان أكثرَهم عليَّ صلاةً كان أقربهم مني منزلاً)) أخرجه البيهقي وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: "لا بأس بإسناده
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "رسول الله سيِّدُ الأنام، ويوم الجمعة سيّد الأيام، فللصلاة عليه في هذا اليوم مزِيَّةٌ، ومِن شكره وحمده وأداء القليل من حقّه أن نُكثِر الصلاة عليه في هذا اليوم وليلته" انتهى كلامه رحمه الله تعالى بشيءٍ من التصرُّف.
أيّها المسلمون، ويُستحبُّ استفتاحُ الدّعاء بحمدِ الله وتمجيدِه والثناءِ عليه، ثمّ الصلاة على رسوله ، وختمه بهما، فعن فضالة بن عُبيد قال: سمِعَ رسولُ الله رجلاً يدعو في صلاته، لم يُمجِّد الله، ولم يُصلِّ على النبيِّ ، فقال رسول الله : ((عجِلتَ أيّها المُصلِّي))، وعلَّمه رسول الله . ثم سمع رسول الله رجلاً يُصلِّي، فمجَّد الله وحمِدَه وصلَّى على النبي ، فقال رسول الله : ((ادعُ تُجَب، وسَلْ تُعطَ)) أخرجه الترمذي.
أيّها المسلمون، والأذانُ مِن شعائر الإسلام ومعالمه الظاهِرة وعلاماته البارزة، فكان من تشريفِ الله لنبيه أن شُرِعَت الصلاةُ عليه عقِبَه، ومن لوازم محبته أن تتحرَّك الألسُن بالصلاة والسلام عليه كلّما ذُكِر، وإن من الجفاء وقلة الوفاء ومن التقصير وقلة التوقير أن يُذكَر سيّد البشر فتُحجِم الألسن عن الصلاة والسلام عليه، فعن الحسين بن عليٍّ رضي الله عنهما أن النبي قال: ((البخيلُ الذي ذُكِرتُ عنده فلم يُصَلِّ عليَّ)) أخرجه أحمد والترمذي،
أيها المسلمون، إن المجالس اللاهية والاجتماعات الساهية والنوادي اللاغية نقصٌ على أربابها وحسرةٌ على أصحابها، وقد جاء في القوم يجلِسُون ولا يذكُرون الله ولا يُصلُّون على النبي ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((ما جلَسَ قومٌ مجلِسًا لم يذكروا الله فيه ولم يُصلُّوا على نبيِّهم إلا كان عليهم تِرَة، فإن شاء عذَّبَهم، وإن شاء غفرَ لهم)) أخرجه الترمذي. ومعنى ((تِرَة)) أي: حسرة وندامة. وعند ابن حبان: ((ما قَعَدَ قومٌ مقعدًا لا يذكرون الله فيه ولا يُصلُّون على النبيّ إلا كان عليهم حسرةً يوم القيامة، وإن أُدخِلوا الجنة للثواب)).
فطيِّبُوا مجالِسَكم بذكر الله عزّ وجلّ، والتفقُّه في دينه، وتعلُّم سنّة نبيه وسيرته وهديه وطريقته وأخلاقه وشمائله، واقتدوا به واتَّبعوه تنالوا عِزَّ الدنيا وشرفها، وثواب الآخرة ونعيمَها،.
أيّها المسلمون، ويُشرعُ الصلاة على النبيِّ كتابةً كلّما كُتِب اسمه الشّريفُ، ويُكرِّر ذلك كلما تكرَّر اسمه ، ولا يسأمُ من تكرير ذلك عند تكرُّره، وليجتنِبَ المسلمُ كتابةَ الصلاة على النبيّ منقوصة، رامزًا إليها بحرفٍ أو حرفين، . قال الحافظ العراقي رحمه الله تعالى:
واجتنبِ الرمزَ لها والحَذفَا منها صلاةً أو سلامًا تُكفَى
فصلَّى الله وسلَّم على نبيّ الرحمة صلاةً وسلامًا مُمتدَّيْن دائمَيْن إلى يوم الدين.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفروه إنه كان للأوَّابين غفورًا.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانِه، والشكر له على توفيقِه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أنَّ نبيَّنا وسيِّدنا محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أمّا بعد: فيا أيّها المسلمون، اتقوا الله وراقِبُوه، وأطيعوه ولا تعصوه، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة: 119].
أيّها المسلمون، الصلاةُ على النبيّ من سنَنِ الإسلام وشعائر أهله، وللصلاة على النّبيّ صفاتٌ كثيرةٌ وصِيَغٌ متنوِّعة، جاءت على لسانه وبواسطة بيانه ، فالتزِموا بها كما جاءت في السنة الصحيحة، واحذروا الصِّيَغَ المُبتدعة والصلوات المُخترَعة التي لا تخلو من عقيدةٍ فاسدة أو غُلُوٍّ مقيت، والغلوُّ لا يصدرُ إلا من جاهل قصُرَ فهمُه عن مقاصِدِ الشريعة ومعرفة دلائل نصوصِها، وجهِل حدودَها التي يجب عليه الوقوف عندها، أو مِن صاحب هوى تعدَّى ما شُرِع إلى التشبُّه بأقوامٍ أُشرِبوا حبَّ البِدعَة والاختراع في الدين، وتمسَّكوا بأحاديثَ موضوعةٍ ومكذوبَة وضعَها الزنادقةُ كيدًا للإسلام وأهله.
أيّها المسلمون، فتمسَّكوا بالسنن المروية الصحيحة، واحذروا البِدَع المُضِلَّة؛ تسعَدوا سعادة الدارَيْن.
ثم صلُّوا وسلِّموا على نبيّ الرحمة والثواب، وبشير السطوة والعقاب، الشافعِ المُشفَّع يوم الحساب... اللهمّ صلِّ على محمّد وعلَى آل محمّد، كما صلّيتَ على إبراهيم وعلَى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمّد وعلى آل محمّد، كما باركتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيمَ في العالمين إنّك حميد مجيد
اللهم أعز الإسلام والمسلمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين. وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وأهلك الزنادقة والملحدين وآمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعلهم هداة مهتدين واجعل اللهم ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا أرحم الراحمين. اللهم أصلح حال المسلمين. اللهم اجمع كلمتهم على الحق وردهم إلى دينك ردا جميلا. اللهم ارفع علم الجهاد وانصر المجاهدين. اللهم ارفع علم الجهاد وانصر المجاهدين. اللهم انصر المجاهدين الذين يجاهدون في سبيلك ولإعلاء كلمتك، اللهم ثبت أقدامهم واربط على قلوبهم وقو شوكتهم وأنزل السكينة عليهم وأصلح ذات بينهم وانصرهم على عدوك وعدوهم إنك على كل شيء قدير. اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويعافى فيه أهل معصيتك ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات إنك يا ربنا سميع قريب مجيب الدعوات. ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون. اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.