هذه خطبة اعددتها بمناسبة شهر شعبان وقد جمعتها من عدد من الكلمات والخطب وزدت فيها ونقصت حسب مارأيته مناسبا - واحببت ان اشارك بها هنا تعميما للفائدة وتسهيلا للاخوة ممن اراد خطبة بهذا الشأن والحمدلله رب العالمين
الخطبة الاولى
مقدمة ( خطبة الحاجة )
فقد اخرج الشيخان رحمهما الله تعالى من حديث عائشة ـ رضي الله عنها وعن ابيها ـ قالت: «ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر منه صياماً في شعبان» وفي رواية عند البخاري : «كان يصوم شعبان كله». وفي رواية عند مسلم: «كان يصوم شعبان إلا قليلاً». وروى الإمام أحمد ، والنسائي باسناد جوده بعض اهل العلم من حديث أسامة بن زيد ـ رضي الله عنهما ـ قال للنبي صلى الله عليه وسلم : لم أرك تصوم من الشهر ما تصوم من شعبان قال: «ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين عز وجل فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم»
قال ابن رجب رحمه الله في بيان وجه الصيام في شعبان: "وفيه معانٍ، وقد ذكر منها النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما اكتنفه شهران عظيمان: الشهر الحرام وشهر الصيام، اشتغل الناس بهما عنه، فصار مغفولاً عنه، وكثير من الناس يظنُّ أن صيام رجب أفضل من صيامه لأنه شهر حرام، وليس كذلك" انتهى كلامه
وفي قوله: ((يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان)) دليل على استحباب عِمارة أوقات الغفلة بالطاعة - ولذا كان طائفة من السلف يستحبون إحياء ما بين العشائين بالصلاة ويقولون: هي ساعة غفلة، ومن هنا ايضا كان فضل الصلاة و القيام في وسط الليل لشمول الغفلة لأكثر الناس فيه عن الذكر كما قال صلى الله عليه وسلم: ((إن افضل الصلاة بعد المفروضة الصلاة في جوف الليل)).
ومثل هذا استحباب ذكر الله تعالى في السوق لأنه ذكْر في موطن الغفلة بين أهل الغفلة ،
وفي إحياء الوقت المغفول عنه بالطاعة فوائد - منها :
- أنه أخفى للعمل - وإخفاء النوافل وإسرارها أفضل عند الله وازكى، لا سيما الصيام فإنه سرّ بين العبد وربه ، ولهذا قيل إنه ليس فيه رياء ، وكان بعض السلف يصوم سنين عددا لا يعلم به أحد ، فكان يخرج من بيته إلى السوق ومعه رغيفان فيتصدق بهما ويصوم ، فيظن أهله أنه أكلهما ويظن أهل السوق أنه أكل في بيته ، وكان السلف يستحبون لمن صام أن يُظهر ما يخفي به صيامه ، فعن ابن مسعود أنه قال : " إذا أصبحتم صياما فأصبِحوا مدَّهنين " ، وقال قتادة : " يستحب للصائم أن يدَّهِن حتى تذهب عنه غبرة الصيام " كل ذلك لاخفاء العمل
ومن أسباب أفضلية الأعمال عند غفلة الناس مشقتها على النفوس لأن العمل إذا كثر المشاركون فيه سهُل ، وإذا كثرت الغفلات شق ذلك على المتيقظين وكلما زادت مشقة العمل كان اعظم اجرا كما قال صلى الله عليه وسلم اجرك على قدر نصبك
وفي هذا كله إشارة إلى فضيلة التفرد بالذكر في وقت لا يوجد فيه ذاكر والكل فيه غافل وليت شعري كيف سيكون فضل ذاك الفرد عند الله
والمعنى الثاني المذكور في الحديث هو أن شهر شعبان ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، وكان صلى الله عليه وسلم يحبّ أن يُرفع عمله وهو صائم.
ولما كان شعبان كالمقدمة لرمضان شرع فيه ما يشرع في رمضان من الصيام وقراءة القران، ليحصل التأهب لتلقي رمضان وتتروض النفوس بذلك على طاعة الرحمن، ، قال ابن رجب رحمه الله: "وقد قيل في صوم شعبان معنى آخر، وهو أن صيامه كالتمرين على صيام رمضان، لئلا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة، بل يكون قد تمرن على الصيام واعتاده، ووجد بصيام شعبان قبله حلاوة الصيام ولذّته، فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط".
ولهذه المعاني المتقدمة وغيرها كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الصيام في هذا الشهر المبارك، ويغتنم وقت غفلة الناس وهو من؟ رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ومن اجل ذلك كان السلف الصالح رحمهم الله يجدّون في شعبان، ويتهيأون فيه لرمضان .
قال سلمة بن كهيل: كان يقال شهر شعبان شهر القراء.
وكان عمرو بن قيس إذا دخل شهر شعبان أغلق حانوته وتفرغ لقراءة القران.
وقال أبو بكر البلخي: شهر رجب شهر الزرع، وشهر شعبان شهر سقي الزرع، وشهر رمضان شهر حصاد الزرع.
وقال أيضا: (( مثل شهر رجب كالريح، ومثل شعبان مثل الغيم، ومثل رمضان مثل المطر، ومن لم يزرع ويغرس في رجب، ولم يسق في شعبان فكيف يريد أن يحصد في رمضان، وها قد مضى رجب فما أنت فاعل في شعبان إن كنت تريد رمضان، هذا حال نبيك وحال سلف الأمة في هذا الشهر المبارك، فما هو موقعك من هذه الأعمال والدرجات))
واسمع لهذا رحمك الله : اخرج الشيخان رحمهما الله تعالى من حديث ابي سعيد الخدري رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : مامن عبد يصوم يوما في سبيل الله الا باعد الله بذلك اليوم عن وجهه النار سبعين خريفا ) وقال صلى الله عليه وسلم ((فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره تكفّرها الصلاة والصيام والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)) رواه الترمذي، وقال صلى الله عليه وسلم ((في الجنة باب يقال له: الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد))،وقال الله تعالى في الحديث القدسي : الصوم لي وانا اجزي به ) فما بالك بامر قد تكفل الله باجره وثوابه ويباعدك عن النار سبعين خريفا !!
فأين هم اولوا الالباب : الذين يستمعون الذكر فيتبعون احسنه !!
ويا اسفى على القلوب القاسية ممن لا تنفع فيهم موعظة ولا تذكرة !!
فاذا علمت ذلك - اخي – فتذكر فضل صيام يومي الاثنين والخميس وكذا الايام البيض - فان استطعت ان تصوم شعبان كله الا قليلا فذلك هدي نبيك محمد صلى الله عليه وسلم وهديه افضل واكمل
ومن الامور الفاضلة التي غفل عنها كثير من الناس في شعبان: الصدقة على الفقراء واعانتهم ليتققووا بذلك على رمضان : فكم من اناس - الله اعلم بحاجتهم وفقرهم ( يحسبهم الجاهل اغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسالون الناس الحافا وما تنفقوا من خير فان الله به عليم )
وتلمس ذوي الحاجات هو من شيم الكرام – فأين المنفقون الكرام ؟
ويجدر التذكير : الى وجوب قضاء الصوم لمن كان قد افطر في رمضان الماضي فلا يجوز له التأخير إلى ما بعد رمضان القادم إلا لضرورة - ومن قدر على القضاء قبل رمضان ولم يفعل فهو آثم ويلزمه امران: التوبة و القضاء – وامر ثالث يلزمه على قول.مالك والشافعي وأحمد : هو إطعام مسكين عن كل يوم يقضيه .
اقول ما تسمعون واستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا اليه انه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
الحمدلله على احسانه 0000
فما تدنَّى واقع الأمة، ولا أصيب المسلمون بالوهن في أنفسهم، والضعف أمام أعدائهم؛ إلا لما تخلوا عن أعز مقومات النصر وهو الدين الإسلامي الحق،
وقد أساء بعض أبناء المسلمين فهم الإسلام؛ فجعلوا لطاعة الله وقتاً، ولمعصيته أوقاتاً، وللخير والإقبال على الله زمناً، وللشر والإدبار أزمانا - مِنْ هجرٍ للمساجد، وتركٍ للجمع والجماعات، وتساهل في الصلوات، واعتزال للطاعات؛ من قراءة للقرآن، والذكر والدعاء، والإحسان والصدقات، والإقبال على ألوان المعاصي والمنكرات، فلا غرو اذا لم تعمل مناسبات الخير والرحمة، ومواسم البر والمغفرة عملها في قلوب الناس، ولم تؤثر في سلوكهم، ولم تجدِ في حل مشكلاتهم.......
يروى عن بعض السلف رضي الله عنهم انهم باعوا جارية لهم فاشتراها اناس فلما أقبل رمضان بدأوا يتهيأون بألوان المطعومات والمشروبات ، لاستقبال شهر رمضان كما يصنع الناس في هذا الزمان فقالت لهم لماذا تصنعون هذا ؟ قالوا : نصنعه لاستقبال رمضان قالت : وأنتم لا تصومون إلا في رمضان ، والله لقد جئت من قوم السنة عندهم كلها رمضان لا حاجة لي إليكم ردوني إليهم
ويروى أن الحسن بن صالح رحمه الله - باع أمة له فلما انتصف الليل عند سيدها الجديد قامت في وسط الدار وصاحت : يا قوم , الصلاة الصلاة , فقاموا فزعين وقالوا : هل طلع الفجر ؟ قالت : وأنتم لا تصلون إلا المكتوبة ، فلما أصبحت رجعت إلى سيدها وقالت : لقد بعتني على قوم سوء ، بعتني على قوم لا يصلون إلا الفريضة ولا يصومون إلا الفريضة لا حاجة لي إليهم ردوني ردوني
الا فاتقوا الله عباد الله واعمروا بيوتكم واوقاتكم بطاعة الله فما اجمل الحياة واسعدها بذكر الله وما اقبح العبد واشقاه اذا نسي الله
ثم صلوا رحمكم الله على من امركم الله بالصلاة والسلام عليه 0000
رد مع اقتباس