نريد أن نتكلم عن نعمة من نعم الله سبحانه وتعالى علينا وهي الابتلاء
بالطبع تستعجبون من كلمة نعمة
لكن الحقيقة إن الإبتلاء نعمة عظيمة
وقبل أن نعرف لماذا لابد أن نعرف أن
الابتلاء سنة كونية
يقول الله تعالى : ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ )
وقال تعالى ( وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)
و قال تعالى ( الم* أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ )
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط. رواه الترمذي وقال حديث حسن.
حقيقة نعمة الابتلاء
اذن الابتلاء سنة كونية لابد منها، ولا يوجد انسان على وجه الأرض لم يبتلى لكن الابتلاء يختلف من شخص لآخر فهناك من يُبتلى بالمرض وغيره بالفقر وغيره بموت عزيز وغيرها من الابتلاءات
فلماذا ليس كل الناس لهم نفس الابتلاء ولماذا احيانا يكون ابتلاء البعض أخف من ابتلاء البعض الأخر؟
لابد أن نتفق أولا أن الله سبحانه وتعالى " لا يُسأل عما يفعل "
والاجابة عن السؤال بسيطة لو فهمنا معنى أسماء الله الحسنى مثل العليم ، الحكيم ، الخبير ، العدل وغيرها
عندما نتكلم ننظر للموضوع بعلم البشر القاصر المحدود
عدما ننظر من نافذة الغرفة لن نرى الا الصورة التي أمامنا لكن لن نستطيع رؤية المدينة كلها
فهل عدم رؤيتنا للمدينة كلها معناه انها غير موجودة ؟
الإجابة بالطبع
لا
أنتي رأيتي فقط ما تستطيعين رؤيته
ولله المثل الأعلى
أيضا علمنا كبشر قاصر لكن علم الله سبحانه وتعالى يشمل كل شيء
" يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور "
إذن بعلمنا القليل نرى الصورة مبتورة
حقيقة نعمة الابتلاء
وهذه بعض الأمثلة
يوسف عليه السلام عندما ألقاه أخوته في البئر
للوهلة الأولى هذامن وجهة نظر البشر شر
لكن لو فكرنا قليلا لوجدناه خيرا لأنه كان سببا في نشأته في بيت عزيز مصر في العز والغنى
ولما دخل يوسف عليه السلام السجن ظلما
من وجهة نظرنا المحدودة هذا شر ، لكن لو فكرنا سنجد أنه كان خيرا ولولا دخوله السجن لم يكن وزير المالية للأرض في ذلك الزمن
وهذا مثال آخر
كان لأحد الملوك وزير حكيم وكان الملك يقربه منه ويصطحبه معه في كل مكان. وكان كلما أصاب الملك ما يكدره قال له الوزير “لعله خيراً” فيهدأ الملك. وفي إحدى المرات قطع إصبع الملك فقال الوزير “لعله خيراً” فغضب الملك غضباً شديداً وقال ما الخير في ذلك؟! وأمر بحبس الوزير …
فقال الوزير الحكيم “لعله خيراً”
ومكث الوزير فترة طويلة في السجن.
وفي يوم خرج الملك للصيد وابتعد عن الحراس ليتعقب فريسته، فمر على قوم يعبدون صنم فقبضوا عليه ليقدموه قرباناً للصنم ولكنهم تركوه بعد أن اكتشفوا أن قربانهم إصبعه مقطوع..
فانطلق الملك فرحاً بعد أن أنقذه الله من الذبح تحت قدم تمثال لا ينفع ولا يضر وأول ما أمر به فور وصوله القصر أن أمر الحراس أن يأتوا بوزيره من السجن واعتذر له عما صنعه معه وقال أنه أدرك الآن الخير في قطع إصبعه، وحمد الله تعالى على ذلك.
ولكنه سأله عندما أمرت بسجنك قلت “لعله خيراً” فما الخير في ذلك؟
فأجابه الوزير أنه لو لم يسجنه.. لَصاحَبَه فى الصيد فكان سيقدم قرباناً بدلاً من الملك… فكان في صنع الله كل الخير.
وإذن الخلاصة أننا لا نعرف الحكمة من وراء الإبتلاء ولعلها تكون خيرا
قال تعالى " وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون "
حقيقة نعمة الابتلاء
ولابد أن نعي ونتأكد أن الله عدل ولن يظلمك
ولو افترضنا ان لكل إنسان 24 قيراط في الدنيا
فهناك من يأخذ مثلا 5 قيراط صحة و7 مال و10 ذرية وهكذا
وهناك من يأخد 10 صحة و2 مال و4 ذرية وهكذا
إذن الكل سواسية
لكن للأسف دائما ننظر الى ماليس لدينا وعند غيرنا
وننسى ماعندنا وليس عند غيرنا
دائما ننظر إلى النصف الفارغ من الكوب
تستطيعين الاستغناء عن بصرك مقابل كم من النقود ؟
بكم تستغنين عن أولادك ؟
هل توافقين أن يكون عندك ملايين وانتي مقعدة في السرير؟
أيهما أفضل وفاة الولد وهو صغير ودخوله الجنة أم بقاؤه حيا ونشأته عاقا عاصيا ويدخل النار ؟
كل هذه ابتلاءات عند غيرك نجاكي الله منها
لو نظرتي لنعم الله عليكي لوجدتها كثيرة لاتحصى وإن شكرتيه عليها ستزيد بإذن الله
يقول تعالى : ((وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ))
حقيقة نعمة الابتلاء
ثم الإبتلاء يكون على قدر الإيمان
عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
(قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً قَالَ الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَمَا يَبْرَحُ الْبَلَاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَفِي الْبَاب عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأُخْتِ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً قَالَ الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ ) صحيح الترمذى
وجاء فى كتاب تحفة الأحوذى بشرح صحيح الترمذى هذا الشرح:
الْأَنْبِيَاءُ: هُمْ أَشَدُّ فِي الِابْتِلَاءِ لِأَنَّهُمْ يَتَلَذَّذُونَ بِالْبَلَاءِ كَمَا يَتَلَذَّذُ غَيْرُهُمْ بِالنَّعْمَاءِ , وَلِأَنَّهُمْ لَوْ لَمْ يُبْتَلَوْا لَتُوُهِّمَ فِيهِمْ الْأُلُوهِيَّةُ , وَلِيُتَوَهَّنَ عَلَى الْأُمَّةِ الصَّبْرُ عَلَى الْبَلِيَّةِ . وَلِأَنَّ مَنْ كَانَ أَشَدَّ بَلَاءً كَانَ أَشَدَّ تَضَرُّعًا وَالْتِجَاءً إِلَى اللَّهِ تَعَالَى
حقيقة نعمة الابتلاء
ويبقى السؤال لماذا فلان يبتلى بالمرض وفلان بالفقر ؟ ولماذا ابتلاؤه أخف من ابتلائي ؟
هل تعترفين بعبوديتك لله ؟
أكيد كلنا نعترف بعبوديتنا لله وأن الدنيا دار متحان واختبار
ومن ينجح له الجنة ومن يرسب والعياذ بالله يدخل النار
وأطرح سؤالا : عندما كنتي في المدرسة أو الجامعة كنتي تذاكرين جيدا قبل الامتحان لأنك تريدين النجاح
البعض يريد مجرد النجاح والبعض يريد النجاح بتفوق
ولكن وقت الإختبار هل يستطيع احد أن يجبر المدرس أو الدكتور في الجامعة أن يكتب الأسئلة على هواه أو أن يختار أن تأتي الأسئلة من الدروس التي ذاكرها فقط؟
بالطبع لا
ولله المثل الأعلى
لا أستطيع أن أختار أنا ابتلائي وأقول لا احب الفقر أو لاأحب المرض أريد ابتلاء آخر
حتى امتحان الدنيا له درجة نهائية ثابته
لكن في امتحان الآخرة يضاعف الله سبحانه وتعالى لمن يشاء
يجب أن تضعي أمامك هدف واحد وهو النجاح في امتحان الآخرة ودخول الجن
ومهما كانت صعوبة الامتحان فالصعوبة لا تذكر أمام عظم الثواب
حقيقة نعمة الابتلاء
قلنا أن الابتلاء نعمة فكيف ذلك ؟
لأن الابتلاء له فوائد كثيرة منها :
• تكفير الذنوب ومحو السيئات
• رفع الدرجة والمنزلة في الآخرة.
• الشعور بالتفريط في حق الله واتهام النفس ولومها .
• فتح باب التوبة والذل والانكسار بين يدي الله.
• تقوية صلة العبد بربه.
• تذكر أهل الشقاء والمحرومين والإحساس بالآمهم.
• قوة الإيمان بقضاء الله وقدره واليقين بأنه لاينفع ولا يضر الا الله .
• تذكر المآل وإبصار الدنيا على حقيقتها.
حقيقة نعمة الابتلاء
ومن أعظم ماقيل عن الابتلاء
ورد في الأثر:
(( إن هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء ، ومنزل ترح لا منزل فرح ، فمن عرفها لم يفرح لرخاء ، ولم يحزن لشقاء ، قد جعلها الله دار بلوى ، وجعل الآخرة دار عقبى ، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سببا ، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضا ، فيأخذ ليعطي ، ويبتلي ليجزي )) .
قال الدكتور محمد راتب النابلسي:
ربما أعطاك فمنعك، وربما منعك فأعطاك، وإذا كشف لك الحكمة وراء المنع عاد المنع عين العطاء، حينما تكشف الحقائق، وحينما ينكشف سر القضاء والقدر يذوب المؤمن كالشمعة تماماً محبة لله عز وجل لِما ساقه له من شدائد.
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى:
من كمال إحسان الرب تعالى، أن يذيق عبده مرارة الكسر قبل حلاوة الجبر، ويعرفه قدر نعمته عليه بأن يبتليه بضدها.
من مواعظ الإمام الشافعي:
ولرب نازلة يضيق بها الفتــــى ذرعا وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكان يظنها لا تفــرج
سهرت أعين ونامت عــيون في شؤون تكون أو لا تكون
فدع الهم ما استطعت فحمــــلانك الهمـــوم جنـــــــون
إن ربا كفاك ما كان بالأمــــس سيكفيك في غد ما يكون
دع المقادير تجرى ف أعنتها ولا تنامن إلا خالي البال
ما بين غمضــة وانتباهتــها يغير الله من حال إلى حال
قال الإمام أبو حامد الغزالي:
لولا اعوجاج القوس لما رمت, فالاعوجاج له دور في كمال الوظيفة.
قال ابن عطاء :
يتبين صدق العبد من كذبه في أوقات البلاء والرخاء, فمن شكر في أيام الرخاء, وجزع في أيام البلاء, فهو من الكاذبين.
قال الجنيد البغدادي:
البلاء سراج العارفين, ويقظة المريدين, وصلاح المؤمنين، وهلاك الغافلين, ولا يجد أحد حلاوة الإيمان حتى يأتيه البلاء ويرضى ويصبر.
قال الغزالي رحمه الله :
إذا رأيت الله يحبس عنك الدنيا ويكثر عليك الشدائد والبلوى, فاعلم أنك عزيز عنده, وأنك عنده بمكان, وأنه يسلك بك طريق أوليائه وأصفيائه, وأنه يراك, أما تسمع قوله تعالى ﴿ واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا