حسبي الله ونعم الوكيل
خطبة الحسد (16/12/2011) / محمد حماد / مسجد معاوية
الحمد لله الذي نزل على عبده الفرقان ....ليكون للعالمين نذيراً
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.إنه كان بعباده خبيراً بصيراً،
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله....
أرسله بين يدي الساعةِ .....بشيراً ونذيراً
وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، ... بلغ الرسالة ...وأدى الامانة
صلوات رب... وسلامه عليه
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ))
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً))
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً {70} يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً))
أما بعد
فأن أصدق الحديث كلام الله ....وخير الهدى ...هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ....وشر الأمور محدثاتها ...وكلَ محدثة بدعة وكلَ بدعةٍ ضلالة ...وكلَ ضلالة في النار......
فحياكم الله جميعا وطبتم وطاب ممشاكم ..... وتبوأتم من الجنة منزلا
عباد الله
يقول ربنا جل وعلا ..في كتابه العزيز ..عز من قائل :
((أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ }النساء54
وصح في الحديث الذي يرويه أبو هريرة ..أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :: لا تحاسدوا،...وصية جامعة .. من وصايا الحبيب ..
لا تحاسدوا ..وكونوا عباد الله أخوانا
عباد الله
ظهرت الآفات والفتن،....وقست القلوب... فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً
فَشَتْ الفواحشُ والمظالم،..ونيلَ من الأعراض...
أيمان كاذبة...وخصومات فاجرة ..وصورٌ ..من الحسد والبغضاء...
فكان لابد من هذه الوقفات ..
لعلى النفوس تستيقظ وتخشع ... لرب الأرض والسماء
((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى... لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ ...أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ))
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ... وَاتَّقُوا اللَّهَ ...إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ ...
فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ ...أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ
يقول ابن كثير في تفسيره:: ((وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ((
أي حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا... وانظروا ماذا ادّخرتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة…. ليوم معادكم وعرضكم على ربكم.
كان سلفنا الصالح... يحاسبون أنفسهم...في السكنات والحركات
عاشوا مع الله ...إن لم تكن تراه فإنه يراك ...
يقول عمر رضي الله عنه ...حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ...وتزينوا ليوم العرض الأكبر ...
يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ
عباد الله
فحديثنااليوم ...عن مرض ..من أمراض القلوب
فالقلوب تمرض ..كما تمرض الأبدان
والقلوب تموت ... كما تموت الأبدان
فحديثنا اليوم ...عن مرض خطير ...وخلق ذميم
منبع الشرور العظيمة ..ومفتاح العواقب الوخيمة
أنتشر بين المسلمين ...يَهدمُ حصون الدين .
ما فشا في أمة الا كان... نذيرُ هلاكها
ولا دب في أسرة الا كان... سبيلُ فنائها
إذا دخل بيتاً خلخل بنائه ...وفرّق أبنائه
سلاح الشيطان ... يضرب به قلوب البشر ..
إنه داء الحسد ... يا عباد الله
أمر ربنا جلا وعلا بالاستعاذة من شره
فقال سبحانه وتعالى : (وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ)
فالحسد يا عباد الله ...أول ذنبٍ عصى الله به في السماء...
عندما رفض إبليس السجود لآدم عليه السلام
(قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ...قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ
خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ)
والحسد يا عباد الله... أول ذنب عصي الله به في الأرض..
عندما قتلَ قابيلُ أخاه هابيل
أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن الحسد هو داء الأمم الذي أفسدها
وقال عليه الصلاة والسلام قال :"دبََّ إليكم داء الأمم من قبلكم الحسد والبغضاء ، والبُغضة.. هي الحالقة
لا أقول تحلق الشعر.. ولكن.. تحلق الدين "
ثم قال عليه الصلاة والسلام :" والذي نفس محمد بيده
لاتدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ،ولن تؤمنوا حتى تحابوا ،
ألا أُنبؤكم بما يُثبت ذلك لكم ..افشوا السلام بينكم " اخرجه الترمذي
فاتقوا الله ..عباد الله ..واحذروا أن تكونوا من أعداء نعم الله تعالى
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن لنعم الله أعداء..قيل من هم يا رسول الله ؟ قال الذين يحسدون الناس على ما أتاهم الله من فضله ))
أخرجه الطبراني . بسند حسن
جاء في الأثر ..أن الله عز وجل قال لموسى عليه السلام :
(( الحاسد عدو نعمتي ... راد لقضائي ...ساخط لرزقي الذي قسمته لعبادي ...غير ناصح لهم ))
قال عبدالله مسعود رضي الله عنه
لا تعادوا نعم الله عز وجل .. قيل ومن يعادي نعم الله تعالى؟
قال الذين يحسدون الناس ...على ما أتاهم الله من فضله
قال الله ((أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ))
عباد الله ..القران الكريم يصور نفسية الحاسد
إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ ...وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا......
فطبيعة الحاسد.. طبيعة لئيمة ...
فالحاسد ...لا يبحث عن المحاسن عند الناس ...
الحاسد ...يجهر بالسوء ...ويقبح الحسن..ويكتم الحق ...
يتتبع العورات ويستجمع الزلات ...ويعظم الأخطاء ...
ويعمل على إشاعتها بين الناس ...
اذا رأى نعمة بُهت ...واذا رأى خطأ ... تشفى وشمت
فهذا طبيب القلوب والنبي المحبوب صلوات ربي وسلامه عليه
حذرنا من هذا الداء–فقال :
( واياكم والحسد ....فإنه يأكل الحسنات ...كما تأكل النار الحطب ) .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: الحسد من أمراض القلوب , وما خلا جسد من حسد ... ولكن اللئيم يبديه ...والكريم يخفيه
اللهم طهر قلوبنا من الغل والحسد ...
عباد الله ..تقوا الله ..إياكم والحسد ... فإنه يأكل الحسنات
كم هذه الخطيئة... فرقت بين الأحبة ...وزرعت الشقاق
وكم من زوجين متحابين ...فرق بينهم الحاسدون
وكم من محصنة عفيفة ...أشاع عنها الحاسدون
وكم من أمين خونه... الحاسدون
وكم من عالم وداعية ومجاهد طعن به ...الحاسدون..
ذم النبي صلى الله عليه وسلم الحسد ...
عن ابي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: (( شيئان لا يجتمعان في قلب عبد :...الإيمان والحسد ))
فالحسد إذا وجد في القلب خرج الإيمان منه ...
مر أنس بن مالك رضي الله عنه على ديار خربة خاوية
فقال : هذه أهلكها وأهلك أهلها البغي والحسد ،
عباد الله... فماهي أسباب الحسد
العدواة والبغضاء والحقد
حب الرئاسة... وطلب الجاه لنفسه
ظهور الفضل والنعمة على المحسود .
حب الدنيا ...
الكبر ...
شدة البغي وكثرة التطاول على العباد ..
عبد الله ....أمة الله
ربما عجز الشيطان أن يجعلك تعبد صنما ،أو حجرا أو شجرا ،
أو يُعظم قبرا ،أو وثنا....
إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً ....إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ
لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ
عبد الله ...
فالشيطان لما راك محروما من العلم والجاه ...
خاف أن تُحبَ لأخيك الخير والصلاح لدينه ودنياه ...
فبغضه اليك... فملاء قلبك حسدا وحقدا عليه ...
اللهم لا تجعل في قلوبنا غلا............ للذين امنوا .....
سئل الرسول – صلى الله عليه وسلم -: أي الناس أفضل ؟ قال :
( كل مخموم القلب صدوق اللسان )
قالوا صدوق اللسان نعرفه ......فما مخموم القلب ؟
قال : ( هو التقي النقي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد )
عبد الله ....أمة الله
فاحرص أن تكون مخموم القلب .......صدوق اللسان ...
طهر قلبك من الحسد ...اللهم طهر قلوبنا من الحسد
عباد الله ...ما هي عقوبة الحاسدين
قال أبو الليث في كتاب تنبيه الغافلين – يرحمه الله - :
يصل إلى الحاسد خمس عقوبات قبل أن يصل حسده إلى المحسود
أولها : غم لا ينقطع . والثانية : مصيبة لا يؤجر عليها .
والثالثة : مذمة لا يحمد عليها . والرابعة : سخط الرب .
والخامسة : يغلق عنه باب التوفيق والعياذ بالله
قال معاوية رضي الله عنه: ليس في خصال الشر أعدل من الحسد يقتل الحاسد قبل أن يصل للمحسود.وقال عبدالله ابن المعتز رحمه الله تعالى:
اصبر على كيد الحسو د-------------- فإن صبرك قاتله
فالنار تأكل بعضها-------- ------إن لم تجد ما تأكله
قال بعض البلغاء : الناس حاسد ومحسود ..ولكل نعمة حسود
وقال معاوية رضي الله عنه ..يا بني إياك والحسد
فانه يتبين فيك قبل أن يتبين في عدوك ..
ألا فاتقوا الله ..عباد الله ..واجتنبوا الحسد فأنه يأكل صاحبه
ولا يجلب منفعة ولا يزيل نعمة ..
لله در الحسد ما أعدله ...بدأ بصاحبه فقتله
بارك الله لي ولكم في القران العظيم ..
ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم .. وأقول ما تسمعون ..
الخطبة الثانية
الحمد لله الملك العلام ... القائل في كتابه إن الدين عند الله الإسلام
والصلاة والسلام على خيرِ الأنام ... أرسى قواعد الأسلام
وبين الحلال والحرام ...
نهانا صلوات ربي وسلامه عليه– عن الحسد
فقال : - كما في صحيح البخاري ..( لا تحاسدوا)
فاتقوا الله عباد الله ،
واحذروا أن تكونوا من أعداء نعم الله ،
فقد قال صلى الله عليه: " إن لنعم الله أعداء "
قيل : من هم يا رسول الله ؟
قال :" الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله "
خرّجه الطبراني بإسناد حسن .. ..
عباد الله
فكم من نفس تتقطع ألماً ..من أذى الحاسدين،
وكم من بيت تهدّم ..بكيد الحاسدين ،
وكم من صحبة تفرقت ..بمكر الحاسدين ،
وكم صاحب جاه ومنصب أُشغل ...ببغي الحاسدين ،
وكم من امرأة تصطلي ...بنار الحاسدات ،
ولكنا نقول لكل الحاسدين :
اعلموا أن الله بكل شيء عليم ، وأن لليل سهام لا تُخطىء ،يَرْفَعُهَا اللهُ فَوْقَ الْغَمَامِ ،وَتُفَتَّحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ ،
وَيَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ : وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِين،
اعلموا أن الله أخبرنا بالقرآن فقال :" إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ
وقال :" وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ"،
وقال :" فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ"،
ألا فاتقوا لله أيها المسلمون واجتنبوا الحسد فإنه يأكل صاحبه ،
ولا يجلب منفعة ولا يزيل نعمة ،
الحاسد أحيانا إذا لم يجد في المحسود منقصة يتنقصه بها
بدأ يفتري عليه ..
أيا حاسداً لي على نعمتي
أتدري على من أسأت الأدب
أسأت على الله في حكمه
لأنك لم ترض لي ما وهب
فأخزاك ربي إذ زادني
وسد عليك وجوه الطلب•