الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
من معاني العبودية.
00:00:46
عباد الله:
إن الوظيفة التي لأجلها خلقنا الله عز وجل، هي عبادته وحده لا شريك له، وقد أفصح تعالى عن هذا في قوله: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِسورة الذاريات56. وهذا الأسلوب، وهو أسلوب النفي وَمَاالذي يعقبه الاستثناء إِلَّايدل على الحصر، يعني: ما خلقتهم إلا لعبادتي، فهذا هو إذن الذي خلقنا الله تعالى من أجله، وهذه العبودية، أصلها التذلل، والخضوع، فيقال: طريق معبد، بمعنى: مذلل، فإذن حقيقة العبودية لله خضوعنا له، وذلنا بين يديه، هذا الخضوع، وهذا الذل هو معنى العبودية، وهي عبودية بين البشر، والبشر ممجوجة جداً أن تذل وتخضع لبشر، ولكن هي بينك وبين الله شرف عظيم، ولذلك لم يذكر الله نبيه بوصف إلا بهذه العبودية، فقال: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَسورة الكهف1. سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِسورة الإسراء1. وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُسورة الجن19. وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِسورة الأنفال41. فأضافه إليه، عَبْدِنَاو عَبْدِهِ، معنى ذلك أن هذا النبي الكريم، في أعلى مرتبة له، هو عبد لله تعالى، ولذلك قال: (إنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله) [رواه البغوي في شرح السنة3681]. فهذه رفعة.
العبودية بين العبد والرب شرف، وأما بين الناس فهي ذل، والإسلام قد جاء لإخراج الناس من عبادة العباد، إلى عبادة رب العباد.
ومن معاني العبودية: الطاعة، فإنك لا تكون عبداً له إلا إذا أطعته، وهذه الطاعة من مقتضيات الذل، والخضوع لرب العالمين، فإذا أمرك بأمر فعلته، وإذا نهاك عن شيء اجتنبته، وبهذا تكون عبداً له. ومن معاني العبودية: المحبة، فإن العبودية لله تقتضي أن تحبه فوق كل شيء، وأكثر من كل شيء، وأن تقدم محبته على كل شيء، وأن تقدم ما يحبه من الأشخاص، والأقوال، والأعمال، على كل شخص وقول، وعمل، فإذا أحببت من يحبه، وقمت بما يحبه من القول، والعمل فأحببت ذلك، كنت عبداً له
ومن معاني العبودية: الطاعة، فإنك لا تكون عبداً له إلا إذا أطعته، وهذه الطاعة من مقتضيات الذل، والخضوع لرب العالمين، فإذا أمرك بأمر فعلته، وإذا نهاك عن شيء اجتنبته، وبهذا تكون عبداً له. ومن معاني العبودية: المحبة، فإن العبودية لله تقتضي أن تحبه فوق كل شيء، وأكثر من كل شيء، وأن تقدم محبته على كل شيء، وأن تقدم ما يحبه من الأشخاص، والأقوال، والأعمال، على كل شخص وقول، وعمل، فإذا أحببت من يحبه، وقمت بما يحبه من القول، والعمل فأحببت ذلك، كنت عبداً له
،وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِسورة البقرة165. وهناك امتحان قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْسورة التوبة24. فهؤلاء الإخوان، والأزواج، والزوجات، والعشيرة، والتجارة، والمساكن، إذا كانت أحب إلينا من الله، فتهديد فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِسورة التوبة24. لكن إذا كان الله أحب إلينا من أزواجنا، وأبنائنا، وتجاراتنا، وبيوتنا، فلنبشر بالخير.
ومن معاني العبودية: الخوف، وهذا عجيب أن يجتمع الحب، والخوف في شيء واحد، ومعنىً واحد، ولكن في حق الله تعالى تجتمع وأكثر، وكل أحد إذا خفته هربت منه، إلا الله فإنك إذا خفته هربت إليه، يا عبد الله يا مسلم: إن الخوف من ربك يعبدك له أكثر فأكثر، فتخاف من عظمته، من جبروته، من قوته، من سلطانه، من بطشه، من عذابه، ونقمته، وما أعد للعصاة، والجبابرة، يوم القيامة من نار تلظى، لا يصلاها إلا الأشقى،إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌسورة الهمزة8. مغلقة، فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍسورة الهمزة9. هذا العذاب الأليم، هذه جهنم. يا عباد الله : هذا الخوف للمؤمنين العابدين يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْسورة النحل50. يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِسورة الأنبياء49. وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَسورة الأنبياء28.
وكذلك من معاني العبودية الرجاء، فإنك ترجو ما عنده من الثواب، كما تخاف ما عنده من العقاب، فترجو أن يقبل عملك، وترجو أن يدخلك جنته، وترجو أن يرضى عنك، وترجو رحمته، العيش بين الخوف، والرجاء هو الذي يضبط سلوك المسلم، فلا ييأس ولا يتواكل.
أحوال العبودية.
00:06:51
عباد الله:
هذه العبودية، إذا تمعنا فيها نجدها تقوم على أحوال، وأركان، فمن ذلك: أن هنالك شمولية في مفهوم العبودية، قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَسورة الأنعام162. فينبغي أن تكون الأعمال كلها عبودية، سواءً كانت عبادات محضة، من صلاة، وصيام، وذكر، وتلاوة، أو كان يقصد بها العبادة؛ كملاعبة الرجل زوجته، ومداعبة ولده، ورياضة جسمه، وإتيانه شهوته بالحلال، وكسبه للعيش لأجل الإنفاق الذي أمر به على أهله من زوجة، وولد، ووالدين، محتاجين ونحو ذلك. فمن عاش مع الله، كان نومه عبادة، وطعامه عبادة، ولبسه عبادة، وترويحه عن نفسه عبادة؛ لأنه يروح ليستعين على هذه الشعائر، ويطعم لأجل أن يقوم للصلاة، وهكذا ينام، ويتعفف بالحلال عن الحرام، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: (أرأيتم إن وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فذلك إذا وضعها في حلال كان له أجر)[رواه مسلم 1006]. وهذا خير عظيم في الإسلام، أنك تؤجر على نومك، وطعامك، وإتيانك شهوتك، مع أجرك على صلاتك، وصيامك، وذكرك، وتلاوتك، ودعائك، واستغفارك، وهكذا.
ولكن لا يمكن أن تكن الأسباب أعظم في الأوقات من الشيء الذي تفعل لأجله، فلو قال: أنا أكثر وقتي في هذه الملاهي بحجة العبادة. قلنا: هذه أسباب تستعين بها على القيام في عبادة ربك، ولا يمكن أن تكون هذه الوسائل تأخذ الوقت، والأهمية، أكثر من الشيء الأصلي، الذي من أجله تعمل.
أيضاً نلاحظ أن العبادة في الإسلام تدور على القلب، واللسان، والجوارح، فهنالك عبادات قلبية: كالمحبة، والخوف، والرجاء، والتوكل، والإخلاص، والحياء من الله، والاستعانة، والاستغاثة به عز وجل، هذه المعاني لا تفعل بالجوارح، أنت لا تتوكل بيدك، أنت لا تحب بلسانك، أنت لا ترجوا برجلك، وإنما كل ذلك يفعل بقلبك، فإذا فرّغت قلبك إلا من التوكل عليه، والإنابة إليه، ورجاء ثوابه، وخوف عقابه، ومحبته لأسمائه، وصفاته، وجلاله، إذا صار قلبك معموراً بهذه المعاني من الإخلاص، والحياء منه، والتوكل عليه، والاستعانة به، وتفويض الأمر إليه، فإنك حينئذٍ تكون عبداً ناجحاً.
وأيضاً نرى أن العبادة على اللسان، فهنالك أذكار من تسبيح، وتحميد، وتهليل، وتكبير، وحوقلة، وأدعية، واسترجاع، وهكذا من الأدعية، والطلبات التي تطلبها يا عبد الله من رب العالمين، عبادات لسانية.
وأيضاً عبادات على الجوارح، فبيديك تكبر، وعليهما تسجد، وبهما ترمي الجمرات، وتصافح إخوانك المسلمين، وتأمر بهما بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وفي سبيل الله يكون استعمالهما، وبهما تتقوى على طاعته، وتستلم هذا الحجر الأسود، وهكذا من عبادات اليد، وبأناملهما تعد تسبيحك، وبرجليك تسعى إلى صلاة الجمعة، فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِسورة الجمعة9. وإلى الصلوات الخمس في المساجد، وإلى حِلَقِ ذِكره، وطاعته، وبهما تدور حول كعبته، وهكذا تسعى في مرضاته، إلى والديك براً، وإلى إخوانك في الله وصلاً، وزيارة، وإلى أهل العلم، والفضل استفتاءاً وتعلماً، وهكذا عبادات بالأذن، سماعاً لكتابه تلاوة، وذكره، وسماعاً للعلم الذي يوصلك إليه، ويدلك عليه، ويبين لك أحكامه، وعبادات بالعين التي تقرأ بهما في كتابه، وفي كتب العلم التي تحيي قلبك، وتنظر بهما إلى آياته في الكون؛ ليعظم في قلبك هذا الرب الذي أبدعها، وخلقها، وبرأها، ينظرون في ملكوت السماوات والأرض، ويتفكرون، بهذه العينين تميز بين الأمانات لتردها إلى أصحابها، وهكذا فأنت ترى يا عبد الله أن لهذه الأعضاء عبوديات، فبجبهتك تسجد على الأرض، وعلى ركبتيك كذلك، وهكذا، وبالتالي لا يكون عند المسلم ازدواجية في استعمال الأعضاء في المعاصي، والطاعات؛ لأنه يقول لنفسه: إذا استأمنني على هذه الحواس، إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاًسورة الإسراء36. فكيف استعملها في معصيته؟ وكيف أسجد عليها الآن، ثم أقوم لفعل معصية بها بعد الصلاة؟! فهذا الذي يحيي قلبك، ويوجه أمرك، ويوحد وجهتك لله تعالى.
ثم نلاحظ من العبادات ما هو فردي، وما هو جماعي، فهذا الحج جماعة يقفون في عرفة، وهذه الصلاة جماعة، يجتمعون في الجمعة، عبادات مع الجماعة، وعبادات فردية بينك وبينه، من المستحب إخفاؤها، كصيامك النافلة، وقيامك الليل، وهكذا، مناجاتك له، واستغفارك بالأسحار، عبادات جهرية كالأذان، وعبادات سرية كهذه الأدعية في جوف الليل.
فتأمل يا عبد الله كيف دارت العبادة على كل هذه الأمور؛ لتكون شاملة في العلاقة بينك وبينه سبحانه وتعالى، نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من عباده الأخيار، وجنده الأبرار، وحزبه المفلحين، إنه سميع مجيب قريب.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، أشهد أن لا إله إلا هو، وحده لا شريك له، لم يتخذ صاحبة، ولا ولداً، وأشهد أن محمداً عبده، ورسوله، دعا إلى الله، ولم يشرك به أحداً، صلى الله عليه، وعلى آله، وصحبه، وأزواجه، وذريته الطيبين، وخلفائه الميامين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أنواع العبادات، وبيان أوقات مضاعفة الأجر فيها.
00:16:22
عباد الله :
إن هذه العبودية، بيننا وبين الله، طريق يمتد إلى الموت وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُسورة الحجر99. هذه العبودية، علاقة خاصة جداً، لا مثيل لها، هذه العبودية شرف كبير، ومن تأمل فيها تغيرت أحواله، ومن تدبر فيها تغير سلوكه، وتغيرت علاقته بربه، هذه الأسس التي يعبد ربه بناءً عليها، ونحن قادمون يا عباد الله : على موسم عظيم شريف، كبير القدر، مضاعف الأجر، إنه عشر ذي الحج، تستنفر له نفوس المؤمنين، وتستعد له أعمالهم، وجهودهم، وتتمنى بلوغه أمانيهم، وقلوبهم، وتسعى للعمل فيه؛ لأن المضاعفة العظيمة للأجر في هذه الأيام، لا يعدلها شيء على مدار العام، فليس هناك عشر تفضلها طيلة السنة، نحن في ذي القعدة شهر عظيم؛ لأنه محرم من الأشهر الحرم، ذو القعدة، وذو الحجة، ومحرم، ورجب، لكن في ذي الحجة أيام عظيمة؛ لأنها من الأشهر الحرم، ولكن تزيد عليها بأن العمل فيها أحب إلى الله من غيرها، فنهار عشر ذي الحجة أفضل من نهار رمضان، إنه ما يحبه الله، ونحن ندور مع ما يحبه سبحانه وتعالى.
وفي هذه العشر من الأعمال الصالحة ما فيها، ومنها: الحج، (إن الله كتب عليكم الحج فحجوا)[رواه مسلم بمعناه1337]. وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ، وهذا تهديد فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ سورة آل عمران97. فالمستطيع بماله، وبدنه، وأمن الطريق، والمرأة إذا وجدت محرماً، وجب عليه إتيان بيت الله. أفي كل عام يا رسول الله؟ فسكت، قال: (لو قلت نعم لوجبت)، ثم قال: (لو قلت نعم لوجبت)[رواه مسلم بمعناه1337]. مرة واحدة في العمر، تيسير من رب العالمين، ومن تأتى له بعد ذلك الزيادة فإن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد) [رواه النسائي2630]. وكذلك قال: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما،والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)[رواه البخاري 1773].
عباد الله :
هذه العبادة على القادر المستطيع، فمن لم يستطع فلا حرج عليه، هذه العبادة تخرج المرأة إليها ولو بغير إذن زوجها في حج الفريضة؛ لأن حق الله مقدم، إذا وجدت محرماً، ووجدت النفقة، وإلا قعدت.
وهذا الحج الذي يجتمع فيه استعمال البدن في العبادة، واستعمال المال في العبادة، وعبادة قلبية، بدنية، مالية، عبادة فيها استعمال كل الجوارح. والتعبد بإخراج المال تعبد عظيم؛ لأنه إخراج محبوب، والناس لا يتنازلون عن محبوب إلا لمحبوب أعظم منه، ولذلك كان إخراج المال له امتحان، امتحن الله به العباد؛ لأن من العبودية إخراج المحبوبات لله على الوجه الذي أمر وشرع
هذا الحج الذي يجتمع فيه استعمال البدن في العبادة، واستعمال المال في العبادة، وعبادة قلبية، بدنية، مالية، عبادة فيها استعمال كل الجوارح. والتعبد بإخراج المال تعبد عظيم؛ لأنه إخراج محبوب، والناس لا يتنازلون عن محبوب إلا لمحبوب أعظم منه، ولذلك كان إخراج المال له امتحان، امتحن الله به العباد؛ لأن من العبودية إخراج المحبوبات لله على الوجه الذي أمر وشرع
، وكذلك فإن في هذه العشر الأضحية، وفيها معنىً عظيم وهو: إنهار الدم لله تعالى، وكان هذا المعنى في شعائر الأنبياء، وما أوحى الله إليهم به من الدين، وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِسورة الحـج34. فنعمة بهيمة الأنعام، نعمة عظيمة، الغنم، البقر، الإبل، أكثر لحوم الناس التي يأكلونها منها، ولذلك كانت الأضحية شكراً لله، كانت شكراً على هذه النعمة، ومعنى إنهار الدم لله كان حتى الكفار والمشركون ينهرون الدم، يذبحون لأوثانهم، وأصنامهم، إنهار الدم لشيء تعظيم، ولذلك جعله الله له فقط، قال: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْسورة الكوثر2.أي: وانحر لربك، فلا ينهر الدم لأحد إلا الله، وعلى اسمه سبحانه وتعالى، ومن ذبح لغير الله أشرك به عز وجل، وكفر بالله العظيم، قرب لو ذباباً فقرب ذباباً فدخل النار.
عباد الله :
الذبح على اسم الله توحيد، ثم فيه ما فيه من الفوائد الصحية، في إخراج الدم من هذه الذبائح، لتكون طيبة سائغة لآكلها، وإلا اجتمع الدم فيها فكانت وقيذاً، وكانت ضرراً على آكلها، ولكن ليست القضية بالأساس الفوائد الصحية، وإنما القضية بالأساس توحيد الله بالذبح له، هذا توحيد عبودية عظيمة، ونوع من العبادة، إنهار الدم لله، مع التنوع الكبير فيها في هذه الشريعة.
الآن أسعار الأشياء في ارتفاع كما ترون، ما ترك لا غنم، ولا دجاج، ولا غير ذلك، الأسعار تقفز، وتقفز، نسأل الله أن يعين عباده، وأن يرزقنا من فضله وأن ييسر أمورنا، وأن يغنينا عن خلقه.
عباد الله :
الأضحية على القادر، وغير القادر لا أضحية عليه، ولو قال واحد: هل أشترك مع شخص في شاة؟ فنقول: الاشتراك لا يصح إلا في البقر، والإبل، أما في الشاة فلا يصح الاشتراك، فإذا لم يكن معك ما تضحي به فلم يوجب الله عليك الأضحية، ومن كان صادقاً في عزمه على الأضحية ثم عجز، فعلم الله صدقه، وعلم الله عجزه، كتب له أجره، والرب شكور، والرب كريم سبحانه وتعالى، ينزل العاجز منزلة الفاعل إذا حسنت النية، كان له من الأجر مثل أجر من قام بها وفعلها، وإذا قال: لا أستطيع هنا أرسل إلى الخارج؟ نقول: نعم، أحسن من عدم الأضحية، وإذا قال: أهلي في مكان أرسل لهم بالمال يتنعمون بالأضحية، ويأكلون منها؟ نقول: لا حرج في ذلك، ولكن الأصل أن تكون في البلد، وأن لا يخلو البلد منها؛ لأنها من شعائر الإسلام الظاهرة، مثل الأذان، ومثل زكاة الفطر، في جمعها أرادها الشارع علنية، وكذلك الأضحية أرادها الشارع علنية، فهي من شعائر الإسلام، من العبادات المعلنة في البلد، غير العبادات الخفية السرية، فمن استطاع فهو خير عظيم، يمسك عن شعره، وأظفاره، تكريماً، وتشبهاً بالحاج المحرم، تشبهاً بالمحرم؛ لأجل قيامه بأضحيته.
وكذلك عبادات كثيرة في هذه العشر، نسأل الله أن يبلغناها، وأن يعيننا على ذكره، وشكره، وحسن عبادته.
اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، اللهم أعنا على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك، اللهم اجعلنا مقيمي الصلاة، ومن ذرياتنا، ربنا وتقبل دعاء، ربنا اغفر لنا، ولوالدينا، وللمؤمنين، يوم يقوم الحساب، اللهم عاملنا بعفوك، اللهم عاملنا بعفوك، يا عفو يا كريم، اعف عنا، يا رحمن ارحمنا، ويا غفور اغفر لنا، اللهم إنا نسألك في ساعتنا هذه أن تخرجنا من ذنوبنا، كيوم ولدتنا أمهاتنا، وأن توفقنا لما تحب وترضى، اللهم أدخلنا الجنة بغير حساب، وارزقنا الفردوس الأعلى.
اللهم إنا نسألك في ساعتنا هذه أن تنصر إخواننا المستضعفين، اللهم إنا نسألك أن تغيثهم في الشام، وبورما وسائر الأرض يا رب العالمين، اللهم احمل حافيهم، وآو شريدهم، وارحم ميتهم، وارفع درجة شهيدهم، اللهم إنا نسألك أن تداوي جرحاهم، وتبرأهم، اللهم أطعمهم من جوعهم، اللهم اكسهم، يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك أن تفرغ عليهم صبراً، وأن تثبت أقدامهم، وأن تنزل عليهم السكينة، وأن تملأ قلوبهم بالرضا، وأن تجمع على الحق كلمتهم، وأن تنصر بهم دينك، وأن تنصرهم على عدوك يا رب العالمين، اللهم إن هؤلاء الطغاة قد بغوا في البلاد، فأكثروا فيها الفساد، فصب عليهم سوطاً من عذاب، تذهبهم به، وتفرق شملهم، وتشتت جمعهم، اللهم اجعل دائرة السوء عليهم، اللهم إن هؤلاء الباطنية المجرمين قد بغوا، وبغوا، وقتلوا عبادك، اللهم وأنت القوي الجبار، لا يعجزك شيء في الأرض، ولا في السماء، اللهم ابطش بهم بطشتك الكبرى، وخذهم أخذاً أليماً، اللهم عجل بزوالهم، وعجل بفرج المسلمين يا أرحم الراحمين، اكشف الغمة، وأزل الكربة، وارفع البأس، والشدة، إنك على كل شيء قدير.
اللهم آمنا في الأوطان، والدور، وأصلح الأئمة، وولاة الأمور، واغفر لنا يا عزيز يا غفور، اللهم إنا نسألك لبلدنا هذا الأمن، والإيمان، اللهم إنا نسألك الرزق الموفور، والعمل المبرور، يا ودود يا غفور، آمنا وأصلح شأننا، وتب علينا، واجمع على الحق كلمتنا، وأصلح نياتنا وذرياتنا.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين