الحمد لله معز من تاب إليه واتقاه، ومذل من خالف أمره وعصاه، وفق من شاء من عباده لما يحب ويرضاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا نعبد إلا إياه، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ومصطفاه، طوبى لمن آب إلى سنته ووالاه، وويل لمن أعرض عن شرعه وعاداه، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الذين تابوا إلى الله فنالوا محبته ورضاه، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى أن نلقاه.
أما بعد: فأوصيكم ونفسي أولا بتقوى الله وطاعته.
أيها المؤمنون: لقد أرسل الله علينا سحب الرحمة هذه الأيام ، لكن هذه السحب تدور فوق رؤوسنا ،كما يدور الحجاج حول البيت الحرام، كما يقول القائل:
يدور السحاب ببلدتنا ** كدور الحجيج ببيت الحرام
يريد النزول فلم يستطع ** لسفك الدماء وأكل الحرام
فعانى الناس من قلة المياه ، خصوصا في القرى والبوادي ، وبدأ القنوط يتشكل في النفوس ، ولكن الله تعالى يقول: ]وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ[.
عباد الله! إن الله تعالى يرسل السحاب، فيصيب به من يشاء، ويصرفه عمن يشاء، وله تعالى حكمة في حبس المطر، وهي أن يلجأ إليه عباده بالتوبة والاستغفار، كما يقول سبحانه على لسان سيدنا هود عليه السلام:} ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا {
وقد يحتبس المطر بسبب ذنوب فرد من الجماعة، وها هم بنو إسرائيل، يلحق بهم قحط شديد على عهد موسى عليه السلام، فخرج موسى ومن معه الى الصحراء، فصلوا صلاة الاستسقاء، فما زادت الشمس إلا حرارة، فلما استفسر نبي الله موسى أخبره الوحي بوجود مذنب بينهم يحول بينهم وبين نزول المطر، فنادى في الناس: يا أيها العبد العاصي اخرج من بين أظهرنا، منعنا المطر بسبب ذنوبك، فقام العبد العاصي ونظر ذات اليمين وذات الشمال فلم ير أحدا خرج، فعلم أنه هو المقصود، فخاف من افتضاح امره فقال: اللهم اني أتيتك طائعًا تائبًا نادمًا فاقبلني ولا تفضحني يا كريم، فما أكمل كلامه حتى هطل المطر من فوره، فأراد كليم الله موسى معرفته، فقال الله له: يا موسى سترته وهو عاص فكيف أفضحه وقد تائب.. فاللهم تب علينا أجمعين.
ولذلك علينا أن نلجأ إلى الله تعالى بالتوبة والإنابة، ونبسط أيدينا بالعطاء والصدقة ، فهي من أعظم أسباب نزول المطر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« بَيْنَا رَجُلٌ بِفَلاَةٍ مِنَ الأَرْضِ فَسَمِعَ صَوْتاً فِي سَحَابَةٍ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلاَنٍ. فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ فَأَفْرَغَ مَاءَهُ فِي حَرَّةٍ، فَإِذَا شَرْجَةٌ مِنْ تِلْكَ الشِّرَاجِ قَدِ اسْتَوْعَبَتْ ذَلِكَ الْمَاءَ كُلَّهُ، فَتَتَبَّعَ الْمَاءَ فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِى حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ الْمَاءَ بِمِسْحَاتِهِ، فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: فُلاَنٌ. لِلاِسْمِ الَّذِى سَمِعَ فِي السَّحَابَةِ. فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ لِمَ تَسْأَلُنِي عَنِ اسْمِي؟ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ صَوْتاً فِي السَّحَابِ الَّذِى هَذَا مَاؤُهُ يَقُولُ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلاَنٍ لاِسْمِكَ، فَمَا تَصْنَعُ فِيهَا؟ قَالَ: أَمَّا إِذَا قُلْتَ هَذَا فَإِنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا فَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ، وَآكُلُ أَنَا وَعِيَالِى ثُلُثاً، وَأَرُدُّ فِيهَا ثُلُثَهُ ».
أيها المسلمون: الاستقامة على الطاعات، ولزوم العبادات سبب من أسباب نزول الرحمات، كما قال رب الأرض والسمواتSad وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا)
فعلينا أن نحافظ على الصلاة في أوقاتها، وأن نخرج الزكاة ونعطيها لمستحقيها، وان نرد المظالم إلى أهلها، ونؤدي الحقوق لأصحابها، وأن نلزم تقوى الله تعالى، عندئذ هذا السحاب الذي يدور فوق رؤوسنا، سوف يمطر بإذن الله، كما قال ربنا سبحانه( ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون)
وقال سبحانهSad ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض)
وعلينا أن نكثر من الاستغفار، فهو سبب نزول الأمطار، وعمران الأرض والديار، قال تعالىSad فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا * ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا)
اللهم اجعلنا ممن آمن واتقى واستقام، واستغفر وتاب ، وسأل ربه الرحمة فأجاب. أقول قولي...
الخطبة الثانية
الحمد لله....
اما بعد فاتقوا الله عباد الله: واعلموا أن رسول الله r ، علمنا عند احتباس المطر أن نلجأ إلى الله تعالى ونطلب منه السقيا بالدعاء، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أصابت الناس سنة- أي جدب وغلاء- على عهد النبى صلى الله عليه وسلم فبينا النبى صلى الله عليه وسلم يخطب فى يوم جمعة قام أعرابى فقال: يا رسول الله هلك المال وجاع العيال، فادع الله لنا. فرفع يديه، وما نرى فى السماء قزعةً فوالذى نفسي بيده ما وضعها حتى ثار السحاب أمثال الجبال، ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته صلى الله عليه وسلم فمُطرنا يومنا ذلك، ومن الغد، وبعد الغد والذى يليه، حتى الجمعة الأخرى، وقام ذلك الأعرابى- أو قال غيره - فقال: يا رسول الله تهدّم البناء وغرِق المال، فادع الله لنا. فرفع يديه، فقال:« اللهم حوالينا، ولا علينا». فما يشير بيده إلى ناحية من السحاب إلا انفرجت، وصارت المدينة مثل الجوبة وسال الوادي قناة شهرا، ولم يجئ أحد من ناحية إلا حدث بالجود. أي بالمطر الغزير، هكذا يعلمنا رسول الله r أن المؤمن عند الشدائد يدعو ربه ويلجأ إليه فيجيبه ربه ، قال تعالى } أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ{
اللهم إنا ندعوك فحقق رجاءنا، ولا ترد دعاءنا، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت الغني ونحن الفقراء إليك أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت قوة وبلاغا لنا، يا من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء وقفنا ببابك تائبين مستغفرين، فاقبل توبتنا واغسل حوبتنا، اللهم إنا نستغفرك من كل ذنب يحبس المطر من السماء، اللهم إنا نستغفرك ونستسقيك، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدرارا، اللهم اسقنا سقيا نافعة تزيد بها في شكرنا، وارزقنا رزق إيمان، إن عطاءك لم يكن محظورا، اللهم اسق عبادك وبهيمتك....، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم اسقنا غيثا مغيثا عاجلا نافعا غير ضار تدر به أرزاقنا وتنعم به على بدونا وحضرنا واجعلنا لك شاكرين.
اللهم صل على سيدنا محمد...
وارض اللهم عن جميع صحابته الأبرار, وعن أزواجه وسائر آل بيته الطيبين الأطهار, وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
وانصر اللهم أمير المؤمنين محمدا السادس, حامي الملة والدين, اللهم احفظه بما حفظت به الذكر الحكيم وأقر عينيه بولي عهده المحبوب واحفظه في كافة أسرته الشريفة إنك حميد مجيد,
اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما اخرنا وما أسررنا وما اعلنا وما أنت أعلم به منا، اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك واغننا بفضلك عمن سواك،
اللهم من وصانا بالدعاء....
رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ
رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ