لماذا تزوَّجَ الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - مِن طفلةٍ عمرها 9 سنوات؟
الجواب
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فإنَّ الزواج مِن الصغيرة جائزٌ في الشريعة الإسلامية؛ بشرط اكتمال النُّضْج والأنوثة، ومَن تأمَّل زواج سيد الخلْقِ الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - أيْقَنَ هذا، فهو لم يكنْ أول الخاطبين لها، بل كانتْ مخطوبةً لجبير بن مطعمٍ؛ مما يدلُّ على ظهور علامات النُّضْج والأنوثة.
ومن المعلوم - مِن جِهَة الطب - أن البلوغَ في بعض المناطق أسرع من بعضٍ؛ فالمناطقُ الحارة – كمكّة المكرّمة - يكون البلوغ فيها أسرع منه في المناطق الأقل حرارةً.
وقد يصل سِنُّ البلوغ عند الفتيات في المناطق الحارة إلى 8 أو 9 سنوات، هذا أمرٌ مشاهدٌ لا يُنكره أحدٌ في كل عصرٍ ومصرٍ.
كما تقول الدكتورة "دوشني" - وهي طبيبة أمريكية -: "إنَّ الفتاة البيضاء في أمريكا قد تبدأ في البلوغ عند السابعة، أو الثامنة، والفتاة ذات الأصل الإفريقي عند السادسة، ومن الثابت طبيًّا - أيضًا - أن أول حيضةٍ والمعروفة باسم: "المينارك menarche" تقع بين سن التاسعة والخامسة عشرة".
تزوَّج الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - بعائشة، وهي بنت ست أو سبع سنواتٍ، ودخل بها وهي بنت تسع سنواتٍ؛ ففي الصحيحين - واللفظ لمسلمٍ - عن عائشة: ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوجها وهي بنت سبع سنين، وزُفَّت إليه وهي بنت تسع سنين، ولعبها معها، ومات عنها وهي بنت ثمان عشرة)).
فهذا دليلٌ على أنه - صلى الله عليه وسلم - دخل بها بعدما نضجتْ، وأصبحت قادرةً ومؤهلة للزواج، وإلا لما انتظر ثلاث سنواتٍ كاملةٍ ليدخل بها.
ولعل سرَّ سؤالك - أخي الكريم - أن زواج الرجل من فتاةٍ صغيرةٍ ليس موجودًا في بعض البلدان، ولكن لو سألت من يكبرونك من أسرتك، لأخبرك بعض جداتك أنهن قد تزوجْنَ في سن قريبٍ مما تزوجتْ فيه أم المؤمنين عائشة؛ فهذا ليس بدعًا في عصرنا، ولا في العصور التالية له، ففي كثيرٍ مِن القرى والريف وكذلك في البلاد التي تقوم على النظام القبلي - تجد هذا متوافرًا؛ يبين هذا زواج عبدالمطلب الشيخ الكبير في السن من هالة بنت عم آمنة في اليوم الذي تزوج فيه عبدالله أبو النبي أصغر أبنائه من صبيةٍ هي في سن هالة، وهي آمنة بنت وهْبٍ.
ومِن المقرر في الثقافات والاجتماعيات والعلوم المختلفة أن الحُكم أو الحدث لا يؤخذ منفصلًا عن مناطِه من الزمان والمكان والظروف البيئية والاجتماعية، وهل يقول عاقلٌ: إنه يهدر فروق أكثر من أربعة عشر قرنًا من الزمان من تراكمات ثقافيةٍ، وعلمية، ومستجدات؟ وهل يقاس زواجٌ عُقِد في مكة قبل الهجرة بما يحدث اليوم في بلاد الشرق أو الغرب؛ حيث يتأخر زواج الفتاة إلى العشرين والثلاثين، وقد كانت الفتاة في مصر إذا تأخرتْ على الثامنة عشرة في الزواج، اعتبرتْ متأخرةً، ثم رفع السقف شيئًا فشيئًا حتى صدرت قوانين تجرِّم الزواج قبل الثامنة عشرة، والناس في القرى يحتالون على القوانين بشتى الحيل؛ ليزوجوا بناتهم قبل ذلك بسنوات.
شيءٌ آخر: لو كان زواج الرسول مِن عائشة مستهجنًا في هذا الوقت، لطَعَن بذلك كفار مكة؛ لوجود المقتضي وهو كُفرهم، وعدم المانع وهو تمكنهم، فهم الذين يعادونه، ويسعون للقضاء عليه، وإبعاد الناس عن الانخراط في دعوته، وينتظرون له زلةً، أو سقطةً؛ ليشنعوا عليه، فلما لم يحصل شيءٌ من هذا، علم أن هذا كان شيئًا معلومًا في ذلك العصر، وهذا من أعظم البراهين القطعية على أن زواجه بعائشة كان أمرًا طبيعيًّا من الناحية الاجتماعية، ولا عيب فيه؛ لإقرار كفار قريشٍ به، وعدم التعرض له، مع حِرْصِهم على رميه بكل بهتانٍ ليس موجودًا فيه أصلًا؛ مثل قولهم: شاعرٌ أو مجنونٌ.
يبيِّن هذا - أيضًا - أن عائشة - رضي الله عنها - وفي تلك السن المبكرة كانت أفرغ بالًا، وأشد استعدادًا لتلقي العلم، من بقية أمهات المؤمنين؛ حيث كنَّ كبيراتٍ في السن، ولا شك أن التعلم في الصغر كالنقش على الحجَر، فجمعت من علم النبي وأحاديثه ما فاقتْ به الصحب الكرام، وتأمَّلْ - يا رعاك الله - قول الإمام الزُّهْري: "لو جُمِع علم عائشة إلى علم جميع أمهات المؤمنين، وعلم جميع النساء، لكان علم عائشة أفضل"، ويقول عطاء بن أبي رباح: "كانت عائشة أفقه الناس، وأعلم الناس، وأحسن الناس رأيًا في العامة".
فتفردت الصِّدِّيقة - رضي الله عنها - برأيٍ، وسنةٍ بينةٍ، وزيادة علمٍ متقنةٍ، حتى أنكرتْ على علماء زمانها، ورجع فيه إليها أجِلَّةٌ من أعيان أوانها؛ لما حررته من فتوى، أو اجتهدت فيه من رأيٍ رأته أقوى.