قال الله تعالى : { وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90) } الأنبياء
انظر - يا رعاك الله تعالى - كيف استعمل ال " فاء " التي تدل على السرعة والتعقيب فقال " فاستجبنا له "
وقد فسر الله تعالى سبب هذه السرعة في الإجابة بثلاثة أشياء هي :
1- إنهم كانوا يسارعون في الخيرات .
2- ويدعوننا رغبا ورهبا .
3- وكانوا لنا خاشعين .
فما هي هذه الأمور حتى نحققها فينا ، فنكون من أسعد الناس بإجابة دعائنا ؟
أولا : " المسارعة في الخيرات "
لا تؤجل العمل الصالح إلى الغد ، بل لا تؤخره ساعة ، بل لحظة ، فأنت في كل لحظة مشغول بطاعة ،
فقد قال النبي في صاجب قبر عندما مر به مع أصحابه
" ركعتان خفيفتان مما تحقرون وتنفلون يزيدهما هذا يشير إلى قبره في عمله أحب إليه من بقية دنياكم " رواه الطبراني وابن المبارك ، وصححه الشيخ الألباني
فإن أنت حافظت على ذلك يكن جزاؤك أن توفق لما قاله النبي
في وصفهم عندما سألته عائشة عن الَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ فقالت " أَهُمُ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ قَالَ « لاَ يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ وَلَكِنَّهُمُ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لاَ يُقْبَلَ مِنْهُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِى الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ " رواه الترمذي وصححه الشيخ الألباني
فمرتبة الخشية من عدم القبول مرتبة علية ، يجتبي الله تعالى إليها من ينيب .
ولك أن تتوسع في فهم " كانوا يسارعون في الخيرات "
فتسارع برد المظالم ، وأداء الحقوق ، ورد الديون المؤجلة فتعجل بها مادمت قادرا ، والمبادرة بصلة الرحم اليوم بدلا من غد ما دام في مقدورك اي من اليومين ، والتصدق بالصدقة الأن لا بعد قليل عند نزولك للصلاة مثلا ، فلعل الذي تتصدق عليه في حاجة لها الأن .... وهكذا فأبواب التفنن في التسارع في الخيرات لا تنتهي
قالوا إذن نكثر ، فقال النبي " الله أكثر وأطيب "
ثانيا : " ويدعوننا رغبا ورهبا "
ومعنى " يدعوننا " هنا : أي يعبدوننا ، كما في قوله تعالى " واعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا " مريم
أي أعبد ربي ...
فمعنى هذا أنهم عليهم السلام ، يعبدون الله تعالى رغبة فيه وفي رضاه ، ورهبا من سخطه ووحشة البعد والانقطاع عنه
كما يسألونه في كل حاجة تقع لهم ، ويلجئون إليه مستعيذين في كل ملمة تلم بهم
كما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى يسأله شسع نعله إذا انقطع " رواه ابن حبان في صحيحه ، وحسنه الشيخ الألباني في تحقيق المشكاة
وإن مما يساعد على بلوغ مرتبة "الدعاء رغبا ورهبا "
الأكثار من النوافل والمسارعة فيها
كما جاء في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يقول تعالى: من عادى لي وليا فقد بارزني بالحرب، وما تقرب إليّ عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه. ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبَّه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطيته، ولئن دعاني لأجيبنه، ولئن استعاذ بي لأعيذنه، وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض نفس عبدي المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته، ولا بد له منه"
انظر فكأن المرتبة الثانية ، مترتبة على الأولى
ثالثا : " وكانوا لنا خاشعين "
نعم الخشوع ، وهو أول شئ يرفع من هذه الأمة كما قال النبي فعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال
أول شيء يرفع من هذه الأمة الخشوع حتى لا ترى فيها خاشعا رواه الطبراني بإسناد حسنه الشيخ الألباني
والخشوع والأنابة مقترنان ، " الله يجتبي إليه من يشاء ، ويهدي إليه من ينيب "
فإن أنت خشعت و أنبت ، فأبشر ، أنت مرشح للهداية والاجتباء ، " ويزيد الله الذين اهتدوا هدي " ، " والذين اهتدوا زادهم هدي وءاتهم تقواهم "
وكان النبي
يقول في ركوعه : « اللهم لك ركعت ، وبك آمنت ، ولك أسلمت ، وعليك توكلت ، أنت ربي خشع سمعي وبصري ودمي ومخي وعظامي وعصبي لله رب العالمين »
ومعلوم أن الذي يلتزم بهذا كله لم يكن ليأكل من حرام ، أنى له المسارعة في الخيرات ، وأني له الخشوع ، وقد ورد أن النبي :sa: قال لسعد بن أبي وقاص : [color=144273]" يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة، والذي نفس محمد بيده إن العبد ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل منه عمل أربعين يوماً، وأيما عبد نبت لحمه من سحت فالنار أولى به
رواه الطبراني و ابن مردويه في تفسيره
وعلى كل فقد عرفت الامور الثلاثة التي بسببها أسرع الله تعالى في إجابة عبده زكريا ،
واعلم أنه بمقدار ما تستكثر من التحقق بهذه الصفات ، بمقدار ما يكون الإسراع في إجابة دعوتك ، فسارع وادع لي أن أسارع أنا أيضا ، يقيض الله تعالى ملكا يقول " أمين ولك بمثله "
أرجو من كل من يقرأ هذا الموضوع أن يدعو الله تعالى لي
لعلي أن تصيبني دعوة صالحة ، فأفلح بها في الاخرة والدنيا