قصة عاشوراء :
لما ركب فرعون في جنوده طالباً بني إسرائيل كان في جيش كثيف عرمرم حتى قيل كان في خيوله مائة ألف فحل أدهم وكانت عدة جنوده تزيد على ألف ألف وستمائة ألف والله أعلم .
والمقصود أن فرعون لحقهم بالجنود فأدركهم عند شروق الشمس وتراءى الجمعان ولم يبق ثم ريب ولا لبس ، وعاين كل من الفريقين صاحبه وتحققه ورآه ولم يبق إلا المقاتلة والمجادلة والمحاماة فعندها قال أصحاب موسى وهم خائفون ( إنا لمدركون ) وذلك لأنهم اضطروا في طريقهم إلى البحر فليس لهم طريق وهذا ما لا يستطيعه أحد ولا يقدر عليه والجبال عن يسرتهم وعن أيمانهم وهي شاهقة منيفة وفرعون قد واجههم وعاينوه في جنوده وجيوشه وعدده وهم منه في غاية الخوف والذعر لما قاسوا في سلطانه من الإهانة والمنكر فشكوا إلى نبي الله ما هم فيه مما قد شاهدوه وعاينوه فقال لهم الرسول الصادق المصدوق ( كلا إن معي ربي سيهدين ) ( كلا ) .. يا لها من كلمة قوية مدوية ، ثبات وثقة بوعد الله وموعوده ، حتى في أحلك الظروف ولك أن تتخيل الموقف أكثر ، موسى عليه السلام ومن معه محاصرون البحر أمامهم والعدو الحاقد خلفهم ، والوقت يمضي والعدو يقرب من مناله .
فلما تفاقم الأمر وضاق الحال واشتد الأمر واقترب فرعون وجنوده في جدهم وحدهم وحديدهم وغضبهم هناك تنزل الوحي على موسى عليه السلام ( فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم ) نعم لقد تحول البحر إلى يابس حوله من يقول للشيء كن فيكون .
فلما آل أمر البحر إلى هذه الحال بإذن الرب العظيم الشديد المحال أمر موسى عليه السلام أن يجوزه ببني إسرائيل فانحدروا فيه مسرعين مستبشرين مبادرين وقد شاهدوا من الأمر العظيم ما يحير الناظرين ويهدي قلوب المؤمنين فلما جاوزوه وجاوزه وخرج آخرهم منه وانفصلوا عنه كان ذلك عند قدوم أول جيش فرعون إليه ووفودهم عليه فأراد موسى عليه السلام أن يضرب البحر بعصاه ليرجع كما كان عليه لئلا يكون لفرعون وجنوده وصول إليه ولا سبيل عليه فأمره القدير ذو الجلال أن يترك البحر على هذه الحال ( واترك البحر رهوا ) أي ساكناً على هيئته لا تغيره عن هذه الصفة ، فلما تركه على هيئته وحالته وانتهى فرعون فرأى ما رأى وعاين ما عاين هاله هذا المنظر العظيم وتحقق ما كان يتحققه قبل ذلك من أن هذا من فعل رب العرش الكريم فأحجم ولم يتقدم وندم في نفسه على خروجه في طلبهم والحالة هذه حيث لا ينفعه الندم لكنه أظهر لجنوده تجلداً
وعاملهم معاملة العدا وحملته النفس الكافرة والسجية الفاجرة على أن قال لمن استخفهم فأطاعوه وعلى باطله تابعوه : أنظروا كيف انحسر البحر لي لأدرك عبيدي الآبقين من يدي الخارجين عن طاعتي وجعل يوري في نفسه أن يذهب خلفهم ويرجو أن ينجو وهيهات ويقدم تارة ويحجم فلما رأته الجنود قد سلك البحر اقتحموا وراءه مسرعين فحصلوا في البحر أجمعين حتى هم أولهم بالخروج منه عند ذلك أمر الله تعالى كليمه فيما أوحاه إليه أن يضرب البحر بعصاه فضربه فارتد عليهم البحر كما كان فلم ينج منهم إنسان قال الله تعالى ( وأنجينا موسى ومن معه أجمعين ثم أغرقنا الآخرين إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم )
إن في إنجاء الله لأولياءه فلم يغرق منهم أحد وإغراقه لأعداءه فلم يخلص منهم أحد آية عظيمة وبرهان قاطع على قدرته تعالى العظيمة وصدق رسوله عليه السلام فيما جاء به عن ربه من الشريعة الكريمة والمناهج المستقيمة .
ولما رأى فرعون الحقيقة وأدركه الغرق ( قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين ) وهيهات ( آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين ) ويأتي الحكم من الله ( فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون ) .
وانتهت أحداث ذلك اليوم العظيم – كما سماه رسولنا صلى الله عليه وسلم .
فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فوجد اليهود صياما يوم عاشوراء فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هذا اليوم الذي تصومونه فقالوا هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه وغرق فرعون وقومه فصامه موسى شكرا فنحن نصومه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحن أحق وأولى بموسى منكم فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه ( رواه البخاري )
مراتب صيام يوم عاشوراء: قال ابن القيم رحمه الله تعالى مراتب الصوم ثلاثة :
• أكملها أن يصام قبله يوم وبعده يوم.
• ويلي ذلك أن يصام التاسع والعاشر. والذيعليه أكثر الأحاديث .
• ويلي ذلك إفراد العاشر وحده بالصوم.
والأحوط أنيصام التاسع والعاشر والحادي عشر حتى يدرك صيام يوم عاشوراء . وهذا ما ذهب إليه بنعباس رضي الله عنه.