خطبة مكتوبة عن القبر وعذابة ونعيمه

نَعيِمُ القبرَ وعذابه وسؤال الملكين

الحمد لله الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسنُ عملاً وهو العزيز الغفور ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له (( ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحي الموت وأنه على كل شيءٍ قدير . وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور )) . وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله الشاهد والمبَشِّرُ والنذير ، والداعي إلى الله بإذنه والسراج المنير . اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين .

أما بعد : فيا أيها المسلمون ك اتقوا الله سبحانه وراقبوه واعلموا أنه يعلم ما في أنفسكم فاحذروه واعملوا صالحاً قبل مفارقة هذه الدنيا فإن العمل الصالح هو الذي يُؤنِّسُ في القبر ، وَيُؤَمِّنُ يوم الحشر . العمل الصالح هو السبب بفضل الله الكريم لدخول جنات النعيم ، والتمتع برؤية وجه ربنا الرحيم ، وذلك هو الفوز العظيم .

أيها المسلمون : مَنْ مِنَ الخلق يستطيع الفرار من الموت ؟ (( قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون )) (( أينما تكونوا يدركم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة )) نعم أيها الإخوة : الموت مكتوب على كل نفس ، وسكراته لابد من معاناتها (( وجاءت سكرت الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد ))

هذا سيد المرسلين ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما نزل به الموت جعل يقول : لا إله إلا الله إن للموت سكرات . وبعد هذه المعاناة من السكرات وبعد مفارقة الروح للجسد يحصل الفرق الواسع والبون الشاسع ، بين موت المؤمن والفاجر فالمؤمن موته راحة له من عناء الدنيا ، وأمَّا الفاجر فموته راحة للناس من شره . قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ (( مستريحٌ ومستراحٌ منه )) قالوا يا رسول الله : ما المستريح والمستراح منه ؟ فقال : العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا وفي رواية يستريح من أذى الدنيا ونصبها إلى رحمة الله )) . والعبد الفاجر يستريح من العباد والبلاد والشجر والدواب )) وراه مسلم

فالكافر الذي في حياته ضررٌ ووبال على المسلمين يُفرح بموته لأنَّ في ذلك خلاصاً من شره ، فهو من جُثا جهنم ويشرع حين المرور بقبره أن يُبَشّر بالنار . قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( حيثما مررتَ بقبر كافرٍ فبشره بالنار )) رواه الطبراني بإسناد صحيح . وتبشيرُ من مات على الكفر بالنار فيه إيقاظٌ وتذكيرٌ للمؤمن بعظم جرم هذا الكافر حيث أوصله كفره ورفضه الإيمان برسالة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى النار وبئس القرار . قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهوديٌ ولا نصرانيٌ ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار )) رواه مسلم .

وهذا الكافر يُعذب في قبره قبل عذاب يوم القيامة ففي الصحيحين عن أبي أيوب الأنصاري قال خرج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقد وجبت الشمس فسمع صوتاً فقال (( يهودُ تعذبُ في قبورها ))

أيها المسلمون : يومان وليلتان لم يسمع الخلائق بمثلهن قط ، يوم تبيت مع أهل القبور ولم تبت ليلة قبلها ، وليلةٌ صبيحتها يوم القيامة ، ويم يأتيك البشير من الله تعالى إما بالجنة أو النار ، ويوم تُعطى كتابك بيمينك أو بشمالك )) من قول الحسن .

بعد الموت يكون الميت في قبره إما منعماً وإما معذباً حتى تقوم القيامة الكبرى . وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( أسرعوا بالجنازة فإن تك صالحة فخيرٌ تُقدِّمونها عليه ، إن تكن غير ذلك فشرٌ تضعونه عن رقابكم )) . إن من العقيدة الصحيحة التي يجب الإيمان بها ما يكون بعد الموت من سؤالٍ للميت وعذاب أو نعيم في القبر . فإنَّ الناس في قبورهم يفتنون ويختبرون ففي الصحيحين عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : (( ولقد أوحي إليَّ أنكم تفتنون في قبوركم مثل أو قريباً من فتنة المسيح الدجال يؤتى أحدكم فيقال له : ما علمك بهذا الرجل فأما المؤمن أو الموقن فيقول محمد رسول الله جاءنا بالبينات والهدى فأجبنا وآمنا واتبعنا ، فيقال له نم صالحاً فقد علمنا إن كنت لمؤمناً ، وأمَّا المنافق والمرتاب فيقول : لا أدري سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته ))

وفي الصحيحين أيضاً من حديث البراء بن عازب عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : (( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة )) نزلت في عذاب القبر )) زاد مسلم (( يقال له : من ربك ؟ فيقول ربي الله ونبيي محمد فذلك قوله سبحانه وتعالى : (( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت ))

إنَّ الميّتَ بعد دفنه تعاد روحه في جسده على صفة مخصوصة حتى إنه ليسمع أصوات نعال المشيعين إذا انصرفوا عنه كما أخبر بذلك رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ . ويبدأ السؤال لهذا الميت بعد ما يدفن قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعدما دفنت جنازة ( استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت فإنه الآن يُسأل ) رواه أبو داود بإسناد صحيح .

أيها المسلمون : وللقبر ضمة وضغطة لا نجاة لأحد منها فهذا العبد الصالح سعد بن معاذ رضي الله عنه شَيّع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ جنازته حين توفي ثم قال : (( لو نجا أحد من ضمة القبر لنجا سعد بن معاذ ، ولقد ضم ضمةً ثم رُوخي عنه ) أي فُرِّج عنه . قال العراقي رواه أحمد بإسناد جيّد .

وروى أبو داود ـ بإسناد صحيح ـ عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : (( إن المؤمن إذا وضع في قبره أتاه ملك فيقول ما كنت تعبد ؟ فإن هداه الله قال : كنت أعبد الله فيقول له : ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ فيقول : هو عبد الله ورسوله ، فما يسأل عن شيء غيرها فينطلق به إلى بيت كان في النار فيقال له : هذا بيتك كان في النار ولكن عصمك الله ورحمك ، فأبدلك به بيتاً في الجنة ، فيقول : دعوني حتى أذهب فأبشر أهلي فيقال له اكن . وإن الكافر إذا وضع في قبره أتاه ملك فينتهره فيقول له :ما كنت تعبد ؟ فيقول : لا أدري فيقال لا دريت ولا تليت فيقال : فما كنت تقول في هذا الرجل ؟ فيقول : كنت أقول ما يقول الناس فيضربه بمطراقٍ من حديد بين أذنيه فيصيح صيحةً يسمعها الخلائق غيرُ الثقلين )) .

عباد الله : القبر منزلٌ قد تنزله بعد لحظات أو ساعات أو سنوات ، إنه واعظٌ صامت يعظ الأحياء ويذكّر بيوم اللِّقاء ، لقساة القلوب نعم الدواء ، القبر تلك الحفرة الضيقة التي لا أنيس فيها إلا العمل الصالح .

عباد الله :أخرج الترمذي عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : (( قد كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكر الآخرة )) .

الله أكبر ـ أين أموالكم ـ يا أصحاب القبور ؟ أين الجمال والصحة ؟ أين الجبروت والطغيان ؟ أين الأجسام المنعمة والروائح العطرة ؟

والجواب : الأبدان تمزقت والأكفان تمزقت والتبعات بقيت . لو رأيت الميت في قبره بعد ثلاثة أيام لاستوحشت منه ولرأيت فيه مسرحاً للهوام والديدان .

فيا عجباً ممن يوقن بأنه إلى هذا صائر وهو مع هذا معرضٌ عن العمل في دار العمل ، ينفق الساعات في ما يحرم من اللذات ويسهر طول ليله في مشاهدة المنكرات . أعزُّ أوقاته وأفضل لحظاته تصرف إلى مشاهدة القنوات والانترنت ، أما تلاوة القرآن وصلاة الجماعة وذكر الله وتسبيحه والقبر وأهواله فما عنده منها خبر .

فيا لله العجب الهذا خُلق الإنسان أم بهذا أمر والله تعالى يقول : (( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون . ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون )) . فإلى متى نحن في غفلةٍ معرضون . الهدف الأسمى والغاية الكبرى مِنْ خَلْقِنا تشاغلنا عنها .

اللهم أيقظنا من الغفلة ووفقنا للعمل الصالح واجعل قبورنا من رياض الجنة ، وأمتنا على الإسلام والسنة .

أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ..

(( وفي الحديث الصحيح عند الإمام أحمد وأبي داود وغيرهما عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال : (( خرجنا مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في جنازة رجل من الأنصار ، فانتهينا إلى القبر ولما يلحد ، فجلس رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مستقبل القبلة وجلسنا حوله ، وكأن على رؤوسنا الطير وفي يده عود ينكت في الأرض ،فجعل ينظر إلى السماء وينظر إلى الأرض وجعل يرفع بصره ويخفضه ثلاثاً ، فقال : استعيذوا بالله من عذاب القبر مرتين أو ثلاثاً ، ثم قال : اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر . ثلاثاً . ثم قال : إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة ، حتى يجلسوا منه مد البصر ثم يجيء ملك الموت عليه السلام حتى يجلس عند رأسه فيقول : أيتها النفس الطيبة ( وفي رواية : المطمئنة ) اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان ، قال : فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء ، فيأخذها ( وفي رواية : حتى إذا خرجت روحه صلى عليه كل ملك بين السماء والأرض وكل ملك في السماء ، وفتحت له أبواب السماء ليس من أهل باب إلا وهم يدعون الله أن يعرج بروحه من قبلهم ) فإذا أخذها لم يدعوها في طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط ، فذلك قوله تعالى : (( توفته رسلنا وهم لا يفرطون )) ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض ، قال : فيصعدون بها فلا يمرون ـ يعني بها على ملأ الملائكة ـ إلا قالوا : ما هذه الروح الطيب ؟ فيقولون فلان بن فلان ـ بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا ، حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا فيستفتحون له فيفتح لهم ، فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها حتى ينتهوا به إلى السماء السابعة فيقول الله عز وجل : اكتبوا كتاب عبدي في عليين ( وما أدراك ما عليون كتاب مرقوم يشهده المقربون ) فيكتب كتابه في عليين ثم يقال : أعيدوه إلى الأرض فإني (( وعدتهم أني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى قال : فـ (( يرد إلى الأرض وتعاد روحه في جسده ، قال : فإنه يسمع خفق نعال أصحابه إذا ولوا عنه مدبرين ، فيأتيه ملكان شديدا الانتهار فينتهرانه ويجلسانه فيقولان له : من ربك ؟ فيقول : ربي الله فيقولان له : ما دينك ؟ فيقول : ديني الإسلام ، فيقولان له : ما هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فيقول : هو رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فيقولان له : وما عملك ؟ فيقول : قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت ، فينتهزه فيقول : من ربك ؟ من دينك ؟ وهي آخر فتنة تعرض على المؤمن فذلك حين يقول الله عز وجل : (( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا )) . فيقول : ربي الله ، وديني الإسلام ، ونبيي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فينادي مناد في السماء : أن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة ، وألبسوه من الجنة ، وافتحوا له باباً إلى الجنة ، قال فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له في قبره مد بصره ، قال : ويأتيه (( وفي رواية : يمثل له )) رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح ، فيقول : أبشر بالذي يسرك ، أبشر برضوان من الله وجنات فيها نعيم مقيم ، هذا يومك الذي كنت توعد ، فيقول له : وأنت فبشرك بخير ، من أنت ؟ فوجهك الوجه الذي يجيء بالخير ، فيقول : أنا عملك الصالح ( فوالله ما علمتك إلا كنت سريعاً في طاعة الله ، بطيئاً في معصية الله فجزاك الله خيراً ) ثم يفتح له باب من الجنة وباب من النار ، فيقال : هذا منزلك لو عصيت الله ، أبدلك الله به هذا ، فإذا رأى ما في الجنة قال : رب عجل قيام الساعة ، كيما أرجع إلى أهلي ومالي ، فيقال له : اسكن .

قال وإن العبد الكافر ( وفي رواية الفاجر ) إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل عليه ملائكة غلاظ شداد سود الوجوه معهم المسوح من النار فيجلسون منه مد البصر ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه ، فيقول : أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله وغضب ، قال : فتفرق في جسده فينتزعها كما ينتزع السفود الكثير العشب من الصوف المبلول ، فتقطع معها العروق وتغلق أبواب السماء ليس من أهل باب إلا يدعون الله ألا تعرج روحه من قبلهم فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا : ما هذه الروح الخبيثة ؟ فيقولون فلان بن فلان ـ بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا ـ حتى ينتهي به إلى السماء الدنيا فيستفتح له فلا يفتح له ، ثم قرأ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط ) فيقول الله عز وجل : اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى ثم يقال : أعيدوا عبدي إلى الأرض فأني وعدتهم أني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى ) فتطرح روحه من السماء طرحاً حتى تقع في جسده ثم قرأ ( ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق ) فتعاد روحه في جسده ( قال : فإنه ليسمع خفق نعال أصحابه إذا ولوا عنه ) ويأتيه ملكان شديدا الانتهار فينتهرانه ويجلسانه فيقولان له : من ربك ؟ فيقول هاه هاه لا أدري ، فيقولان له : ما دينك ؟ فيقول هاه هاه لا أدري ، فيقولان : فما تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فلا يهتدي لاسمه ، فيقال محمد ! فيقول : هاه هاه لا أدري سمعت الناس يقولون ذاك ! قال فيقال : لا دريت ولا تلوت ، فينادي مناد من السماء أن كذب فافرشوا له من النار وافتحوا له باباً إلى النار فيأتيه من حرها وسمومها ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه ويأتيه رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح فيقول : أبشر بالذي يسوؤك هذا يومك الذي كنت توعد فيقولارلبفق54ل : وأنت فبشرك الله بالشر من أنت ؟ فوجهك الوجه الذي يجئ بالشر ! فيقول أنا عملك الخبيث ، فوالله ما علمت إلا كنت بطيئاً عن طاعة الله سريعاً إلى معصية الله . فجزاك الله شراً ثم يقيض له أعمى أصم أبكم في يده مرزبة لو ضرب بها جبل كان تراباً فيضربه ضربة حتى يصير بها تراباً ثم يعيده الله كما كان فيضربه ضربة أخرى فيصيح صيحة يسمعه كل شيء إلا الثقلين ثم يفتح له باب من النار ويمهد من فرش النار ، فيقول رب لا تقم الساعة )

الخطبة الثانية

الحمد لله يخلق ما يشاء ويختار ، أحمده على نعمه الغِزار ، وأشكره على فضله المدرار وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العزيز الغفار ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي المختار ، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه صلاة تتجدّدُّ بركاتها بالعشي والإبكار .

أما بعد : فإن القبر أول منزلٍ من منازل الآخرة فإن نجا منه العبد فما بعده أيسر منه وإن لم ينج فما بعده أشد .

إن على المرء أن يبتعد عن الأسباب الموجبة لعذاب القبر ومن ذلك عدم العمل بالقرآن والنوم عن الصلاة المكتوبة وكذلك الكذب وارتكاب الفواحش وأكل الربا . فقد جاء في حديث سمرة الذي رواه البخاري أنه صلى الله عليه وسلم رأى في المنام هؤلاء يعذبون في البرزخ فالذي ينام عن الصلاة المكتوبة ويرفض العمل بالقرآن يُرضُ رأسه ويشق بالحجارة ، وأمَّا الكذاب الذي يكذب فيبلُغُ كذبه الآفاق فإنه يشق ويقطع شدقه إلى قفاه ومِنْخَرُهُ إلى قفاه وعينه إلى قفاه . وأما الزناة والزواني فهم في تنور من نار إذا ارتفع بهم لهب النار صاحوا ، وأما آكل الربا فهو يسبح في نهر مثل الدم ويلقم الحجارة في فمه .

ومن أسباب عذاب القبر :

عدم التنزه عن البول والمشي بالنميمة ففي الحديث الصحيح عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : (( استنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه )) . وَمَرَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقبرين فقال : (( إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير بلى إنه كبير : أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله )) ( أي لا يتنزه عن البول ) متفق عليه

قال ابن القيم رحمه الله : (( فهذا ترك الطهارة الواجبة وذاك النمام ارتكب السبب الموقع للعداوة بين الناس بلسانه وإن كان صادقاً ، وفي هذا تنبيه على أن الموقع بينهم العداوة بالكذب والزور والبهتان أعظم عذاباً ، كما أنَّ في ترك الاستبراء من البول تنبيها على أن من ترك الصلاة التي الاستبراء من البول بعض واجباتها وشروطها فهو أشدُّ عذاباً )) أ . هـ ( من كتاب الروح ص77 ) .

هذا ويُعذب أصحاب القبور على جهلهم بالله وإضاعتهم لأوامره وارتكابهم للذنوب والموبقات وقد جاءت بهذا أحاديث كثيرة لا يتسع المقام لذكرها . هذا وينبغي أن يعلم أن مذهب سلف الأمة واعتقاد الأئمة : أن عذاب القبر أو نعيمه يحصل لروح هذا الميت ولبدنه أن الروح تبقى بعد مفارقة البدن منعمة أو معذبة وأنها تتصل بالبدن أحياناً فيحصل له معها النعيم والعذاب ( والله على كل شيء قدير ) .

ولا يمنع من عذاب القبر كون الميت قد تفرقت أجزاؤه أو صلب أو أكلته السباع فكما أن يعيده للحشر ـ وهو سبحانه قادر على ذلك ـ فكذا يعيد الحياة إلى جزء منه أو أجزاء ، هذا معنى ما قرره العلماء .

فإن قيل فنحن نشاهد الميت في قبره على حاله فكيف يُسألُ ويضرب ولا يظهر أثر ذلك فالجواب : أن أحوال الآخرة لا تقاس بالمحسوس وهذا من عالم الغيب وفيه أمور وأحوال لا تدرك بالعقل .

على أنَّ هذا غير ممتنع فهذا النائم يجد لذةً وألماً لا نحس بشيء منها ، بل هذا جبريل ينزل بالوحي على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا يدركه الحاضرون . ( وما كان ليعجزه من شيء في السموات ولا في الأرض إنه كان عليماً قديرا )

أيها المسلمون :

استعيذوا بالله من عذاب القبر في الصلاة وفي غيرها والزموا الأسباب المنجية من عذاب القبر ومن أنفعها محاسبة النفس على التقصير ودوام التوبة والاستغفار ، وأداء الواجبات ، وترك المحرمات . والاستشهاد في سبيل الله فقد قال رجل يا رسول الله : ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد ؟ قال : كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة ) رواه النسائي بإسناد صحيح .

ومما ينجي من عذاب القبر الرباط في سبيل الله تعالى فقد روى مسلم عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : ( رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه ، وإن مات فيه أجري عليه عمله الذي كان يعمل وأمن الفتان ) أي فتان القبر .

ومن الأسباب المانعة من عذاب القبر : قرأة سورة تبارك ، ففي الحديث الصحيح ( سورة تبارك هي المانعة من عذاب القبر ) . ومن ذلك الموت بداء البطن ففي حديث صحيح ( من يقتله بطنه فلن يعذب في قبره ) رواه الترمذي وحسنه . ومنها الموت يوم الجمعة أو ليلتها فقد روى الإمام أحمد والترمذي بإسناد حسن عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : ( ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله تعالى فتنة القبر )

نسأل الله تعلى أن يعيذنا جميعاً من عذاب جهنم ومن عذاب القبر وأن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة إنه هو البر الرحيم

» عذاب القبر ونعيمه خطبة جمعة
» عذاب القبر ونعيمه لمحمود المصري
» خطبة عن القبر
» خطبة رائعة عن القبر
» يوم القيامة ( خطبة مكتوبة )